تراجع نتنياهو أمام الاحتجاجات مؤقتًا.. فما هو سبب الأزمة؟ وهل انتصرت الدولة العميقة على ممثل الدولة الدينية في إسرائيل؟

إضراب بالسفارات والمستشفيات والمدارس والجامعات والمطار واتحادات العمال، وفوق كل ذلك الجيش، أليس هذا هو ما نصطلح على تسميته في بلدنا “الدولة العميقة”؟!

بنيت الدولة الإسرائيلية على أساس القومية اليهودية وشكل خاص من أشكال الديمقراطية التي تتيح حقوقًا متساوية لمواطنيها – اليهود – وطريقة إدارتهم لمؤسسات الدولة بشكل متوازن. وبالطبع هى ليست ديمقراطية كاملة بأي حال من الأحوال، كونها تبيح الجور بشكل واسع على حقوق الفلسطينيين داخل إسرائيل، حتى الحاصلين منهم على الجنسية الإسرائيلية نفسها، لكنها بالنسبة للمواطن اليهودي تتيح له اختيار حكومته ومحاسبتها بشكل حر، وتقيد السلطة القضائية فيها جموح السلطة التشريعية المتمثلة في الكنيست.

وعندما قرر التحالف الحاكم بقيادة نتنياهو مصادرة أحد أهم أسس الديمقراطية فيها، وهو التوازن بين السلطات، انطلقت تلك الانتفاضة غير المسبوقة في تاريخ إسرائيل، والتي استمرت الاحتجاجات فيها لأسابيع، حتى قرر نتنياهو إقالة وزير الدفاع الذي طالب بتأجيل إقرار هذه الإصلاحات، فكانت هذه هي القشة التي قسمت ظهر البعير، وخرجت المظاهرات بالكامل عن السيطرة، حتى أن رئيس الجمهورية نفسه حذر من احتمالية دخول البلاد في حرب أهلية.

فما هى التعديلات التي أثارت هذه الزوبعة؟

تقدم نتنياهو بتشريع يقوم بإلغاء الرقابة القضائية على التشريعات الصادرة من البرلمان، بحيث يصبح الكنيست مطلق الصلاحيات في إصدار القوانين، بل وإعطاء الحق للحكومة في تعيين قضاة المحكمة العليا، مما يعني نهاية استقلال القضاء.

وكانت الحجة “الديمقراطية” التي قدمها التحالف اليميني الحاكم أن القضاة – غير المنتخبين من الشعب – يقومون بتعطيل القرارات الصادرة عن الممثلين المنتخبين للشعب، مما يقوض فكرة الديمقراطية، بينما رأى المعارضون أن ذلك محاولة من نتنياهو لإنقاذ نفسه من الملاحقة في قضايا الفساد، عن طريق السيطرة على السلطة القضائية، وأنها تمزق النسيج الديمقراطي للدولة وتحولها لدولة من الدول الاستبدادية.

أدرك المجتمع الاسرائيلي – أو فلنقل التيار التقدمي داخله – خطورة تلك الخطوة التي تهدم أساس وجود ذلك الكيان/الدولة، حيث يصبح – إن تم اقرارها – من حق الحزب الحاكم بأن يحكم بشكل مطلق “وصف بأنه يحول إسرائيل لجمهورية موز“، وأن يمرر أي قوانين يراها مناسبة أو ضرورية من دون المرور بالرقابة القضائية التي عرقلت بالفعل العديد من اقتراحاته السابقة.

احتج حتى بعض أعضاء الحكومة على تلك الخطوة، وطالب وزير الدفاع يوآف غالانت – المنتمي لحزب نتنياهو والمتهم بجرائم حرب – تأجيلها ، واصفًا إياها بأنها “خطر واضح ومباشر ومؤثر على أمن الدولة”، وذلك بعد أن انتشرت الإضرابات داخل قوات الجيش نفسه وداخل قوات الاحتياط، فأٌقاله نتنياهو لتشتعل الاحتجاجات بشكل غير مسبوق في تاريخ إسرائيل، لدرجة ‘ن السفارات الإسرائيلية أعلنت إضرابها عن العمل لحماية ديمقراطية الدولة اليهودية!

ويبدو أن المكون الديني في ذلك المجتمع – الغامض بالنسبة إلينا رغم اختلاط دمائنا بدمائه في معارك كثيرة – لا يختلف كثيرًا عن المكون الديني السياسي في مجتمعنا، والذي يسعى للسلطة بأي شكل حتى لو أدى ذلك للإضرار بقضيته نفسها، هل يعود ذلك للأصول المشتركة للأصوليين الاسلاميين والأصوليين اليهود؟ أم أنه يعود بشكل أوسع لسيطرة فكرة الأغلبية العاجزة؟

فرغم أن المتطرفين دينيًا يحصلون على الأغلبية في الكنيست، لا يستطيعون تمرير كل مايحلمون به! تخيل عزيزى القارئ أن كل ماترتكبه إسرائيل من جرائم في حق الفلسطينيين لا يرقى لما يسعى اليمينيون المتطرفون داخلها إلى تحقيقه! حتى أن وزير الأمن القومي اليميني المتطرف بن جفير أعلن أن ميليشيا الحرس الوطني الذي يعتزم تشكيلها من متطوعين بموافقة بنيامين نتنياهو ستكون للحماية من المتمردين الفلسطينيين، ولن تستخدم لخدمة أغراضه السياسية!

بالطبع أدت هذه التعديلات إلى قيام العديد من الشركات والأعمال التجارية بالتهديد بالانسحاب من إسرائيل، كما ألقت بظلال من الشك على مستقبل استقلالية البنك المركزي الإسرائيلي  بوصفه التالي على مائدة نتنياهو بعد القضاء.

عزيزي القارئ ما نراه حتى الآن هو صورة إسرائيل “الديمقراطية”، فما بالك لو تمكن اليمين من الحكم بدون معقب لحكمه؟

أعتقد ان نجح نتنياهو لاحقًا في تمرير ذلك التعديل – وهو ما يبدو أنه سيكلفه الكثير إن تراجع عنه – فإنها ستكون حقًا نهاية الدولة الصهيونية، لأن ما كان يجمع كل هؤلاء الأشخاص في مكان واحد رغم اختلاف أصولهم من كل مكان في العالم هو الحلم بوطن يحميهم ويحتمي بهم – ولو على حساب السكان الأصليين لهذا الوطن، فلو ذهبت هذه الحماية وانهارت الديمقراطية فلن يتأخر الوقت حتى تنهار تلك الدولة وينفض ذلك الجمع متشتتًا كما كان يومًا ما.

1 تعليق

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة