تقف الحركة المدنية الديمقراطية في مفترق طرق جديد، فيما يكمن خطر انقسامها في تفاصيل إعادة هيكلتها، التي كان من المفترض أن تنهي خلافات الفترة الماضية، لكنها أنتجت خلافًا جديدًا حول المسارات الواجبة مستقبلًا.
وفق مصادر مطلعة تحدثت، لمنصة "فكر تاني"، هناك مقترحات عدة تختلف في التصورات، أبرزها مقترحات مصطفى شوقي عضو حزب العيش والحرية تحت التأسيس، ومجدي عبد الحميد العضو المؤسس للحركة المدنية، ومحمد النمر رئيس الحزب العربي الناصري، والسياسي المعارض سمير عليش، إلى جانب تصور حزب الدستور.
وينقسم أعضاء الحركة حاليًا بشأن تصورات الهيكلة إلى معسكرين؛ أحدهما يرى ضرورة هيكلة الأبعاد الإدارية وتوزيع المناصب وتفعيل لجان جديدة دائمة، فيما يقف في المعسكر الثاني الشباب بشكل كبير، ويدعون إلى التركيز على المضمون لا الشكل، مطالبين بضخ دماء جديدة وتوضيح سياسة الحركة وبوصلتها للفترة المقبلة، ويدفعون بأن هذا هو السبيل لحل أزماتها الداخلية.
ويتشكل الهيكل الأساسي للحركة المدنية الديمقراطية التي تأسست في 13 ديسمبر من العام 2017، من 12 حزبًا حاليًا، من أبرزها: الكرامة، والمصري الديمقراطي الاجتماعي، والإصلاح والتنمية، والمحافظين، والدستور، والتحالف الشعبي الاشتراكي، والعيش والحرية، بالإضافة إلى عدد من الشخصيات العامة المؤسسة للحركة.
أمانة عامة للحركة المدنية وسكرتارية و3 مرتكزات
يقدم السياسي والباحث الحقوقي مصطفى شوقي عضو حزب العيش والحرية "تحت التأسيس" مقترحًا، اطلعت عليه منصة "فكر تاني"، يقول إن الانطلاق للهيكلة يبدأ بتعريف الحركة، والتي هي برأي "شوقي": "تحالف سياسي معارض يجمع عدد منّ الأحزاب المدنية الليبرالية والقومية واليسارية فضلًا عن عدد من الشخصيات العامة الداعمة لمسار التغيير المدني السلمي الديمقراطي وفق الآليات الدستورية بما يلبي طموحات الشعب المصري في ثلاث مرتكزات أساسية: العيش الكريم والحرية والعدل الاجتماعي".

ومن هنا، يقترح "شوقي" تشكيل أمانة عامة للحركة المدنية من عضوية ممثل واحد عن كل حزب منّ الأحزاب الـ 12 بالاضافة إلى 7 ممثلين للشخصيات العامة، يتم اختيارهم بالتوافق، على أن لا يكونوا أعضاءً في أحزاب الحركة، إلى جانب تشكيل سكرتارية تنفيذية للحركة من 5 أعضاء يتم اختيارهم بالتوافق منّ بين أعضاء الأمانة العامة للحركة، ويكون من بين مهامها تشكيل لجان العمل الدائمة أو المؤقتة بحسب القضية محل التنسيق.
ويدعم هذا المقترح تشكيل لجنة دائمة لإدارة ملف الإعلام، بشكل أولي، يتولى مسؤوليتها المتحدث الرسمي للحركة، والذي يتم اختياره بالتوافق بين أعضاء الأمانة العامة.
ويذهب "شوقي" إلى اعتماد الحركة للتوافق -قدر الإمكان- كآلية لحسم القرارات بشأن القضايا المطروحة عليها، على أن يتم تفعيل آلية التصويت داخل الأمانة العامة وتكون القرارات بأغلبية الأصوات (75%).
ويقترح "شوقي" قرارات "التجميد" لمعاقبة من لا يلتزم بقرارات الحركة التي يتم التصويت عليها، على أن يحال أمره إلى المناقشة في الأمانة العامة، ثم يُعرض الأمر للتصويت أمام الأمانة العامة لتحديد الموقف سواء بمغادرة هذا الطرف، أو عودته في حالة الاعتذار والتراجع.
لجنة تنسيقية وكوتة لتيارات الحركة ومغادرة غير المتفقين
في مقابل مقترح "شوقي"، هناك مقترحات أخرى بحسب مصادر "فكر تاني"، ترى ضرورة تشكيل لجنة تنسيقية تعتمد على كوتة للتيارات بدلًا من الأحزاب، بغرض خلق التوازن في مواجهة التيار اليساري (القومي/الاشتراكي) الغالب داخل الحركة، غير أن هذا بحسب البعض "غير ديمقراطي وغير معبر عن مكونات الحركة بشكل حقيقي، خاصة مع الاختلافات الكبيرة بين أصحاب التيار الواحد، كما أنه يحرم الأحزاب الصغيرة ذات الوزن الأقل من التمثيل بشكل عادل داخل الحركة وفي عملية اتخاذ القرار".
اقرأ أيضًا: في الطريق إلى برلمان 2025.. هل تُصبح تكتلات "جيل يناير" بديلًا للحركة المدنية؟
هذا التصور كذلك يطرح "شرط مغادرة غير المتفقين مع تصويت الحركة"، وهو ما يعتبره البعض الآخر غير مناسب لحركة تعتمد على تحالف واسع ذي صبغة وطنية يجمع تيارات متباينة، فيما يقترح إنشاء لجان عمل دائمة مثل لجان الفعاليات أو لجنة الإعلام أو لجنة الدفاع عن سجناء الرأي، ويرفض البعض إنشاء لجنة دائمة غير لجنة الإعلام على أن تشكل باقي اللجان سواء الدائمة أو المؤقتة عبر السكرتارية التنفيذية التي تقرر حسب القضية المطروحة عليها.
وفي المقترحات المطروحة كذلك، يرفض البعض استمرار منصب المنسق العام، باعتباره شكلي ومضر في ظل أن السياق السياسي جعل من الحركة طرف رئيسي في مسار التفاوض مع السلطة حول تحسين شروط الواقع السياسي، ووجود قيادة أو رأس للحركة يضعف -في تقديره- من عملية التفاوض التي كان يقودها خلال العامين الماضيين عدد من قيادات الحركة، فضلًا عن الأزمات المتكررة في اختيار اسم المنسق العام في كل دورة.

مصطفي شوقي: أزمة الحركة سياسية بامتياز.. وأخشى اختزال قيادة الحركة في فرد
مع ذلك، ورغم تباين آراء مقدمي المقترحات وأعضاء الحركة حول مسارات الهيلكة، فإن الجميع اتفق على ضرورة إعادة الهيكلة بعد الوصول إلى توافق يستوعب جميع القوى المدنية، ويعزز تواجد الشباب.
ويقول "شوقي"، في حديثه لـ"فكر تاني"، أن الأزمة الأكبر التي تعرقل أي هيكلة منشودة للحركة، هي سياسية بامتياز، تتعلق بالتباعد السياسي الكبير بين أطراف الحركة، والذي كانت أبرز محطاته الانتخابات الرئاسية، حيث لا يبدو أن هناك أطراف داخل الحركة حريصة على رأب هذا الصدع السياسي.
ويوضح "شوقي" أن الخلاف السياسي اليوم داخل الحركة يمكن تلخيصه في السؤال: "ما هي رؤيتنا لكيفية معارضة السلطة خلال السنوات الأخيرة من حكم الرئيس؟"، متوقعًا أن يتفجر هذا الخلاف بشكل أكبر إذا ما فكرت الحركة المدنية في خوض الانتخابات البرلمانية المقبلة في تحالف انتخابي واحد.
ويشير عضو حزب العيش والحرية إلى أن هذا الخلاف السياسي ألقى بظلاله على الوضع التنظيمي داخل الحركة، والذي أصبح أكثر سيولة وعشوائية، حتى أن الحركة لا تجتمع إلا في حالة التعبير عن موقف سريع، بينما هي إلى الآن عاجزة عن إعادة تنظيم نفسها وترتيب أوراقها.
وحول مدى مساعدة "الهيكلة" في تجاوز أزمات الحركة، يرى "شوقي" أنه إذا لم تتمكن الحركة من الوصول إلى صيغة سياسية تمثل وثيقة رؤية الحركة وكيفية معارضة النظام في السنوات المقبلة فكل مقترحات الهيكلة لن تكون لها أي قيمة حقيقية.
فيما يلفت الانتباه إلى أن الخلافات الأخيرة، وخاصة حول انتخابات الرئاسة، والموقف منها، أظهرت أزمة غياب الهيكلة بشكل كبير، وعدم وجود قواعد تنظيمية للتعامل مع الخلافات داخل الحركة أو عملية التصويت حول المواقف السياسية إلى آخره من الإجراءات التنظيمية الواجبة في أي تحالف معتبر.
ويعرب "شوقي" عن خشيته، في تكوين أي إطار للهيكلة المرجوة، من اختزال القيادة الجماعية للحركة في شخص واحد اسمه منسق عام أو رئيس مجلس أمناء، متوقعًا أن يخلق ذلك أزمات داخلية، حيث يمكن تحييده أمنيًا أو الضغط عليه من مؤسسات الدولة، على عكس القيادة الجماعية، فضلًا عن صعوبة استمرار التوافق على المنصبين في الفترة المقبلة إذا تم تمرير التوافق في أول مرة.
مجدي عبد الحميد: هناك نسبة توافق رغم كل شيء
"نحن في مرحلة إعداد ومداولات داخلية، تباينت فيها الآراء ووجهات النظر"؛ يقول الدكتور مجدي عبد الحميد، العضو المؤسس بالحركة المدنية الديمقراطية والمتحدث السابق باسمها، موضحًا حقيقة أوضاع الهيكلة داخل الحركة، إلا أنه رغم ذلك يؤكد وجود توافق بنسبة كبيرة في بعض الأمور.

ويكشف "عبد الحميد" - الذي يلعب دورًا محوريًا في المناقشات - بعضًا من تفاصيل مقترح تقدم به، لـ"فكر تاني"، فيشدد على "أهمية أن تعود الحركة كما كانت في التأسيس حركة لقوى سياسية مختلفة، وتيارات متنوعة، بينها قواسم مشتركة، وشخصيات عامة ذات وزن وثقل، تحت مظلة ائتلاف مدني يؤمن بالديمقراطية والحداثة".
هذا التباين في الرؤى الاقتصادية والاجتماعية لتيارات الحركة (يسار - ليبراليون - قوميون) يعالجه المتحدث السابق باسم الحركة، في تصوره، بتحديد التوجه العام للحركة، حيث يرى ضرورة الاكتفاء بأن الحركة معنية بالتغيير السياسي لا الاقتصادي أو الاجتماعي، بحيث يكون التغيير السياسي مدخلًا للتغيير الاجتماعي والاقتصادي، بعد إصلاح مؤسسات الدولة وإعلاء سيادة القانون واستعادة المسار السياسي.
نقطة إضافية تشغل بال "عبد الحميد"، وهي التصويت وطريقة حسم القرار، حيث ينحاز إلى "التوافق العام" الذي يعتبره الحل الجوهري لاستقرار الحركة، في ظل تجربة التصويت الدائرة حاليًا والتي تعزز فكرة المغالبة، وفق رأيه.
فيما يعتقد في أهمية وجود منسق عام، لكنه يرى أن تفاصيل الاختيار تحتاج إلى مشاورات متعددة.
سيد الطوخي: الشباب أولًا.. ومجلس أمناء الحركة مجرد مقترح
تذهب كتلة الناصريين والقوميين في الحركة المدنية الديمقراطية، إلى التركيز على جذب الشباب وجيل الوسط.

في هذا الإطار، يوضح سيد الطوخي رئيس حزب الكرامة، في حديثه لـ"فكر تاني"، أن الشباب يجب أن يكونوا عماد الهيكلة المقبلة، وقلب قيادة الحركة في الفترة القادمة، مؤكدًا أهمية ضم شخصيات وطنية مؤثرة واستعادة الشخصيات التي رحلت عن الحركة لها مجددًا مع ضخ دماء جديدة.
ويتحفظ "الطوخي"، في حديثه مع "فكر تاني"، على التطرق إلى تفاصيل الهيكلة، مؤكدًا أن الأمر خاضع المداولات والمناقشات، لكنه يكشف أن مجلس الأمناء كفكرة إدارية لم تتبلور بعد بشكل كامل، رغم إعلان اسم الإعلامية جميلة إسماعيل رئيسة لمجلس الأمناء في الفترة الحالية.
ويوضح رئيس حزب الكرامة أن فكرة مجلس الأمناء أُعلنت على عجل، وتستهدف بالأساس تداول رئاسة الحركة لمدة من 4 - 6 أشهر بين رؤساء الأحزاب، مشيرًا إلى أن مجلس الأمناء لم يتشكل بعد، وتم فقط إعلان اسم "جميلة إسماعيل" لرئاسة مجلس الأمناء دون تفاصيل ولا تحركات جديدة، على اعتبار أن التفاصيل سيتم التطرق لشكلها في الهيكلة المنتظرة.
العماري: لابد من توسعة مشاركة الشباب بالحركة.. وقشطة: الهيكلة الفكرية ضرورة

بدوره، يلقي حزب الدستور بكل أوراقه في الهيكلة المنتظرة، ويقدم تصورًا شاملًا للمقترحات، يهدف إلى "تجديد دماء الحركة، وتوسعة مشاركة الشباب، وأن يتحول خطاب الحركة إلى خطاب كل الناس"؛ وفق وليد العماري المتحدث الرسمي باسم حزب الدستور وعضو لجنة الدفاع عن سجناء الرأي بالحركة المدنية.
ويؤكد العماري، في حديثه لـ"فكر تاني"، أن هناك أفكار كثيرة للهيكلة محل دراسة، منها ما أُعلن مثل مجلس الأمناء، ومنها ما هو محل نقاش يفضل الإعلان عنه في وقته، مشددًا على تفاؤله بنجاح المداولات في الوصول إلى نقاط توافق كثيرة ومؤثرة.
وهو ما يتفق معه حمدي قشطة، عضو حزب الدستور، الذي يقول لـ"فكر تاني"، إن المستهدف الآن هو استيعاب كل قوى المعارضة المدنية، وضخ دماء جديدة من جيل ثورة 25 يناير، مشددًا على أنه بغير ذلك لن يحدث أي جديد وفق تأكيده.
ويرفض "قشطة" أن تتحول الهيكلة إلى "توزيع مناصب وهيكلة إدارية"، مؤكدًا أن المطلوب هو "هيكلة فكرية" للحركة تحدد أسس توجهها وتفتح الباب لقبول طاقات شبابية جديدة تتوافق مع المستجدات في الحركة عقب الهيكلة، بحيث يتطور الأداء والأسلوب.
ويشير "قشطة" إلى أنه يعوّل على أن تستوعب الحركة المدنية في مرحلتها الجديدة مجموعات الشباب وجيل الوسط من مجموعات السياسيين من أمثال حسام مؤنس ومصطفى شوقي وأحمد ماهر، وتوفر لهم ولغيرهم مساحات لتجديد الأفكار وأساليب التحرك والإدارة، دون أن يسقط أحد في معركة جيلية، فالأمور ليست كذلك - والكلام له - ولكن للكبار خبرات يجب الاستفادة منها مع إفساح المجال للشباب.