هل يحكمنا الذكاء الاصطناعي؟

هل يحكم الذكاء الاصطناعي العالم؟ وهل سوف يكون ذلك من مصلحة البشرية؟

طرحت ذلك السؤال على قناة ديمقراطي مصري منذ أسبوعين، لأتفاجأ بأن أغلب الردود من المشاهدين، كانت تؤكد أنه لا يمكن للذكاء الاصطناعي أصلا أن يتفوق على البشر في مقدار ذكاؤه، وبالتالي لا يمكن له أن يحكم العالم. وهذه الاجابة تتعارض مع قناعات العديد من الخبراء في ذلك المجال، والذين يحذرون من خطورة أن يخرج الذكاء الاصطناعي (دعنا نختصر المصطلح في باقي المقال للتسهيل ب حرفي ذ.ص.) عن الحدود التي يرسمها له البشر، ويتعامل معهم على أنهم مجرد كائنات أقل منه في الذكاء والقدرة. ربما كان من أهم هؤلاء الخبراء الملياردير الأمريكي إيلون ماسك الذي يحذر منذ سنوات من تطور ذ.ص. ليصبح أكثر ذكاء من البشر وبالتالي ينظر لهم على أنهم عبء لا فائدة منه فيقوم بالتخلص منهم ، وهو أمر سهل للغاية، في حالة ما وجد مثل ذلك الكائن غير البشري، سواء بالسيطرة على شفرات الأسلحة النووية واطلاقها أو بصناعة فيروس شديد التدمير،لا يمكن للبشر أن يقاوموه، أو حتى يصنع مادة قاتلة ويقوم بنشرها في الهواء لقتل الجميع. أفلام الخيال العلمي تمتلئ بمثل تلك المشاهد المرعبة، مما يعني أن الفكرة نفسها – فكرة التخلص من البشر – لن تكون جديدة، ولن يحتاج ذ.ص. لأن يبتكرها ويكفيه أن يتعلمها من أحد تلك الأفلام ليقوم بتطبيقها. ولكن الاحتمال الأخطر من وجهة نظره أن يتمكن ذ.ص. من تعلم كيف يوجه تفكير الناس – في المستقبل القريب – عن طريق السيطرة على وسائل التواصل بينهم.

بالطبع هناك بعض العلماء يتفقون مع مشاهدين القناة الأعزاء، ويعارضون ذلك التصور ويرونه وليد الخيال البشري الجامح، حيث أنه كلما ازداد ذكاء ذ.ص. كلما زاد ذكاء البشرأيضا في التعامل معه وتطويعه لإرادتهم وقوانينهم.

ما يدعو له إيلون ماسك وغيره، ليس وقف العمل في تطوير ذ.ص. ، وإنما تأجيله لبضع شهور، لإعطاء الفرصة للمشرعين وصانعي القوانين في المجتمعات الديمقراطية من مناقشة الأمر بإستفاضة، حتى يشرعوا قوانين وقواعد تحكم عمل ذ.ص. ومطوريه، بحيث تضمن عدم انقلابه على البشرية في يوم من الأيام، بل وتضمن ماهو أدنى من ذلك، أن يمنع استغلال أحد صناع ذ.ص. قدراته في ما يمكن أن يضر بالبشر وهو تحديدا ما يخشى أن تقوم دولة شمولية مثل الصين بعمله في المستقبل.

لكن ربما يحتاج القارئ لشرح مبسط لمفهوم “الذكاء” نفسه، لنفهم كيف يمكن تصور أن تتفوق آلة من صنع البشر على صانعيها في يوم من الأيام. الذكاء ببساطة هو قدرة العقل على جمع كم كبير جدا من المعلومات ،ثم عمل روابط بينها، وتكوين أنماط تكرارية، بحيث يمكنه أن يكون أفكار مجردة مما سبق تسجيله، أو – بلغة أكثر بشرية – تعلمه. وبالتالي فمخ الانسان الذي يقوم بتسجيل كل ما تمر به حواسه ومشاعره يجعل الانسان أكثر الكائنات قدرة على التحليل والتخيل والابداع، لأنه أكثر الأمخاخ – وسط الكائنات الحية – تعقيدا وقدرة على تكوين روابط بين كل ما يمر به، وأكثر قدرة على تحويل تلك الروابط لأفكار جديدة لم تكن موجودة من قبل، بل والاستفادة من خبرات وتجارب الآخرين والسابقين، عن طريق التواصل الشفهي أو الكتابة. ولأن البشر متفاوتون في قدراتهم على جمع المعلومات، وتكوين الروابط وتحويلها لأفكار جديدة، فإن الانسان الذي يجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات يصبح أكثر خبرة من غيره في الموضوع الذي ترتبط به هذه المعلومات، والانسان الذي يستطيع أكثر من غيره أن يحلل تلك المعلومات ويفهمها يصبح أكثر ذكاء من غيره، والانسان الذي يستطيع أن ينتج أفكار جديدة يصبح أكثر ابداعا من غيره، والمجتمع الذي يتمكن من تطوير وسائل التواصل ونقل الخبرات بين أفراده يصبح أكثر تطورا.. وهكذا.

فما الذي يجعل الذكاء الاصطناعي “ذكيا؟

ما يفعله ذ.ص. هو أنه يقوم بجمع أكبر كم ممكن من المعلومات المتاحة عن موضوع محدد مبرمج مسبقا، ليقوم بتحليلها وتكوين روابط بينها. وبالتالي يمكنه أن يجيب عن أسئلة تخص ذلك الموضوع، بناء على ما “تعلمه” و”فهمه”. ولأن ذ.ص. ليس بشريا فهو يختلف عن البشر، في أنهم يتعلمون من تجارب حياتية مختلفة ومتباينة، فيصبح ذكاؤهم أكثر شمولا وترابط، بينما هو يتعلم فقط الموضوع المحدد له مسبقا، ولذلك يمكن بسهولة أن يقع في أخطاء يراها البشر فادحة لدرجة السخافة. ولذلك فإن ذكاء البشر أكثر شمولا، بينما ذكاء ذ.ص. لا يخرج عن مجالات محددة مسبقا. إلا أنه بينما يحتاج البشر لسنوات وسنوات من التعلم والتدريب والتجربة والخطأ، لجمع أكبر كم ممكن من المعلومات والخبرات، يمكن ل ذ.ص. أن يحوذ على كم المعلومات نفسها في مدة أقصر بكثير، كما أنه – لأنه آلة – يستطيع ان يستمر في التعلم طوال الوقت بدون توقف، فتتراكم معلوماته بكميات ضخمة بشكل لا يمكن لبشري أن يسبقه فيه وبالتالي يمكنه بالفعل أن يحل محل البشر في العديد من الوظائف والأعمال التي لا تحتاج إلا لكم معين من المعلومات لتنفيذها.

ولكن هل يكفي ذلك للتحول لكائن أكثر ذكاء وقدرة من البشر؟ وهل ذلك الكائن سوف يكون أكثر رحمة بالبشر، أم سيعتبرهم مجرد عائق يجب الخلاص منه أو السيطرة عليه في سبيل تنفيذ مشروعات أهم لصالح وجوده؟

هذا ما سوف أناقشه في المقال القادم إن كان في العمر – والحرية – بقية.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة