شبح الجوع يحوم حول العالم بعد انسحاب روسيا من اتفاقية الحبوب

مع اتخاذ روسيا قرار الانسحاب من اتفاقية الحبوب الذي بموجبه كان يتم السماح  بمرور الحبوب والأسمدة من خلال ثلاث موانئ اوكرانية علي البحر الأسود، أصبحت أزمة الغذاء العالمية التي تتفاقم بسبب الصراعات، في منعطف جديد بحيث تؤثر على أكثر من 258 مليون إنسان في 58 دولة حول العالم، وفق آخر تقارير أممية لعام 2022 بداية من سوريا واليمن ولبنان وصولا إلى سريلانكا وباكستان وإثيوبيا وغيرها.

اتفاقية الحبوب عبر البحر الأسود

تعتبر أوكرانيا واحدة من أكبر مصدري الحبوب في العالم بحيث تمثل حوالي 10 % من سوق القمح وحوالي 15%  من سوق الذرة و13% من الشع،ير بجانب دورها في صناعة زيت عباد الشمس. عقب الغزو الروسي لأوكرانيا، أغلقت روسيا الموانئ الأوكرانية، الأمر الذي أثار مخاوف حدوث مجاعة عالمية، وهو ما دفع منظمة الأغذية والزراعة “الفاو” آنذاك إلى التحذير من إمكانية معاناة نحو 47 مليون شخص من أزمة انعدام الأمن الغذائي الحاد، جراء الحرب.

وبناء عليه عقدت الأمم المتحدة وتركيا مبادرة تصدير الحبوب عن طريق البحر الأسود، وبموجبها فقد تم السماح لأوكرانيا بتصدير المنتجات الزراعية، ووفقاً لأحدث تقارير الأمم المتحدة، فالاتفاقية منذ توقيعها سمحت بتصدير نحو 31.5 مليون طن من الحبوب التي شملت الذرة، وزيت عباد الشمس، والقمح، وغيرها، إضافة إلى أكثر من 1600 سفينة عبر البحر الأسود، كما توجهت نحو 55 في المئة من الصادرات الغذائية إلى البلدان النامية.

لماذا تنسحب روسيا من اتفاقية الحبوب؟

منذ فبراير الماضي تمر اتفاقية الحبوب باضطرابات، إذ دعت أوكرانيا المجتمع الدولي إلى مطالبة الاتحاد الروسي بالتوقف الفوري عن تقويض اتفاقية حبوب البحر الأسود، وإلغاء الحظر المفروض على الملاحة التجارية المتوجهة إلى الموانئ الأوكرانية، واستخدام الغذاء كسلاح.

لكن صفقة تصدير الحبوب في البحر الأسود توسعت بين موسكو وكييف؛ بهدف معالجة أزمة الغذاء العالمية، التي تفاقمت بسبب الحرب الروسية الأوكرانية.

وفي مايو الماضي، وافقت روسيا على تمديد الصفقة لمدة شهرين، لكنها أعلنت أن المبادرة ستتوقف، ما لم تُرفع العقوبات عن صادرات الحبوب والأسمدة الروسية.

وقالت روسيا إنها ستسمح بمرور المزيد من السفن إذا وافق جميع الأطراف في اتفاق الحبوب على إلغاء حظر عبور الأمونيا الروسية عبر خط أنابيب يمر بالأراضي الأوكرانية إلى بيفديني لتصديرها، لذلك لفتت الأمم المتحدة إلى أهمية بدء العمل التحضيري لنقل الأمونيا الروسية عبر أوكرانيا، كجزء من جهود إنقاذ الاتفاقية للسماح بتصدير الحبوب بأمان في البحر الأسود.

وكانت القوات الروسية واصلت قصف موانئ أوكرانيا على البحر الأسود لليوم الثالث حتى صباح الخميس الماضي وذلك بعد الهجمات التي تعرضت لها شبه جزيرة القرم، وكانت أغلبها بمسيرات أوكرانية.

ونقلًا عن  الصحف  الأوكرانية،  أدت الهجمات الروسية على مدينة أوديسا، أكبر موانئ أوكرانيا على البحر الأسود، ومدينة ميكولايف إلى مقتل شخصين وإصابة 23 شخصًا.

ونتيجة الهجمات على القرم، أعلنت روسيا أنها ستعتبر أي سفن تتجه إلى الموانئ الأوكرانية “سفنًا قد تحمل عتادًا عسكريًا” بالتالي تصبح هدفًا مشروعًا للقوات الروسية، وأعلنت أوكرانيا الخميس أنها ستعتبر أي سفن مدنية تبحر إلى الموانئ الروسية على البحر الأسود أهدافاً عسكرية

وأكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه لا عودة لاتفاق الحبوب ما لم تتم تلبية المتطلبات الروسية التي تتضمن رفع الحظر عن صادرات الحبوب الروسية والسماح لبنك الائتمان الروسي بالعمل ضمن النظام المالي العالمي.

ولطالما انتقدت روسيا تنفيذ الاتفاق الذي تقول إنها وافقت عليه لضمان وصول الحبوب من قمح وذرة وغيرها لدول الجنوب التي تواجه نقصًا في الحبوب من أجل الغذاء لكن ما حدث أن أغلب تلك الصادرات يذهب للدول الغربية والغنية.

بحسب تقرير الأمم المتحدة سمحت اتفاقية الحبوب عبر البحر الأسود منذ أغسطس الماضي بتصدير ٣ملايين طن من الحبوب  لم يستفد برنامج الغذاء العالمي منها سوى بنحو 725 ألف طن من القمح يتم تقديمها للدول الأكثر احتياجًا للغذاء مثل إثيوبيا واليمن وأفغانستان.

كذلك قدمت أوكرانيا نصف تلك الكمية للبرنامج التابع للأمم المتحدة بحسب الاتفاقية، وتستفيد تركيا من عملية طحن تلك الحبوب لمصلحة برنامج الغذاء العالمي الذي يوزعها كدقيق في الدول التي يعمل بها.

إلا أن القدر الأكبر من الحبوب التي تم تصديرها بموجب الاتفاق كان من الذرة، وكانت الصين من أكبر المستوردين، إذ بلغ نصيبها من 33 مليون طن ما يصل إلى 8 ملايين طن وذهبت 6 ملايين طن إلى إسبانيا و3.2 مليون طن إلى تركيا.

ومن بين الشروط التي تريد روسيا تنفيذها أن يكون القدر الأكبر من تلك الصادرات بموجب الاتفاق للدول النامية والمحتاجة فعلًا للحبوب، واتهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الغرب باستخدام “اتفاق الحبوب للابتزاز السياسي”، كما اتهمت موسكو أوكرانيا باستغلال الخط الملاحي الآمن ضمن الاتفاق “لأغراض هجومية” عسكرية، فيما اعتبرت أوكرانيا والمسؤولون الغربيون أن روسيا تستخدم سلاح الغذاء في الحرب بتعليق اتفاق الحبوب.

اقرأ أيضاً: ما الذي يحدث في أوكرانيا؟

أثار انسحاب روسيا من اتفاقية الحبوب

ارتفعت أسعار الحبوب في الأسواق العالمية هذا الأسبوع، بعد إعلان روسيا الانسحاب من اتفاقية تصدير الحبوب عبر البحر الأسود والتصعيد العسكري بحيث ارتفعت أسعار القمح بأكثر من 8.2 في المئة في تعاملات الأربعاء الماضي ليصل سعر طن القمح إلى 253.75 يورو (282.4 دولار)، بينما ارتفعت أسعار الذرة بنسبة 5.4 في المئة.

وفي السوق الأميركية ارتفعت أسعار عقود توريد القمح المستقبلية بنسبة 8.5 في المئة، في أعلى ارتفاع يومي لها منذ بداية الحرب في أوكرانيا مطلع العام الماضي.

ويهدد انسحاب روسيا من الاتفاقية الدول الأكثر فقرًا في العالم ممن يعاني مواطنوها من معدلات تضخم مرتفعة، وتغيرات مناخية، وصراعات.

في أعقاب الإعلان عن انسحاب روسيا من اتفاق الحبوب الأوكرانية، بينما قالت المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية، نجوزي أوكونجو إيويالا على حسابها الرسمي بموقع «تويتر» إنها تشعر بخيبة أمل عميقة لانتهاء اتفاق حبوب البحر الأسود، الذي وصفته بأنه ضروري لضمان استقرار أسعار الغذاء العالمية.

و رغم أن ارتفاع أسعار القمح والذرة ربما لا ينعكس مباشرة على أسعار الغذاء للمستهلكين، إلا أن استمرار الأزمة يعني أن ارتفاع الأسعار سيصل إلى المستهلك الذي سيواجه ارتفاع أسعار الحبوب في منافذ التجزئة.

ولن يقتصر ارتفاع الأسعار على الدقيق أو المنتجات الغذائية من الحبوب فحسب، بل سيصل أيضاً إلى أسعار اللحوم والطيور التي تستخدم الحبوب كأعلاف غذائية لها، ومن شأن ذلك أن يضيف إلى الضغوط التضخمية.

اقرأ أيضاً: هل يمكن لروسيا أن تنتصر؟

تأثير قرار الإنسحاب علي السوق المصري

أكد وزير التموين المصري علي المصيلحي بأن الاحتياطي الاستراتيجي من القمح في مصر يكفي نحو 5.2 شهر، موضحا أن مصر تنوع مصادر استيراد القمح.

وحول انسحاب روسيا من اتفاقية الحبوب وتأثيرها على مصر، قال وزير التموين “لم يكن نبأ سعيدا بأن لا توافق روسيا على اتفاقية الحبوب لمرور الحبوب من أوكرانيا لمضيق البوسفور ثم لمختلف دول العالم”.

وأضاف “نحن نعلم أن هذا النوع من الصراع مستمر، ولابد من الأخذ في اعتبارنا استمراره سواء صراع اقتصادى او بصورة نزاعات”، مؤكدا أنها سوف تؤثر على الدول الضعيفة تأثيرا سعريا خاصة في اللوجستيات والنقل والأمن، لافتا الى ارتفاع تكاليف النقل مع تغيير مسارات وصعوبة توافر خطوط النقل.

وأشار إلى ضعف التأثير على السوق المصري بنسب ضعيفة تتراوح من 5 الى 8%، لافتا إلى أن مصر قامت خلال الفترة الماضية بتنويع مناشئ استيرادها حيث تم الاستيراد من كلا من فرنسا وألمانيا ورومانيا وروسيا وأوكرانيا وبلغاريا والولايات المتحدة.

وأكد المصيلحي استمرار الاستيراد من السوق الأوكراني لافتا إلى أن جزء من القمح يأتي عن طريق رومانيا وأوروبا.

وأضاف أنه عقد اجتماعا مع سفير الهند بالقاهرة لبحث التبادل التجاري على أعلى مستوى خاصة في مجال الحبوب والسكر.

وأكد الوزير أن مجلس الوزراء وافق لوزارة التموين والتجارة الداخلية ممثلة في هيئة السلع التموينية على عقد اتفاقيات مباشرة.

كما ذكر المصيلحي أن القاهرة ستوقع على اتفاقية تسهيل قرض متجدد بقيمة 100 مليون دولار مع صندوق أبوظبي للتنمية لتمويل مشترياتها من الحبوب من شركة الظاهرة للأعمال الزراعية ومقرها أبوظبي.

اقرأ أيضاً: الجارديان:التضخم وصندوق النقد والمشروعات العملاقة تدفع المصريين إلى الفقر

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة