– جزء من مشاكلنا الاقتصادية جوهره انحياز السلطة للأكثر ولاءً
– أرى أخطاءً كبرى في تجربة عبد الناصر في مجال الديمقراطية والحريات
– مُحبط من “منتجات” الحوار الوطني.. ولكنني مع استمراره لفتح مساحة التفاوض
– الحركة المدنية بحاجة إلى تجديد دماء وإعادة تركيب
– حمدين صباحي دُعي للحوار الوطني ولم تدع الحركة المدنية
– الحديث عن طرف ناصري يفرض إرادته على الحركة المدنية غير صحيح
-تمنيت أن أرى مشروعًا واضحًا للطنطاوي لا يتوقف عند الرفض.. بل يقدم تصورًا شاملًا وبدائل واضحة
– التيار الناصري لديه وزنه وقبوله وتأثيره داخل الحركة المدنية وهذا لا يدينه
– مصر تقع سياسيًا بين خطاب زاعق وآخر مُداهن لا يلائمان المرحلة الراهنة
– السياسيون مسؤولون عن انقطاع الصلة بالأجيال الجديدة.. والسلطة عززت هذا العجز
– غياب ثقافة الاختلاف أزمتنا كمعارضة وسلطة ومجتمع
– خالد البلشي و طارق النبراوي أكدا أن هذه البلد تمتلك كفاءات وكوادر حقيقية
– البعض يرى الصدام والعداء والمزايدات معيارًا للثورية
– اختلف مع الطنطاوي وأدافع عن حقه في بناء تجربته دون قيد
– تقديري الواسع لـ”صباحي” لا يمنع الاختلاف ولا يستوجب التقديس
– لا أقبل نظام بشار الأسد وأرفض لقاءه.. ولقاء صباحي به مرتبط بأفكار المؤتمر العربي القومي
– لا يجب تكرار أزمتي برلمان 2015 و2020، في صنع قوائم “الحبايب” بتوليفة غريبة
– أتفق مع مبادرة “نجاد البرعي” لتسوية ملف سجناء الرأي.. و أمتلك رؤية متقاربة
– الصورة الحية من غزة أحدثت تغييرا هائلا بالأجيال الجديدة.. وانتظروا طلبة الجامعات
حسام مؤنس، أحد أبناء ثورة 25 يناير 2011، سياسي معارض فاعل في جيل الوسط، تولى مسؤوليات حزبية وسياسية عديدة في الأطر الناصرية، وخاصة في حزب “الكرامة” و”التيار الشعبي”، قاد حملتي الترشح الرئاسي للسياسي والقيادي المعارض حمدين صباحي، في جولتي 2012 و2014، ويعكف حاليًا على الانتهاء من بلورة تشكيل سياسي جديد، يراهن فيه على التغيير والخروج إلى مساحة سياسية أوسع.
يتحدث “مؤنس”، استكمالًا لسلسلة حوارات خاصة وشاملة تجريها منصة “فكر تاني” مع رموز العمل السياسي في مصر حول ملفات الأزمة وسُبل معالجتها، مؤكدًا على ضرورة أن يجد التفاؤل مكانًا على طول الخط، مؤمنًا بأن مستقبل مصر يقتضي فعل المزيد من الإجراءات العاجلة في الحاضر بشكل لا يحتمل التأخير.

وإلى نص الحوار:
عبد الناصر.. تجربة محل نقد كبير رغم الإنجازات
في اجتماع مجلس الوزراء في 6 أغسطس عام 1967، سأل الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الحضور: كيف ننتقل إلى مجتمع مفتوح ويبقى فيه معارضة؛ بحيث نتلافى الأخطاء التي حدثت على مدى 6 سنوات مرت، وإزاى نخلي الناس تتكلم ومتخافش؟”. السؤال لك، هل نحن في حاجة إلى طرح هذا النقاش الآن؟
لا يزال هذا سؤال المرحلة واللحظة، وأمر مطروح للمناقشة بجدية، لأن ما يسرى على تجربة عبد الناصر في الديمقراطية والحريات يسري على من جاء بعده، وربما بدرجات أكبر.
نحتاج إلى إيمان حقيقي من السلطة والمجتمع بأن الديمقراطية هي المدخل الأول المهم لمواجهة كثير من أزماتنا.
أرى أن جزءً من مشاكلنا الاقتصادية جوهره عدم وجود مساحة كافية للتعبير عن الرأي، وانحياز السلطة الحالية بل وكل السلطات تقريبًا، إلى الأكثر ولاءً لا إلى الأكثر كفاءة وامتلاكًا للحلول.
أنا ممن يعتبرون أنفسهم أحد أبناء التجربة الناصرية، الذين يرون أخطاءً كبرى في تجربة عبد الناصر، خاصةً في مجال الديمقراطية والحريات، وما أزال أرى أننا اليوم في احتياج لإعادة قراءة التجربة الناصرية، ليس فقط في مجال الديمقراطية والحريات، ولكن في مجالات أخرى، منها طريقة بناء الدولة، وكيفية تأسيس التنظيمات السياسية التي كانت موجودة وقتها، لأننا ما نزال ندفع ثمنها، ونعاني آثارها حتى هذه اللحظة، خاصةً أنه لا أحد يستطيع إنكار أن فكرة الدولة البوليسية الشديدة والاستبداد كانت أحد أسباب الهزيمة في 1967.
انتقادي للتجربة الناصرية، الذي رفضه البعض ولا يزال، ينطلق من موقع أنها كانت أول تجربة بها فكرة الجمهورية، ورئيس مصري يحكم المصريين، وبالتالي فرص ومساحات بناء دولة بالمعنى الحقيقي، يفترض أنها كانت حاضرة، دون أن ننسى أنه قبل عبد الناصر لم تكن هناك ديمقراطية، وبعده لم تأت الديمقراطية إلى الآن.
أرصد الآن أن الأجيال الجديدة في المجتمع، تؤمن بأهمية الديمقراطية أكثر من الأجيال القديمة، بحكم مصادر الفكر والوعي والتطورات التكنولوجية، ولكن من المهم أن يعي الجميع في هذه اللحظة أن الديمقراطية في حد ذاتها مكسب للكل.
ولكن هل يتحمل الرئيس الراحل أوزار من جاء بعده في غياب الديمقراطية كما يكرر خصومه؟

غير صحيح اعتبار الفترة من عبد الناصر إلى اليوم تجربة واحدة، تحت لافتة “دولة يوليو” وما شابه من تعبيرات، وبالتالي، من الخطأ تحميله وتحميلنا مسؤولية ما حدث بعد عبد الناصر. أنا لا أتفق مع ذلك؛ لاختلاف الانحيازات الاجتماعية والاقتصادية، والموقف من القضايا الوطنية، والعلاقات الدولية والإقليمية، والموقف من الكيان الصهيوني، وغيرها من الأمور.
هناك تفاوت كبير وشاسع بين وقت عبد الناصر ومن جاء بعده. هذه نظرة متعسفة في قراءة التجربة الناصرية.
عبد الناصر له إنجازات كبيرة، وارتكب أخطاءً كبيرة، ولكن الحكم في النهاية على ما تم إنجازه، دون نسيان أنه صاحب فكرة المراجعات، كما حدث في خطاب 30 مارس والعديد من الوثائق المماثلة الأخرى.
أعتقد أن تجربة عبد الناصر في جانب السياسة والحريات والديمقراطية تحتاج إلى مزيد من النقد، والجرأة والشجاعة في مواجهته والحديث عنه بصراحة، سواء بين الناصريين أو بين أفراد المجتمع، لكن ينبغي أن نتفق كذلك على أن ما بعد عبد الناصر وجزء رئيسي من التجريف الذي حدث لإنجازاته بعده كان سببًا رئيسًا فيه هو غياب الديمقراطية أيضًا من آخرين.
عبد الناصر جمهورية مميزة بانحيازاتها الاجتماعية
ما أهم ما ميز جمهورية “عبد الناصر” عن غيره؟
أهم ما يميزها، بشكل أساسي، انحيازات عبد الناصر الاجتماعية، والتي عبر عنها في مشروعه الاقتصادي، والتصنيع الذي أحدثه، والاهتمام بالطبقات الأكثر فقرًا، وتوفير الاحتياجات الأساسية مثل التعليم والصحة، وفي هذه الخطوط العريضة تفاصيل كثيرة، تحمل ما هو فارق في عهد عبد الناصر عن غيره.
يضاف إلى هذا الموقف الوطني، وطريقة بناء التحالفات، والتي لا يمكن اليوم أن تكون الأفضل، ولكن بمعايير عصرها وانحيازاتها كانت جيدة، سواء على مستوى بناء كتلة عدم الانحياز، أو المواقف الواضحة في مواجهة الهيمنة والتدخلات الأجنبية، بما في ذلك الموقف من الكيان الصهيوني.
ولكن الأستاذ “هيكل” قال بوضوح: لا يوجد تجربة ناصرية ولكن يوجد ناصريين فقط؟
بعيدًا عن الاتفاق أو الاختلاف مع ما قاله هيكل، أنا وكثير من رفاق جيلي، نعيد التفكير في الناصرية بطريقة مختلفة عما كانت. هذا موضوع يحتاج إلى جهد جماعي وتعميق النقاش، ولذلك لا أستطيع أن أقول بشكل قاطع إن هناك ناصريون ولا توجد تجربة ناصرية.
رأيي أن هذا التفكير الجديد واجب، وأعول فيه على جيلنا، وليس شخصي فقط، وأتمنى أن يمتد الأمر لأصدقائنا من كل الأفكار، وسأجتهد مع آخرين يرون ما أراه في تقديم تصوراتنا واجتهاداتنا فيما نراه صحيحًا وملائمًا للتغييرات المستمرة في الواقع، دون أن ندعي أننا نمتلك مفتاح الحقيقة والصواب، على أن يكون ذلك ملائمًا لجيلنا ووقته بشكل جديد لا يستهدف مسح الثوابت أو الهوية؛ فثورة 25 يناير غيرت فينا أشياءً كثيرة، منها الأفكار والتصورات والوجدان وتصورات المستقبل.
للاطلاع على سلسلة الحوارات الخاصة التي أجرتها “فكر تاني” مع رموز العمل السياسي في مصر.. اضغط هنا
في هذا الإطار شهدنا جزءًا مهمًا من التفكير النقدي، كما حدث في مدرسة “الكرامة” التي قدمت مراجعات مهمة، وجددت في الخطاب الناصري وفي طريقة التفكير الناصري، بالذات في مجال الديمقراطية والحريات، وما أزال أرى أنها صالحة لتقديم المزيد، بعد توقف كان بسبب انشغالنا بعد ثورة 25 يناير 2011، وإنهاكنا الشديد في مسارات ما بعد الثورة.

لا تحملوا التيار الناصري قدرته على التأثير بالحركة المدنية
فكرة المراجعات، ألا تحتاج إليها الآن الحركة المدنية الديمقراطية؟
الإجابة الصحيحة لهذا السؤال يجب أن تأتي من الأطراف الرئيسية في الحركة الآن. بالنسبة لي، ولبعض الرفاق لا نريد أن نكرر أخطاءً ارتكبناها في فترة سابقة، من عينة هذا الإطار يستمر، وذلك المسار يتوقف؛ فأحيانًا كانت تستمر أطر غير صالحة، وأحيانًا كانت تنتهي مهمة أطر أخرى مبكرًا، ثم نكتشف فداحة استعجالنا في إنهائها.
وبالتالي، أنا أدعو الحركة المدنية وأطرافها الرئيسية إلى تحديد مواقفهم، من حيث وجود ما يؤهل الحركة للقيام بدورها على النحو المطلوب سياسيًا في هذه المرحلة، هذا هو الإطار الوحيد المتاح حاليًا، ورأيي أننا نحتاج إلى إعادة تجديد وإعادة تركيب.
المعلن إلى الآن هو إعادة هيكلة الحركة، واختيار الأستاذة جميلة إسماعيل كرئيس لمجلس الأمناء، ووجود تصورات للتطوير، ولكن الأمر يقتصر على المستوى التنظيمي للحركة فقط، فيما يطرح السؤال نفسه عما لدى الحركة على المستوى السياسي، من مشروعات وأفكار، وهو ما ننتظر إجاباته لتحديد مستقبل الحركة في ظل انتقادات عديدة للفترة الماضية، وحتى لا تفقد رصيدها المتبقي القائم على جهود بُذلت في سنوات شديدة الصعوبة.
البعض يتهم التيار الناصري، بأنه أحد أسباب أزمة الحركة المدنية تحت زعم احتكاره القرار وتوزيعه الأدوار لإحكام السيطرة عليها.. ما تعليقك؟
لست طرفًا مباشرًا في اجتماعات الحركة، ولكن من الخارج أستطيع أن أقول بمنتهى الصدق إن هذا الأمر غير صحيح.
وبمناسبة ذلك، عندما بدأت الدعوة للحوار الوطني، دُعي حمدين صباحي ولم تُدع الحركة المدنية، باعتباره بدرجة أو أخرى معبرًا عن المعارضة، وصاحب رصيد في تجربتين لخوض انتخابات الرئاسة، وعندما حدثت الدعوة تواجد صباحي في إطاره في الحركة المدنية للمحافظة على الشراكة وتفعيلها.
وبالتالي، فالحديث عن طرف ناصري يفرض إرادته على الجميع، غير حقيقي، ولعل هذا الحديث ظهر مع انتخابات الرئاسة الأخيرة مع إعلان “أحمد الطنطاوي” الترشح للانتخابات الرئاسية، والادعاء بأن هناك محاولات لفرض طنطاوي على الحركة، وهو أمر غير صحيح، فهناك 9 أحزاب كانت تميل للطنطاوي وليست بطبيعة الحال كلها أحزاب ناصرية.
التيار الناصري لديه شخصيات عامة مقنعة، لها وزنها وقبولها ومساحاتها داخل الحركة المدنية، وبالتالي لديهم القدرة على التأثير. هذا لا يدينهم، والمفترض أن يحسب لهم لا عليهم، مع الإقرار بأهمية قيام الناصريين داخل الحركة بتقييم تجربتهم.
مصر تنتظر مدرسة ثالثة في الوسط السياسي
أين تقف مصر سياسيًا الآن؟
للأسف، مصر سياسيًا تقع تحت وطأة خطاب زاعق جدًا، ربما يكون صادقًا ومخلصًا في بعض جوانبه، لكنه غير ملائم للمرحلة، في مقابل خطاب آخر مهادن جدًا من أطراف مؤيدة وأخرى محسوبة على المعارضة يصل إلى درجة النفاق.
في رأيي، المدرسة الأولى لا تصلح والثانية لا تنفع، لكن بينهما كثير من المساحات التي قد تصلح للعمل السياسي بالممارسة والضغط والتفاوض والحوار، وكل الطرق مشروعة، ما يساهم في أن تتنفس مصر الصعداء على المستوى السياسي.
الكواليس، حاليًا، تمتلأ بترتيبات إعلان التشكيلات السياسية الجديدة.. ما تطلعك للمنتج المنتظر؟
طبيعي أن تظهر تشكيلات سياسية جديدة، في حال ُتركت المساحات المناسبة.
لا تزال المساحات المتاحة لا تشكل، إلى الآن، الحد الأدنى المطلوب، لتوفير مناخ جاد لعملنا بشكل آمن نستطيع التعبير فيه عن أفكارنا ونجذب شركاء جدد لأحلامنا وآرائنا. ولكن، إلى الآن تبدو هذه التشكيلات في حدود المتوقع.
أغلب الأطر المعلنة إلى الآن، لديها بشكل أو بآخر تجارب موجودة على الساحة، أو غابت وعادت، وهذا بقدر إيجابيته في تفعيل قدرة الناس ورغبتها في العمل السياسي، إلا أنه يفتقد ظهور شخصيات وأفكار جديدة نحتاجها بعد أكثر من 10 سنوات مرت.
نحن بحاجة لضخ دماء سياسية جديدة، وهذه مشكلة حقيقية، وربما تكون الحركة المدنية الديمقراطية لها علاقة بهذا وكذلك ما سبقها من أشكال جبهوية، وكذلك الأحزاب الموجودة الآن.
جميعنا في الوسط السياسي مسؤولون عن هذا الانقطاع في الأجيال إلى جانب الأسباب المتصلة بدور السلطة في تعزيز هذا الانقطاع.
هناك طاقات طلابية موجودة ولكنها غير متصلة بأطر سياسية منظمة ومستقرة بشكل يستوعبها، وهنا تكمن أزمة أن الأطر السياسية الحالية لم تقدم أشكال مقنعة على مستوى الخطاب ولا الحركة ولا التنظيم لهذه الأجيال.

إذًا المشكلة في المعارضة أيضًا، وليس في السلطة وحدها، كما تقول. وهو ما ظهر مثلًا في الأزمة التنظيمية لحزب الدستور في الأيام الأخيرة؟
كل الأطراف مشتبكة في المسؤولية عما آلت إليه الأوضاع السياسية في مصر، صحيح أن المسؤولية ليست بدرجة واحدة وهذه الأطراف ليست على قدم المساواة، لأن هناك فارق بين المعارضة والسلطة.
في المعارضة، وفي حزب “الدستور” على سبيل المثال، تعاقب على رئاسة الحزب 4 رؤساء خلال السنوات العشر الأخيرة، وتغيرت أمانته وأمانات محافظاته، بما في ذلك تركيبة العضوية، وقس على ذلك أحزاب مما تُحسب على المعارضة الرئيسية مثل “الكرامة”، حدثت بها تغيرات كبرى على مستوى هيكلتها ورئاستها، وهذا معناه ديمقراطية من حيث الشكل.
أرى أن أزمتنا الكبرى في المعارضة والسلطة والمجتمع ككل في غياب ثقافة الاختلاف، ما يدفع الأمور إلى الخصومة والصدام والعداء والمزايدات، باعتبار تلك المؤشرات معيارًا للثورية بحسب البعض، وهذا أمر عجيب جدًا يخالف أبجديات العمل الجماعي، ولا يستفيد من دروس الماضي وخبرات العمل السياسي.
كما أن تحدي المعارضة الثاني في تجديد الديمقراطية داخل أحزابها هو غياب تجديد الدماء، مع استمرار التضييق الأمني والحصار الحكومي وحملات القبض، ما يغلق أبواب الروافد الحزبية مثل المؤتمرات الجماهيرية والانتخابات ووسائل الإعلام.

تشكيلنا السياسي الجديد ليس ناصريًا بل وطنيًا بشكله الواسع
تخوض مشاورات معمقة حول تشكيلك السياسي الجديد.. إلى أين وصلت؟
لم نصل بعد لتصور نهائي، ولم نبلور مشروعنا بعد في شكل تنظيمي أخير، ولكن أطلعك على بعض التفاصيل:
أولًا: أفكر حاليًا في الأمر ومعي بعض الزملاء والرفاق، هم بالأساس، من أبناء تجربة الكرامة والتيار الشعبي، وحملتي الترشح الرئاسي للأستاذ حمدين صباحي، ومعهم أصدقاء آخرون من تجارب مشتركة أكثر اتساعًا على المستوى الجبهوي والائتلافي، والذين أترك أمر إعلان أسمائهم لهم أو لوقت إعلان مشروعنا السياسي الجديد.
ثانيًا: تفكيرنا الأساسي يقوم على أن هذه البلد يوجد بها فراغ كبير وخطير، يدفعنا إلى أن نتقدم بتجربتنا وأفكارنا، مع كل الاحترام للأطراف السياسية الموجودة، ولكن المساحات كما قلت لا تزال لا ترتقي للحد الأدني المطلوب للعمل السياسي، وما زلنا نراهن على اتساع هذه المساحات أكثر.
في هذا السياق، أمامنا تحديان هما: الأول: أننا لن نطرح أنفسنا كبديل عن أحد، وبشكل أوضح لن نكون بديلًا عن الحركة المدنية، ولن نكون بديلًا عن أحزاب تحت التأسيس التي يقوم عليها بعض الزملاء والرفاق، فكلنا نكمل بعضنا البعض، والأمر مجرد اختلاف في طرق التفكير والتعبير ومهارات العمل الجماعي.

التحدي الثاني: نرى أنفسنا جزءًا من تعبير عن جيل أوسع، لديه ما يقدمه على مستوى الأفكار والحلول العملية، وأحد الانطباعات التي نحاول تلافيها عن جيل يناير أنه صاحب صوت عال وزاعق فقط دون تقديم بدائل، وأنا أرى أن جيلنا يحتاج إلى أن يقدم نموذج من هذا العنوان الذي يمتلك بدائل تتناسب مع الواقع مع تمسكه بحقه في النقد ورفض ما يراه يستحق الرفض دون توقف عند هذه المرحلة.
هنا، لن نقدم تجربة ناصرية بالمعنى الفكري الواضح، بل سنقدم تجربة سياسية بالمعنى الوطني الواسع، تحاول أن تقدم بدائل وتجدد الأفكار وتنطلق من نقد ذاتي لتجربة يناير غير غارق في جلد الذات.
لابد من البحث عن إجابات جديدة
البعض يرى أن هناك محاولات مستمرة من بعض الناصريين للذوبان في مساحات أخرى مختلفة فكرًا أو انحيازًا.. ما ردك؟
ما يسرى على التيار الناصري، يسري على التيارين الليبرالي واليساري في مصر، ولكن التيار الناصري ما يزال موجودًا.
منذ ثورة 25 يناير، ألاحظ أن الكثير ممن تفتح وعيهم على الثورة أو شاركوا في الإعداد لها، لا يفضلون تصنيف أنفسهم كناصريين أو يساريين أو ليبراليين، ولا يزال الأمر إلى الآن، حيث انحصر أمر وجود تيارات بالمعنى التنظيمي، التي تمتلك بناءً وقواعد وما شابه، والملاحظ أن الأجيال الجديدة لا تريد أن تقترب من الأفكار ذات الطابع الأيديولوجي القديم.

لا أقول إن هذه التيارات مدعوة لخلع عباءاتها، ولكن عليها أن تفكر جديًا في أسباب التضاءل، التي من بينها الأوضاع الأمنية والسياسية وطريقة تعامل السلطة، ولكن ليس هذا السبب الوحيد، فهناك إشكالية في أفكار ومشاريع هذه التيارات يجب أن تنظر فيها طبقًا للواقع بعيدًا عن المساس بالانحيازات الأساسية والثوابت في البعد الاقتصادي والاجتماعي من أجل البحث عن إجابات جديدة ووسائل مناسبة وطرح مختلف، وفي حملاتنا الرئاسية، قدمنا على سبيل المثال، برامج ومشاريع مختلفة وأجوبة مناسبة للواقع.
البعض يزعم أن التشكيلات السياسية المنتظرة مدعومة من أطراف من الدولة لتشكيل معارضة جديدة.. نعم أم لا؟
الإجابة بكل وضوح: “نعم ولا” في نفس الوقت. نعم؛ توجد أطراف في السلطة ترى أهمية وجود تجارب جديدة في هذا الإطار وهي داعمة لها. ولا، من حيث أن بعض هذه التشكيلات تنتظر دعمًا لصالح المناخ العام دون شروط ولا صفقات.
أرحب بأن يكون لدى السلطة استعداد أو رغبة في فتح مساحة لبعض الأطراف لصنع تجارب جديدة، ولكن دون دعم أو انحيازات أو صفقات أو مهادنات، ولا مانع لدى من التفاهمات التي تؤدي إلى مكاسب لصالح المناخ السياسي العام لا مكاسب خاصة، ولا مانع لدى من الحوار الذي لا يؤدي إلى مهادنة وصفقات.
هذه الطريقة التي يدور حولها السؤال، برأيي غير مجدية؛ فلن تنفع السلطة، ولن تصنع المعارضة “المهودة” في ألطف العبارات، ويمكن للبعض أن يجربها، ولكن هي في نهاية الأمر ليست تعبيرًا عن واقع.
وبالتالي، فهذه الطريقة إذا كانت ستعطي مساحات لـ”س” و”ص” و”ع” من المؤمنين بها، وفي نفس الوقت ستعطي ذات المساحات إلى “ل” و”ز” و”غ” دون طلب شروط أو مهادنات فأهلًا وسهلًا، وإلا فـ”لا”، ولن أقبل شخصيًا هذا السيناريو وتحويل المعارضة إلى مهادنة على طريق الصفقات.
أحذر من نموذج 2015 و2020
ما قانون الانتخابات الأقرب إلى مصلحة مصر برأيك؟
من حيث المبدأ، الشكل الانتخابي الأمثل والأقرب إلى مصلحة البلد هو القائمة النسبية بنسبة 100%، ولكن مع قراءة النقاشات والتفاعلات التي جرت في الحوار الوطني، هناك أطراف ترى أن هذا الشكل لا يناسب مصالحها الانتخابية إلى جانب تمسك البعض بالمقاعد الفردية حرصًا على توازنات المجتمع والعائلات.
وبالتالي، إذا كان الحديث عن مرحلة سياسية مختلفة، يجب أن نحرص على وجود نسبة معتبرة لا تقل عن 50% للقوائم النسبية في الشكل الانتخابي المنتظر، لأنها تضمن التنوع بين المتنافسين، وتمثيل الجميع بقدر ما يحصل عليه من نسب أصوات رغم وجود عيوب، ولكن العيوب في جميع الأشكال الانتخابية المقترحة.
أحذر من الاستقرار على قائمة مغلقة مطلقة فقط، لأنها ستكون ضربة لكل المسارات الموجودة في مقدمتها الحوار الوطني، الذي قام جوهره على تعديل قانون الانتخابات، ضمن مطالب عديدة أخرى، وبالتالي لا يصح إبقاء الأمر على ما هو عليه، ولابد من وجود نظام انتخابي عادل وتنافس حقيقي.
من المهم جدًا عدم تكرار أزمتي برلمان 2015 و2020، في صنع ما أسميه قوائم “الحبايب” بتوليفة غريبة من اليمين على اليسار والمعارضة على الموالاة، وهو ما أرفضه وأحذر من تكراره، فهو لن ينفع السلطة ولن يعطي شكل معارض، وعلى الرفاق في المعارضة الاستعداد لذلك السيناريو الصعب.
الدكتور حسام بدراوي أعلن في حواره مع “فكر تاني” دراسته عقد ائتلاف انتخابي.. هل ستشارك معه؟
الدكتور بدراوي من الأسماء التي أعتز بها وأقدرها، بغض النظر عن أي خلافات قديمة قبل ثورة 25 يناير 2011، واعتبره من الوجوه الإصلاحية المهمة.
الانتخابات بشقيها في مجلسي الشيوخ والنواب مرتبطة بالتحالفات، وإذا قدر لمشروعنا أن يكتمل قبل الانتخابات، سننظر أمر المشاركة في أي تحالفات انتخابية تحسب نفسها على المعارضة وغير منخرطة في تحالفات شبيهة بتحالفات 2015 و2020.
منفتحون على دراسة الأمر في وقته وحينه وعندما تكتمل الرؤية.
للاطلاع على سلسلة الحوارات الخاصة التي أجرتها “فكر تاني” مع رموز العمل السياسي في مصر.. اضغط هنا
لابد من الحفاظ على مسار الحوار الوطني
كيف ترى الحوار الوطني وهل ستشارك في جولاته القادمة؟
مع استمرار الحوار الوطني، باعتباره بابًا لتحقيق المزيد من المطالب، رغم محدودية النتائج، التي صدرت وبخاصة في ملف سجناء الرأي المفتوح إلى الآن، وهو ما يحبطني بشكل ما من تجربة الحوار، ولكن هذا لا يدعوني إطلاقًا لطلب وقف هذا المسار رغم تفهمي لانتقادات الحركة المدنية للحوار.
مشاركتي في جولاته القادمة مرتبطة بقرار جماعتي السياسية التي هي رهن التشكل حاليًا، لكن أدعو السلطة إلى تنفيذ تفاهمات المرحلة الأولى بشكل عاجل، فهو اختبار واضح لمدى جديتها.
من المؤمنين بأهمية الحوار وحريص على انتشار ثقافته في المعارضة والسلطة والمجتمع ككل.
مؤنس والطنطاوي والتيار الناصري
ما تقييمك لمحطات المرشح الرئاسي السابق أحمد الطنطاوي، والمحسوب أيضًا على التجربة الناصرية؟
أحمد الطنطاوي، على المستوى الشخصي والإنساني، رفيق وصديق أعتز به وأحترمه، ولكن أختلف معه جدًا.
ليس شرطًا أن تخرج التجارب التنظيمية قناعات واحدة للمنتمين إليها، وهذا أراه في جيلنا بشكل واضح، وهو أمر لا يخص الطنطاوي وحده.
ما يثير العجب أنه في نفس الوقت الذي يعتبر البعض هذا الاختلاف أزمة داخل تيار وهو غير صحيح بالمرة، البعض الآخر يرى أن التيار الناصري يجيد توزيع الأدوار، فـ”حمدين صباحي يلعب دورًا، وحسام بيلعب دور ثان، والطنطاوي بيلعب دور ثالث”، والحقيقة أني كنت أتمنى أن تكون المسألة هكذا، ولكنها ليست كذلك.
وأؤكد أن الاختلاف الحالي بيني وبين الطنطاوي لا يمس التيار الناصري، لأني أعتقد أننا لا نستطيع أن نقول حتى هذه اللحظة إننا نعبر عن التيار الناصري، فأنا أعتبر نفسي معبرًا عن طريقة تفكير لقطاع من الناس، والطنطاوي لديه جمهور يعبر عنه، ونختلف حاليًا في طرق التعبير، وهو اختلاف مرتبط بالوقت والحسابات وليس اختلاف على المدى البعيد، مع التأكيد على أن الاختلاف مع السلطة ليس اختلافًا مع الوطن ولا الدولة المصرية.

وبخصوص تقييمي لمحطاته الأخيرة؛ كنت أتمنى أن أرى منه في الانتخابات الرئاسية مشروعًا واضحًا لا يتوقف عند الرفض ويقدم تصورًا شاملًا وبدائل واضحة، وأدعوه إلى تقييم تجربة الانتخابات الرئاسية التي فقد فيها شراكات سياسية مهمة، برفع شعارات غير واقعية عن كسب المعركة الانتخابية، وتجاهل أهم ملمح في هذه المحطة، وهو اعتبارها خطوة على طريق مشروع سياسي مستمر يتطلب بناء الجسور السياسية مع الشركاء القربيين لا كسب خصومات سياسية غير منطقية.
وهنا، أحب أن أؤكد أنه بغض النظر عن أي اختلاف في الرأي أو التقييم، من الواجب دعم حق الطنطاوي وحق شركائه في بناء هذه التجربة دون قيود أو تضييق عليهم، ومن الضروري إخلاء سبيل المحبوسين احتياطيًا من حملته الانتخابية أو مؤسسي حزبه، سواء ممن قبض عليهم أثناء الحملة أو بعدها أو على خلفية مظاهرات دعم غزة، وكذلك نتمنى سرعة إنهاء إجراءات قضيته التي تضم آخرين معه فيما يتعلق بموضوع توكيلات الانتخابات الرئاسية ليعود المحبوسين منهم إلى بيوتهم.
تقديري الكبير لـ”صباحي” لا يمنع الاختلاف ولا يستوجب التقديس
بكل وضوح، من الوريث السياسي لحمدين صباحي: حسام مؤنس أم أحمد الطنطاوي؟
دعني أتحدث بكل صراحة، أعتقد في قرارة نفسي أني الوريث السياسي للأستاذ حمدين صباحي، وهذا شرف لا أدعيه، فقد كنت في جيلي الأقرب لحمدين صباحي في تجارب سياسية وتنظيمية عديدة وتفاصيل يومية، وأظن أني – وهذا مثار فخر – “شارب منه”، ولكن هذا ليس في مواجهة أحمد الطنطاوي ولا غيره.
قد يرى البعض أن مساحة حمدين صباحي السياسية أوسع كثيرًا من أن يرثه أحد، بهذا المعنى السياسي المباشر، وبذلك يُحتمل أيضًا أن يكون هناك مائة حسام والطنطاوي وعشرات آخرين يرثوه سياسيًا.
ومع ذلك، فإن أخذ الميراث بهذا المعنى السياسي لا يمنع الاختلاف ولا يستوجب التقديس، وهذا جزء من مزايا حمدين صباحي في وجهة نظري.
الموقف من بشار الأسد
إذا طرح عليك السفر إلى دمشق ومقابلة بشار الأسد.. هل تفعل؟
قطعًا لن أفعل ذلك، وليس لدي استعداد أن أقبل بنموذج صدام حسين أو القذافي، والأسوأ على الإطلاق هو بشار الأسد، لأن لدي موقف من فكرة الاستبداد الذي يبيض وجهه بدعم المقاومة العربية ضد إسرائيل.
ما تحليلك لزيارة صباحي ولقائه بشار الأسد في 2 أغسطس 2023، والتي أثارت عاصفة من الانتقادات والغضب داخل الحركة المدنية والتيارات السياسية الأخرى؟
أرى أن الأستاذ صباحي انطلق من دوره كأمين عام للمؤتمر القومي العربي، فتركيبة المؤتمر غير تركيبة الحركة المدنية، وبالتالي لا تمثل وجهة نظرها، والتوازنات الغالبة والتفاعلات التي توجد بالمؤتمر القومي تؤدي إلى التعامل مع بشار الأسد بالطريقة التي حدثت.

الأمر يوجد به بعد فكري، يطرح تساؤلات مهمة تستحق النقاش والمراجعة، عن رؤية القوميين العرب لمسألة الديمقراطية، وتعاملهم مع الأنظمة المستبدة المجرمة، وأنا على خلاف عميق مع الرؤية السائدة الآن للمؤتمر.
من هذا المنطلق، تفهمت أسباب زيارة صباحي لبشار بحكم موقعه بالمؤتمر القومي العربي، ولكن اختلفت معه ولا أزال على تلك الزيارة، وهو يعلم ذلك وأول مرة أعلن هذا.
أعتبر حمدين صباحي أبي وأستاذي على المستوى السياسي والإنساني، وليس لدي استعداد لأن أكون طرفًا في مساحة تشويه متعمدة له، وقد أتفهم الانتقادات، ولكن لا أقبل مساحات التشويه الممنهجة ضده، ولذلك صمت في حينها على التعليق حتى تمر تلك الموجة.
وأريد أن أحكي موقفًا للمرة الأولى أيضًا، حيث شاءت الظروف أن أسافر، بعد خروجي من السجن، إلى لبنان في نفس توقيت المؤتمر القومي العربي، من باب الخروج وتجديد الأجواء وحضور لحظة انتخاب “حمدين” أمينًا عامًا للمؤتمر، حيث استقبلت استقبالًا طيبًا هناك واعتبرت عضوًا في المؤتمر القومي العربي، بدون طلب مني، ثم صدر بيانًا عن المؤتمر لا يمثلني وتحديدًا فيما يخص الموقف من سوريا وبشار الأسد، مما دفعني إلى إعلان رفضي بشكل واضح للاستبداد المتلحف بالمقاومة، وعدم قبولي لتمرير فكرة المقاومين المستبدين.
لا يوجد شارع سياسي الآن بمصر
هل أثر ذلك على مصداقية التيار الناصري في الشارع السياسي، خاصة فيما يخص الموقف من الديمقراطية الذي أعلنتم كثيرًا أنكم قمت بمراجعاته فيه؟
لا يوجد شارع سياسي في مصر الآن، ولا يوجد جمهور واسع ومتابع ومهتم وجالس لمتابعة هذه الأمور إلى هذه الدرجة، ربما كان الماضي يشهد هذه التفاعلات، ولكن في هذه اللحظة للأسف لا يوجد شيء من هذا القبيل.
ولكن على مستوى الأطر السياسية والمهتمين والفاعلين في المشهد السياسي نفسه، من الطبيعي أن الدوائر بينها تعرف مواطن الاختلافات والتفاوت هذه في التقديرات من خلال النقاشات والحوارات المستمرة، وبالتالي، لم يكن الموقف جديدًا عليها، وردود الفعل متوقعة بحسب موقع الرأي الآن.
ملف سجناء الرأي يحتاج إرادة وقناعة
أنت أحد الذين عانوا من الحرمان من الحرية.. برأيك، كيف تغلق مصر ملف سجناء الرأي؟
هناك ثلاثة أمور رئيسية لإغلاق هذا الملف:
أولًا: وجود الإرادة لإغلاق هذا الملف، ولا إرادة إلا عن قناعة، تولد من تفاهم ونقاش وحوار، قناعة تلائم على الأقل أولويات هذه المرحلة التي لا تصلح إلا بإغلاق هذا الملف المثقل علينا جميعًا وتتناغم مع ما هو معلن رسميًا في العامين الماضيين.
وفي سبيل هذا، نحتاج من رئيس الجمهورية ومؤسسات الدولة أن يتخذوا قرارًا واضحًا في هذا المسار.
ثانيًا: وجود آلية واضحة لتنفيذ هذه الإرادة، ومع كامل تقديري واحترامي للجنة العفو الرئاسية بتشكيلها الأول والثاني، فإن الآلية في مفهومي هي أن جهة مستقلة مسؤولة عن الملف، تمتلك قرارها، ولديها صلاحيات واضحة مع الجهات المعنية بالتعاطي مع الملف، سواء النيابة العامة في إخلاء السبيل، أو رئاسة الجمهورية في العفو الرئاسي، أو تشكيل يجمع كل هذه الجهات معًا بالإضافة إلى سياسيين وحقوقيين، بحيث ننجز الأمر ولا ندور في حلقات مفرغة.

ثالثًا: وقف إضافة المزيد من سجناء الرأي، فرغم خروج أعداد لم يكن من المفترض أن تدخل، وجدنا أعدادًا أخرى تدخل، ومع تقديرنا للإفراجات التي حدثت، لكنها ليست على مستوى التطلعات الحقوقية أو الإنسانية أو السياسية، وتحبطها إضافة المزيد من المعارضين.
وطبعًا أنا لا أعتقد أن المعارضين فوق القانون ولكن كل الاتهامات الموجهة للمعارضين باتت نسخة واحدة جاهزة تخالف الواقع والمنطق وصحيح القانون والحقوق.
طالما هناك تصور واضح كما تعرض، ما المشكلة إذن؟
المشكلة في رأيي مشتركة بين السلطة والمعارضة، وهي القبول بتحويل أزمة سجناء الرأي إلى “كارت تفاوض”، وليس أزمة تحتاج إلى إرادة وآلية وقناعة لإنهاءها، ومن هذا الفهم يمكن استيعاب جوهر المشكلة.
المعارضة رضت بالتعامل بهذه الطريقة منذ البداية، وتلك مشكلة رغم تفهمي لحسن النوايا، ولكن استمرارنا بهذا الشكل مشكلة إضافية، خاصة أن لدينا تصور واضح، ولكن حتى يتم القبول به، لا أدين تحرك أحد لإنهاء أزمة أحد أو تحريك ملف أحد.
الموضوع برمته يمكن أن ينتهي بقرار واحد، وليس معنى ذلك أن يطال هذا القرار المذنبين الذين ارتكبوا جرائم حقيقية طبقًا للقانون وليست ملفقة.
أتحدث عن المحبوسين والسجناء على ذمة قضايا تتصل بالرأي والعمل السياسي والتعبير عن الموقف، لأننا في لحظة وجدنا مؤيدين للسلطة في السجون.
لا تمييز .. وأوافق على طرح نجاد البرعي
البعض يتهم التيار المدني بأنه يبحث عن أصدقائه فقط في السجون، وتجاهل مجهولين كثيرين، ومشهورين ليسوا من نفس مدرستكم كقيادات حزب “مصر القوية”؟
غير صحيح أبدًا، إذا كانت هناك أطراف داخل الحركة المدنية لها مواقف من د.عبد المنعم أبو الفتوح ومحمد القصاص، فإن هذه المواقف في إطار الاختلاف السياسي، الذي لا يقبل سجنهم، وأنا شاهد على قوائم الحركة المدنية الأولى، التي ضمت أسماء كثيرة ومتنوعة، وكانت تدافع عن حق هؤلاء جميعًا.
نتمني أن يخرج كل من يستحق الحرية، ولم يرتكب جرمًا ممن نعرفه ومن لا نعرفه.
قد أتفهم وجود تخوف أمني وسياسي مفهوم سياقه من التعامل في ملف الإسلاميين، تحديدًا، بعد انتهاء الأحكام الصادرة بحقهم، خاصة المتطرفين فيهم أو التنظميين منهم، وهذا التخوف أستطيع استيعابه وأقبل مناقشات حوله للوصول إلى حلول مناسبة تضمن استقرار البلد وإجهاض أي خطر حقيقي على الدولة، وذلك دون اللجوء إلى إعادة التدوير وتلفيق قضايا جديدة أو استمرار الاحتجاز لمجرد تحمل مسؤوليات سياسية في فترات سابقة للبعض.
طرح الحقوقي البارز نجاد البرعي مبادرة قبل أيام حول تسوية المواقف القانونية للمفرج عنهم وإغلاق ملف سجناء الرأي أيضًا.. إلى أي مدى تتفق معه؟
أوافق جدًا على طرح الأستاذ نجاد البرعي، ولقد اطلعت عليه وأؤيد ما يدعو له، وأظن أننا على تقارب في الأفكار في هذه المساحة، لأن أي طريقة توجد بها آلية واضحة وتسبقها إرادة سياسية واضحة، تسفر عن إنجاز الأمر، أنا معه.
للاطلاع على سلسلة الحوارات الخاصة التي أجرتها “فكر تاني” مع رموز العمل السياسي في مصر.. اضغط هنا
النقابات لا يجب أن تأمرها سلطة أو تحركها معارضة
كيف ترى المشهد النقابي في الفترات الأخيرة؟

أنا أحد الذين يرون أن أمر النقابات المهنية يخص البلد، ولا يقتصر على أعضائها، وبالتالي، فالحراك الدائر فيها ونتائج انتخاباتها أمر عام يؤثر على الوطن ويستحق بل يجب أن يكون مناط اهتمامي، فما يحدث فيها مرآة للوطن، ويؤثر على دورها في تقديم حلول للبلد، أو قيامها بالتفاوض على حقوق أعضائها المهنيين والعمال.
وفي هذا الإطار أنا مؤمن باستقلال النقابات المهنية بشدة، فلا سلطة تأمرها ولا معارضة تحركها لحسابها، وأهتم بتيارات الدفاع عن استقلالها واعتبرها الأقرب لنا، وأشجع خطواتها في تعزيز قدراتها على التعبير عن مصالح أعضائها والتفاوض لصالحهم وانتزاع المكاسب لصالحهم.
من هنا، يمكننا خلق مجال عام في البلد، يسمح بالحيوية في العمل النقابي.
وفي نقابتي الصحفيين والمهندسين، نموذجين بالغي الاحترام والتأثير، هما النقيبين خالد البلشي وطارق النبراوي، اللذين يؤكدان بوضوح أن هذا البلد يمتلك كفاءات وكوادر حقيقية إذا وجدت فرص ومساحات للعمل.
وبحكم عضويتي في نقابة الصحفيين وقربي من مشاهدة ما يحدث أحيي نقيب الصحفيين خالد البلشي بشدة، على كل جهوده ونشاطه وأداءه المتزن المحترم المهني الرفيع على مدار الفترة الماضية، لم يحقق كل ما يرجو ولكنني واثق أنه مستمر في السعي إلى تحقيقه في الفترة المقبلة، ودورنا أن نساعده ونعينه. أعتبر نفسي والكثيرين مقصرين في ذلك، ولكن سنسعي لعلاج الأمر قريبًا.
لا أفضل بناء التنظيمات السياسية من الأعلى
ما تقييمك لأداء تنسيقية الشباب والأحزاب؟
التنسيقية فيها أصدقاء على المستوى الإنساني، وكنا أقرب إلى أن نكون في مواقع واحدة في فترات سابقة، ما يحملني عبئًا في الإجابة، ولكن مع ذلك، كنت من الناس الذي عارضوا التنسيقية في بداية تجربتها، ولا أزال لا أقبل بناء التنظيمات السياسية بالطريقة التي تمت، لإيماني أن السلطة (أي سلطة) لا يجب أن تدخل الملعب السياسي إلا عبر حزبها السياسي وتفرعها لتشكيل أطر سياسية حتى ولو كانت ناجحة في مساحات الوعي والاستمرار والتواصل كما يشار إلى تجربة التنظيم الطليعي والاتحاد الاشتراكي، يولد تجارب مليئة بالمشاكل.
بكل وضوح: لن يصلح بناء التنظيمات السياسية من أعلى وبتصورات السلطة وهي في السلطة، وبالتالي سيظل أفق التنسيقية في النمو محدود مع استمرار غياب المشروع السياسي والتصورات والإطار الفكري الجامع بما يحولها إلى صالون سياسي يقدم أوراق ويناقشها، ويجعل كتلتها البرلمانية خليط سياسي غير مهضوم ولا مفهوم بالمعنى السياسي.
ومع ذلك، لا أستطيع أن أنكر أن هناك تطور في أداء التنسيقية وقدرتها على الدخول في مساحات جديدة على عكس بدايتها، مع ملاحظة غيابي لمدة 3 سنوات عن الفضاء العام، ولكن عامة ما قبل دخولي السجن وما بعده، لاحظت قدرًا ما من التطور في التنسيقية، وتراكم خبرات دفعت بعضهم لأداء مختلف، ولكن نعود فنقول إن هذه ليست التجربة التي أراهن عليها أو أرغب أن أكون في جزء منها أو في طرف واحد معها.
الحركة الطلابية الجديدة ستكون أكثر اتصالًا بفلسطين
هل ترى أملًا يلوح في مسار العمل الطلابي بالجامعات الفترة المقبلة ؟
للأسف، تم القضاء على الحركة الطلابية في الجامعات، وبالتالي هناك مفرخ رئيسي للحياة السياسية في مصر تم وقفه، وهنا أفرق بين الجامعة كمصنع للعمل السياسي الوطني، بعيدًا عن جدلية الأحزاب والجامعات.
ومع ذلك، هناك موضوع شديدة الأهمية والارتباط ويؤثر على الطلاب بشدة في الفترة المقبلة، وهو موضوع غزة وفلسطين، وهو متغير هائل سواء على مستوى الفرز أو على مستوى رؤية المجتمع والأطراف الجديدة الفاعلة فيه الذي تستطيع أن تخلق لنفسها أسلوب في الحركة والفعل.
نموذج الوعي بالقضية الفلسطينية والذي نرصده واضحًا بين الأجيال الجديدة والطلبة في الجامعات والمجتمع، ستتبعه انعكاسات داخلية تتسبب في خلق مساحات حراك وتعبير ممكنة لهذه القطاعات.
ولعل الفضل يرجع في ذلك إلى الصورة المباشرة الواردة من غزة، وهو ما ظهر في نجاح الجيل الحالي بلا منافس في حملات المقاطعة الاقتصادية.
ربما لا نشاهد تفاعلات على مستوى الحدث في الجامعات، لأسباب تتصل بالقيود والتخوفات، ولكن حركة الجامعات في الفترة المقبلة فيما يتعلق بموضوع فلسطين والضغوط الاقتصادية الراهنة ومقترحات الانفتاح السياسي سيكون لها صوتًا وحضورًا.
وظني أن العمل بطريقتنا القديمة في الجامعات، وهي الاحتجاج فقط، ستتجاوزه الأجيال الجديدة لخلق أشكال متنوعة من النشاط لا تتوقف على شكل نمطي واحد وبلورة حركة طلابية تكون بنت واقعها.
أما دورنا كمعارضة، فأعتقد، الأفضل هو أن نفهم وننسج علاقات حقيقة مع هذه الأجيال والحركات التي ستظهر، لعلاج الانقطاع الحاصل في العمل السياسي والأطر السياسية، ولا أحبذ استسهال الأمر والاكتفاء بـ”ركوب الموجة” أو التركيز على الاستقطاب السياسي، لأن الأمر أعمق من ذلك، ويحتاج تواصل حقيقي يبني علاقات ممتدة مع الأجيال الجديدة مع احترام الاختلافات.
ماذا تقول عن هؤلاء؟
م. يحيى حسين عبد الهادي
– قامة محترمة، وعلى المستوى الشخصي، أنا أعتز به جدًا، لمواقف عديدة أثناء تجربة السجن معي، وأتفهم صراحته الشديدة، رغم أني لست معه في أن هذا خطاب المرحلة، ولكن أنا أتفهمه جدًا.
المستشار هشام جنينة
– شخصية غاية في الاحترام، ونأمل أن يتعافى من آثار التجربة الأخيرة التي مر بها في السجن، وأتمنى أن يكون له دور فاعل في المرحلة القادمة، وأتمنى أن يكون جزءًا من المشهد السياسي القادم، ولكن لا أعرف هل سيختار ذلك أم لا.
الدكتور الراحل حازم حسني
– الله يرحمه، قامة كبيرة لم تكن تستحق كم المعاناة الكبيرة التي لاحقته قبل وفاته، وكان لي الشرف أن أكون معه أثناء فترة الحبس، وتناقشنا وعبرت عن اختلافاتي معه وكان بالغ الود والاحترام والاتساق مع الذات والصدق.
علاء عبد الفتاح
– أتمني أن يكون معنا قريبًا وفي بيته. يكفيه العناء الذي رآه طوال السنوات الماضية.
وسقط شاب اخر من شباب يناير
الف حسرة عليكم
أتمنى أن تستمر المراجعات الشاملة لكل التيارات السياسية بأحزابها و حركاتها بشكل أعمق و مواكبة للواقع و التخلي عن الأوهام و الأساليب القديمة اللى عفي عنها الزمن لو عاوزين يرجعوا للشارع و يكسبوا ثقته من جديد