نجاد البرعي في حـوار مع “فكر تاني”: مصر “أون هولد”.. والمعارضة طفولية.. والثورة مستـحيلة.. والطنـطاوي حول الانتـخابات إلى خصـومة شخصية

– هناك سلطة ترغب في حكم شعب حي يتحدث.. وهناك أخرى ترغب في الحكم كحارس مقابر

– في القادم، سيكون ثمن الانقسام الداخلي مرتفع التكلفة

– أدعو المعارضة في الداخل والخارج إلى هدنة سياسية وطنية لمدة 6 سنوات لهذه الأسباب

– علينا الاستعداد بوجوه جديدة لفتح الأبواب المغلقة بعد حلف الرئيس اليمين الدستورية

– الحوار والتفاوض هما الحل.. والمناكفة والتراشق الإعلامي يعززان من يدعم إغلاق المجال العام من داخل السلطة

– مطلب البعض للرئيس بالاستقالة غير مناسب بالمرة.. ويعرقل النقاش البناء مع مؤسسات الدولة

– الحوار الوطني نجح في أشياء.. ولكنه أحبط البعض.. وتنفيذ نتائج مرحلته الأولى ضمانة لنجاحه

– ثورة 25 يناير حلم اصطدم بتناقضات الواقع.. وخاضت تجربة الحكم ولم تنجح

– يجب أن تظل ثورات 25 يناير و30 يونيو و23 يوليو أيام تاريخية دون تكرار

– أحمد الطنطاوي حول الانتخابات إلى خصومة شخصية ما عزز موقف دعاة الإغلاق داخل السلطة

– الحركة المدنية أخطأت في دعم الطنطاوي.. كان يجب أن تصطف خلف فريد زهران

– أدعو معارضة الداخل لحسم موقفها من أسلوب “الخارج” إذا استمر في مسار فكرة”الثأر”

– معارضة الخارج موصومة تاريخيًا وعليها العودة إلى مصر بعد تهيئة المناخ لذلك

– غزة كشفت ازدواجية المعايير في الحكومات الغربية وأدعو إلى تحرك حقوقي مختلف

بقلب شاب شارك في حراك 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013، وعقل حكيم تدبر دروس العقد الماضي جيدًا، ومن واقع خبرة سنين طويلة في المجتمع المدني، والاشتباك مع الشأن العام، والنضال القانوني في ساحات القضاء لإقرار وترسيخ الحق في محاكمات منصفة وعادلة، تحدث لمنصة “فكر تاني”، الحقوقي نجاد البرعي عضو مجلس أمناء الحوار الوطني وأحد رموز القضاء الواقف بمصر، عن المشهد العام في بداية عام جديد يتطلع فيه الجميع لحال أفضل.

فتحنا معه، في حوار صريح جدًا مع منصة “فكر تاني”، كل الملفات، وتطرقنا للحاضر والمستقبل، فرسم البرعي طريقًا للخلاص الوطني، ليس من بينه “الثورة”، فهي بالنسبة له “مستحيلة”، بينما حذر من استمرار معارضة الداخل والخارج في “المزايدات” و”التراشق الإعلامي” و”المناكفة”. ودعا البرعي جميع تيارات المعارضة إلى ما وصفه بـ”هدنة سياسية وطنية”، تستوعب دروس الماضي والحاضر، وتبني المستقبل عبر فتح حوار دائم ومتجدد خلال السنوات الست القادمة مع مؤسسات الدولة.

قدم البرعي بوضوح المفاوض، تشريحًا دقيقًا لحالة الدولة المصرية، وكشف عن وجود وجهة نظر داخل مؤسسات الدولة تعزز الانفتاح السياسي في مقابل وجهة نظر أخرى ترى أن القبضة الحديدية ووضع البلد “On Hold”، هو المسار الآمن في ظل الواقع الحالي. وطالب المعارضة بتصحيح مسارها، وعدم إعطاء الفرصة لتيار الانغلاق في الحكومة لعرقلة مسار تيار الانفتاح.

أيام ثورة 25 يناير الأوائل بالنسبة للبرعي “جنة” و”حلم”، لكنه اصطدم بالواقع وتناقضاته. يرى أن الثورة قدمت تجربتها في الحكم سواء عبر الإخوان بغض النظر عما فعلوه، أو سواء عبر رموز تيارات الحركة المدنية في مصر. في الوقت ذاته، يشدد المحامي الحقوقي على أن ثورة  25 يناير باتت غير مناسبة لمن في معسكر السلطة حاليا، ويدعو الجميع إلى اعتبارها أو ثورة 30 يونيو جزءا من التاريخ لا ينبغي تكراره.

ويتمنى البرعي بعد أداء الرئيس عبد الفتاح السيسي اليمين الدستورية بالولاية الثالثة، أن تتشكل وجوه جديدة لبدء محاولة جديدة لغلق ملف سجناء الرأي، كمقدمة لبحث كل المطالب المرفوعة من كل القوى السياسية، في ظل مناخ مناسب، ليس من بينه “استقالة الرئيس” كما يحلم البعض.

وإلى نص الحوار..

مع إطلالة عام جديد، هل نشهد عامًا جديدًا سعيدًا أم أنها سنة مليئة بالضباب كما يقول البعض؟

أنا رأيي في هذا الموضوع السنوي، أنه طالما استيقظت من نومي بصحة جيدة، فسيكون عامًا سعيدًا، أما عن الضباب فلا أرى أن هناك أي ضبابية حول المشهد، كل شيء واضح وضوح الشمس، فرئيس الوزراء خرج علينا في الأيام الأخيرة وتحدث عن سنوات اقتصادية “زي الزفت” وصعبة حتى عام 2025، وفي آخر هذا العام لن نعود إلا لعام 2021، هذا في الاقتصاد الذي يهم أغلب الناس، التي تسأل: “هنلاقي ناكل ولا لأ، هنلاقي نشتري سكر وسجاير وبصل ولا لأ؟!”.

نجاد البرعي خلال الحوار
نجاد البرعي خلال الحوار

أما الوضع في التعليم فكما نرى، كنا في السابق، نُخرج أجيال نصف متعلمين، واليوم أجيال غير متعلمة، ما يعني أن المدارس لا جدوى منها، ويبدو أننا في حاجة إلى إغلاقها طالما لا تنفع أحد، فالمحصلة هكذا أن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في أزمة كبيرة باعتراف الحكومة، وعندما نسأل الحكومة عن خططها، لا تعلنها على اعتبار أننا لن نفهم الدكتور مصطفى مدبولي والدكتور محمد معيط.

أما عن السياسة، فأيضًا هذا العام ليس ضبابيًا على الإطلاق، فالمفترض أننا نتعلم من الأمس حتى نتعامل مع الحاضر، وأستطيع القول، وبشكل واضح، إنه على المستوى السياسي “البلد هتكون أون هولد  On Hold”، وبالتالي، فالذين ينتظرون “انفتاحًا سياسيًا” وعندهم “آمالًا كبيرة”، لابد وأن يتحلوا بالواقعية، خاصة في ظل أحداث الخارج المشتعلة كما يرى صناع القرار، فمصر في قلب منطقة ملتهبة وشديدة الحساسية، ولا أحد يعلم إلى أين تتجه الأمور، يقول البرعي:”لدينا مأساة غزة وفلسطين في الحدود الشرقية، والتهجير يجري الدفع إليه بشدة، وفي ليبيا هناك انقسام أهلي، والسودان تعاني من حرب أهلية مستمرة ولا أتصور أن تقوم لها قائمة لمدة 5 سنوات قادمة، والبحر الأحمر ملتهب، نتيجة العدوان الإسرائيلي، وهجمات الحوثيين من أجل غزة، هناك ضغط على شريان حياة مصري مهم وهو قناة السويس، بعد بدء مهاجمة الأمريكان والإنجليز للحوثيين، فضلًا عن خطر شديد جدًا من ناحية إثيوبيا، بعد اتفاقها مع دولة أرض الصومال غير المعروفة لأحد، التي أعطتها منفذًا على البحر الأحمر.”

أليس هذا مدعاة لما يقوله البعض عن ضرورة توحيد الجبهة الداخلية؟

عند العقلاء، نعم، والناس الحكيمة يجب أن ترى هذا، لابد من “لم شمل بعضنا” وإقرار التسامح والمحبة، لكن البلد بها رأيان الآن: “رأي راجح”، و”رأي مرجوح”.

– الرأي الراجح: أن هذه البلد لا تسير إلا بهذه الطريقة، طريقة القبضة القوية الحديدية، كي تستطيع أن تستمر، ويقول أحدهم: “وبعدين احنا عندنا مشاكل هنا وهنا، احنا ناقصين، واحد يطلع من تحت الأرض ويعملي فيها بتاع، خلينا كده أحسن لغاية ما نشوف بكره فيه ايه”، وهذه الطريقة يرى أصحابها أن هذه الخطة جُربت من 2014 ونجحت إلى الآن، مع العلم، أنه في الأمس كان هناك ضغوط غربية تم التجاوب معها، ولكن مع حرب غزة، أصبح الغرب منشغلًا. وبالتالي، فأصحاب الرأي الراجح يرون أن هذه ظروف مثالية لهم، و”هنمشي أمورنا مع بعضينا” كما يرون.

– الرأي المرجوح: هناك رأي داخل الدولة، وهو يعبر عن أقلية، يتحدثون عن ضرورة توحيد الجبهة الداخلية، من منطلق “إننا عندنا مشاكل”، وفي القادم، سيكون ثمن الانقسام الداخلي مرتفع التكلفة.

باعتباركم عضوًا في مجلس أمناء الحوار الوطني، ألم يساهم الحوار في زيادة مساحة هذه “القلة الحكيمة” داخل الدولة؟

رأيي أن الحوار الوطني- الذي دعا إليه رئيس الجمهورية في إفطار الأسرة المصرية عام 2022- تم التعامل معه بجدية من البعض، وعدم جدية من البعض الآخر، ولكن حتى نحكم عن مدى مساهمته من عدمها، يجب أن ننظر إلى ما تم تنفيذه من نتائج مرحلته الأولى، وهذا التنفيذ يغنينا عن الدخول في جدلية عودة/استكمال الحوار الوطني من عدمه، لأن هناك أمور حدث عليها توافق ورُفعت إلى الرئيس، وأرسلها بدوره، إلى الجهات المعنية، ولكن للأسف الجهات التنفيذية والتشريعية لم تنفذ المطلوب منها، وبالتالي فلا قيمة لأي حضور للحوار الوطني إذا لم يتم تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في المرحلة الأولى حتى لو بدأنا مرحلة ثانية، ثم بعدها نستطيع أن نقرر هل ساهم في زيادة مساحة هؤلاء “القلة” التي ترغب في تقوية وتوحيد الجبهة الداخلية أم لا؟

ولكن إجمالًا، يمكن القول إن وجود الحوار الوطني ساهم في الإفراج عن بعض سجناء الرأي، وزاد من مساحة القوى المختلفة للحديث والنقاش، ما ساهم في معرفة المجتمع لهم. أنا أستوعب أن الناس تريد أن ترى منجز أكبر وقرارات أوسع، وبالتالي من الطبيعي أن يشعر المواطنون بإحباط من نتائج الحوار، لأنهم لم يروا شيئا على أرض الواقع يشكل قيمة لديهم.

وجهتان نظر في الحكومة 

هذا يحيلنا إلى نقطة كانت موجودة ما قبل ثورة 25 يناير، في نظام مبارك، حيث فكرة الحمائم والصقور في دولاب الدولة وتعاملها مع المعارضة، هل هذه الفكرة ترصدها بحكم وجودكم في قلب الأحداث حاليًا؟

يمكن أن نقول ذلك في السلطة، فالسلطة في مصر على مدار تاريخها هي صاحبة الفعل، غالبًا ما تجد مسؤولًا فيها يطالب بالضرب بيد من حديد، وآخر يطالب بتوسيع هامش الحرية للناس. لكن المعارضة لدينا، “لا هي معارضة ولا يحزنون”، ولا يصلح أن نقول إن لدينا معارضة حقيقية. لدينا معارضة طفولية، واحتجاجاتها طفولية، قائمة على فكرة “لا لا لا والسلام”، وعندما يأخذون قطعة من الشيكولاتة، يقولون: “اه اه اه”.

في الماضي، كنت ترى جيلًا من العيار الثقيل في الحكومة أو المعارضة، مثل الراحلين عبد الغفار شكر، وكمال أبو المجد، وكمال الشاذلي، وتبقى منهم د.علي الدين هلال، ود.مفيد شهاب، لكن الموجودين الآن موظفون تكنوقراط في الحكومة لا علاقة لهم بالسياسة، وفي المعارضة أطفال في الأداء لا السن.

إذن مَن أبرز الحمائم الموجودين في السلطة الآن في هذه الطبقة من الموظفين التكنوقراط؟

دعونا نبتعد عن الأسماء، لكن أستطيع القول إن الذين يعملون مع الخارج، أيا كان نوع الجهاز الذي يعملون فيه، يمكن تصنيفهم من الحمائم، لأن باحتكاكهم مع الخارج يرون كيف يؤدي الانزلاق السياسي إلى تشويه صورة البلد في الخارج وتشويه الإنجازات -بحسب رؤيتهم للإنجازات- وبالتالي، من رؤيتهم أن هذا البلد يحتاج إلى صورة جميلة في الخارج، وأنه لابد من الانفتاح السياسي قليلًا، ما يعطي انطباعًا بأن هناك بلد، وهؤلاء ستجدهم في وزارة الخارجية أو الجهاز الفلاني أو الجهاز العلاني.

في المقابل، هناك من يعمل في الداخل، وتركيزه كله على الداخل، وهو يريد أن تكون البلد كما هي، ويمكن تصنيفه من الصقور.

منذ أواخر عهد مبارك وفي أوقات صعود ابنه جمال للصدارة، عندي رأي لا أزال أتمسك به لم أغيره إلى الآن، وهو أن السلطة نوعان؛ أحدهما: يريد أن يكون حاكم لشعب، والآخر: يريد أن يكون حارسًا على مقبرة، وبالتالي، فحارس المقبرة يهمه ألا يوجد صوت داخل المقابر، باعتبار أن سكانها موتى، وهو يرتاح للتعامل مع الصمت والأموات، ويزعجه أي صوت أو أي حياة، وشعاره “كله تمام”، وهناك سلطة تريد أن تحكم شعبا حيًا، والحياة معناها الكلام والحوار والاختلاف حتى الخناق.

لذلك، أعتقد أن من يعملون في الداخل يريدون أن يحكموا أمواتًا، أما من يعمل في محيط الخارج، فهو يريد حكومة لشعب حي، وما بين حكام المقابر، وحكام الشعوب، ضاع المصريون، أو كما يقول المثل: “بين حانا ومانا ضاعت لحانا”.

هل صراع “أنا أريد ذلك، وأنت تريد عكسه” هذا أمامه فترة طويلة لكي يحدث توازن في مصر؟

نحن من نحدد هذه الفترة، يجب علينا تدعيم هؤلاء الذين يدعمون حكم الشعب لا الموتى، ولابد أن نبتعد عن كل سلوك يرجح كفة هؤلاء الذين يريدون أن يكونوا حراسًا على مقابر، ومن هنا يمكن فهم لماذا أقول إن المعارضة لدينا طفولية، أو ما أسميه “المعارضة الطفلة”، وأضرب لك مثالًا، قلنا انتخابات رئاسية، ونحن نعرف أنها لن تكون على الطريقة البريطانية، وأننا “على قدنا” في الانتخابات، لكن لما ترصد كيف تعاملت ما أسميه “المعارضة الطفلة” مع الانتخابات تعرف من يكسب هذا الصراع في الدولة.

أحمد الطنطاوي
أحمد الطنطاوي

انظر مثلًا إلى مرشح رئاسي كـ”أحمد طنطاوي”، حول العملية الانتخابية من انتخابات إلى خصومة شخصية، وبالتالي رأينا نتاج ذلك من تعزيز أصوات دعاة غلق المجال العام، وهذا معروف نتيجته طالما نحن في مصر، ثم انظر إلى تعامل أقسام من الحركة المدنية مع المرشح الرئاسي فريد زهران، رغم أنه كان يقدم أفضل خطاب سياسي يمكن أن تتوحد حوله المعارضة، إذا فهمت، رغم أنه بالطبع ليس نهاية المطاف، ولا كل الأمنيات، ولا هو الزعيم سعد زغلول، ولكنه قدم خطابًا سياسيًا محترمًا، وكان يمكن الاجتماع عليه، كان يمكن أن يعطوه أصواتهم كبداية، ولكنه تعرض للشتم والتخوين، والتنمر، والتشكيك في نتائجه، وبالتالي، فإن هذه التصرفات الطفولية لا تشجع إلا دعاة الانغلاق.

أنا لا أتحدث هنا عن المعارضة بالخارج، فهي لا تعرف شيئا عن البلد، ولا يعول عليها، وتعيش على موقع “توتير”، ولكن أعتب على المعارضة في الداخل، التي ترى كل شيء على أرض الواقع، وأحمل الحركة المدنية الديمقراطية بانقسامها الذي حدث في الانتخابات كل تدهور سياسي يحدث اليوم في مصر، فهي مسؤولة بالاسم بكل الرموز، لم يكونوا على مستوى الحدث، واختاروا زاوية ضيقة جدًا، وهي الاصطفاف خلف “طنطاوي”، وتركوا كل مسارات تقوية الجبهة من الدخول في مفاوضات، فالسياسة هي فن التفاوض.

نحن مدعوون لتشجيع وجهة النظر التي تدعو إلى الانفتاح السياسي، بتصرفات تناسب المرحلة.

لماذا إذن لم تسع لتجميع من تراه مناسبًا من الحكماء في إطار جبهوي جامع بعيدًا عن الحركة المدنية لتغليب وجهة النظر الداعية لانفتاح سياسي في مصر؟

مبدئيًا، لست في الحركة المدنية الديمقراطية، أنا رجل حقوقي، معني بحقوق الإنسان، وأستطيع أن أقول لك بمنتهى الأسى أنه لم يعد في مصر حكماء كما يجب أن يكونوا. وعندما أنعت المعارضة بالطفولية، قصدت التصرفات لا الأشخاص، ولكن آفة بعض الناس العاملين في المجال السياسي، أنهم يعملون بمنطق الثأر الشخصي، أو إدمان الوقوف في مربع واحد، وهو ما يحجب عن أنظار كثير من الناس منطقة الخلاص، ولا يزال البعض يظن أن الخلاص في إحداث ثورة، ويسعون لمزيد من الضغط السياسي اعتمادًا على استمرار فريق آخر – السلطة- في السعي لمزيد من الإفقار، حتى تتحقق أهدافهم، ولكن للأسف هم لا يريدون استيعاب أن “الثورة مستحيلة” وأن الفقراء والجوعى، لا يثورون.

دعني أقول بمنتهى الوضوح: أن جيلنا انتهى، بمعنى أنه قدم ما في وسعه واستطاعته وتفكيره، وعليه أن يترك المجال للجيل الجديد، لأنه من العيب أن يكون قيادات الأحزاب ما بين الستين والسبعين بمن فيهم فريد زهران.

يناير الحلم الذي اصطدم بالواقع 

ماذا تمثل ثورة 25 يناير لكم مع قرب الذكرى الثالثة عشر؟

ثورة 25 يناير 2011، هي أشبه بحلم، للعيش في الجنة، ومن أبرز فوائدها أنها أعطتنا تجسيدًا لما يمكن أن نعيش فيه في خيالنا وما يجب أن نجده عمليًا على أرض الواقع.

في أول 12 يوم من الثورة، وفي ميدان التحرير، كان الحلم في قمته، الجيش مع الشعب إيد واحدة، الإخوان مع السلفيين والملحدين، المسلمون يؤدون صلاة الجمعة في حماية المسيحيين، والمسيحيون يصلون الأحد في حماية المسلمين، بما يمكن أن نطلق عليه “يوتوبيا” فاضلة، ولكن مع استمرار التجاذبات رأينا أمورا مختلفة على أرض الواقع.

يقول البعض إن يناير لم تحكم، وهذا بالنسبة لي غير صحيح، فثورة يناير حكمت، وتيارات يناير دخلت غرفة صناع القرار، وأتت مثلا بالدكتور عصام شرف رئيسًا للوزراء، وهلل الجميع له باسم ثورة 25 يناير، وجاء الإخوان وحكموا، وأنا أعتبرهم جزءاً من حكم يناير، بصرف النظر عن موقفي منهم، وعندما جاءت وزارة الدكتور حازم الببلاوي بعد ثورة 30 يونيو 2013، كانت جزءاً من ثورة 25 يناير، فالحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي كان ممثلا في الوزارة، ورموز من يناير كانوا من صناع القرار مثل د.زياد بهاء الدين، ود.حسام عيسى، والراحل يحيى الجمل، بل إن أغلب من سجنوا من ثوار يناير في وقت سابق كان أصدقائهم في الحكم أثناء سجنهم.

عندما حكمت يناير اكتشف الجميع الفرق بين الشعارات وواقع الأمر على الأرض، والفرق بين الثورة والسلطة، وهو كالفرق بيني كمتحدث الآن وبيني عندما يتم تعييني وزيراً للداخلية، سترى تناقضات واضحة، وهو الذي جعل نجم ناصري كبير كالوزير السابق الدكتور حسام عيسى، يقول: “خرطوش بيلسع”، عندما كانت وزارة الداخلية في وقت مشاركته في الحكومة تضرب المتظاهرين، بصرف النظر عن صحة كلامه من عدمه، ولذلك عندما اكتشف الثوار هذا التناقض، قالوا: لم نحكم بعد، والصحيح أنهم حكموا واكتشفوا تناقضاتهم، بل إن الرئيس السيسي جاء مدعومًا من أغلب القوى السياسية التي شاركت في ثورة 25 يناير. ولو نتذكر جيدًا، الجيش لم يكن يريد النزول والرئيس السيسي حذر وقتها: “الجيش زي الأسد لا تلعبوا معه ولا تلعبوا عليه.. ولو نزل قدامكم 50 سنة”. هذا تصريح تاريخي، ولكن الناس قالت نريد الجيش، بما فيهم 70 % من ثوار يناير.

ولكن لماذا برأيك لا تزال الأحاديث السلبية تخرج بين الحين والآخر ضد ثورة 25 يناير من قلب السلطة، رغم أنها صاحبة فضل عليها كما تؤكد؟

الذي يتكلم عن ثورة يناير بالسوء الآن، يفعل ذلك لأنها لم تعد مناسبة له، ولأنه انتقل من مربع إلى مربع آخر، ورفع شعار: “خلصت حاجتي من جارتي”، خاصة أن بعضهم كان موجوداً في ثورة 25 يناير كأطراف فاعلة تتفاوض وتقابل المتظاهرين، ولكن الزمان تغير.

البعض يحيل الأمر إلى ما يسميه “تروما يناير”.. هل هذه الصدمة موجودة حقا؟

نعم موجودة، وأنا أعاني وقطاعات كثيرة من المصريين من “تروما  يناير” كما تعاني منها السلطة كذلك، وإذا نزلت الآن إلى الشارع وقلت لهم: هل نصنع ثورة جديدة، ستجد الإجابة بالرفض القاطع، لأن الناس اكتشفت مآلات الثورات، وانظر مثلا إلى تونس، والسودان، وسوريا، واليمن، وليبيا. الجماهير أيقنت أن يناير لم تعد الإجابة عن سؤال ماذا نصنع؟ وأنه لابد من البحث عن بدائل أخرى، على أن تظل 25 يناير كيوم 23 يوليو، يوم تاريخي شعبي، لكن على ألا نكرره، والكلام متصل لثورة 30 يونيو، فلا يجب أن نكررها مرة أخرى، ولتبقى يوما في التاريخ.

الشعب يبحث عن بدائل أخرى عن ثورة 25 يناير، وهذا دور الذين يتصدون للعمل العام.

خوف متبادل وجبال من الشك والتشكيك 

هذا الخوف المتبادل بين السلطة والتيارات السياسية لثورة 25 يناير.. ماذا نصنع فيه خاصة أنه بات ذريعة في منع خروج سجناء الرأي أو التحدث عن أسماء بعينها وفتح ملفات بعينها؟

يجب أن نعترف أولا، بأننا جميعًا وقعنا في الخطأ، وأنا أحمل بشكل واضح أصدقائنا في الخارج عرقلة ملفات كانت ستُفتح في مصر، لأن مواقفهم متشددة وقائمة على فكرة الثأر، ما عطل أشياء كثيرة في الداخل، وكثير من الناس كانوا على أعتاب الخروج من السجن ولكن مواقف غبية من أطراف في الخارج أجلت هذا الخروج أو دفعت إلى إلغاءه بالأساس.

نجاد البرعي خلال الحوار مع "فكر تاني"
نجاد البرعي خلال الحوار مع “فكر تاني”

لابد من فتح حوار، وهذا هو المتبع أثناء الحروب، لا الخلافات السياسية كما هو في مصر، ولننظر إلى غزة، فرغم العدوان الشديد، هناك باب سياسي مفتوح للمفاوضات، وهناك مطالبات بوقف إطلاق النار حتى يتم البدء في التفاوض وخروج الأسرى، مطالبات بهدنة إنسانية، أليس هذا أدعى للحدوث في مصر بين فرقاء الوطن؟

هدنة سياسية وطنية

يفهم من ذلك بشكل واضح أنك تدعو معارضة الخارج والداخل إلى هدنة سياسية وطنية في الفترة المقبلة.. هل هذا ما تريده؟

نعم، أنا أدعو جميع المعارضة في الداخل والخارج إلى هدنة سياسية وطنية.

أنا أُحَمل من يُحسبون على معارضة الخارج مسؤولية تدهور ملف الحبس الاحتياطي في الداخل، فمثلًا المقاول محمد علي – في ٢٠١٩ عندما دعا للنزول للشارع- كان سببًا مباشرًا في دخول الكثيرين السجون، وغرر بالبسطاء وآمال الغاضبين، وسط ترقب من معارضة الخارج للنتائج على أمل نجاح أي حركة عشوائية كما حدثت من هذا المقاول، للبناء عليها.

على المعارضة في الداخل أن تستقل وتعلن موقفها ومشاكلها من أسلوب الخارج، أو على معارضة الخارج أن تهدأ وتتوقف عن المزايدات لعلنا نستطيع أن نصل إلى تعزيز الحوار وفتح مسار تفاوضي مناسب، لأننا نسمع منهم عبارة ” ماذا فعلتم؟” كثيرا، وكأن خروج البعض ليس مفيدا وكأننا نملك عصا سحرية، وكأن الدخول في تراشق إعلامي وعدم دعم وجهة النظر الداعمة للانفتاح السياسي هو الحل، وهو ليس الحل قطعا.

يتحدثون عادة عن تفعيل مادة العدالة الانتقالية في الدستور لحل الإشكاليات الراهنة.. ما رأيك؟

العدالة الانتقالية نهاية مسار وليست بداية المسار، لابد في البداية من تهيئة مناخ لإحداث تحسينات في جميع الملفات، خاصة أن العدالة المرجوة لازالت رهن المطالبة ولم تنته، فلدينا على سبيل المثال سجناء رأي تخطوا فترة الحبس الاحتياطي المقدرة بعامين ولم يخرجوا ومازلنا نتحدث عن ضرورة تطبيق العدالة معهم.

العدالة الانتقالية تبدأ عندما ننهي ملف المحبوسين بخروجهم، وعند رجوع المنفيين أو الذين اختاروا المنفى، فوقتها نبدأ في تفعيل العدالة الانتقالية للتعافي من جروح الماضي، وجبر الضرر، وتقديم الاعتراف من المذنبين لإقرار التسامح، وفي دولة المغرب حدث ذلك.تجربة مهمة، عندما جاء الملك ودعا للمصالحة.

هل تدعو المعارضة إلى التفكير من جديد في تصحيح مسارهم؟

على الداخل أن يبدأ تحديد مستقبله ومواقع قراراته، وعلى كل تيارات الخارج إعادة التفكير في المستقبل، وأن يُرجحوا مسار الحوار وهو ما يتطلب التوقف عن التراشق وإقرار هدنة وطنية سياسية.

عليهم استغلال الست سنوات القادمة في ذلك، فهذه سنوات مهمة جدًا، إما أن نخرج من أزمتنا الاقتصادية والسياسية أو نذهب إلى فترات صعبة، وجزء من مسئولية المختلفين أن ينظروا نظرة موضوعية، لا نظرة ثأرية شخصية مصبوغة بصبغة موضوعية.

علينا وقف الحملات الإعلامية. الملاحظ أن الحكومة أوقفت بقدر ما ألسنة إعلامييها المعروفين عن المعارضة، لأسباب متعددة، قد يكون منها أنهم تعبوا من هذه الطريقة، أو أنهم حققوا أهدافهم، أو أنهم يريدون أن يعطوا إشارات واضحة للمعارضة هنا وهناك، وبالتالي يجب التقاط الإشارة.

في الحوار الوطني سُمح لآراء مختلفة أن تتواجد، والانتخابات الرئاسية انتهت بكل ما فيها، وبالتالي، يجب أن نستعد للفترة المقبلة، ومسارات الحوار كثيرة، كان الحوار الوطني أحد آلياتها فقط، والإيمان بالمفاوضات كمسار حل، في حضور طلبات معقولة ليس من بينها بالطبع أن يستقيل الرئيس.

المعارضة ليست في موضع قوة، وبالتالي، فالحد الأدنى هو التمسك بنقطة الحق، وهناك طلبات لا يمكن التنازل عنها، كالإفراج عن جميع سجناء الرأي، والعفو عن جرائم الرأي، ونحن متمسكون بما قاله الرئيس السيسي في إفطار الأسرة المصرية: “الاختلاف في الرأي لايفسد للوطن قضية”، وهناك طلبات أساسية، تتطلب المناقشة، والمفاوضات الطويلة والنضال التراكمي، لأن هناك جبال من سوء الظن بين الجميع، تحتاج إلى مناخ مناسب لتبديد العراقيل.

نحن نتكلم مع نظام وطني من مصريين بغض النظر عن موقفنا من مسارهم وتجربتهم، ولديه شريحة من المؤيدين خلقها بوسائله التي نتفق معها أو نختلف، فعندما نقول في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أن هناك حلول، ألا يستدعي ذلك أن نقول أن هناك حلول بين أبناء الوطن الواحد المختلفين؟

نحن نتعامل مع نظام متعدد مناطق القوة والنفوذ، وعلى الجميع أن يدرك أن الثورة مستحيلة، حتى نهدم جبال الشك والمزايدات، ونركز في المفاوضات والحلول.

ألا تخشى من المزايدات على أساس أن البعض يضعك في خانة “الحمائم”؟

المزايدات “بالكوم” ولا تتوقف، وباتت آفة المعارضة في الداخل والخارج، ولكن علينا أن نقول كلمتنا ولا نتوقف.

نجاد البرعي في حوار مع "فكر تاني"
نجاد البرعي في حوار مع “فكر تاني”

للأسف، بعضهم يدير السياسة بمنطق الثأر، وهذا خطأ كبير، فمثلا عندما أكتب شكر لبعض الذين ساهموا في الإفراج عن سجين رأي، أقابل أحدهم في الشارع، وأجده مستاءاُ من شكري باعتبار أن السلطة هي من حبست، فأقول له: “انتقدتهم عندما حبسوه وشكرتهم عندما أخرجوه”، وبالمثل توجد تعليقات سلبية من تركيا ومن الخارج، وكأن فتح هامش إيجابي وتعزيز روح التعاون على توسيع الحريات أمر ليس من مطالب المجتمع المدني والسياسي.

عن معارضة الخارج

قد يكون الأمر متاحًا للمعارضة في الداخل، ولكن معارضة الخارج هل يقبل النظام بهم؟

أدعو المعارضين في الخارج إلى اعتماد مبدأ الحوار مع الدولة، والبدء في العودة إلى مصر بعد فتح الحوار لعرض مطالبهم من الداخل ، فلا توجد معارضة فاعلة من الخارج ولا قيمة لها في التحول، بل يلاحقها الوصم في تاريخ الحركة الوطنية، وتاريخيا أذكر أن أحمد ومحمود أبو الفتح*، خرجوا من مصر، ومات محمود في تونس وعاد شقيقه أحمد بعد سنوات بعفو، وكذلك من خرج بعد 15 مايو 1971، عاد لمصر، ولم يتبق فيها إلا واحد فقط في لندن هو عبد المجيد فريد، أمين عام شئون رئاسة الجمهورية الأسبق.

*محمود أبو الفتح هو أول نقيب للصحفيين في مصر تشارك وشقيقه أحمد الكاتب الصحفي، في إنشاء وإدارة جريدة المصري، وكانت لهما أزمات سياسية مع الملكية، امتدت لعهد الرئيس جمال عبد الناصر، خرجها على إثرها من مصر، فتوفي محمود أبو الفتح خارج مصر، ثم عاد أحمد أبو الفتح إلى البلاد في عام 1974.

استمرار المعارضة في البقاء في تركيا ولندن وأمريكا، مع التراشق الإعلامي واعتبار ذلك جهاد، لن يفيد، مثلما كان الوقوف مع “أحمد الطنطاوي” الذي اعتمد مسار الخصومة، خطأ كبير، في ظل أن “فريد زهران” كان صاحب خطاب شامل ومناسب للمرحلة يمكن البناء عليه.

نعود إلى الحوار الوطني، فهل نأمل بعد رجوعه أن يدخل الفرحة إلى بيوت سجناء الرأي؟

يمكن ذلك، وبصرف النظر عن أي رؤية تشاؤمية، قد يستشعرها البعض، أتوقع أن تحدث إفراجات فردية، لكن أنا أنظر إلى إفراجات أكبر وأعم، فالإفراجات الفردية تشكل فرحة في بعض البيوت وهي شيء يسعدني جدًا، ولكن لابد من السعي إلى تغيير المناخ عبر الحوار لتحقيق كل مطالب الناس والإفراج عن كل سجناء الرأي.

وأعتقد أننا نحتاج إلى وجوه جديدة بعد حلف الرئيس لليمين الدستوري، لبدء محاولة جديدة في تقوية جسور الحوار والتفاوض والنقاش.

حراك حقوقي جديد

ننتقل إلى غزة وشأن حقوقي، سقوط الدول الغربية في اختبار حقوق الإنسان وسحب دولة كألمانيا تمويل حقوقي مصري.. ألا يدفع إلى تفكير نقدي لمسار حركة حقوق الإنسان بمصر والوطن العربي وعلاقاتها مع الغرب؟

نحتاج إلى حراك حقوقي جديد، ومبادئنا في الحركة الحقوقية المصرية ألا نأخذ تمويل من دول وأن ننسق جهودنا مع منظمات دولية ذات وحدة في الموقف معنا من الصراع العربي الإسرائيلي، ولكن البعض تساهل قليلًا.

ازدواجية المعايير ظهرت في الحكومات وليس الشعوب الغربية، فالشعوب ثائرة وترفض ما يحدث في غزة، ولكن على الحركة الحقوقية العربية والمصرية في القلب منها، أن تعيد حساباتها وأن تتجاوب مع ثورة التكنولوجيا المتصاعدة لأنه يمكن لها تحقيق أهدافها بأقل الإمكانات والتكاليف، وعبر التواصل الاجتماعي وتطبيقات الحوار، ثم عليها أن تتجه إلى التركيز على نشر ثقافة حقوق الإنسان لا الرصد والمراقبة كما كان الحال في الماضي، حيث يمكن عبر تطبيق زووم عمل محاضرة عن حقوق الإنسان، كانت تتطلب في وقت سابق إمكانات كبيرة وتكاليف مالية أكبر وموافقات أمنية، كما يمكن إدارة نشاط المنظمة من أي مكان، بما يساهم في ترسيخ الوعي الحقوقي بأقل التكاليف، وهذا هو المستقبل حتى لو تحولت مصر إلى سويسرا في مجال حقوق الإنسان.

أخيرًا.. بعد كل هذه الهموم، هل يوجد شيء يدعو للتفاؤل؟

طالما هناك صباح وهناك روح وهناك معافرة فهناك تفاؤل، وطالما هناك من يحاول ويجتهد فهناك تفاؤل، و بالبلدي “يا ما دقت على الراس طبول”، وهذه البلد في القلب، وكل ما أرجوه من ربنا عز وجل أن يرى جيلي شيء يقر به عينه قبل رحيله، يبدو أن القدر يخبيء لنا الأفضل.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة