قوائم الإفراج.. “عيدية” السلطة الممنوعة ومؤشر غياب “الحركة المدنية”

“5 رمضانات و4 سنين و9 أعياد. في 20 أبريل الجاري تكمل عامها الخامس بعيدةً عنا وبلا أي مبرر”؛ تحدثت بحزن لمنصة “فكر تاني”، الأكاديمية وفاء حفني -والدة المترجمة مروة عرفة المحبوسة احتياطيًا على ذمة القضية رقم 570 لسنة 2020 حصر أمن دولة عليا- رغم انتهاء المدة القانونية للحبس الاحتياطي المقررة بعامين عن قائمة إفراج مفقودة تمنت أن تضم ابنتها.

مروة عرفة
مروة عرفة

جربت “وفاء” إحساس الفقد في العيد مثل آلاف غيرها، يحاصرهم ألم غياب الأقارب والأبناء ابنتها لسنوات تبدلت فيها الملامح والأحلام وخفتت فيها الرغبة في الفرح وإن بقي الأمل يؤلمهم بقدر ما يشجعهم مع كل وعد بقرب اللقاء أخيرًا.

“ننتظر الإفراج عنها ولو مراعاة للبعد الإنساني؛ ابنتها المريضة ذات السنوات الست بحاجة لرعايتها.. بحاجة لضمها”؛ تقول “وفاء”.

اقرأ أيضًا: ملامح مرجوة للفترة الرئاسية الثالثة

وقد راجت أنباء قبل عيد الفطر المبارك عن قائمة إفراج جديدة تضم المحبوسين احتياطيًا على ذمة القضايا السياسية، من بينهم “مروة عرفة” والناشطين السياسيين “شريف الروبي” و”محمد عادل”، وصحفيين منهم “مصطفى الخطيب” و”حمدي الزعيم”، وكريم إبراهيم، لكن انقضى العيد دون خروجهم.

قوائم الإفراج.. “العيدية” التي تراها المعارضة “حق”

شريف الروبي
شريف الروبي

لعل الدافع وراء الحوار الوطني كله -أو على الأقل في الجزء الأول من مساره- كان رغبة الجميع في إنهاء أزمات ملف حقوق الإنسان في مصر؛ هكذا أبدت السلطة رغبتها مع دعوة الرئيس لانعقاد هذا الحدث، ورحبت المعارضة التي رأت الأمر انفراجة تُبشر بعودة من يقبعون خلف أسوار السجون، يحاكمون على آرائهم وحرية أفكارهم التي كفلها الدستور.

لكن على عكس المتوقع -ورغم بعض قوائم الإفراج التي نشطت مع انطلاق الحوار قبل أن تعود للسبات مجددًا- تجمد عمل لجنة العفو الرئاسي، بشكل غير معلن أو رسمي في الفترة الأخيرة؛ أو هكذا أكد مصدر مطلع تحدث لـ”فكر تاني”، حيث بقي الأمر مقتصرًا على تدخلات بين حين وآخر مع الجهات المعنية، يعمل عليها نقيب الصحفيين الكاتب الصحفي خالد البلشي فيما يخص أعضاء نقابته، ويعمل عليها الحزب المصري الديمقراطي وآخرين من الشخصيات العامة فيما يخص ملف القوي المدنية.

“إفراج تمنيناه في العيد”

مقدار الحزن ذاته يمكن أن تلمسه في قلوب كل أهالي المغيّبين، فكما هو الأمل في آخر محطاته في بيت “مروة عرفة”، يلاحق بالحزن والقلق بيت “أماني حمدي”؛ زوجة المصور الصحفي “حمدي الزعيم”، التي تقول: “العيد لم يأت بيتي بعد.. حمدي لا يزل داخل محبسه”.

حمدي الزعيم
حمدي الزعيم

لم يبق لـ”أماني” وأبناؤها سوى مواقع التواصل الاجتماعي يرجون عبرها إفراجًا قريبًا عن الزوج الأب الغائب، الذي  تخرجت ابنته الكبرى في كلية الحقوق لتقف مدافعة عن أبيها أمام منصات القضاء دون جدوى.

“هذا العيد هو السابع على التوالي الذي عشناه دون حمدي، ورقم 11 في مسيرة اعتقاله المتكررة. لم يكن معنا سوى في الفترة ما بين عامي 2018 – 2020، وما تخللها من أعياد ومناسبات. كان لأغلب الوقت في القسم ضمن التدابير الاحترازية المفروضة عليه خلال مدة الإفراج عنه المشروطة، لكنه على الأقل كان موجودًا بيننا لبعض الوقت. هذا ما نفتقده منذ إلقاء القبض عليه مرة أخرى دون سبب واضح”؛ تقول “أماني” في حديثها لـ “فكر تاني”.

“ملك” ابنتهما كتبت كذلك تدوينة قبل العيد، تمنت فيها على المسؤولين إفراجًا قريبًا لأبيها. لكن صوتها لم يُسمع، فقضت العيد دون والدها.

قوائم الإفراج.. “العفو” تضغط بلا استجابة

في المقابل، يؤكد المحامي الحقوقي طارق العوضي، عضو لجنة العفو الرئاسي، أن كل المعلومات الخاصة بسجناء الرأي التي وصلت إلى لجنتهم، قدموها بدورهم إلى السلطات المختصة، في إطار الدور الواجب على اللجنة.

طارق العوضي
طارق العوضي

ويضيف “العوضي”، في حديثه لـ”فكر تاني”، أنهم “يضغطون بكل الوسائل الممكنة للإفراج عن المحتجزين ومنع عرقلة أي قوائم للإفراجات أو تأخيرها، ولكن دون استجابة بعد”. وقد تحفظ على التعليق على ما يثار حول “التجميد الضمني” لعمل اللجنة.

اقرأ أيضًا: “تجميد” لجنة العفو.. ملف سجناء الرأي”جُرح” الشارع الذي لا يُشفى

كانت إحدى توصيات الرئيس عبد الفتاح السيسي الرئيسية في حفل إفطار الأسرة المصرية 2022، إعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسي، التي تم تشكيلها كأحد توصيات المؤتمر الوطني للشباب 2016، مطالبًا بأن توسع قاعدة عملها بالتعاون مع الأجهزة المختصة ومنظمات المجتمع المدني المعنية. لكنه رغم ذلك عانت بعض العراقيل غير المبررة في الفترة الأخيرة على وجه التحديد.

“اللا منطق يحكم الأمور بداية من الحبس”

“للأسف لا يوجد منطق نستطيع أن نقيس عليه أو نفسر به ما يحدث في ملف الإفراجات أو نعتمد عليه في توقع لماذا لم يتم الإفراج عن قوائم في العيد كما هو المعتاد والمتوقع، لأن اللا منطق يحكم الأمر بدايةً بأمر الاحتجاز نفسه”؛ يقول النقابي البارز وعضو لجنة الحريات بنقابة الصحفيين كارم يحيي.

كارم يحيى
كارم يحيى

يضيف “يحيى”، في حديثه لـ”فكر تاني”، أن شعور الحزن الذي يلاحق أسر سجناء الرأي سواء من السياسيين أو من الصحفيين صعب، يجب أن يقدره أي مصري، خاصة وأن بعض السجناء دخلوا عامهم العاشر في السجن. وهو يؤكد أهمية تسريع وتيرة الإفراجات لتعويض التأجيلات المتكررة الأخيرة.

وحول غياب إفراجات العيد للصحفيين، والتي كانت عادة تتم مع الأعياد والمناسبات، يقول النقابي وعضو لجنة الحريات بنقابة الصحفيين: “ربما اعتبرت السلطة الإفراج عن 3 زميلات منذ شهرين جرعة كافية في هذا المرحلة، وربما يعود هذا إلى أن السلطة صاحبة قرارات الإفراج أخذت من بعض الوقفات التي أقيمت على سلم النقابة مبررًا لتأجيل وعود الإفراج”.

اقرأ أيضًا: أكرم إسماعيل في حوار خاص: على النظام أن يسمح للمعارضة بالمنافسة على 30% من مقاعد برلمان 2025.. و“الضباع” تريد أن تحافظ على مصالحها ولو على جثة البلد

ولا يزال رهن الحبس والسجن 7 صحفيين نقابيين، هم: أحمد سبيع وبدر محمد بدر وكريم إبراهيم السيد ومصطفي الخطيب ومحمود سعد دياب ومحسن راضي، فيما تختلف التقديرات حول الصحفيين المستقلين غير النقابيين، وإن كان أبرزهم: أحمد الطنوبي وحمدي الزعيم وتوفيق غانم ومحمد الشاعر ومحمد سعيد وكريم الشاعر ومدحت رمضان وعبد الله شوشة الذي تخطى 10 سنوات رهن الحبس الاحتياطي.

ووفق ما أمكن رصده بحسب توثيق أجراه “يحيى” منذ مايو 2021 حتى 24 مارس 2023، بحكم دوره النقابي، يبلغ إجمالي المحبوسين من الصحفيات والصحفيين المصريين خلال هذه الفترة 59 صحفية وصحفيًا، تم إطلاق سراح 40 منهم، فيما يتبقى في السجون اليوم 19 صحفيًا وصحفية.

خط الحركة المدنية “مرفوع مؤقتًا من الخدمة”

الواقع والمعلومات يقولان إن الخط المفتوح لإنهاء ملف سجناء الرأي “مرفوع مؤقتًا من الخدمة” لدى الحركة المدنية الديمقراطية، التي تنشغل بترتيب صفوفها الداخلية أولًا، وتترك الأمر لأحزابها التي تمتلك قنوات تواصل مع السلطات المعنية.

أكرم إسماعيل
أكرم إسماعيل

وبحسب حديث أكرم إسماعيل القيادي البارز في الحركة المدنية الديمقراطية، لـ”فكر تاني”، فإنه يرجح أن تكون الإفراجات التي تمت للمقبوض عليهم من وقفة نقابة الصحفيين قبل العيد مقابل إفراجات العيد المعتادة والمتوقعة لدى البعض، مؤكدًا أنه لم يكن لديه معلومة رسمية بإطلاق سراح أحد قبل العيد.

ويوضح إسماعيل، أن الحركة المدنية حاليًا، تركز على ذاتها لترتيب البيت الداخلي، ولم الشمل، ووضع الخطط على كل المستويات في الفترة المقبلة، ومن ضمنها ملف سجناء الرأي، تاركةً أمور التحرك في هذا الملف حاليًا لأحزابها التي لديها قنوات تواصل لا تزال مفتوحة مع الجهات المعنية بالأمر.

ويشير القيادي البارز في الحركة المدنية إلى ملمح مهم فيما تواجهه الحركة في الفترة الأخيرة؛ فيقول: “يجب الانتباه إلى أن الحركة بشكل رسمي لم تكن مدعوة لإفطار الأسرة المصرية لهذا العام، وبالتالي فالرسالة كانت واضحة أنه لا توجد انفراجة ما في هذا الملف الذي كان يتم الحديث حوله في حال حضور الحركة في مثل هذه الفعاليات”.

المعارضة ضعُفت في ملف الإفراج

تتجه الأنظار حاليًا في إنهاء ملف سجناء الرأي إلى الحزب المصري الديمقراطي، والذي يعتبر المحامي أحمد فوزي القيادي البارز بالحزب وعضو الحركة المدنية الديمقراطية، أن التعويل على أداء حزبه أو غيره من الشخصيات العامة المعنية فيه دون مساعدة حقيقية من الجميع لا يؤدي إلى جديد.

أحمد فوزي
أحمد فوزي

ويوضح “فوزي”، في حديث خاص لـ”فكر تاني”، أن السلطات المصرية اتجهت في الفترات الأخيرة إلى السماح بمساحات انفتاح جزئي، تعاملت فيها مع آمال المعارضة في ضوء تصورات مؤسسات الدولة وتقديراتها لأي انفراجة مطلوبة من المعارضين، ما سرع وتيرة الإفراجات الجزئية بشكل ما.

الإشكالية التي حدثت -بحسب “فوزي”- هي انقسام قوى المعارضة التي لا تمتلك أوراق قوة للتفاوض. وقد اتجه البعض لرفض هذا المسار الجزئي والاكتفاء بنقده، واعتبر البعض الآخر ومنهم “فوزي” ما تم خطوات إيجابية غير كافية يمكن اكتمالها.

ويعتقد القيادي البارز في الحزب المصري الديمقراطي أن الفترة الحالية تلاحقها ظروف إقليمية صعبة تعيش فيها مصر وسط منطقة مشتعلة، ما يجعل مؤسسات الدولة تشعر بخطورة ملفات أهم في نظرها من ملف سجناء الرأي، في ظل الأداء الحالي لبعض قوى المعارضة والذي لا يخدم أي تحرك في هذا الملف حاليًا يقوم عليه أي حزب أو شخصية عامة ، وفق فوزي.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة