كورقة في غصن شجرة تخاف الخريف، وقفت وحدة المصريين حائرة بين القانون والعرف، فلا هي تحصل على غذائها فتثبت في وجه الريح، ولا يُقلم الفاسد منها فتنمو على أساس متين.
هذا المشهد المجازي يُمكن أن يصف واقعًا مؤلمًا كشفته الأحداث الأخيرة التي شهدتها قرية “نزلة جلف” التابعة لمركز بني مزار بمحافظة المنيا. فعلى خلفية حديث عن علاقة عاطفية بين شاب مسيحي وفتاة مسلمة، تصاعدت التوترات حد استهداف منازل أسر مسيحية بالقرية، انتهت في الأخير مع ذروتها بجلسة عرفية قضت بتهجير أسرة بأكملها وتغريمها مبلغ مليون جنيه.
أنهى العُرف تصعيدًا محتملًا نعم، لكن بشكل مؤقت ربما أخفى ماهية الأزمة بإلقاء مزيد من الرماد فوق نيرانها، ليبقي مع ذلك الباب على اتساع مُشرع أمام أسئلة أعمق حول سيادة القانون والأبعاد الدستورية والمجتمعية، ومسارات الحل الممكنة، التي قد تقدمها شهادات الخبراء والحقوقيين والساسة.
الجلسة العرفية.. لماذا هي بضاعة فاسدة؟

في قلب أزمة “نزلة جلف”، يكمن الصدام المباشر بين الممارسات العرفية وسيادة الدستور المصري، وهو صراع يصفه الخبراء مجمعين، بأنه انتهاك صريح لمنظومة الدولة القانونية. ويصف مدحت الزاهد رئيس مجلس أمناء الحركة المدنية الديمقراطية رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، ما جرى بأنه “انتهاك صارخ للأمن الاجتماعي، وتهديد مباشر للسلم الأهلي”.
ويعتبر الزاهد، في تصريحه لـ فَكّر تاني، أن الجلسة العرفية الموسعة التي أدارها عمدة القرية ومجموعة من المحكمين الشعبيين لا يُمكن أن توصف إلا بأنها “جريمة دستورية وقانونية”. ويوضح أن القرارات الصادرة عن هذه الجلسة تعسفية، لأنها ألزمت الأسرة المسيحية ببيع منزلها ومغادرة القرية ودفع غرامة مالية (مليون جنيه)، وهو ما يُذكّر بحوادث التهجير القسري والعقاب الجماعي.

ويقول إن “هذا النهج يقوّض مؤسسات الدولة، ويكرّس ثقافة الإفلات من العقاب”.
من زاوية قانونية متخصصة، يفصّل إسحاق إبراهيم الباحث ومسؤول برنامج المساواة بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أبعاد المخالفات الدستورية التي تسقط فيها مثل هذه الجلسات، فيقول إن قرار التهجير “غير دستوري وغير قانوني، بل ومجرّم في الدستور المصري باعتباره جريمة لا تسقط بالتقادم”. هذا فضلًا عن أن تبعات القرار لم يطل أثرها أسرة الشاب فقط، بل أيضًا عمه وجده، مما يجعل العقوبة جماعية صريحة.
ويطرح إبراهيم، في حديثه لـ فَكّر تاني تساؤلات حول منطق العقوبات نفسها، فيضيف: “على أي أساس تم تقدير مبلغ الغرامة (مليون جنيه)؟ خاصةً وأن الشاب مقبوض عليه بالفعل ويخضع للمحاكمة. لماذا لم تكن الغرامة 500 ألف أو 200 ألف؟ ما هو المعيار الذي قُدرت على أساسه؟ هل لأن الفتاة مسلمة والشاب مسيحي؟ أم أن القرار كان بمثابة شراء لأمن بقية المسيحيين في القرية؟”.

هذا المنطق الانتقائي للعدالة العرفية هو ما يستنكره هلال عبد الحميد رئيس حزب الجبهة الديمقراطية، الذي يشدد على أن مهاجمة بيوت المسيحيين ومن ثم تحكُّم لجنة عرفية بتهجير عائلة بالكامل “هي جريمة دستورية لا تسقط بالتقادم”، وأن هذه اللجنة خالفت الدستور ويجب أن تحال للنيابة العامة.
ويتساءل عبد الحميد: “إذا كانت لجنة عادلة، فلماذا لم تعاقب من نفذوا التعدي على المنازل، وروّعوا الأطفال والنساء وحرقوا المزارع؟!”.
وقد وصل صدى هذه الانتهاكات إلى أروقة البرلمان، حيث قدم فريد البياضي عضو مجلس النواب، طلب إحاطة عاجل لرئيس الوزراء وعدد من الوزراء، مستندًا للمادة (134) من الدستور، بشأن “الجلسة العرفية المخالفة للقانون”، وما نتج عنها من تهجير قسري وعقوبات جماعية.

وبدورها، أكدت النائبة مها عبد الناصر، في بيان لها، أن ما وقع “ليس حادثًا فرديًا أو خلافًا عابرًا، بل هو واقعة طائفية تمسّ نسيج الوحدة الوطنية، وتستوجب تحركًا فوريًا”.
ويتفق الموقف مع بيانات أحزاب سياسية متعددة؛ حيث أدان الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي ما وقع باعتباره انتهاكًا صارخًا للمادة (53) من الدستور.
وهو ما اتفق معه حزب الجيل الديمقراطي الذي أكد أن “دولة الدستور والقانون لا تقبل بالتهجير أو العقوبات العرفية”.

وقد طالب ناجي الشهابي رئيس الحزب وعضو مجلس الشيوخ، بمحاسبة المتورطين وإلغاء القرارات العرفية التي “لا تستند إلى أي سند قانوني”.
وتلخص المحامية والنائبة السابقة مارجريت عازر، خطورة الموقف بقولها إن تسوية الخلافات الطائفية خارج إطار القضاء الرسمي “يضعف دولة القانون ويُفتح المجال لتغليب القوة أو الضغط على طرف مستضعف”، مضيفة أن هذه الجلسات “ترسخ شعورًا لدى المتضررين بأن القانون لا يحميهم وأن العدالة ليست مضمونة”.
سؤال عن دور الدولة
إذا كانت الجلسات العرفية تمثل تجاوزًا صارخًا للدستور، فإن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو: أين كانت مؤسسات الدولة أثناء هذه الأحداث؟ ولماذا يتكرر هذا النمط من المعالجات في محافظة المنيا تحديدًا؟ يجيب على هذا الخبراء والمراقبون؛ فيرسمون صورة لدور رسمي تتراوح بين الغياب الجزئي، والتدخل المشوه، وصولًا إلى ما يصفه البعض بالتواطؤ الضمني الذي يمنح العُرف سلطة لا يستحقها.
تصف إلهام عيداروس وكيلة مؤسسي حزب العيش والحرية، دور الدولة بأنه يقتصر على “التدخل الأمني فقط، وحتى هذا الدور يأتي مشوهًا”، على حد قولها، حين توضح في حديثها لـ فَكّر تاني، أن “ما يحدث هو أن المجال يُترَك للمحكمين العرفيين الذين يصدرون أحكامًا عرفية بحضور رموز من الدولة نفسها، مثل العمدة المعين من الحكومة ومسؤول من مديرية الأمن”.
هذا الحضور الرسمي، في رأيها، يمنح الجلسة شرعية زائفة ويحول ممثلي الدولة من منفذين للقانون إلى مجرد شهود على انتهاكه.

وتتساءل بحدة عن سبب غياب المعالجة الجادة للأزمة في المنيا، فتقول: “إلى متى ستنظر الدولة، بمؤسساتها كافة، إلى محافظة المنيا بجدية، باعتبارها المحافظة رقم واحد في التوترات والعنف الطائفي؟ متى ستكون هناك دراسة حقيقية لأحداث العنف الطائفي؟”.
هذا الغياب لا يقتصر على الجانب الأمني فقط، بل يمتد إلى غياب أي استراتيجية حقيقية لتغيير المناخ الاجتماعي الحاضن لمثل هذه الأزمات، وفق وكيلة مؤسسي العيش والحرية، إذ تلفت الانتباه إلى دراسات المجتمع المدني التي تشير إلى ثلاثة أسباب رئيسية للعنف الطائفي في مصر: الخلافات حول بناء دور العبادة، والعلاقات العاطفية بين أتباع الديانتين، والمشكلات الاعتيادية التي تتحول إلى صراع طائفي.
وفي المقابل، ترى أن ما يقدمه خطاب الدولة الرسمي يظل حبرًا على ورق. وتتساءل: “تجديد الخطاب الديني إن لم يكن على أرض الواقع، فما فائدته؟”، مشيرةً إلى غياب أي دور ثقافي أو فني حقيقي تقوم به الدولة في المنطقة، فلا توجد دار سينما، أو مركز ثقافي يُصرف عليه بسخاء ليصبح مكانًا يلتقي فيه الشباب والأطفال ويمارسون الفنون معًا.
و”هذه الأمور”، كما تقول، “هي التي تحدث فرقًا حقيقيًا، وليس مجرد التغني في المؤتمرات الدولية بقبول الآخر”.

ويصل مجدي عبد الحميد رئيس الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية إلى نقطة أبعد في تقييم ما حدث، حيث يرى أن “ظاهرة غياب الدولة وهيبتها” هي المؤشر الأخطر في هذه القضية، لأنها تعني ببساطة غياب القانون. وهو يضع يده على مدى خطورة المشكلة في “استعراض القوى الرهيب للآليات العرفية المبنية على سلطة مجتمعية من أصحاب الفكر المتطرف”.
ويحذر عبد الحميد، في حديثه لـ فَكّر تاني، من أن هذا الغياب يفتح الباب على مصراعيه “لتكرار قريب سيحدث لمثل هذه الأحداث، وبنفس الدرجة من البشاعة والسخف، ما لم تتدخل الدولة تدخلًا حاسمًا”. ويضيف أن المحك الرئيسي أمام الدولة الآن هو ضمان عودة الأسرة المهجرة إلى منزلها، فإذا لم يحدث ذلك، “فسيعني ذلك أن التطرف ينتصر على هيبة الدولة والقانون”.
كيف رأت الداخلية جلسة الجلف العرفية؟
في خضم هذه التحليلات النقدية، قدمت وزارة الداخلية روايتها الرسمية للأحداث. وفي بيان عبر حسابها بفيسبوك، أكدت أن ما حدث هو “مشاجرة نشبت لخلاف بين عائلتين نتيجة ارتباط فتاة بأحد أبناء العائلة الأخرى”، وأن “البعض حاول إضفاء الأبعاد الطائفية حيال الواقعة”.
وبينما شدد البيان على أنه “تم اتخاذ الإجراءات القانونية وحبس الشاب على ذمة القضية”، أضاف جملة محورية تكشف عن رؤية رسمية للمعالجات العرفية، حيث ذكر أن تصالح العائلتين “أعقب ذلك خلال جلسة صلح عرفية وفقًا للعادات والتقاليد السائدة بالقرية، وأن ذلك لا يتعارض مع الإجراءات القانونية المتخذة”. بينما شددت في تحذيرها من “محاولات البعض استغلال الواقعة للنيل من حالة الترابط الأخوى بين عنصرى الأمة”.
عن الثقافة المغلقة والبيئة الطاردة للمواطنة
إن التعامل مع أزمة “نزلة جلف” باعتبارها مجرد فشل قانوني أو أمني لحظي قد يكون تبسيطًا مخلًا؛ فالأحداث الأخيرة، كما يؤكد الخبراء والمراقبون، ليست سوى عرض لمرض أعمق، جذوره ضاربة في بنية اجتماعية وثقافية مغلقة، تغذيها عوامل الفقر والجهل وتاريخ طويل من انتشار الأفكار المتطرفة، وهي بيئة لا تسمح لمفهوم المواطنة بأن يترسخ أو ينمو.
يحدد مجدي عبد الحميد أحد هذه الجذور التاريخية بوضوح، فيشير إلى أن “المنيا من البؤر التي شهدت تاريخيًا وجود جماعات الإسلام السياسي المتطرفة”، وأن هذه الجماعات وإن كانت ربما انتشرت بشكل أكبر في أسيوط بحكم وجود جامعتها، “لكن المنشأ الأصلي هو من المنيا”.
هذه الخلفية التاريخية خلقت “بيئة ثقافية لا يحدث بها أي تغيير”، وهي ما تسمح بتكرار مثل أحداث نزلة جلف مرارًا وتكرارًا، وفق عبد الحميد، الذي يضيف أن هذه الظواهر الموجودة في المجتمع “لا تُقاوَم، ولا تُحارَب، ولا يتم التعامل معها على أسس صحيحة”، بينما يبقى “المؤشر الخطير” بالنسبة له هو مدى انتشار هذه الظواهر وبالمعدلات الرهيبة التي تبدو بها الواقعة الأخيرة.

ومن جهته، يغوص هلال عبد الحميد في تفاصيل البنية النفسية لهذه المجتمعات، لافتًا إلى أن “الدين والجنس من التابوهات التي تسبب مشكلات خطيرة في المجتمعات المغلقة”. ويوضح أن هذه الطبيعة الحساسة تجعل معظم المشكلات التي تنشأ عن علاقات عاطفية بين شاب مسلم وفتاة مسيحية، أو العكس، تربة خصبة لانتشار الشائعات بسرعة، “وسرعان ما تتحول لفتنة طائفية تنتج عنها أحداث خطيرة”.
ويؤكد الخبير البرلماني أن عدم تطبيق القانون بشكل حاسم، والاعتماد المستمر على “الحلول العرفية”، جعل من هذه الأزمة “مشكلة مستمرة لعدم وجود حلول علمية وعملية”، وهو ما يبقي الفتنة كامنة “تحت الرماد في محافظات الصعيد، خاصةً المنيا وأسيوط وسوهاج، وقابلة للاشتعال بمجرد أن تكشف هبة ريح رمادها، فتشعل جذوتها”.
وهذه الجذور لا تقتصر فقط على الجانب الفكري أو الاجتماعي، بل تمتد إلى ما هو أبعد من ذلك.

يطرح أشرف عبد الونيس الدلجاوي مرشح حزب العيش والحرية لانتخابات النواب 2025، رؤية مختلفة تربط بين ما حدث في “نزلة جلف”، التي يراها “امتدادًا طبيعيًا لانعدام دولة القانون، بالموافقة على ترسيخ وإعادة المجالس العرفية”.
ويوضح وجهة نظره، في حديثه لـ فَكّر تاني، فيقول إن ما يحدث هو “ترك مساحة للمجالس العرفية لإصدار أحكام أو تشريع قوانين ظالمة”، وهو ما يدفع المجتمع تدريجيًا إلى اعتبار أن هذه المجالس “هي الأكثر تحقيقًا للعدالة، بعيدًا عن القضاء”.
ويقدم مثالًا على ذلك بقانون الإيجار الجديد، الذي يرى أنه دفع الكثير من الملاك والمستأجرين للجوء إلى جلسات تفاوض عرفية خارج إطار القانون، مما يعزز من شرعية هذه الآليات البديلة في الوعي الجمعي.
وفي هذا السياق، تؤكد الباحثة في علم النفس السياسي كريمة أبو النور أن “العنف أصبح سمة عالمية مؤخرًا”، وأن معالجة جذوره تتطلب “تكاتف مؤسسات الدولة والمجتمع المدني لرصده، ولتقديم الحلول”. وتشدد على أن أول خطوة في المعالجة الجذرية هي الاهتمام بـ”التعليم والوعي، الذي يقلل من العنف عمومًا”، لإنشاء جيل جديد قادر على مقاومة الأفكار المتطرفة والتعامل مع الخلافات على أسس مدنية وقانونية.
المواطنة.. بوصلة الحل الوحيد
في مواجهة أزمة متعددة الطبقات، تجمع بين انهيار سيادة القانون، وتعاط رسمي خاطئ، وجذور ثقافية واجتماعية عميقة، تتفق الأصوات المحللة على أن الحل لا يمكن أن يكون أمنيًا أو سطحيًا. بل علينا أن ننطلق من إعادة تأسيس مفهوم “المواطنة” باعتباره الأرضية الصلبة الوحيدة التي يمكن أن يقف عليها الجميع، مسلمين ومسيحيين، أمام قانون أعمى لا يميز بينهم.
يطرح الكاتب والمفكر كمال زاخر هذا المبدأ كبوصلة أساسية للحل، مشددًا في حديثه لـ فَكّر تاني، على أنه “يجب طرح القضية على أرضية المواطنة فقط، لا على أرضية المسيحيين والمسلمين”. وهو يرى أن الدولة لم تقم بدورها المطلوب في هذا الشأن، وأن الكنيسة ليس مطلوبًا منها أن ترد، لأن تحويل القضية إلى صراع ديني يخدم فقط من يسعون لـ”إيجاع قلب الوطن عبر اللعب على وتر الفتنة الطائفية”، خاصةً في توقيت استعادت فيه مصر وضعها الإقليمي والدولي.
هذا الاحتكام للمواطنة يعني بالضرورة الاحتكام للقانون كضامن وحيد لها. إذ تؤكد كريمة أبو النور أن “الاحتكام للقانون هو الضامن الحقيقي للعدالة ولقبول أي حكم”. وتوضح أن جوهر قوة القانون يكمن في كونه “أعمى، لا يعرف التحيز على أساس الدين، أو الثروة أو المكانة الاجتماعية؛ فالجميع أمامه سواسية، ولا يرى ولا يعتمد إلا على الأدلة والحقائق”.
وتضيف أن الحكم العرفي، حتى لو بدا مقبولًا ظاهريًا، سيفشل دائمًا في تحقيق العدالة الحقيقية، لأن “المحكم سينحاز للأغلبية أو للطرف الأقوى، ولن تكون هناك أي ثقة في هذه الأحكام، خاصةً وأنه يعاقب أشخاصًا آخرين، غير المذنبين”.
ومن هنا، ترى أن وجود “مفوضية مكافحة التمييز”، التي تعد استحقاقًا دستوريًا، بات ضرورة ملحة، حيث كان يمكن لهذه المفوضية أن “تقوم بدور كبير في التقصي والرصد، وفي تقديم مقترحات قانونية عادلة تساعد في سرعة الوصول لحل قانوني عادل”.
وتلخص الباحثة في علم النفس السياسي رؤيتها للحل الشامل بالتأكيد على أن “السلم المجتمعي يتم بناؤه على أسس؛ وأهم هذه الأسس العدالة، لأن عليها عاملًا كبيرًا في تأسيس الرضا والسلام المجتمعي، بالإضافة للتنمية وما يصحبها من ارتفاع مستوى جودة الحياة”.
وتترجم الأحزاب السياسية هذا الحل النظري إلى مطالب عملية ومحددة. فيطالب حزب التحالف الشعبي الاشتراكي بـ”تمكين الأسر المسيحية من العودة الآمنة والفورية إلى منازلها، وتوفير حماية أمنية دائمة، وتعويض عادل عن الأضرار المادية والمعنوية”، بالإضافة إلى “إجراء دراسة عاجلة لأسباب تكرار الحوادث الطائفية في المنيا ووضع خطة وطنية شاملة لمواجهة التمييز الممنهج”.
وفي بيانه، يختتم الحزب بالتأكيد على أن “الوحدة الوطنية ليست شعارًا، بل ممارسة يومية تقوم على العدالة والمساواة، وأن التهاون في مواجهة التمييز يمثل خيانة للدستور”.
وبينما يطالب حزب العيش والحرية بأن يتم التعامل مع “العلاقات العاطفية الرضائية بين البالغين” باعتبارها شأنًا خاصًا لا يجوز التدخل فيه، يؤكد أنه حتى في حال كون الفتاة قاصرًا، فإن “هذه جريمة تستحق العقاب القانوني لفاعلها فقط، وليس لأسرته أو لباقي أبناء دينه، ودون تغول وإفراط في العقوبة لمجرد كون المتهم مسيحيًا”.
وفي النهاية، تبقى أزمة “نزلة جلف” جرس إنذار جديد، كما وصفتها النائبة مها عبد الناصر، “يستوجب وقفة حقيقية من الجميع؛ الدولة والأحزاب والمؤسسات الدينية والمجتمع المدني والإعلام”، لأن الفشل في تطبيق القانون وفرض مبادئ المواطنة لن يؤدي إلا إلى إبقاء جذوة الفتنة متقدة تحت الرماد، في انتظار هبة ريح قادمة.
