كامرأة تربيت مع عائلة أمي وهم من أصول ريفية.
عايشت حياة نساء الريف، وأنا مقيمة بشكل كامل في المدينة. هذا أفضل وبشكل ما جعل ظروفي حياتية أفضل بكثير.
هناك، ترى كيف يطحن الريف حياة النساء، يحدد طموحهن، يحرمهن من أبسط حقوقهن.
تلك الحياة التي نشكو نحن منها نحن نساء المدينة، فنبحث عن قوانين أفضل ووسائل حماية وحقوق أكثر، هي بعيدة تمامًا عن طموح تلك السيدات البسيطات في الريف.
لنتذكر معًا البيان الصادر عن الأمم المتحدة للاحتفاء بالمرأة الريفية: "نعترف بالدور الحاسم للمرأة الريفية، بما في ذلك نساء الشعوب الأصلية، في تعزيز التنمية الزراعية والريفية، وتحسين الأمن الغذائي، والقضاء على الفقر في الأرياف".
في مصر، كشفت دراسة للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، عن أحوال المرأة الريفية، التي تصل نسبتها في الريف إلى 58% من عدد السكان، مقابل 42% يعشن في المدن.
شهدنا ارتفاعًا في نسبة الزواج المبكر والطلاق، حيث بلغ عدد الإناث في الفئة العمرية من 15 إلى 17 سنة اللائي سبق لهن الزواج 117 ألفًا و220 حالة في عام 2017، وهو ما يمثل 40% من إجمالي عدد حالات الزواج.
يوضح التقرير أن المرأة الريفية تعاني من عدم الاهتمام بها في التعليم، حيث وصلت نسبة الأمية بين النساء الريفيات إلى 40% تقريبًا، رغم أنها تمثل جزءًا مهمًا وشريكًا في التنمية في العالم وفي مصر تحديدًا.
تذكر دراسة الجهاز المركزي أن نسبة الإناث في الريف تمثل 28% تقريبًا من إجمالي عدد السكان الكلي وهي شريك أساسي في العمل، وخاصة القطاع الزراعي الذي تعمل فيه نسبة 30% من إجمالي عدد النساء الريفيات.
تذكر الدراسة أن المرأة الريفية أشد الفئات ضعفًا مقارنة بنساء المدن؛ لعدة عوامل منها: عدم حصولهن على التعليم الكافي وعدم ملكيتهن موارد الإنتاج، وضعف حصولهن على الخدمات الصحية، ما يضعهن في مواجهة معوقات هيكلية مستمرة تحول دون تمتعهن بحقوقهن الإنسانية.
تعاني النساء التمييز داخل المجتمع الريفي، وكذلك تعاني الفقر والإقصاء مع تحملهن عبء العمل غير مدفوع الأجر، فضلًا عن الزواج في سن مبكرة، وسوء التغذية، والحرمان من ميراثهن الشرعي.
لذلك، حين نريد أن نتحدث عن دور المرأة الريفية، علينا ألا نكتفي بالإشارة إلى دورها فقط كربة منزل أو زوجة مكافحة، بل يجب التركيز على دورها الاقتصادي المهم وغير المدفوع بلا مقابل يعود عليها بالكسب.
تعمل المرأة الريفية مع أبيها أو أخيها ثم زوجها وعائلته في الأراضي لتنمية الزراعات والمحصول. ترعى الحيوانات وتنمي هذه الثروة، وتؤدي أعمالها المنزلية اليومية وغيرها من المشاق اليومية التي تقع على كاهلها وحدها.
للحديث عن حقوق المرأة الريفية تحت شعار "راضوهن بلا حقوق"، يجب ذكر مئات الشهادات التي تحكي عن حرمان النساء من ميراثهن الشرعي، وسط غفلة من القانون، إذ يعتمد القانون المصري التشريع الإسلامي لتوزيع المواريث، ما يعطي في أغلب الحالات الحق الأكبر للرجل عن المرأة في نفس درجة القرابة، كالأخ والأخت والعم والعمة.
ورغم تصريحات شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب بأن الهدف من التشريع هو الحماية والوصاية المفروضة على الرجل تجاه نساء عائلته من تحمل الأعباء المادية، ما يقوي الروابط الأسرية ويحافظ على دور الرجل من منظور ديني لتحمل المسؤولية تجاه عائلته، فالواقع تغيب فيه الرقابة الفعلية على هذا الدور، بل ويصل الأمر لحرمان النساء من الحق المنقوص من الأساس في الميراث.
للتمعن جيدًا في الوضع الاجتماعي والاقتصادي للنساء وعلاقة ذلك بالمواريث نشير إلى بيانات وزارة العدل، الذي تسجل أكثر من 144 ألف قضية نزاع على الميراث سنويًا.
هذا الرقم لا يحتسب النساء اللواتي سكتنّ عن حقهنّ، أو لم يستطعنّ الوصول للقضاء.
وبالتأكيد الوضع يصبح أسوأ في المناطق الريفية والصعيد.
بحسب دراسة بحثية صادرة عن جامعة قنا، فإن 95.5% من السيدات محرومات من الميراث تمامًا، ذلك بالرغم من أن نسب النساء المعيلات في الصعيد مرتفعة.
فما المقابل إذن؟
للأسف لم تحظ المرأة الريفية باهتمام كبير سواء في الخطاب المجتمعي أو على الجانب الحقوقي والمؤسسات المنوطة بذلك.
ذلك وإن كانت المرأة الريفية استفادت من الموجة الحالية للنسوية بشكل إيجابي.
نذكر مثلًا أنه بعد أن وصلت نسبة ختان الإناث في الريف القبلي تصل إلى 98%، وفي ريف الوجه البحري تصل إلى 91%، دون أي عقوبات محددة، بل وفتاوى تحلل الجريمة وتشرعنها، حدثت استجابات لمطالبات مستمرة من الجانب الحقوقي والنسوي لحل أزمة الختان بتجريمها في قانون الطفل، حتى تم تشديد العقوبات مؤخرًا لتصل إلى 15 عامًا مشددًا للطبيب وللأب المسؤول عن تعرض ابنته لتلك العاهة.
كذلك قدمت عدة مؤسسات نسوية ومبادرات شابة حملات مؤخرًا توثق وتسلط الضوء على أوضاع المرأة الريفية كـ"حملة رِضوة" منذ عامين، والتي طالبت بسن قوانين عادلة وصارمة لحماية حقوق النساء في الريف، ولمحاربة تأنيث الفقراء المدعوم بحرمانهن من امتلاك الأراضي والعقارات وغيره، ما يجعل فرصهن في امتلاك ثروات ضعيفة، ليس فقط في الميراث.
نساء الريف بحاجة ماسة إلى قوانين صارمة لحمايتهن من الوقوع ضحية للزواج المبكر، أو السقوط ضحايا لجريمة الختان.
هن بحاجة لفتح مجال واسع للحديث عن التحرش وفرص أفضل للتعليم والعلاج والعمل والبحث عن مستقبل أفضل.