هل إسرائيل ديمقراطية؟

عادة ما كنت أتجنب الخوض في هذه النقطة الشائكة تجنبًا للربط التعسفي بين الديمقراطية والصهيونية – وهو ما يخدم أعداء الديمقراطية في بلادنا – ولكن بالنظر سريعًا على الوضع العالمي نجد أن العديد من الدول الديمقراطية بداية من أمريكا مرورًا بأوروبا حتى تركيا تعترف بدولة إسرائيل، بل ويعتبرها الكثير منهم الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط!

*حتى ديسمبر 2020 عدد الدول التي تعترف بإسرائيل هو 165 دولة من 193 دولة بالأمم المتحدة.

وكانت الاحتجاجات الأخيرة الواسعة على مشاريع حكومة نتنياهو الجديدة التي وصفت بأنها تحول الدولة الصهيونية من دولة ديمقراطية إلى دولة استبدادية قد أثارت إعجابي، بدفاع الإسرائيليين عن حرياتهم رغم علمي التام أنها انتزعت على حساب حقوق الفلسطينيين، وحاولت في مقالي الأول أن أناقش هذا الموضوع، ولكن جاء رد الصديق حليم حنيش على تويتر: «كيف يمكن أن توصف دولة فصل عنصري بالديمقراطية؟»،  ورغم أنني رددت عليه وقتها بما قاله أحد المفكرين الأمريكيين في مناظرة شهيرة عن الديمقراطية، بإن الناس تُحمل الديمقراطية ما لا تحتمل، وينسبون إليها كل ما يتمنونه وما يظنونه صالحًا، نجح تعليقه في إثارة التساؤل عميقًا بداخلي مرة أخرى.

هل إسرائيل دولة ديمقراطية حقًا ونحن الذين نُحمل الديمقراطية ما لا تحتمل؟ أم أنها ليست ديمقراطية بالمرة وتقوم الدول الديمقراطية بالتجاوز عن انتهاكاتها لمبادئ الديمقراطية حفاظًا على مصالحهم معها كما تتفق أغلب الكتابات العربية؟

في هذه السطور أحاول بحث هذه النقطة، ليس إعجابًا بديمقراطية إسرائيل ولكن لمحاولة فهم كيف تتوافق الديمقراطية مع تعريف الدولة الصهيونية لنفسها كدولة يهودية تقوم بالضرورة على التمييز الطائفي، ومع ممارساتها المستمرة ضد حقوق الإنسان، سواء الفلسطيني أو حتى ضد عرب إسرائيل أنفسهم، والذين يشكلون خمس عدد سكانها على الأقل!

بدأت بمراجعة معنى كلمة ديمقراطية، وسألت محرك بحث الذكاء الصناعي Bing هل يمكن لدولة ديمقراطية أن ترتكب جرائم ضد الإنسانية خارج او داخل حدودها؟ فأجاب بأنه على الرغم من أن الدول الديمقراطية يتوقع منها أن تحافظ على قيم حقوق الإنسان والقانون، لا يوجد تناقض متأصل بين أن تكون الدولة ديمقراطية وترتكب الجرائم خارج حدودها أو جرائم ضد الإنسانية. وذكرني ذلك بأن دول مثل إنجلترا وفرنسا وأمريكا ارتكبت العديد من الجرائم أثناء احتلالها لدول أخرى، ومع ذلك لم ينفي عنها ذلك صفة الديمقراطية وقت وقوع تلك الجرائم.

وهذا دفعني للتساؤل الثاني: ما هى أسس الديمقراطية وخصائصها، سواء التي تنطبق أو لا تنطبق على حالة إسرائيل؟

  1. الانتخابات الدورية التي تتيح للمواطن انتخاب ممثليه أو تغييرهم وفقًا لنظام محدد ومعلن.
  • حكم الأغلبية مع الحفاظ على حقوق الأقلية، عن طريق اللا مركزية التي تتيح تمثيل متوازن لكل فئات المجتمع في كل مناصب الحكومة والمحليات.
  • الحقوق الفردية التي تتيح حرية التعبير والاعتقاد ومساواة الأفراد أمام القانون.
  • حرية الاجتماع والتنظيم والمسئولية الوطنية الممثلة في المشاركة الشعبية. (هذا ما رأيناه في الاحتجاجات الأخيرة).
  • التوازن بين سلطات الحكم القضائية والتشريعية والتنفيذية. (هذا ما يحاول اليمين المتطرف إنهائه بالتعديلات الأخيرة).

وإذا كانت إسرائيل منذ نشأتها لم تتوقف عن إجراء الانتخابات، وحافظت على نسبة عالية من المشاركة الانتخابية وعلى التداول السلمي للسلطة، ورغم وجود أحزاب عربية يحق لها المنافسة على مقاعد الكنيست بل والمشاركة في تشكيل الحكومة، مما يظهر مظهرًا ديمقراطيًا فعالًا، إلا أن بنية الدولة نفسها كدولة احتلال تقوم على التمييز الطائفي (3% فقط من المحليات في اسرائيل تخضع للادارة الفلسطينية رغم انهم يمثلون 21% من السكان)، وتمارس العنف المنظم ضد الفلسطينيين بكل أشكاله من قتل وتعذيب ومصادرة ممتلكات وهدم منازل، بل وتستخدم استقلالية القضاء – التي خرج المتظاهرون للدفاع عنها – كحماية ضد الملاحقة الجنائية الدولية، ما يعني أن ديمقراطيتها – على أفضل تقدير – بها عوار واضح، وهو ما اصطلح على تسميته «ديمقراطية غير ليبرالية»، أو كما تصفها الصحفية الأمريكية الإسرائيلية «ميراف زونسزين» بأنها ديمقراطية لم توجد أصلا.

فما فائدة الديمقراطية – ليبرالية أو غير ليبرالية – إذًا إذا لم تؤدي لحماية حقوق المواطنين؟

يتفق رأيي مع رأي الصحفي الإسرائيلي «جيرشون باسكين»، بأنه «لا يمكن لصاحب ضمير أن يدعي بإمكانية تعايش الديمقراطية مع الاحتلال»، ولذلك فإن ما يحدث في إسرائيل من احتجاجات شعبية على الإجراءات الديكتاتورية المزمع اتخاذها يعطينا بعض الأمل في أن تزداد نسبة الوعي داخل المجتمع الإسرائيلي نفسه بأنه لا يمكن الجمع بين الاحتلال والفصل العنصري والديمقراطية، مما يمهد الطريق لدعوات أكثر عقلانية للسلام مع الفلسطينيين، أو – في حالة ما نجح مشروع اليمين المتطرف – يدفع المؤمنين بالديمقراطية فعلًا إلى مغادرة اسرائيل، لتنهار لاحقًا تحت الخراب الداخلي الذي سيحدثه نجاح ذلك المشروع.

أخيرًا أنوه إلى استنادي في هذا المقال حصرًا على مصادر غربية – بل وإسرائيلية – سعيًا لتحييد أي تحيز قومي أو ديني والانحياز فقط إلى المنطق والإنسانية.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة