أحمد علي الدين
تخيل أنك على رأس جيش تعداده ٥٠ ألف جندي، ولديك قدرة عسكرية ليست هينة، وقررت إرسال نصف هذا الجيش للحرب في أرض تبعد ٥٠٠ كيلو مترًا عن منطقة سيطرتك، وبسبب الأحوال الجوية تعطلت الكتائب في الطريق، وبعد بعض الأيام تلقيت رسالة بالحاجة إلى مضاعفة المؤن من الأكل والشرب، وبعد تفقد الاحتياطي من الطعام اكتشفت أنه ليس كافي، وقتها إما سيدخل جيشك معركة وهو هزيل من سوء التغذية، أو ستنسحب.
المعركة الأخيرة بين الجانبين الروسي والأمريكي في أوكرانيا لن تنتهي للأقوي عسكريًا، بل سترجح كفة صاحب الموارد الكافية، وأظن أن الكفة الروسية أرجح، روسيا والشعب الروسي لديهم القدرة على التكيف مع أصعب الظروف المعيشية، والمساحة الجغرافية الواسعة التي تتمتع بها روسيا قادرة على احتواء الغلق الاقتصادي، المساحة الجغرافية الروسية أكبر من الصين والولايات المتحدة، والتعداد السكاني يقترب من ١٥٠ مليون، لذلك فالحصار الاقتصادي ضد روسيا لن يضر النظام الداخلي للدولة، علي عكس طبيعة المواطن الأمريكي أو الأوروبي الذي بدأ بالفعل في الشكوى من قلة الموارد وزيادة الأسعار.
ربما يراود القارئ سؤالًا عن مردود العقوبات الاقتصادية على الاقتصاد الروسي داخليًا، فروسيا على الرغم من قوتها العسكرية إلا أن اقتصادها ليس بنفس القوة، ويعتمد الدخل الروسي على تصدير الغاز والحبوب كالقمح، على الرغم من امتلاكها لعوامل أكثر.
بعد تفكك الاتحاد السوفييتي ووصول "يلتسن" للرئاسة عام ١٩٩١-١٩٩٩ ظهرت مجموعة من الأوليغارشية الروس استفادوا من النظام وقتها، وأصبحوا المتحكمين في الاقتصاد الروسي، وبالتالي في الحكومة، حتى وصل بوتين إلى السلطة عام ٢٠٠٠، وبدأ صراع إما بالقضاء على أو التحالف مع نظام الأوليغارشية، أشهرهم "رومان أبراموفيتش"، مالك نادي "تشيلسي"، قبل تجميد أمواله بعد أحداث روسيا/ أوكرانيا.
الآن بعد عزل روسيا من ناحية أوروبا وأمريكا، والحجز على أموال أباطرة الاقتصاد الروسي، ربما تأتي رياح العقوبات بما لا تشتهي سفن أمريكا وحلفائها، إذا أدرك رجال الأعمال الروس أن أكثر الطرق أمانًا لأموالهم هو الداخل الروسي، وربما وقتها ينتقل الاقتصاد الروسي لمستوى أفضل.
هناك مقولة شهيرة "للسفر سبع فوائد"، الحروب ليست كالسفر، للحرب أضرار جانبية حتى للطرف المنتصر، والأضرار الجانبية في السيناريو الروسي تكمن في فقدانها مصادر التكنولوجيا الحديثة من الغرب وأمريكا، سواء كانت صناعية أو اتصالات، وستبقي أمام اختيارين، إما القبول بالتكنولوجيا الصينية كمصدر وحيد، أو العمل على مشروع روسي مستقل علي غرار "هواوي" الصينية.
* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن وجهة نظر فكر تاني