حسام بدراوي في حوار خاص: هل تريدون دولة ديمقراطية.. إذن أين البرلمان والصحافة؟.. وأحذر من تعديل الدستور مجددًا

تصوير: محمد ليل

– مصر نصف ديكتاتورية نصف دينية.. نصف اشتراكية نصف رأسمالية

– القاهرة تملك إمكانية الإصلاح.. فقط تنقصها النية والإرادة

– مصر تتلقى الدعم الدولي، فقط لأن سقوطها سيكون كارثيًا

– مؤسسات الدولة تحتكر القوة الاقتصادية في مصر
– الوضع مقلوب: الشعب هو من يُحاسب على فشل إدارة الدولة

– تنسيقية الشباب “الطفل المدلل” لمؤسسات الدولة .. بلا استراتيجية أو أيديولوجية
– أزمتنا الاقتصادية تحتاج الاستماع إلى الخبراء وحالًا..  وليس حوارًا وطنيًا

– الحكومة لم تنفذ سوى 15% من رؤية 2030.. ولا معلومة تصل للمواطن

– الفراغ السياسي الراهن إذا لم يملأه الشباب سنجد أنفسنا أمام الإخوان مجددًا
– أجهزة الدولة لا تستطيع ولا يجب أن تملأ الفراغ السياسي والاقتصادي
– ضد تعديل الدستور لفترة رئاسية جديدة.. ومستقبل وطن حزب غير فاعل

 

صمت سنوات بعد الثورة، وتحدث اليوم بكل صراحة ليعبر عما يقلق رجل “ليبرالي اجتماعي إصلاحي” مثله، لا يحب الوقوف في قفص الموالاة والتأييد أو على مسرح المعارضة والثورة، كما يقول في حواره معنا. يُصدق أن شباب ثورة يناير كانوا أنقياء أصحاب حُلم، لكنه يتحفظ على بعض توابع ما حدث -كما يقول. يفتح بابه لمن يريد الحوار، على أرضية تحترم الرأي والرأي الآخر، لكنه لا يهوى لعب دور الوسيط بين أي فرقاء.

واليوم، يتحدث الدكتور حسام بدراوي مستشار الحوار الوطني المصري، الذي شغل العديد من المناصب السياسية المهمة في مراحل مختلفة وفارقة من عمر الوطن، قرر أن يجري هذا الحوار الخاص والشامل مع منصة “فكر تاني”؛ لأنه كما كثيرون أقلقهم الوضع الراهن لمصر، ودفعهم إلى أن يحاولوا منع سيناريوهات صعبة تقف فيها مصر على مفترق طرق، كما يقول.

مصر الآن نصف ديكتاتورية نصف دينية نصف ليبرالية

في يناير 2017، كتبت مقالًا بعنوان: “نصف الديكتاتورية.. نصف الديمقراطية”، تحدثت فيه عن فلسفة النصف، وقلت إننا في عام 2017 نقف في المنتصف، أين نحن الآن؟

– مصر لا تزال تقف في المنتصف، بل يمكننا القول إنها تزحزحت من هذا المنتصف إلى الجانب السلبي، لأن مؤسسات الدولة تقول أشياء لا تعنيها ولا تنفذها. يقولون: إننا دولة مدنية حديثة، وفي الحقيقة هي ليست كذلك. الدول المدنية الحديثة لها إطار معروف غير موجود في حالتنا.

أيضًا، يقولون: لدينا ديمقراطية تدفعنا للدعوة إلى الانتخابات، وأنا وأنت نعلم أنها نصف ديمقراطية، قد تبدو للبعض ديمقراطية في الشكل، ولكنها حتمًا ليست ديمقراطية في التطبيق، لأن معنى الديمقراطية حرية المواطن في الاعتقاد والعمل والتعبير، مع حماية خصوصياته، ووجود توازن بين السلطات، هذا كله غائب عن تجربتنا، لأننا نصف ديمقراطية شكلًا نصف ديكتاتورية واقعًا.

 

نقف في المنتصف كذلك ما بين الدولة الدينية والدولة المدنية، أغلب حديث المسؤولين في مصر مثل كلام السلفيين بالضبط؛ يدغدغ المشاعر: “ربنا معانا / ربنا هينقذنا”. نحن لا نستخدم أي كلام عقلاني وموضوعي. نحن أيضًا دولة نصف دينية نصف مدنية.

اقرأ أيضًا: المصريون يثقون في “البلاطة” أكثر من الحكومة

يقولون: القطاع الخاص هو قطار التنمية، ورغم ذلك يحاربونه، ويضعونه في منافسة غير حيادية مع مؤسسات الدولة التي حولت مصر اقتصاديًا إلى دولة نصف ليبرالية نصف شيوعية أو اشتراكية.

مصر ستلقى الدعم الدولي لأن سقوطها يهدد الجميع

تقرير الإيكونوميست الأخير حَمَل النظام المصري إخفاقات السنوات الأخيرة اقتصاديًا، وقال إن مصر لا تستحق الإنقاذ لكن يجب أن تحصل عليه لأن الشرق الأوسط لا يستطيع تحمل انهيارها.. كيف تقيم هذا؟

– هناك أزمة حقيقية، ووعود لم يتم الوفاء بها، صُدرت للمجتمع المصري الذي تحمل الكثير.

مصر تضم أكثر من 106 مليون مواطن ومواطنة، سقوط دولة بهذا الحجم سيمتد تأثيره إلى أوروبا وكامل المنطقة، وهو تأثير رهيب، لن يرغب فيه الجميع.

 

وفي ظل صراع المصالح الدولي، فإن المجتمع الدولي لا يستطيع ترك بلد بهذا الحجم على حافة الجبل، لأن سقوط مصر يهدد الجميع.

إلى متى يبقى هذا الدعم الدولي من وجهة نظرك؟

– الجميع يعرف مصر: حينما تكون قوية داخليًا تصبح مؤثرة خارجيًا، والعكس صحيح؛ عندما تتحول إلى الضعف داخليًا تضعف وتخفت خارجيًا.

اقرأ أيضًا: هل تخفيض قيمة الجنيه يحل الأزمة؟.. كتالوج صندوق النقد لا يتغير

الآن موقفنا صعب، وكل حياة الدولة “سلف”، تبيع أصولًا لتُسدد فوائد ما عليها من ديون “يا ريت كان السلف عشان نسدد الديون نفسها”.

السلطة التنفيذية تريد شعبًا يتبع أسلوبها في السلف

في مثل هذا الوضع، تُقر السلطة التنفيذية زيادة الرواتب رغم أنها إذا أقرت زيادة ميزانية التعليم والصحة والسكن، ستكون بذلك رفعت دخل المواطن بشكل حقيقي دون دفع أموال له في شكل زيادات مرتب، خاصة وأن دعم التعليم والصحة والسكن يخفف عبء 50% من دخل كل أسرة.

 

إذا اعتنت مؤسسات الدولة بالصحة والتعليم والسكن، فالمواطن لن يحتاج إلى زيادة رواتب. لكن، لأن السلطة التنفيذية اعتادت العيش على “السلف” والدعم، تتعامل مع مواطنيها بالمبدأ نفسه، وتعودهم على المنح والدعم وتدفعهم إلى العيش بـ”السلف” والمنحة.

لا ينكر أحد أن الإنفاق على البنية التحتية صحيح وضرورة، ولكن يبقى شرط الالتزام بالأولويات، ومحاسبة البرلمان للمسؤولين على أوجه الإنفاق. وهو عكس ما نشهده، لأن السلطة التنفيذية تقرر لنفسها وتحاسب نفسها بنفسها، وغير مسموح لأحد أن يحاسبها، وهذا باب فساد كبير، وتوليفة تصنع الفساد، لأن غياب فكرة “المحاسبة” يولد الفساد.

ألا تعي مؤسسات الدولة هذه الحقائق؟

-هذه المعلومات واضحة لدى مؤسسات الدولة جميعها، والسير بعكس الاتجاه الذي عانينا من تبعاته يحتاج إلى توضيحات، لأننا لا نفهم إلى الآن السبب أو المغزي من اتباع نفس السياسات. “الأمور كلها بقت حاجة غير مفهومة”.

الوضع مقلوب: “إدارة الشركة” تحاسب أصحابها على فشلها

“اللي بره الحكم مش زي اللي جواه”؛ هكذا يقولون.. فهل تتفق؟

– لدينا اختراع مصري جديد في عالم السياسة، يمكن توضيحه بمثال لشركة أفلست أو خسرت مثلًا، والسؤال هنا: من يُحاسِب من؟ الإجابة المنطقية: أن أصحاب الأسهم في هذه الشركة “أصحاب المال” من المفترض أن يحاسبوا إدارة الشركة “الموظفين لديها”، ولكن تصور أن الأمر وصل أن إدارة الشركة تُحاسب أصحاب الأسهم على فشلها هي، هذا هو ما يحدث الآن في مصر؛ الشعب يُحاسب على فشل لم يكن سببًا فيه، مع إن الشعب هو الجمعية العمومية لمصر وصاحب رأس المال. هذا وضع مقلوب.

بوضوح، هناك مسؤولية سياسية على من يتولى مقاليد السلطة، أي سلطة، وعندما يخطئ المسؤول، أي مسئول، عليه أن يخرج للناس ويتحمل مسؤوليته السياسية على ما آلت إليه الأمور، خاصة بعد مرور أكثر من 10 سنوات على وجود هذه السلطة.

قلت هذا الكلام بوضوح ومسؤولية، إلى من يهمه الأمر، ولم أتلق ردًا إلى الآن، كما قلته بوضوح أكثر، عندما دعتني مؤسسات الدولة في افتتاح الحوار الوطني، في كلمتي قلت ما أريد أن أقول دون اتفاق مسبق.

أزمة مصر الاقتصادية تحتاج خبراء وليس حوارًا وطنيًا

بذكر الحوار الوطني.. البعض يقول إن الدولة استفادت من وجودكم، خاصة وأنها لم تنفذ توصيات المرحلة الأولى إلى الآن. لهذا يرى البعض أن الأمر كان مجرد خدعة.. ما رأيك؟

-أنا شخصيًا لم أُخدع. استخدمت المساحة المتاحة لي كي أعلن رأيي، وقد فعلت، ولن يستطيع أي أحد مصادرة شهادتي التي قلتها للتاريخ وللوطن.

وبشكل عام، تقييمي للمرحلة الأولى من الحوار إنه كان حوار شكلي بلا مضمون، أما المرحلة الثانية فأنا لا أفهم إلى الآن وأنا مستشار الحوار الوطني: كيف ندعو لحوار وطني لمناقشة الأزمة الاقتصادية وإيجاد حلول لها، يشارك فيه الجميع، رغم أن هذا المسار لا يتطلب حوار وطني بقدر ما يتطلب حوار المتخصصين والخبراء؟!

معنى ألا تعرف مؤسسات الدولة ما هو الحل لأزمة الاقتصاد بعد كل هذه السنوات، أمر مقلق للغاية.

يربط البعض مشاركته في الحوار الوطني بالإفراج عن سجناء الرأي.. كيف تنظر إلى هذا الملف وأنت مستشار الحوار الوطني؟

– موقفي من الإفراج عن سجناء الرأي واضح منذ أيام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ثم الراحل أنور السادات وكذلك في عصر الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك وإلى اليوم. وهو: لا يجب احتجاز شخص، بدون توجيه تهمة له، ولا يجب احتجاز شخص لمدة زمنية تزيد عن 3 أشهر دون قضية واضحة، ولا يجب احتجاز شخص بعد تقديمه للمحكمة وإخلاء سبيله باتهام جديد له،  يتواصل به حبسه لفترة تانية- تُسمى بتدوير السجناء-  دون مبرر، وكلامي هذا ينسحب على الجميع من كل التيارات.

اقرأ أيضًا: علي الدين هلال في حوار خاص.. يقيّم أزمات السلطة والمعارضة.. ويرفض مأسسة الحوار

وهنا، أعيد التذكير بموقفي الواضح من جماعة الإخوان المسلمين؛ أنا ضدهم، وضد الحكم الديني، وضد تلوينهم الشعب بلون واحد، وعدم الاعتراف بالتعددية، لكني مؤمن بحقوق المواطن حتى إذا كان إخوانيًا، طالما لا توجد عليه تهمة، ونفس الشيء ينطبق على أي مخالف سياسي له، وإلا انقلب الشعب إلى موالي وموافق في جهة أو مجرم وإرهابي وعميل في جهة أخرى، وهذا لا يليق بمصر.

يمكننا إنقاذ الوضع الاقتصادي لو التفتنا لشباب هذا البلد

كيف ترى الخروج من أزمتنا الراهنة؟

– نعيش في خطر اقتصادي رهيب، ولكن نملك سُبل إصلاح هذه الأزمة، فقط إذا أردنا.

مصر ليست فقيرة، وإنما هي دولة غنية، لديها بحر أبيض متوسط شمالًا به أجمل الشواطئ، وبحر أحمر شرقًا، وثروة طبيعية كبرى منحنًا الله إياها: 365 يومًا مشمس، “تقدر تطلع” منها طاقة نظيفة. تستطيع الحفر في الأرض لتجد ما يستحق. لديك 60% من تاريخ العالم محفور في أرضك، ولديك بترول وغاز طبيعي، وإمكانات سياحية غير متوفرة في أي دولة أخرى.

وفوق كل هذا، لدينا 65% من الشعب في سن الشباب، ما يعني امتلاكك قوة ضاربة مؤثرة لصناعة المستقبل، منهم 28 مليون في مراحل الدراسة اليوم، ما يعني أنه يمكنك التغيير بعد عقد من الزمان عبر الاهتمام بهؤلاء الأبناء من الآن، لأنهم سيكونون قادة البلد في المستقبل.

نحن لا نعطي التعليم أولوية ولا الصحة أولوية، ومن يمرض الآن لا يستطيع العيش رغم أن 90% من أسِرة المستشفيات ملك الدولة. الحقوق الرئيسية للمواطن غير متوفرة، ومؤسسات الدولة مسؤولة عن هذا الوضع.

مؤسسات الدولة لدينا تحتكر مراكز القوى الاقتصادية

البعض يرى تدخل الدولة في كل شيء مبرر حتى لا تقع البلد في قبضة القطاع الخاص، ويضرب المثل بعودة أحمد عز وطلعت مصطفى للصدارة كمراكز قوى اقتصادية مجددًا.. ما رأيكم؟

– القطاع الخاص في مصر 5 ملايين شركة، ولكن البعض ينظر إلى اثنين أو ثلاثة أسماء، رغم أن القطاع الخاص هو الأكبر والأشمل، والذي يعمل به اليوم فوق الـ20 مليون مواطن ومواطنة.

لا يوجد لدينا في القطاع الخاص مراكز قوى اقتصادية، ولن يكون.

المؤسسات المملوكة للدولة هي مراكز القوى الاقتصادية اليوم، لا يستطيع أحد منافستها، كما أنها لا تدفع ضرائب للدولة ولا أحد يحاسبها، وهو ما حذرنا منه.

– القطاع الخاص يدفع ضرائبه، وأنا أريده أن يكسب كي يساهم بجزء من إيرادات البلد، وبالتالي فهو جزء من قوة الدولة في حال أن أدركت أهميته وكيفية التعامل معه.

3 سيناريوهات أمام مصر

قبل إتمام صفقة رأس الحكمة.. ما هي السناريوهات القادمة التي تتوقعها لمصر؟

– مصر في مفترق طرق، وأراها أمام 3 سيناريوهات، هي:

– السيناريو الأول: استيقاظ مؤسسات الدولة من سُباتها، والاتجاه للتصحيح عبر الاستعانة بالكفاءات كي يتم إصلاح الأزمة الحالية فيما يتعلق بالحقوق والناحية الاقتصادية. مصر تملك إمكانية الإصلاح ولكن تنقصها الإرادة السياسية.

السيناريو الثاني: إذا استمر الوضع الحالي بهذا الشكل دون معالجة، فقد يحدث إفلاس، وإذا حدث إفلاس نصبح أمام سيناريو لبنان والسودان، وهو ما لا أتمناه تمامًا.

– السيناريو الثالث: هو ثورة الجياع، وهنا أريد أن أقول إن ثورة 25 يناير 2011 لم تكن ثورة جياع بل ثورة شباب من أجل العزة والكرامة والحرية والأمل في التغيير، وهؤلاء انتهى دورهم ولن تراهم مجددًا، بل سترى بدلًا منهم جياع ينفذون ثورتهم الفوضوية. ولك أن تتخيل أن انتفاضة 17 و18 يناير كانت تدور حول “تعريفة” فما بالك باليوم؟! هذا أيضًا لا نتمناه.

اقرأ أيضًا: نجاد البرعي في حـوار مع “فكر تاني”: مصر “أون هولد”.. والمعارضة طفولية.. والثورة مستـحيلة.. والطنـطاوي حول الانتـخابات إلى خصـومة شخصية

مصر لا تتحمل ثورة جياع أو قبضة حديدية

هل تتحمل مصر انتفاضة جياع كما يذهب السيناريو الثالث؟

– الإجابة بوضوح: لا تتحمل.

هل وجود قبضة حديدية -كما يرى البعض- يحول دون نشوب تلك الانتفاضة؟

– تعلمت من ثورة يناير، خلاصة مهمة، ولكن غيري لم يتعلمها؛ تعلمت أن مساحة حرية التعبير عن الرأي كان يجب لها أن تزيد، بينما غيري وبالتحديد في أجهزة الدولة يزعم أن هذه المساحة القليلة من الحرية هي ما صنع الثورة. هؤلاء مخطؤون تمامًا.

 

ما رأيك في الصفقة التي أعلنتها الحكومة أخيرًا والمتعلقة بـ “رأس الحكمة؟.. هل تكون حلًا للأزمة الاقتصادية؟

لا شك أن الاستثمار المباشر في الصفقة التي أُعلن عنها شيء أكثر من ممتاز، ولكن علينا أن نعلم أن تمويل احتياجاتنا من العملة الصعبة من خلال صفقات عقارية (أراضي ومباني)، هي حلول قصيرة المدى، فلسفتها هو تجاوز الأزمة الآنية.

لا أقلل من الإنجاز ولكن أبني عليه.

إن التحدي الذي يواجه الاقتصاد المصري هو تحدي في هيكلته، ضعف الإنتاج، ومحدودية الصادرات، وتقلبات مصادر العملة الأجنبية (قناة السويس، انخفاض تحويلات المصريين بالخارج، السياحة، صادرات الطاقة).

نحن نحتاج لإعادة هيكلة عميقة في إطار رؤية مستقبلية وأولويات محددة.

أقول ذلك وأنا لست خبيرا اقتصاديا ولكني أرصد وأستخدم عقلي وأفكر وأقارن، أما تفاصيل الاستراتيجية الواجب اتباعها فهي مسئولية خبراء الاقتصاد في الدولة ولا يجب أن تكون سراً لا يعرفه أحد، لكنها من الواجب ان تكون محددة الزمن والتكلفة ويكون لها مؤشرات قياس ومراقبة من البرلمان والإعلام والمجتمع المدني، وهو تحدي في حد ذاته.

الجانب السياسي يستدعي تغيير موازي ليسمح بإفراز استدامة في التطبيق الاقتصادي وشفافية وتقييم واختيار الأكفأ وليس الموالي والمنافق.

أكرر أن مستقبل مصر يقوم علي ركائز، هي العدالة والتنمية الإنسانية والإدارة الكفء، وضمان حقوق المواطنين في الصحة والتعليم والسكن والمواصلات العامة وتوفير الفرص ورفع قدرات المواطنين لاختيار الأفضل.

اقرأ أيضًا: عبد الله السناوي في حوار خاص: هناك نزيف شرعية واضح في الشارع.. انتفاضة الخبز أمر محتمل.. ولا نعرف المستقبل بعد 2030

في مايو 2023 كتبت مقالًا تحت عنوان “لا لأنصاف الحلول”، قلت فيه ما نصه: “على أجهزة عديدة في الدولة، خاصة التي تتعامل مع المواطنين، الحذر في التزيد فيما يظنونه حماية من الفوضى، لأنه أحيانًا يصبح سببًا في تفجرها”.. ألا تزال على موقفك؟

– في 2005، وفي عز عنفوان مبارك، وكنت جزءًا من الحزب الحاكم حينها، وفي قيادته، حذرت من أن الانتقال الشكلي من الاستفتاء إلى الانتخابات الديمقراطية رغم أنه أمر مطلوب، لكنه  خطر، إذا كان شكلًا فقط لا موضوعًا بالتخلص من أركان الفساد في الدولة، وملازمة الانتقال إلى الديمقراطية بالحرية، وطالبت بأن يعلن الرئيس مبارك أن فترته الرئاسية هي الأخيرة، مع تغيير المادة 77 من الدستور، حتى لا يظل الرئيس في الحكم أكثر من مدتين، لأن الانتقال الشكلي هو عين الفوضى، ولكن لم يسمعني أحد.

وفي 2010، كتبت مقالًا بعنوان “ماذا لو؟”، وتساءلت: ماذا لو نظمنا انتخابات حرة نزيهة فعلًا؟  وتوقعت مبكرًا أن القادم هو القوة الدينية، وحكومة غير مؤهلة وإن كانت منتخبة ديمقراطيًا، لأن صاحب الاختيار مواطن فقير وغير متعلم، وبالتالي لن يقرر الاختيار الأفضل.

المأزق الذي نحيا فيه يكمن في الإدارات من أبسط إدارة إلى أكثرها تعقيدًا، كلها تعاني هذا النوع من الفوضى الإدارية والتمسك الشكلي بالديمقراطية. ومن هنا يصدق قول سقراط: الديمقراطية التي تتحدثون عنها هي ديمقراطية الغوغاء، وهي الطريق إلى الديكتاتورية.

تجاهل كبير لرؤية مصر 2030

ماذا صنعت رؤية مصر 2030 التي ساهمت فيها ولم يتبق على إتمامها سوى 6 سنوات؟

– مؤسسات الدولة لم تطبق من رؤية مصر 2030 سوى ما يتراوح بين 10 و15% بعد أكثر من 8 سنوات، وأزعم أن المجتمع لا يعرف ما تحقق منها أصلًا.

مثلًا، تتم دعوتي إلى تقييم جامعات في السعودية، وعلى الباب أرى منشور برؤية المملكة للتعليم منصوصة ومعروفة للجميع، لا أجد هذا الوضوح في مصر مع رؤية 2030، وأدعي أن لا أحد يُطبق الرؤية ولا يضعها في اعتباره، وكل وزير يأتي يبدأ من جديد، لا يبني على ما أسسه سابقه الذي بدوره لم يَبن على ما تركه سلفه، وهكذا.

اقرأ أيضًا: منذ 2011.. كيف أضاعت مصر فرص تحولها السياسي والاقتصادي؟

ولكي نستوعب الأمر؛ أسهل ما يمكننا إعلانه أننا لدينا رؤية: نقول مثلًا أننا نحلم بمصر دولة عظمى. هذا حدث في حالتنا وقلناه بالفعل. ولكن، أين هي استراتيجية تأسيس هذه الدولة العظمى؟ ومن المسؤول عنها وما هي قواعدها ومحددات قياسها؟

أجيبك: مؤسسات الدولة هي المسؤولة.

عظيم. من إذن يراقب تنفيذها؟

أجيبك: البرلمان والصحافة.

وهنا أطرح سؤالًا واضحًا: هل لدينا برلمان أو صحافة؟

الإجابة بمنتهى البساطة: لا. ليس لدينا.

الفراغ السياسي يحتاج من يملؤه.. إما الشباب أو الإخوان

مؤخرًا، تحدثت في مقال بعنوان “من يملأ الفراغ؟”، قلت فيه إن الشباب منذ ثورة 1952 حتى تاريخه، تحت وصاية مؤسسات الدولة.. لماذا برأيك هذه الوصاية مستمرة؟

– لأن مؤسسات الدولة تؤمن بأهمية استخدام الشباب من أجل تحقيق السلطة، أكثر بكثير من تفعيل دورهم في تحقيق التنمية، وهناك فارق كبير بين الاثنين، وللأسف الشباب في ذهن مؤسسات الدولة والمجتمع كتلة واحدة، رغم خطأ هذا التصور.

الشباب من سن 14 إلى 23 سنة في مؤسسات الدولة التعليمية، أي أنهم تحت يد الدولة، بمعنى أنه يمكن للدولة أن تحقق رؤية التعليم في رؤية مصر 2030، عبر بناء شخصية سوية منافسة، تنمو عبر الرياضة والفن والمعايشة، لكن بعد سن 23 ، سيذهب الشباب إلى بناء أسرة والبحث عن وظيفة، ما يعني أهمية تبني خطاب مختلف يناسب احتياجاتهم.

وبإهمال الكتلتين، علينا أن نحذر من الفراغ القادم ومن سيشغله.

ودعنا نتفق أن أي فراغ يجب أن يُملأ، وفي الوضع السياسي هذا الفراغ يملؤه الأكثر سلطة والأكثر تنظيمًا والأكثر تمويلًا، هذه هي أبواب صناعة الأحزاب السياسية. والفراغ المتوقع القادم إذا لم يُملأ بشكل سوي سيجد الأكثر تطرفًا والأكثر تعصبًا لاحتلاله.

ولكي أكون واضحًا هذا الفراغ السياسي الراهن الذي تعيشه مصر إذا لم يُملأ بشكل حقيقي ومقنع وبالشباب الآن سنجد أنفسنا مرة أخرى في مواجهة الإخوان. نحن أمام خيارين لا ثالث لهما؛ إما الشباب أو “الإخوان راجعين راجعين”.

أجهزة الدول وبكل النيات الحسنة لا تستطيع أن تملأ فراغًا سياسيًا ولا يجب أن تملأ فراغًا اقتصاديًا، لأن وظيفتها تختلف وأكثر أهمية من ذلك.

“تنسيقية الشباب” طفل مؤسسات الدولة المدلل

مؤسسات الدولة تروج أنها مدركة لخطر سعي الإخوان للعودة، ولهذا ساهمت في تأسيس “تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين”.. كيف ترى دورها؟

– “منظمة الشباب التي تم تأسيسها في ستينيات القرن الماضي كانت لديها أيديولوجية واضحة، وهي الأيديولوجية الاشتراكية، وفضلت تحكم مصر منذ الستينات حتى أول امبارح، بفعل القادة اللي خرجوا منها، وتواجدوا في الحياة السياسية، حتى اليوم، بشكل يخلينا نقدر نقول بكل أريحية إن مصنع الاشتراكية قفل في روسيا ووكيله لسه شغال في مصر”.

هذه فترة مضت، وبعد ثورة 2011، خرج شباب مرحلة أخرى، بأهداف معلنة ومطالب واضحة، تم إهمالهم فحدث فراغ، ملأه الإخوان، ثم ذهب الإخوان، وحدث فراغ جديد، وملأته مؤسسات الدولة، ومن هنا ولدت تنسيقية الشباب، التي أعتبرها “الطفل المدلل لمؤسسات الدولة، بلا استراتيجية أو أيديولوجية”.

تذكرني “التنسيقية”بتجربة “حورس” أيام عبد المنعم عمارة وزير الشباب والرياضة الأسبق أيام مبارك، والتي انتهت بالفشل الذريع واستشرى بها الفساد وتسببت في مشكلات كبيرة.

هكذا كان الوضع منذ منظمة الشباب وصولًا إلى تجربة الإخوان في الجامعات وصناعتهم المليشيات، وحتى الأن.

لا أستطيع تقييم تجربة شباب يناير القادمة

نشرنا عبر “فكر تاني” تحقيقًا في الأيام الأخيرة عن تحركات شباب المعارضة من جيل يناير، ومنهم حسام مؤنس وياسر الهواري، لتشكيل كيانات جديدة.. كيف ترى هذه الخطوة؟

– بعض جيل يناير، دون ذكر أسماء أو تعليق على الأسماء التي ذكرتها، ناقشني في تشكيل هذه الكيانات الجديدة وطلبوا رأيي، قلت لهم: “اعرفوا أنتوا عاوزين ايه الأول علشان تعرفوا تحطوا استراتيجية تتحركوا عليها برؤية واضحة واستراتيجية محددة.. والحقيقة مش عارف تجربتهم ينفع يُبنى عليها ولا لأ”.

لي تجربة في عام 2011، حين احترت بعد الثورة في الاستمرار في العمل العام من عدمه، ولكن لأني رجل علمي، درست الواقع بطريقة علمية رصينة، وعرفت أن الشباب الذي كنت معتقدًا أنه يعرفني وصل إلى سن 40 و50 سنة. كل انتخابات دخلتها في دائرتي كانت الأصوات المؤيدة لي 98%منهم من الشباب والنساء، ولذلك أخذت خطوة استراتيجية للاتجاه إلى العمل في التنمية التعليمية مع طلاب المدارس.

وأعود، أنا شخصيًا أريد أن تكون مصر دولة عظمى، متطورة اقتصاديًا، حتى تصل لأن تكون قوة اقتصادية ضاربة في المنطقة. أريد أن يتم تمكين شباب مصر بطريقة حقيقية بالتعليم والثقافة والمعيشة المحترمة حتى يستطيع قيادة المنطقة، ولا يكون تابعًا.

جيلي لا يصلح لقيادة الفترة القادمة.. نحن بحاجة للشباب

ألا يتطلب ما تريد منصبًا تنفيذيًا حتى تحققه؟

– البعض في مؤسسات الدولة سألني هذا السؤال، وأجبت بوضوح: عندي 72 سنة، وشغلتي الآن أن أساند وأساعد وأوثق. من يحكم مصر يجب أن يكون في سن الأربعين أو الخمسين على أقصى حد، هم الأقدر على القيادة، وفي كل مكان في العالم هم في صدارة القيادة الآن.

مؤسسات الدولة تريد الأكبر سنًا والأكثر حكمة والأقدر على معرفة الأمور ومن تثق فيه، ولكن لا يجب أن يكون هذا هو القائد، هذه الطريقة في التفكير تنتهى من العالم. الشباب يجب أن يكونوا هم القادة الآن.

تداول السلطة: نصحتُ الرئيس بعدم الترشح

هذا يحيلنا إلى مسألة تدوال السلطة، وقد تحدثت عنها كإصلاحي بارز كثيرًا في أيام مبارك، ولكن اليوم خرجت بعض الأصوات تتحدث عن ضرورة تعديل الدستور مجددًا لاستمرار الرئيس السيسي، سواء بالسيناريو التركي أو السيناريو الروسي.. بخبرة السنين، كيف ترى حديث هذه الأصوات وما نصيحتك؟

– للأسف، سمعت هذا الكلام، ومن المؤسف أن سياسيين محسوبين على الليبراليين خرجوا وقالوا هذا الكلام أيضًا، وعرفت أنه حديث متداول على نطاق معين من أجل تعديل دستوري جديد حتى لا تكون هذه “الولاية الأخيرة”، رغم أنه كان من المفترض أن تكون الولاية السابقة هي الأخيرة، ولكنهم صنعوا فترة استثنائية لسياقات محددة، ومرت. والآن بات من العيب أن نصنع فترة استثنائية أخرى.

اقرأ أيضًا: السادات في حوار خاص: مصر كلها “خسرانة” من استمرار الأوضاع الحالية.. وحمائم النظام الأقرب للرئيس

في عام 2007، الرئيس الراحل مبارك جلس يتناقش مع مجموعة مكونة من 11 شخصية، كنت أنا منهم، ورفعت يدي في هذه الجلسة، وقلت له: “يافندم، أهم مادة للتعديل هي المادة 77. يجب أن يتم تداول السلطة”.

للأسف، من يتحدثون عن تعديل دستوري جديد، حديثهم مكرر من أيام الزعيم الروماني نيكولاي تشاوتشيسكو وجمال عبد الناصر في مصر وفلاديمير بوتين في روسيا. هم يربطون بين الزعماء وبين بقاء الدولة والاستقرار، ولكن ما حدث هو أن عبد الناصر في عز سطوته هُزم هزيمة شنيعة، وحسني مبارك كان يملك كل الخيوط ولكنه “وقع”.

من يردد حديث تعديل الدستور لفترة رئاسية جديدة لا يريد أن يتعلم من التاريخ، ولا يدرك أن هذا لم يعد يناسب مصر إطلاقًا.

ولأنني أدرك خطورة هذا الأمر، استبقت هذا كله وأرسلت خطابًا مباشرًا إلى الرئيس السيسي، قبيل الترشح، قلت له فيه: “لو لم تترشح ستصبح بطلًا في مستقبل وتاريخ مصر” ولم أتلق ردًا، لكن يكفيني أني عبرت عن وجهة نظري، وهو ما فعلته في عام 2005 عندما قدمت النصيحة للرئيس مبارك بأن يعلن أن هذه هي الولاية الأخيرة.

أنا فعلت ذلك وأفعل، لأن المتعارف عليه في الدول السلطوية إذا بقت السلطة بلا تداول، يتم إهدار الدستور والقانون، وهذا خطر على الدولة نفسها.

هناك غياب للتنافسية الحقيقية

كيف ترى الانتخابات الرئاسية الأخيرة؟

– من حيث الشكل والمضمون، الانتخابات لم يكن لها تأثير، فلا شيء تغير، لكن ما يقلقني فعلًا هو ما سمعته من حديث الشباب في حواراتي معهم بعد الانتخابات.

الشباب ينظرون للانتخابات الأخيرة بأنها كانت خطوة للخلف، وأنها افتقدت الممارسة الديمقراطية والتنافسية الحقيقية. بل ووصل الأمر بهم إلى أن يقولوا: “ما كنا عملنا استفتاء وخلصنا”.

لا يوجد انتخابات رئاسية في العالم يتحدث فيها “مندوب” نيابة عن المرشح في مناظرة رئاسية أمام الشعب.” *يستحضر هنا بدراوي مشهد المناظرة الرئاسية في الانتخابات السابقة

للأسف بعض المحسوبين على مؤسسات الدولة استخدموا طريقة الإخوان في الانتخابات باستغلال الفقر والجهل. هؤلاء وأنصار الحكم الديني يتفقون في فلسفة واحدة هي الطاعة.

نحتاج نوابًا للرئيس وحكومة جديدة

هل يحتاج الرئيس السيسي نائبًا وحكومة جديدة بعد حلف اليمين الدستوري؟

– أميل إلى وجود “نائب” للرئيس، خاصة أنه منصوص عليه دستوريًا، وأرى أن الرئيس قد يكون بحاجة إلى نائب أو أكثر في الفترة المقبلة.

وبالقطع، الرئيس يحتاج إلى حكومة جديدة بعد حلف اليمين، على أن تكون حكومة سياسية، وأشدد على أن تكون سياسية، لأننا لدينا وزراء جيدون جدًا في الحكومة الحالية، لكنهم غير سياسيين.

الوزير السياسي يستطيع أن يتحدث إلى الناس، ويقنع المجتمع بأفكاره، ويدخل في حوارات كي يجذبك لصالحه. لكن الوزراء التكنوقراط لا يتكلمون بالأساس، ولا يتحدثون مع المجتمع، ولا يُقدّرون البرلمان، وهذا موقف في غاية الصعوبة.

هناك هجوم حاد على حكومة مصطفى مدبولي حاليًا من بعض وسائل إعلام الموالاة، وقد دفع هذا إلى التكهن بأنه قد يصبح “كبش فداء”  خلال الفترة المقبلة.. هل تتفق مع هذا التكهن؟

– الناس تعلم الحقيقة، والدولة لها طريقة تعتمدها في الحكم منذ أيام مبارك، من مبادئها الأساسية أن رئاسة الجمهورية هي من تقرر وتحكم، ورئيس الوزراء لا يحكم، ولذلك فمعنى بقاء د.مصطفي مدبولي كل هذه الفترة في منصبه أنه “غانم” ولن يكون “كبش فداء”.

نصيحة الوزير حسن أبو باشا والوساطة السياسية

أقف هنا عند نصيحة “حماك” وزير الداخلية الأسبق حسن أبو باشا بعدم الوساطة بين الإخوان ونظام مبارك.. كيف تُقّيم هذه النصيحة الآن؟ ولماذا يتحدث البعض عن أنك تقوم بدور الوساطة اليوم بين نظام مبارك والنظام الحالي؟

– لقد كان رحمه الله ذكيًا وسياسيًا بارعًا، وأنا على اتفاقي معه في ألا أقوم بأي وساطة سياسية، ورفضت أن أكون وسيطًا بين الإخوان ونظام مبارك، وغير حقيقي مطلقًا أنني سأرضى اليوم بأي وساطة من هذا النوع.

قال لي في أوائل التسعينات: أنا أرى فيك سياسيًا سيجتمع عليك الجميع وسيلجأون إليك، فلا ترضى بدور الوساطة. وحذرني وقتها أنني سأكون ضحية أكاذيب كُل من الإخوان ونظام مبارك، وسينتهي الأمر إلى التخلص مني وقت الاتفاق بينهما.

هذا موقفي وتصنيفي

أين أنت الآن وأين موقعك من الموالاة والمعارضة؟

– ليس لدينا موالاة بمعناها السياسي الحقيقي، هناك تعريفات أخرى. أنا عندما أسست حزب الاتحاد بعد ثورة 25 يناير، لم أتول منصب الرئيس فيه، تم اختياري رئيسًا لمجلس أمنائه. حاليًا، وجدت الحزب بأعضائه يتجهون نحو “التلحف بالسلطة التنفيذية”، أو ما يٌسمى “موالاة” وهذا لا علاقة لي به، ولذلك أخذت مسافة بعيدة قليلًا منه في فترة سابقة، ولم أقرن سيرة الحزب باسمي.

ولكن حاليًا، لن أتركه لأنني مؤسسه. ما يحدث فيه اليوم لم يكن منهجه من البداية. أقوم الآن بتغيير استراتيجية الحزب وتصحيح مساره.

لست من الموالاة ولست من المعارضة، أين تقف إذن؟

– أنا لا أحب ألفاظ الموالاة والمؤيد والمعارض والثورجي. أعرف نفسي بنفسي كالآتي: أنا ليبرالي اجتماعي إصلاحي، وكل تصنيف من هؤلاء محدد في ذهني جيدًا.

ليبرالي تعني: مع الحرية، التي يضبطها القانون لا الفوضى، وفي المضمون الاجتماعي أنا أكثر اشتراكية من الأحزاب اليسارية في التعليم والصحة وحقوق المواطن.

مؤمن بالاقتصاد الحر، ولذلك أقف مع القطاع الخاص والنمو الاقتصادي وعدم تدخل الدولة في الاقتصاد إلا في إطار محدد ومعروف.

وإصلاحي، لأنني أريد البناء التراكمي لا الهدم، وجزء من رؤيتي السياسية هذه نابعة من الخبرة.

أريد أن أعترف أنني حينما درست في عام 2001 حقوق الإنسان تغيرت رؤيتي السياسية، فقد كنت أتكلم عن التعليم والصحة كخدمة أمامها مقابل، لكن بعدما درست وبدأت أراها كحق، تغير مفهومي السياسي، وأصبحت أتحدث عن حقوق المواطن، إلى جانب أهمية أن أعطيه خدمة جيدة بمقابل عادل ومناسب.

على أرض الواقع، هناك سياسات أتفق معها وسياسات أختلف معها طبقًا لرؤيتي واستراتيجيتي، أحترم الدستور رغم أنني لا أوافق على مواد فيه.

“مستقبل وطن” حزب حاكم لا يحكم

بذكر الأحزاب، هل تحتاج مصر إلى حزب حاكم صريح أم أن تجربة الحزب الوطني أثبتت فشل الفكرة؟

– مفهوم الأحزاب في العالم تغير، ولكي يكون لدينا حزب، لابد من تنظيم وتمويل وأيديولوجية، كي نحكم على الاختلاف في الأحزاب.

الحزب لابد أن يقدم بدائل لصناعة التنمية، والمواطن يختار على أساس هذه البدائل، وطالما لا أقدم بدائل فلا يجب أن يطلق علىّ حزب. وإذا قدمت بدائل للسلطة فأنت معارض.

حاليًا، حزب “مستقبل وطن” يحوز الأغلبية البرلمانية بمساندة السلطة التنفيذية، كما هو معروف، ولكنه ليس حزبًا حاكمًا لأن الحكومة لا تأتي منه. ولم يؤد دورًا فاعلًا يناسب المساندة التي حظي بها إلى الآن. بل إن البرلمان شهد نجومًا من غير أعضاء هذا الحزب كالنائبين عبد المنعم إمام وضياء الدين داود وغيرهما، ممن ينطلقون من فهم قاعدة في السياسة تتحدث عن أهمية “الحجم الحرج الفعال”، ليس شرطًا فيها أن تكون من الأغلبية.

الحزب الوطني ضحية

هل كان الحزب الوطني سببًا في الثورة أم ضحية بعض مراكز القوى فيه؟

– شهادتي، إن آخر 5 سنوات في حكم مبارك هي أفضل سنوات الحزب، بخلاف ما هو شائع؛ لأن الحزب في هذا الوقت كان مصنع سياسات. نعم، للأسف كانت هذه السياسات لا تُنفذ، ولكنه- أي الحزب-  كان يتغير. لذا، أراه أحد ضحايا ثورة 25 يناير.

الحزب في هذه الفترة أيضًا كان لديه 12 شخصية مدنية يصلحون كمرشحين لرئاسة الجمهورية، ولكن تم التركيز على جمال مبارك فقط لنصل لما وصلنا إليه.

ما تقييمك لأداء الحركة المدنية الديمقراطية؟

– لا أرى أداء للحركة المدنية الديمقراطية حتى أقٌيّمه، وهذا لا يمنعني من احترام أعضائها على المستوى الشخصي.

في 30 مايو 2018، قلت: هل يُمكن تكوين ائتلاف سياسي يحظى بأغلبية برلمانية في الانتخابات المقبلة؟..  اليوم أكرر عليكم السؤال قبل انتخابات برلمان 2025؟

– نعم يمكن تكوين ائتلاف سياسي، الآن قبل انتخابات برلمان 2025.

هل يمكن أن تقوم بهذا الدور؟

– لن أقوم بدور تنفيذي، لكن ربما أُمارس دورًا قياديًا، لبلورة أفكار جديدة، في ائتلاف ما.

في 2019، انعقدت رغبة 4 أحزاب على الحد الأدنى من الأفكار والأهداف المتفق عليها، التي أجمعنا عليها عبر ائتلاف، تم تفكيكه لاحقًا “بفعل فاعل”.

الآن، لا تزال فكرة وجود حزب أو تحالف مطروحة.

*هذا التحالف الذي يشير إليه بدراوي أطلق عليه”نادي الأحزاب المدنية”، وقد تألف من أحزاب “المحافظين” برئاسة أكمل قرطام، والمصري الديمقراطي الاجتماعي برئاسة فريد زهران، والإصلاح والتنمية برئاسة محمد أنور السادات، وحزب الاتحاد برئاسة حسام بدراوي. وقد نص بيانه التأسيسي على التعهد بتعزيز الديمقراطية وتحقيق التنمية الشاملة، ومواجهة أي محاولات للعودة إلى نظام حزبي مُسيطِر، وتعزيز احترام الدستور وحرية التعبير، وإيلاء الحريات الأساسية مثل حرية الرأي والاعتقاد وحق التنظيم السلمي، مع خلق حراك ثقافي واجتماعي يسهم في تطوير القيم المجتمعية والاقتصادية والإنسانية، ويعزز دور المواطنين في مراقبة وحماية مؤسسات الدولة.

يتردد في الأوساط أنك عائد بقوة سياسيًا في الفترة المقبلة.. هل هذا صحيح؟

– نعم هذا الكلام صحيح، وسأعلن في حينه كل التفاصيل.

هل تشارك في “التيار الحر” بعد خروج رئيس مجلس أمنائه “هشام قاسم” من السجن؟ ولماذا لم تشارك في تأسيسه من البداية رغم أنه أعلن أنه إطارًا ليبراليًا جامعاً؟

– لم أشارك في التيار الحر لأني لا أحب التمثيليات، أنا أشارك في أي مساحة يكون فيها فعالية، وأنا “مش مبسوط بما جرى في تأسيسه”، وبالتالي لن أشارك فيه مستقبلًا.

غياب حساب المسؤول يؤخر المحليات

نذهب إلى انتخابات المحليات.. كيف ترى تأخيرها إلى الآن؟

– في عام 2008، دعاني السفير الفرنسي لحضور آخر خطوة في تطبيق اللامركزية في فرنسا بعد 20 سنة من بدء التوجه، لأنني كنت أتحدث عنها في هذا الوقت، فما بالك في مصر، التي لم تبدأ حتى الأن!

لا بد من وجود رؤية واضحة ومكتوبة وخطط خمسية محددة لتفعيل المحليات، كي يكون المجتمع كله شريك في صناعة السياسة.

بالأمس، كانوا يخشون من الإخوان ويؤجلون المحليات، واليوم خائفون كذلك من إجرائها رغم عدم وجود الإخوان، كأن المبدأ هو الخوف من إجراء انتخابات المحليات بالأساس والأفضل عدم عقدها أصلًا. يتعاملون بمبدأ: “احنا كده حلوين.. هتفتح علينا باب جديد هو احنا ناقصين ناس جديدة تقول رأيها”.

المجلس الشعبي المحلي هو برلمان المحافظة، والمحافظ يجب أن يُحاسب من شعب المحافظة عبر نوابه المحليين الذين يختارهم الناس في انتخابات حرة نزيهة، ولكن يبدو أن الأمر لا يزال أمامه الكثير، لأن البعض يعتقد أنه لا ينبغي أن يُحاسب الشعبُ المسؤولَ.

يجب أن تبقى المؤسسة العسكرية ملاذاً الشعب

نذهب إلى موقفكم من المؤسسة العسكرية.. لماذا هو محل لغط وباب يستغله خصومك السياسيين؟

– موقفي لا يحتمل أي لغط، وموقفي بكل وضوح، هو الاحترام الكامل للمؤسسة العسكرية، ودورها العظيم تاريخًا ومستقبلًا.

لكني كسياسي أخشى أن تدخل المؤسسة العسكرية بكل تاريخها وإرثها في مواجهة مع الشعب في قضايا التنمية المدنية والقضايا السياسية، هذا خطأ استراتيجي.

أريد أن تبقى المؤسسة العسكرية ملاذًا للشعب عند أي أزمة، تدافع عن الحدود، وتقوي البلد، هي مؤسسة بحكم التاريخ والأداء منضبطة وفاعلة في وقت الخطر.

ولقد كتبت خطابًا للرئيس السيسي قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة بعشرة أيام، ووصل إليه، وقلت له فيه: “أرجو أن تحمي المؤسسة العسكرية نفسها من أن تكون طرفًا سياسيًا أو اقتصاديًا”، وأوضحت أن مكانتها لدى الشعب أكبر من ذلك، ويجب أن تبقى ملاذًا بعيدًا عن أمور السياسة والاقتصاد.

ورقة التوت سقطت عن حكومات الغرب

نذهب للحدود الملتهبة شرقًا، واستمرار العدوان الصهيوني على قطاع غزة.. ما رأيكم في موقف المجتمع الدولي؟

– ورقة التوت سقطت عن حكومات المجتمع الغربي، على عكس مواقف شعوبها الحرة.

أرى موقفًا حقيرًا من حكومات الغرب بدعم إبادة شعب غزة من الصهيونية العالمية، يظهر هذا في مواقف الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا. التاريخ لن يسامح قادة هذه الدول أبدًا.

هؤلاء جميعًا خانوني خيانة شخصية، لأني في وقت من الأوقات كنت أصدق أن تلك الحكومات تؤمن بحقوق المواطنين والحرية والعدالة والديمقراطية، ولكنني اكتشفت مع العدوان على غزة أنهم جميعًا كاذبون، وظهرت تلك الحكومات الغربية على حقيقتها، غير ديمقراطية، لأنها ترى شعوبها ترفض ما يحدث ولكنها في المقابل تتخذ موقفًا داعمًا لجرائم إبادة الشعب الفلسطيني.

لا أحب “حماس” ولا أثق فيهم، ولكنهم أعادوا القضية الفلسطينية مرة أخرى إلى الحياة وإلى حديث المجتمع العالمي، وبغباء الإسرائيليين وردود فعل الصهاينة هناك أجيال في مصر من بينهم أحفادي؛ طلبة المدارس الأجنبية، ممن لم يعرفوا شيئًا عن القضية الفلسطينية، الآن هم مدركون لأبعادها ويقودون حملات المقاطعة.

أما مصر، فمشكلتها بالغة الصعوبة حاليًا في هذا الملف، لأنها مُخيرة بين إنسانية ومبدأ أن لا نترك شعبًا شقيقًا يموت، وبين ما يترتب سياسيًا على السماح بتهجير الفلسطينيين إلى شمال سيناء. هذا موقف في غاية الصعوبة، لا أرغب أن أكون في موقع مسؤولية وأضطر لمواجهته.

ومع ذلك، أقول إن مصر في القضية الفلسطينية لا تستحق أن تكون وسيطًا ومدافعًا بالكلام، لأن موقع مصر أكبر من ذلك ثقلًا وتاريخًا.

السعودية تحاول شغل الفراغ المصري

البعض يرى أن التقارب المصري التركي الإيراني قد يشكل ورقة ضغط على الكيان الصهيوني ويغير توازنات المنطقة.. ما رأيك؟

– لا أعتقد ذلك، ولا أعول على هذا التقارب بالنسبة لمصر؛ فتركيا وإيران دولتان برجماتيتان، وما فيه مصلحتهما يسيران فيه، وبالتالي على مصر الانتباه لذلك، الآن وغدًا؛ فالصراع الحضاري في المنطقة بين إيران ومصر وتركيا وإسرائيل سيبقى.

نعم، تراجع دور مصر الإقليمي في السنوات الأخيرة، لكنه لا يجب أن يستمر على هذا الحال، خاصة وأن السعودية تحاول وضع نفسها مكان مصر، وهذا صعب، مع احترامي للمملكة وما تقوم به.

خسرنا قضية سد النهضة

هل خسرنا قضية سد النهضة الإثيوبي؟

– قطعًا خسرناها، ويتحمل مسؤولية ذلك المسؤولون حاليًا عن إدارة البلاد. ومع ذلك، يمكن مع رفع درجة العلاقات الدبلوماسية والسياسية تعويض الخسائر ومنافسة إسرائيل التي تستخدم ورقة التنمية لاختراق إفريقيا، والتي باتت تتحكم حاليًا في منابع النيل سواء في أوغندا أو إثيوبيا.

لا بد أن يعود التأثير المصري قويًا خارجيًا، وليس مطلوب الآن إعلان الحرب كما ينادي البعض، ولكن يمكن استخدام العقل والقدرات والعلاقات كي تكون مصر مؤثرة إفريقيًا، وهو ما يبدأ من الداخل، فالطريق إلى إفريقيا يبدأ من قوة الوضع الداخلي بمصر اقتصاديًا وسياسيًا.

هذه شهادتي في الطنطاوي وجمال مبارك وآخرين

ماذا تقول عن هؤلاء؟

النائب السابق أحمد الطنطاوي:

– شاب شجاع جدًا، لا أوافقه في أغلب آرائه، ولا اتفق مع استراتيجياته، لكنه لا يستحق إلا الاحترام على شجاعته.

المدون السجين علاء عبد الفتاح:

– لا أعرفه شخصيًا، ولكن كسجين سياسي إذا لم يكن لديه أي تهمة لا بد أن يغادر سجنه إلى بيته فورًا.

المرشح الرئاسي الأسبق عبد المنعم أبو الفتوح:

– قصة متفردة وزميل قديم من أيام كلية الطب، رجل فاضل ومحترم، ولكنه مثل باقي الإخوان يميل للرؤية الواحدة والمعتقد الواحد. ومع ذلك، آراه صديقًا محترمًا وأحبه على المستوى الإنساني.

جمال مبارك:

– رجل محترم جدًا ولا أظن أنه كان مرشحًا للرئاسة. قد جلست في الحزب الوطني 11 سنة، لم أحضر اجتماعًا واحدًا لإعداده رئيسًا للبلاد، وما يقال عن إبرازه يخضع لحب الشعب المصري للنجوم، وبالتالي، فحضوره في أي موقع يخضع لهذا الإطار لا أكثر ولا أقل، وهذا لا يمنع أن البعض ممن يلتقطون الصور معه ينتقدونه؛ هذه طبيعة شعبية.

اللواء عمر سليمان الرئيس الأسبق لجهاز المخابرات

– صمته طوال السنين أعطاه قيمة كبيرة جدًا، وأنا تعاملت معه عن قرب كنائب لرئيس الجمهورية وكمرشح لرئيس الجمهورية، وأعتقد أنه رجل محترم وواضح جدًا.

المستشار هشام جنينة الرئيس الأسبق للجهاز المركزي للمحاسبات

– رجل شجاع جدًا، ظُلم كثيرًا.

الدكتور محمد البرادعي نائب الرئيس السابق

– لم يقف أحد مع د. البرادعي قبل ثورة 25 يناير 2011 مثلما فعلت، الحزب (الوطني) حاربني على موقفي من البرادعي، ورغم أنني كنت لا أعرفه إلا أنني قلت أنه يحق له كرجل دولة معروف على مستوى العالم أن يترشح لانتخابات الرئاسة أمام الرئيس مبارك، وأقف مساندًا مع حقه في الترشح، وهو ما سبب لي أزمة كبيرة داخل الحزب.

الدكتور البرداعي رجل محترم، ولكن الناس كانت تريد منه أكثر كي تسير خلفه، أستغرب موقفه جدًا عندما ترك البلد في اللحظة الحاسمة التي كان يمكن أن يقول فيها رأيه كنائب لرئيس الجمهورية.

الأمل في الشعب

هل لا يزال هناك أمل من الممكن أن يتمسك به المصريون؟

الشعب المصري نفسه هو الأمل، بما يحمل من جينات الحضارة، وهذا كلام حقيقي وليس اعتباريًا. الشعب المصري في صمته أحيانًا وغضبه في لحظات أخرى، يستطيع أن يصنع الأمل.

مصر قادرة على العودة مجددًا لقيادة التنوير في العالم العربي، واستعادة القيادة الإقليمية. ولكن، مع الأمل لا بد من العمل.

1 تعليق

  1. حوار ممتاز وتطرق لقضايا هامة ولكنه طويل للغاية وكان يمكن مناقشة د-بدراوى فيما بين السطور لو كان الحوار عل ثلاث حلقات مثلاً ، تحياتى صديقي القبانى وكل الشكر والدعم على حهدك المثمر ، أخوك أحمد رمضان

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة