مدحت الزاهد: النظام يلعب دور الكفيل لأحزابه.. ووجود حزب "لا موالاة ولا معارضة" نكتة الموسم (حوار خاص)

لا نرى مناخًا مناسبًا لإجراء الانتخابات هذا العام حتى الآن.. "هندستها" مستمرة

هناك أزمة محتدمة جدًا في مصر والانتخابات الحقيقية طريق الخروج الوحيد

النظام يلعب دور الكفيل للموالاة.. و"الجبهة الوطنية" ليست سوى "تدوير" للنخب السياسية الموالية

من لم يتحمل كتلة 25-30 لن يحتمل كتلة معارضة جادة مثلها.. يريدون معارضة غير مؤثرة

ادعاء وجود حزب بمبدأ "لا موالاة ولا معارضة" نكتة الموسم وفخ لاستدراج المعارضين للتحالف الحكومي

قرار مقاطعة الانتخابات موجود على طاولة الحركة.. إطلاق سراح سجناء الرأي شرط مهم للمشاركة

مجلس الشيوخ مجرد زيادة تشريعية وجراج لعناصر الموالاة التي لم تحظَ بفرصة الوزارة أو مجلس النواب

الأغلبية المضمونة في مجلس النواب أضرت بالحياة البرلمانية والتشريعية واستقرار البلد

مكان المواطنين أصبح إما الجلوس على "الكنبة" أو في "السجون"

لن نبني موقفًا على "الأصوات العقابية" حاليًا

أبدى مدحت الزاهد الكاتب الصحفي رئيس مجلس أمناء الحركة المدنية الديمقراطية ورئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، قلقًا بالغًا بشأن المناخ السياسي الحالي في مصر قبيل الانتخابات البرلمانية المقبلة، منتقدًا الإصرار على إعادة إنتاج الهيكل البرلماني الموالي ذاته، مع تهميش المعارضة، وهو أمر يقول إنه أثبت إخفاقات أضرت بالعملية الديمقراطية في مصر.

وبينما أشار الزاهد في حوار مطول أجرته منصة "فكر تاني" معه في إطار سلسلة "سجال برلمان 2025"، إلى أن الوضع السياسي الراهن قد يدفع الحركة المدنية الديمقراطية إلى التفكير جديًا في مقاطعة الانتخابات، تناول - خلال الحوار - شروط مشاركة الحركة في الانتخابات، وأسباب تأخر التحالفات الانتخابية، وموقف الحركة من التحالف مع أحزاب الموالاة وحزب الجبهة الوطنية الجديد، بالإضافة إلى تقييمه وضع الأحزاب في مصر.

السياسي مدحت الزاهد رئيس مجلس أمناء الحركة المدنية الديمقراطية ورئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي في حوار مع منصة فكر تاني - تصوير اسلام يحيى - فكر تاني
السياسي مدحت الزاهد رئيس مجلس أمناء الحركة المدنية الديمقراطية ورئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي في حوار مع منصة فكر تاني - تصوير اسلام يحيى - فكر تاني

النظام والبرلمان والمناخ السياسي

بدأ عام الانتخابات.. هل المناخ الحالي ملائم للمشاركة خاصة مع غياب الإشراف القضائي؟

بالطبع، لا يمكن أن يكون هذا مناخًا مناسبًا لعام تجرى فيه الانتخابات، لأسباب تتعلق بطبيعة النظام السياسي والإجراءات الأخيرة التي لا يُمكن وصفها سوى بأنها "هندسة" للحياة السياسية والحزبية في مصر، من خلال تأكيد مبدأ الموالاة واستبعاد وإقصاء المعارضة.

المناخ المناسب يرتبط باعتراف النظام بالحق في التعددية والتنوع وتعزيز فرص التنافسية، بحيث يشعر المواطن أن الانتخابات الحقيقية ذات صلة بمستقبله ومستقبل أبنائه.

مدحت الزاهد
مدحت الزاهد

الأمر غير متصل بالإشراف القضائي من عدمه، ولكن بشكل المناخ السياسي الخانق الحالي.

لا توجد حرية إعلام، ولا توجد مساحة لكل حزب للحديث عن برنامجه في وسائل الإعلام كما كان الوضع في وقت سابق، حتى المواقع الإلكترونية المحدودة تُحاصر وتُقيد، وولاء وسائل الإعلام القومية ليس لمالكها وهو الشعب، ولكن للسلطة وأحزابها.

في الانتخابات السابقة، التي عُقدت تحت الإشراف القضائي، رأينا شواهد كثيرة ومواقف سلبية انتهت إما بالتعويض القضائي أو بالسقوط من المنبع وعدم السماح للناخبين بممارسة حقوقهم.

لن تجد الأصوات العقابية طريقها في ظل هذا المناخ، ولو كانت هناك نية لكنا رأيناها في توكيلات "أحمد طنطاوي".

كيف ترى تدشين حزب "الجبهة الوطنية" مع مطلع عام التحالفات الانتخابية؟

النظام الحاكم- بمؤسساته وأجهزته- يلعب دور الكفيل للموالاة، بشكل يعمق تبعية الأطراف المختلفة، ويتجاهل أزمة محتدمة جدًا في مصر، ولا سبيل للخروج من ذلك إلا بالانتخابات الحقيقية.

مؤسسو حزب الجبهة الوطنية الجديد - فيس بوك الحزب
مؤسسو حزب الجبهة الوطنية الجديد - فيس بوك الحزب

ما يجري يعزز حقيقة أن الالتحاق بالبرلمان أصبح مرتبطًا بالإرادة التنفيذية في البلد، ويؤكد أن النظام لا يبالي بتطلعات الناس في برلمان جاد، تتواجد فيه معارضة حقيقية تدفع إلى ممارسة البرلمان أدواره الفعلية.

اقرأ أيضًا : مجدي عبد الحميد: لا معنى لانتخابات بلا مناخ ديمقراطي.. ولا يجوز أن تعارض السلطة وأنت في حضنها (حوار)

 

مصادرنا ترجح وجود توجه لبرلمان أكثرية لا أغلبية واقتسام الكعكة البرلمانية أحزاب الموالاة القديمة والحزب الجديد (الجبهة الوطنية).. ما تعليقك؟

أرى أن هناك إعادة إنتاج للتجارب السابقة. أين حزب المصريين الأحرار الذي كان صاحب الأغلبية في أول انتخابات بعد 2013؟ وأين الوفد الذي كان صاحب مكانة انتخابية مختلفة؟

ما يحدث الآن هو مجرد "تدوير" للنخب السياسية الموالية. وبالتالي، لا توجد نخبة موالية تستمر أو تستقر في موقعها.

ربما النظام لا يريد مراكز قوى أو شبكة مصالح مستقرة في المشهد العام، تسيطر عليها جهة أو هيئة ما.

يتوقع البعض أن فتات المقاعد البرلمانية سيكون من نصيب المعارضة.. هل ترى ذلك وما توابعه إن حدث؟

نعم، أرجح هذا السيناريو وهو أمر طبيعي؛ فالمستقر حتى الآن هو رغبة النظام السياسي في تزيين هذا الديكور الشكلي القائم على الإقصاء، بوجوه معارضة شكلية وغير مؤثرة.

مدحت الزاهد
مدحت الزاهد

لم يتحمل النظام كتلة 25-30، رغم محدودية أعضائها في مجلس نواب 2015، ويتذكر لها معارضتها للتفريط في جزيرتي تيران وصنافير، ورفض تعديل الدستور. ولذا، لم يترك لها فرصة في البرلمان الحالي، بينما تم استبعاد الباقي بطرق عدة، واكتفى بوجود معارضة محدودة التأثير.

ومن لم يتحمل كتلة 25-30 لن يتحمل كتلة معارضة جادة مثلها مرة أخرى.

بين رغبة المشاركة وقرار المقاطعة

لماذا تشارك المعارضة إذًا في الانتخابات المقبلة؟

ما يحدث في المجال العام المتصل بالانتخابات يصنع ميلين دائمين داخل المعارضة؛ هناك من يميل إلى المقاطعة، وهو اتجاه يتزايد، خاصة مع تقلص فرص التنافسية يومًا بعد يوم، بالإضافة إلى إبعاد البرلمان عن صنع السياسات في ظل تشريعات معروف طريقة تمريرها.

هؤلاء يرفعون دومًا سؤال: ما جدوى المشاركة؟

في المقابل، توجد وجهة نظر أخرى تقول إن كل فرصة للمشاركة هي فرصة للاتصال بالمواطنين، وإيصال رسالة المعارضة وخطابها إليهم، والتعبير عن أصواتهم ومطالبهم. ومن هنا، تكون جدوى المشاركة في برلمان لا يرونه مستقلًا، ولا يمكنه فعل شيء كبير أو حصد مقاعد سوى الفتات.

المسألة هنا، بالنسبة لهذا الاتجاه، تتمثل في الإجابة على سؤال: هل المشاركة تهدف إلى تعزيز الهيمنة على المجال السياسي والتشريعي، أم أنها محاولة لإيجاد بديل ديمقراطي في مصر؟

مدحت الزاهد
مدحت الزاهد

متى تتخذ الحركة المدنية قرارًا بمقاطعة الانتخابات المقبلة؟

قرار المقاطعة موجود على طاولة الحركة، وهناك عدة نقاط مركزية تحسمه، في مقدمتها إطلاق سراح سجناء الرأي، وهذه نقطة حاكمة، كاشفة للمناخ والنوايا.

من يرفض إطلاق سراح سجناء الرأي قبل الانتخابات، يؤكد بقاء المناخ على ما هو عليه، بشكل لا يكون ملائمًا لإجراء انتخابات جادة.

إذا رفض النظام إطلاق سراح السجناء وتوفير مناخ ملائم، ستجتمع الحركة لدراسة قرار المقاطعة من عدمه في حينه.

هنا أقول أيضًا إن هناك درجات من المقاطعة، وهناك درجات في المشاركة.

يمكنني أن أقول إنني كحركة لن أشارك بالانتخابات إلا على المقاعد الفردية، وسأقاطع المشاركة في القوائم المطلقة إذا تم إقرارها وحدها. كما يمكنني المشاركة في مناطق معينة في حال رفضنا لقانون الانتخابات إذا صدر على غير مطالبنا.

كذلك يوجد تصور آخر لدى الحركة بالمقاطعة كإطار جامع، مع إطلاق حرية القرار لأحزابها للمشاركة وفق القواعد التي ستقررها، ولكنها لن تتسامح في مشاركة أحد مع أحزاب الموالاة.

اقرأ أيضًا: عبد المنعم إمام: الفراغ سيجد من يملأه ولدينا البديل.. التحالفات الانتخابية قد تحمل مفاجأت.. التصويت العقابي لا يصلح كحل دائم (حوار)

ترتيبات الحركة للانتخابات

بحكم رئاستك لمجلس أمناء الحركة المدنية الديمقراطية ما ترتيبات تحالفكم الانتخابي ولماذا تأخر؟

تأخر التحالف الانتخابي للحركة يعود إلى أن الأساس الذي سنبني عليه مسارات التحالف يتم تأجيله عمدًا، وهو قوانين الانتخابات التي لم تصدر حتى الآن.

جميلة إسماعيل تسلم الزاهد مهام المنصب الجديد داخل الحركة المدنية (وكالات)
جميلة إسماعيل تسلم الزاهد مهام المنصب الجديد داخل الحركة المدنية (وكالات)

على أساس معرفتنا بالقوانين عقب صدورها، سيتحدد قرار المشاركة من عدمه في ضوء قراءة المشهد الانتخابي: هل نحن بصدد انتخابات نزيهة أم إقصائية؟ وهل سيتم "هندستها" مجددًا لصالح أحزاب الموالاة أم لا؟

هذه نقطة، أما النقطة الأخرى، فلدينا بالفعل ملامح برنامج انتخابي للحركة المدنية، ركيزته القضايا الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بمصالح المواطنين وعدالة توزيع الأعباء والموارد، والحفاظ على الثروة الوطنية وقضية الحريات.

أما فكرة المرشحين وأين هم، فلابد من الإشارة إلى أنه مع إغلاق المناخ السياسي، سيكون هناك صعوبة في اختيارهم، ولكنها ستُحسم فور صدور التوافق على قرار الحركة بالمشاركة.

في هذا الإطار، بدأت بعض أحزاب الحركة في تجهيز مرشحيها وبعض برامجها النوعية في المحافظات، ولكن الأمر لا يزال في البداية.

المال السياسي

في حال المشاركة.. هل تستطيعون كحركة مواجهة المال السياسي والعائلات في معركة مقاعد الفردي؟

طبعًا ستكون معركة صعبة جدًا.

ولكن أريد أن أوضح أنه رغم أن المعارضة مأزومة في هذه الانتخابات بشكل صعب، فإن النظام كذلك مأزوم هو أيضًا بشكل كبير.

وأحذر أنه إذا لم يُفتح متنفس حقيقي أمام الناس مع هذه الانتخابات، فإن النظام يدفع مصر إلى انفجار عشوائي.

هذه فرصة للتعقل وإيجاد فرصة للتنفس، وأن يشعر الناس بوجود بديل ديمقراطي سلمي، وهذا لن يحدث إلا بانتخابات حرة ديمقراطية.

أتذكر أيام النائبين الراحلين البدري فرغلي وأبو العز الحريري، وكيف كان الناس يتابعونهما ويجدون فيهما متنفسًا ولصوتهم مكانًا. وبالتالي، لابد من فتح الباب لذلك والإيمان بتوازن السلطات، وليس بالاحتكار والهيمنة.

كأنك تعيد نصائح المعارضة نفسها لنظام مبارك.. فهل مصر بصدد نسخة من برلمان 2010 أم قد تخسروا الرهان ويصبح برلمانًا لجمهورية جديدة؟

طبعًا، نحن بصدد نسخة من برلمان 2010 إذا استمر الوضع هكذا.. و"ياريت 2010 كمان".

مدحت الزاهد
مدحت الزاهد

للأسف، الوضع يتدهور بشكل شديد.

كنا نعارض مبارك ونتظاهر ونذهب إلى البيت في المساء دون أن تلاحقنا تهم مشاركة جماعة إرهابية في أهدافها.

هناك قطاعات من الرأي العام باتت تقول اليوم "إحنا آسفين يا مبارك"، ورغم أننا قمنا بالثورة عليه، إلا أن هناك شخصيات كانت لديها وزن، وكان هناك مؤسسات تعبر عن رأيها رغم الهيمنة.

للأسف، هناك قراءة رائجة لدى أطراف من مؤسسات الدولة حاليًا، تقول إنه لولا فتح مبارك ثغرات في المشهد السياسي للمعارضة ما كان حدث ما حدث، مما ترتب عليه حاليًا سد أي منفذ تعبر منه المعارضة للرأي العام. لكن القراءة الصحيحة هي أن هذه الثقوب في جدار الدولة البوليسية هي التي أتاحت تطويل عمر مبارك في الحكم.

مصر بها 106 أحزاب أغلبها يمكن أن نسميه أحزاب "البقاء لله" ولا يوجد بينها ما يتصدر المشهد سوى 20 حزبًا.

لا موالاة ولا معارضة

حزب الجبهة الوطنية الجديد أعلن أنه "لا موالاة ولا معارضة".. فلماذا ترفضونه؟

حكاية حزب "لا موالاة ولا معارضة" هي نكتة الموسم السياسي. ليس عيبًا أن يقول القائمون على الحزب إنهم مؤيدون لسياسات الحكومة. صيغة "لا موالاة ولا معارضة" تعكس محاولة استدراج القوى المدنية المعارضة للتحالف الحكومي، وهي فخ.

الحركة المدنية الديمقراطية لها قرار واضح بعدم التحالف مع الموالاة، وبالتالي لن نتحالف مع حزب الجبهة الوطنية الجديد.

عقد ملتقي الأحزاب في هذا الوقت أثار تكهنات حول مشاركة أحزاب المصري الديمقراطي والعدل والاصلاح والتنمية في تحالف انتخابي جديد للموالاة
عقد ملتقي الأحزاب في هذا الوقت أثار تكهنات حول مشاركة أحزاب المصري الديمقراطي والعدل والاصلاح والتنمية في تحالف انتخابي جديد للموالاة

كيف ترى مشاركة أي حزب محسوب على المعارضة مع تحالف موالاة؟

لدينا قرار ملزم لأحزاب الحركة أو من يرغب في الاستمرار فيها بعدم خوض الانتخابات عبر نظام الكفيل أو ما يُسمى قوائم الموالاة أو بتزكية من أجهزة الدولة.

نحن نؤمن بضرورة بناء دولة مدنية حديثة، وهذا يعني الخصام مع نظام الكفيل الانتخابي. هذه مأساة، تعني حتمية وجود ضامن كي يكون لك تمثيل نيابي في البرلمان.

الإصرار على هذا المسار لا ينتج ديمقراطية، ولا دولة مدنية، ولا يؤدي إلا إلى الهيمنة والإقصاء والاستبداد.

كل تطورات المنطقة تؤكد أهمية إتاحة الفرصة لاستعادة الديمقراطية وفتح النوافذ للعمل والحركة.

ثلاثي الحيز المتاح

يقال إن أحزاب "ثلاثي الحيز المتاح" قريبة من التحالف مع حزب موالٍ. ما تعليقك؟

حزبان من الثلاثة رهن التجميد في الحركة، وهما "المصري الديمقراطي" و"العدل"، أما حزب "الإصلاح والتنمية" فيوافق على قرارات الحركة.

فريد زهران أثناء الاجتماع التحضيري لملتقى الأحزاب مع مستقبل وطن -فيس بوك
فريد زهران أثناء الاجتماع التحضيري لملتقى الأحزاب مع مستقبل وطن -فيس بوك

في الانتخابات الماضية، دعينا للتحالف مع حزب "مستقبل وطن"، وكان ردنا واضحًا: هذا هو الحزب الذي وضع التشريعات التي عارضناها، فكيف نتحالف معه؟

وفق قرار الحركة المدنية، سيتم شطب من يتحالف مع الموالاة. وإن كان من المبكر الآن الحكم على نوايا الأحزاب الثلاثة. وكما من حق الحركة تفعيل قرارتها، فمن حق أي حزب بناء ترتيباته وتحديد طبيعية وجوده وموقعه السياسي.

تمديد فترات الرئاسة

بعض دوائر الموالاة ترى البرلمان القادم مصيريًا يُسهل التعديل الدستوري لفترات الرئاسة. كيف تُعلق؟

أي تعديل دستوري محتمل للنظام السياسي سيصبح مأساة.

بقاء النظام لفترات طويلة يشكل شبكة من المصالح، تُستخدم في إفساد النظام سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا.

البشرية اختارت فكرة تداول السلطة لمنع مثل تلك الشبكات وصون فكرة الدولة.

تقييد المدد ليس ضد شخص، ولكنه مبدأ مهم لصالح الديمقراطية والأمن الاجتماعي والقومي والسلامة المجتمعية.

البرلمان الجديد
البرلمان الجديد

أغلبية مضرة

كيف ترى الأغلبية المضمونة للموالاة في البرلمان في العقد الأخير؟

أضرت بالحياة السياسية والتشريعية، وباستقرار مصر، وحوّلت البرلمان إلى مجرد أداة تقود البلاد إلى منعطفات خطيرة، سندفع جميعًا أثمانًا باهظة لها.

تخيل أن تلك الأغلبية تتلقى تشريعات الحكومة بالتسويق، وأحيانًا بزيادة السوء، وأحيانًا يكون الاتجاه إلى اليمين، فيذهبون إلى الشمال.

ألم يكن تدشين الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان علامة كبرى على تحول كبير في قضايا حقوق الإنسان؟ ألم يكن هناك خطاب للرئيس عبد الفتاح السيسي تحدث فيه عن انفراجة في هذا الملف؟ فماذا يعني ما حدث في مشروع قانون الإجراءات الجنائية؟ أليس هذا أسوأ بكثير مما كان موجودًا؟

ألم يكن يكفي إصدار تشريع بعفو عام شامل للإفراج عن المعارضين السلميين في قضايا الرأي؟ هذا البرلمان مسؤول عن عدم إفشال كل ذلك.

اقرأ أيضًا : أميرة صابر: حياة الناس لم تعد سهلة.. وأتمنى برلمانًا مختلفًا في 2025 (حوار)

إعدام المشاركة الشعبية المحلية

كيف ترى تأخير إصدار قانون المحليات وتعطيل الانتخابات؟

هذه مأساة أخرى في مصر.

الحكم المحلي هو المدرسة الأساسية لتخريج الساسة في كل دول العالم، وما يحدث من تأخير وتعطيل هو إعدام للمشاركة الشعبية المحلية في الحياة السياسية، وإقصاء.

وسؤالي هو: ما الأفضل لمصر: انفجار الناس أم استيعابهم في الحوار والحياة السياسية؟

تخيل أن نقيب الأطباء ألغى الجمعية العمومية للأطباء الخاصة برفض قانون المسؤولية الطبية، وهي أهم مظهر ديمقراطي في العمل النقابي، وقال السبب: حفظ أرواح أبنائه الأطباء. تخيل هذا يحدث في دولة.

زائدة تشريعية

يقول البعض إن مجلس الشيوخ هو نقطة بداية أزمة الأطباء بموقفه من قانون المسؤولية الطبية. كيف ترى دوره؟

مجلس الشيوخ هو زائدة تشريعية. فالحديث الرسمي هو أننا بلد فقير ومحدود الموارد، ثم نصنع مجلسين، أحدهما بلا صلاحيات.

لقد تحول هذا المجلس إلى جراج لعناصر الموالاة التي لم تحظَ بفرصة دخول الوزارة أو مجلس النواب.

الظروف الاقتصادية

هل تعوّل كقيادي معارض على تحفيز التصويت العقابي؟

هذا كلام رومانسي جدًا، ويتناقض مع خطاب المعارضة العام عن طبيعة السلطة والمناخ العام.

النظام لن يسمح بذلك، رغم أن مواقفنا ليست شخصية ضد رئيس أو وزير أو مسؤول. نحن ضد السياسات.

لن تجد الأصوات العقابية طريقها في ظل هذا المناخ، ولو كانت هناك نية لكنا رأيناها في توكيلات "أحمد طنطاوي".

أحمد الطنطاوي وسط بعض أنصاره
أحمد الطنطاوي وسط بعض أنصاره

هم يرون آخر هذه الأصوات حتى الآن إما "الجلوس على الكنبة"، أو "الجلوس في السجون الحديثة ذات النجوم الخمس"، كما يدعون.

وبالتالي، لا أبني موقفًا سياسيًا على هذه الأصوات العقابية. سأبني فقط على المساحة التي تستطيع فيها الأصوات العقابية ممارسة دورها خلالها.

لدينا أزمة في الحياة الحزبية بسبب انتشار ظاهرة أحزاب البيانات، وغياب أحزاب الموقف والحملة والحركة والنشاط

شكلية الأحزاب

كيف تقيم المعوقات التي تواجه الأحزاب حاليًا؟

المناخ السلبي كما قلنا هو المعوق الأول، والاعتراف بالتعددية الحزبية أصبح شكليًا، وهذه أزمتنا في مصر.

يرددون دائمًا أن لدينا 106 أحزاب، وهي أحزاب "البقاء لله"، ولا يوجد إلا 20 حزبًا في المشهد، للموالاة والمعارضة. وهذا رقم مجاملة لهم.

اجتماع الحركة المدنية (حساب الحركة على فيسبوك)
اجتماع الحركة المدنية (حساب الحركة على فيسبوك)

معظم الأحزاب تحولت إلى أنوية صغيرة نتيجة لأجواء الحصار والخنق، وأحزاب الحركة المدنية تضررت بشكل كبير من هذا الوضع.

في هذا المناخ، البعض يستشعر ذبول الحركة المدنية وقرب انتهائها. هل هذا صحيح؟

لا أريد أن أسبق الأحداث، ولكن الحركة المدنية تعاني من الوضع العام، وانعكاساته السلبية.

نحن نعيش في فترة تراجع عامة وخاصة.

الحركة المدنية وريثة التيار الديمقراطي، الذي مر بعدة تجارب بين لحظات خفوت وصعود، أهمها التصدي للتفريط في جزيرتي تيران وصنافير.

هل تتجهون لتأسيس إطار جديد؟

"طول ما حاجة فيها النفس، سأحاول المد فيه"، ولن أسبق الأحداث.

ولكن دعني أقول إن الحركة لم تتوقف أو تتجمد، ولا تزال تقيم الأنشطة. فمثلًا، أهم مؤتمرات دعم فلسطين كانت بدعوة الحركة المدنية في ضيافة حزب المحافظين.

نظمنا ردًا على الحكومة وأعلنّا موقفًا مهمًا من تأسيس اتحاد القبائل العربية.

أموال "المحافظين"

البعض يتحدث أن حزب المحافظين سيكون صاحب اليد الطولى في تحالف الحركة الانتخابي وأنه المهيمن "بفلوسه" كما يقولون. ما تعليقك؟

هذه وجهات نظر لا تعرف التاريخ ولا الأحداث.

نحن كحركة نُعلن مواقفنا بقوة من داخل حزب المحافظين، والتي قد تختلف مع مواقف الحزب نفسه.

اجتماع مجلس أمناء الحركة المدنية الديمقراطية - فيس بوك
اجتماع مجلس أمناء الحركة المدنية الديمقراطية - فيس بوك

المحافظين حزب رئيسي له كل الاحترام ضمن الأحزاب الليبرالية في الحركة، ومن دونه لن تكون هناك حركة مدنية، وستتحول إلى تحالف الأحزاب القومية أو اليسارية.

كما أن مستوى تنسيق "المحافظين" مع كل أحزاب الحركة المختلفة معه كبير، ومختلف عن باقي الأحزاب الليبرالية الأخرى بالحركة.

بكل وضوح المحافظين ليس مهيمنًا أو مسيطرًا، وأكمل قرطام، رئيس حزب المحافظين، هو أول من دعا إلى أن أكون رئيسًا لمجلس أمناء الحركة المدنية، وبالمقابل كنا نُصر على أن يكون القيادي بحزب المحافظين طلعت خليل هو منسق الحركة، وقد تم.

أما ما يثار عن الدعم المالي، فأقول عنه بوضوح إن أي تحالف يجب أن يستفيد بكل عناصر القوة النسبية عند أطرافه. وبالتالي، ليس عيبًا أن الحزب الأغنى يصرف في التحالف.

تحالف 30 يونيو انتهى، ومن يطالب باستعادته اليوم هو من ساهم في القضاء عليه.

تجربة الوعي

كيف ترى تجربة إعادة تأسيس الأحزاب، وآخرها حزب الوعي؟

أنا متحفظ على تسمية إعادة تأسيس للأحزاب. وفي حالة حزب الوعي، هل كان محمود طاهر يقود عملية إعادة التأسيس أو كان طرفًا فيها؟ هل تعلم أن العميد محمد بدر، أمين عام حزب الوعي، سمع كغيره عما يحدث في حزبه؟

أنا أعتبر هذا كله جزءًا من هندسة الحياة السياسية في الفترة الأخيرة.

انقسامات الدستور

كيف تقرأ ما حدث في حزب الدستور من انقسامات؟

موقفنا مما يحدث أُلخصه في الآتي:

أولًا: لجنة شؤون الأحزاب هي جهة إخطار، ولا يحق لها التدخل في شؤون الأحزاب، وبخاصة نزاعاتها الداخلية.

ثانيًا: يجب حل المشكلة داخل الأحزاب وديًا على قاعدة المشاركة الجماعية، والمبادئ الديمقراطية، وعدم الإقصاء، خاصة أن هناك تيارًا معارضًا داخل حزب الدستور، وأبدى شبابه دائمًا مرونة في حل الأزمة بناءً على مبادئ الحزب وتماسك أعضائه.

حزب الدستور في أزمة جديدة
حزب الدستور في أزمة جديدة

الزميلة جميلة إسماعيل وعدتنا بأن يُحل الخلاف داخل حزب الدستور وديًا، وأتمنى سرعة حدوث ذلك.

نحن كحركة مدنية عرضنا الوساطة، وإذا قبل جميع الأطراف العرض، فإني أثق في إمكانية حلها.

يمكن أن يتعاونوا في مؤتمر عام توافقي للجميع، ومن خلاله يمكن حل الأزمة.

حق الناس

أين جبهة "حق الناس" التي دشنتها أحزاب اليسار ثم خفت صوتها؟

لا تزال في المرحلة الأولى، وأتمنى أن تركز في دورها في العدالة الاجتماعية.

هناك تشكيلات كثيرة غيرها يمكنها التصدي للقضايا العامة، مثل القضية الفلسطينية، ولكن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية تحتاج إلى حضورها واشتباكها معها.

أتمنى أن تتوجه من مرحلة "جبهة البيانات" إلى مرحلة "جبهة الحملات" للدفاع عن المواطنين.

لدينا أزمة في الحياة الحزبية بسبب انتشار ظاهرة أحزاب البيانات، وغياب أحزاب الموقف والحملة والحركة والنشاط.

تحالف 30 يونيو انتهى

مع تدشين حزب "الجبهة الوطنية"، البعض يقول إن استعادة تحالف 30 يونيو بات ممكنًا. ما رأيك؟

تحالف 30 يونيو انتهى، ومن يطالب باستعادته اليوم هو من ساهم في القضاء عليه.

منذ 30 يونيو 2013 وحتى اليوم، لم يحدث شيء مما طمحنا إليه، وفي مقدمته بناء دولة مدنية ديمقراطية. وبالتالي، لا جدوى من استحضاره في المشهد مجددًا. لقد تغيّر كل شيء.

الحلم والأمل والروح

ماذا تبقى من ثورة 25 يناير 2011 بعد مرور كل هذه السنوات؟

ما تبقى هو الحلم والأمل والروح والشباب الذي تنفس نسائم الحرية.

كانت تلك 18 يومًا مجيدة سعت لبناء مصر الجديدة، ولكنها أُجهضت. ولا تزال المعركة منذ يناير 2011 وحتى يونيو 2013 معركة استرداد المساحات الديمقراطية وحرية التنظيم.

أؤكد أننا كنا ولا نزال نؤمن بالدولة المدنية الحديثة، ونرفض الدولة الدينية "الداعشية" أو "الميليشياوية" أو الطائفية.

ما جرى في سوريا كان نتيجة لسياسات إقصاء الشعب وتقييد الحريات وتعديل الدستور لسن الوريث والتمديد له.

الحوار الوطني

نذهب للحوار الوطني.. هل انتهى الأمر بالنسبة لكم رغم استمراره بشكل رمزي؟

كنا دائمًا وما زلنا مع حوار مجتمعي ديمقراطي واسع وشامل، ولسنا ضد فكرة الحوار.

ولكننا نرفض أن يكون الحوار مجرد "ديكور" أو غطاءً لممارسات أخرى واستمرار نفس السياسات المفروضة.

مجلس أمناء الحوار الوطني
مجلس أمناء الحوار الوطني

أزمة مصر حقوقيًا

مع اقتراب المراجعة الدورية الأممية لمصر، كيف ترى تأثيرها على الأزمة الحقوقية؟

معظم الأطراف الغربية تستخدم قضايا حقوق الإنسان كورقة ضغط على النظام لتحقيق مكاسب معينة، ثم تتجاهل الملف.

لذا، من يراهن على الغرب لتحقيق انتصار فهو خاسر.

كيف ترى حل الأزمة الحقوقية داخليًا؟

هناك مطالب كثيرة طُرحت مرارًا، خاصة تلك المتعلقة بمصلحة السجون ووزارة الداخلية، ويجب على النظام أن ينتبه لها ويستجيب.

مدحت الزاهد في حواره مع منصة فكر تاني:" كنا دائمًا وما زلنا مع حوار مجتمعي ديمقراطي واسع وشامل، ولسنا ضد فكرة الحوار"- تصوير اسلام يحيي
مدحت الزاهد في حواره مع منصة فكر تاني:" كنا دائمًا وما زلنا مع حوار مجتمعي ديمقراطي واسع وشامل، ولسنا ضد فكرة الحوار"- تصوير اسلام يحيي

وبداية الحل تكمن في الإقرار بالحق في التعددية والتنوع، وتطبيق دولة القانون، وتوازن السلطات، واستقلال القضاء، ومنع هيمنة السلطة التنفيذية على باقي سلطات الدولة.

هل مصر بحاجة إلى مبادرة لاستعادة المسار الديمقراطي؟

لا نحتاج إلى مبادرة جديدة بقدر ما نحتاج إلى نشاط سياسي منظم ومستمر يناضل من أجل استعادة المسار الديمقراطي.

ولكن طالما بقي التفكير محصورًا في المجال العام النخبوي، دون النزول إلى القواعد الشعبية، فلن يحدث جديد.

اقرأ أيضًا: مبادرة زياد بهاء الدين للانتقال الديمقراطي.. ترحيب متجدد

جيل الوسط والشباب والطلبة

هل حان الوقت لتسليم الراية من جيل السبعينيات إلى جيل الوسط والشباب؟

تأخر هذا التسليم؛ فجيل الوسط متردد ومخنوق ومحاصر.

للأسف، من يواظب الآن على المشاركة في المعارضة هم أبناء جيل السبعينيات والثمانينيات. أما الشباب، فبينما أحلامهم واسعة، يجدون المجال العام ضيقًا ومحاصرًا.

مع ذلك، يقيني أن هذا الجيل سيأخذ حقه قريبًا.

ما رأيك فيما جرى في انتخابات الاتحادات الطلابية الأخيرة؟

ما حدث مع الطلبة، ومن قبلهم العمال، يؤكد أنه لا توجد نية لإجراء انتخابات حقيقية في مصر.

سمعنا في تيار دعم المقاومة أصواتًا ترفض توجيه أي نقد لنظام بشار وممارساته الاستبدادية بُحجة أن "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة". هؤلاء غارقون في نظرية المؤامرة.

دور مصر الإقليمي

خارجيًا.. ما المطلوب من مصر في الملف الإقليمي في الفترة المقبلة؟

مصر الرسمية يجب أن تختار بين أن تكون قائدة أو تابعة. للأسف، هي تفرط في دورها القيادي، الذي يتطلب:

التصدي للتبعية: يجب بناء القدرات الذاتية، والابتعاد عن أجندات هيئات التمويل الدولي والليبرالية الجديدة، وطرح مشروع نهضوي عربي يواجه الهيمنة الإسرائيلية ويسعى لتكامل عربي فعلي.

التصدي للاستبداد: مصر بحاجة إلى أن تكون منارة للديمقراطية والاعتراف بالتعددية، وهو أمر تفتقده حاليًا، ومن يفتقده لا يمكنه تقديمه للآخرين.

 

كيف ترى ما تشهده المنطقة من تطورات؟

المنطقة تواجه أمرين رئيسيين:

هجوم خارجي استعماري: يهدف إلى الهيمنة وتعميق التبعية باستخدام آليات كالإبادة والتفتيت والتقسيم.

استبداد سلطوي: يكرس احتكار السلطة ويقصي الأطراف الأخرى، كما حدث في السودان، حيث أدى شعار "الإسلام هو الحل" إلى انقسامات داخل بلد متعدد الأديان والثقافات. وينطبق الأمر أيضًا على القضية الكردية، حيث كان يمكن للأكراد الحصول على دولة أو حكم ذاتي في المناطق الحدودية، لكنهم لم ينالوا أيًا من ذلك.

اقرأ أيضًا: عبد العظيم حماد: فرار بشار يؤكد حقارة الطغاة.. القاهرة كُفت يدها لكن لن تحتل الإمارات مكانتها (حوار)

شاحنة تسحب رأس التمثال المخلوع للرئيس السوري الراحل حافظ الأسد في شوارع مدينة حماة الواقعة في وسط غرب البلاد والتي تم الاستيلاء عليها في 6 ديسمبر 2024. - في ما يزيد قليلاً عن أسبوع، شهد الهجوم الذي شنته قوات المتمردين سوريا سقوط مدينة حلب الثانية وحماة ذات الموقع الاستراتيجي من سيطرة الرئيس بشار الأسد للمرة الأولى منذ بدء الحرب الأهلية في عام 2011. (تصوير محمد حاج قدور / وكالة فرانس برس)
شاحنة تسحب رأس التمثال المخلوع للرئيس السوري الراحل حافظ الأسد في شوارع مدينة حماة الواقعة في وسط غرب البلاد والتي تم الاستيلاء عليها في 6 ديسمبر 2024. - في ما يزيد قليلاً عن أسبوع، شهد الهجوم الذي شنته قوات المتمردين سوريا سقوط مدينة حلب الثانية وحماة ذات الموقع الاستراتيجي من سيطرة الرئيس بشار الأسد للمرة الأولى منذ بدء الحرب الأهلية في عام 2011. (تصوير محمد حاج قدور / وكالة فرانس برس)

كيف ترى المشهد السوري بعد إطاحة بشار الأسد؟

تابعتُ التغيير العاصف في سوريا وأدرك أسبابه.

رغم تعدد أسباب ما جرى، أرى أن سقوط الطاغية بشار هو توابع لصراع دولي وإقليمي من جهة، لم يكن يصلح معه أن تكون سوريا مجرد مركزًا لوجستيًا لدعم المقاومة، تحارب فيه كل الجيوش عدا الجيش السوري الذي تحول إلى شرطة اقتصر دورها على خطوط التقسيم، تاركًا جبهة الجولان للحرس الثوري وحزب الله.

ما جرى في سوريا كان نتيجة لسياسات إقصاء الشعب وتقييد الحريات، والحكم بالقبضة الأمنية التي تهاوت في غمضة عين وسط فرحة قطاعات واسعة من الشعب بسقوط الحكم الاستبدادي الذي بدأ بتعديل الدستور السوري ليتوائم منصب الرئيس مع سن الوريث (بشار)، وانتهى بتعديل خريطة سوريا وتفتيتها الفعلية إلى كانتونات ومناطق نفوذ ترافقها موجات واسعة من الهجرة وارتفاع متزايد في أعداد المعتقلين وهيمنة شاملة لحزب البعث.

أرى أن مقايضة أي مواقف مناوئة لمشروعات الهيمنة الاستعمارية بحرية الشعب والحق في التنظيم المستقل لا يغلق الباب أمام خطط الهيمنة ومشروعات التقسيم.

الشعب الحر المنظم هو الحارس الأمين للوطن ولا يمكن الاستغناء عنه بالرعاة والوكلاء.

عندما تحتدم الأزمة، تتهاوى القبضة الأمنية، ويفتح الباب للطائفية وجماعات الإرهاب، وتتوسع رقعة الاحتلال الصهيوني، الذي وجد فرصته في أزمة سوريا لكي يُجهز على مقدرات ومقومات الجيش، ويحتل جبل الشيخ والمنطقة العازلة.

سمعنا في تيار دعم المقاومة أصواتًا ترفض توجيه أي نقد لنظام بشار وممارساته الاستبدادية بُحجة أن "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة". هؤلاء الآن غارقون في تفاصيل نظريات المؤامرة لتفسير ما جرى في سوريا. والمشكلة أن قصة المخطط ليست كاذبة، ولكنها رأيهم يتجاهل عناصر الضعف في البيئة التي تم اختراقها ويُعيد إنتاج خطاب المظلومية العربية.

هذا كلام يوفر غطاءً لأحاديث الاصطفاف ولاعتبارنا دائمًا مفعولًا به.

يجب أن نفهم أن الشعب ليس هو الخطر، الخطر في إبعاد هذا الشعب والخطر في الحكم بالقبضة الغليظة وإغلاق نوافذ الأمل.

مدحت الزاهد
مدحت الزاهد

ختامًا.. إلى أين تتجه مصر؟

تتجه إلى المجهول.

لقد استحكمت حلقات التبعية على عنقها وتم تجريف مواردها لصالح دول كفيلة تستولي على أصول بالغة الأهمية بجانب حدوث توريق الأصول، مع غلق أبواب الأمل رغم تفاقم المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، وهذا هو الأخطر.

1 تعليق

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة