المراهقون والجنس.. واقع يفرضه الجسد يرفضه الأهل

في غرفة ابنها البالغ 17 عامًا، عثرت “ميرفت” -اسم مستعار- على سرٍ زلزل الأرض من تحت قدميها. اكتشفت أنه يمارس العادة السرية، ويشاهد أفلامًا إباحية، ويعاني من احتلام متكرر.

لم تعرف السيدة البالغة من العمر 45 عامًا ما الذي يجب أن تفعله، حتى أنها فكرت جديًا في الذهاب به إلى مختص نفسي. أمسكت بهاتفها وتحدثت مع زوجها لتحكي له ما حدث، ففوجئت برده الذي زاد من حيرتها: “إن ممارسة العادة السرية شيء عادي ويحدث لكل الشباب في هذا السن، وهو وسيلة للتنفيس عن الرغبات الداخلية ولا خوف منه ما دام لا يمارسه بصورة مدمنة”.

بقيت ميرفت وحيدة في حيرتها، تتذكر المرات العديدة التي منعته فيها من الخروج مع زملائه الذين تعرف أنهم يقيمون علاقات مع فتيات، وكيف نصحته بالابتعاد عن فتاة كان يعيش معها قصة حب. والآن، تجد أن مشاعر ابنها تزداد بمرور الوقت، وهي لا تعرف كيف توقفها أو تتعامل معها.

يقف باب غرفة ابن ميرفت على خط زلزال اجتماعي صامت، يفصل بين حقيقة بيولوجية لا يمكن إنكارها، تتمثل في فوران الهرمونات ورغبات الجسد، وبين واقع ثقافي وأسري يفضل الصمت أو القمع على المواجهة والحوار. وهو صدع لا يهدد بيتًا واحدًا، بل يمتد تحت أقدام جيل كامل يضم، وفقًا لإحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء لعام 2022، ما يقارب 41.5 مليون طفل/ة دون الـ 18 (51.6% ذكور و48.4% إناث)، طارحًا أهم سؤال في هذا المشهد المربك، كيف يمكن للأهل عبور جسر محفوف بالمخاطر دون أن يخسروا أبناءهم؟ وأين تكمن الإجابات العلمية التي يحتاجها الآباء لتحويل الخوف إلى احتواء؟

اقرأ أيضًا: “محمد” وخطيبته يبحثان عن “عُلبة كبريت” تكفيهما

“مراهقون/ ات بلا رغبة”.. بشر غير أسوياء

للإجابة على هذه الأسئلة، يجب أولًا الاعتراف بأن ما تمر به الأسر ليس شذوذًا عن القاعدة، وإنما هو القاعدة نفسها.

تؤكد الدكتورة شيرين دعدور المتخصصة في علم الاجتماع الأسري، أنه “لا يمكن إنكار رغبات حقيقية يمر بها المراهقون/ات وتفرضها عليهم/هن هرموناتهم/هن”. وتوضح أن الإنسان الذي لم يختبر هذه الأحاسيس هو في الواقع حالة غير طبيعية تستدعي الانتباه.

الدكتورة شيرين دعدور المتخصصة في علم الاجتماع الأسري
الدكتورة شيرين دعدور المتخصصة في علم الاجتماع الأسري

وتقسم الدكتورة شيرين مرحلة المراهقة، التي قد تمتد من سن العاشرة حتى 21 عامًا أو أكثر، إلى 3 مراحل، مشيرةً إلى أن المرحلة الثانية، من سن 14 إلى 18 عامًا، هي الأخطر على الإطلاق. والسبب، كما تقول، هو أن “العالم مفتوح أمام هذا الجيل”.

وبينما تحذر – في حديثها لـ فَكّر تاني – من أن التعامل مع مشاعر المراهقين/ات بطريقة الإنكار والرفض الدائم سيؤدي حتمًا إلى خسارة مجتمعية، تضيف: “سيخسر المجتمع وسيخرج لنا مراهق/ة غير سوي/ة، غير متكيف/ة، ومنعزل/ة، وسينعكس ذلك على حياته/ا القادمة”.

ومن هذا المنطلق، يصبح التعامل بتفهم مع سلوكيات المراهقين/ات ضرورة وليس خيارًا. فحين تكتشف الأم أن ابنها أو ابنتها يتحدث/تتحدث مع شخص آخر أو يقابله، فهذه أمور قد تحدث ويجب التعامل معها بتفهم. وتشدد الدكتورة شيرين على أنه لا يمكن السخرية من مشاعر الحب أو الرغبات التي يشعر بها المراهقون/ات، مؤكدةً أن “بناء الطفل/ة من مرحلة الطفولة يجعله يعيش مرحلة مراهقة سوية”، وأن مرور الفتى أو الفتاة بهذه المرحلة دون هذه الرغبة قد يعني أن “هناك شيئًا خاطئًا”.

الأهل في مواجهة الـ AI.. فراغ يملؤه الخطر

في هذا العالم المفتوح الذي تشير إليه الدكتورة شيرين، غالبًا ما يجد الأهل أنفسهم في سباق خاسر مع مصادر معلومات لا حصر لها. هذا ما حدث مع يارا إبراهيم (38 عامًا)، المهندسة التي احتاجت وقتًا لتستوعب أن صغيرتها (14 عامًا) لم تعد طفلة، وأن لها اهتماماتها الخاصة.

الأخصائي النفسي والمدرب التربوي إميل لبيب
الأخصائي النفسي والمدرب التربوي إميل لبيب

تقول يارا لـ فَكّر تاني: “أصبحت تهتم كثيرًا بنفسها وشكلها أمام المرآة. في الحقيقة، أنا لم أتحدث معها عن الحب أو الدورة الشهرية أو أي من التغيرات، فصديقاتها والنت وشات جي بي تي هم أصدقاؤها المقربون الآن، وأكثر مني”.

هنا يكمن الفراغ الذي يحذر منه الأخصائي النفسي والمدرب التربوي إميل لبيب، والذي يؤكد أن ترك المراهق/ة للقنوات الخارجية ليحصل/تحصل منها على المعلومات قد يجعله/ا يقع/تقع ضحية لمعلومات خاطئة.

ويضيف في حديثه لـ فَكّر تاني: “مع الوقت سيستسلم/ستستسلم لها وسيأخذ/ستأخذ منها كل ما يلزمه/يلزمها دون فلترة”.

تشير قصة يارا إلى نقطة تحول إيجابية حين قررت المواجهة، فعندما عرفت أن ابنتها تعيش حالة حب مع زميل لها، “تحدثت معها واستمعت إلى مشاعرها وأخبرتها أن كل تلك المشاعر ستتغير مع الوقت وتحدث بسبب اضطراب الهرمونات”. لكن لبيب يشدد على أن الحل لا يكمن في ردود الفعل المتأخرة، بل في التوعية الاستباقية.

يوضح لبيب أن الأب والأم في مجتمعنا بحاجة إلى دراسة التربية الجنسية حتى يكونوا قادرين على الرد على أسئلة أولادهم/بناتهم بشكل علمي وصحيح، لا بناءً على خرافات ومعتقدات خاطئة.

ويضيف أن التغيرات لن تكون مفاجئة للأهل لو أنهم يتحدثون مع أبنائهم/بناتهم بانفتاح وعلم عن الجسد، والمراهقة، والحب، والرغبات، وأهمية احترام الجسد. ويختتم بنقطة جوهرية: “من الخطأ أن ننتظر حتى سن المراهقة لنتحدث مع أولادنا عن الجنس”.

اقرأ أيضًا: لماذا تخلى المصريون عن “نصف دينهم”؟

العادة السرية.. حين تصبح لغة حوار “عار”

لفهم جذور المشكلة، يغوص إميل لبيب في الطبيعة البيولوجية للإنسان، فيقول: “الجنس احتياج والإنسان كائن جنسي، والجنس مثل الأكل والشرب”.

ويشرح أنه في مرحلة المراهقة، تعمل الغدة النخامية بصورة مكثفة، فتنشط الغدد الجنسية لدى الولد في الخصية ولدى البنت في المبايض. “ما قبل البلوغ، يكون الجنس نوعًا من الاكتشاف، لكن المراهقة لها وضع خاص لأن المراهق/ة يمر/تمر بحالة من الفوران الهرموني”.

هذا الفوران الهرموني غالبًا ما يجد متنفسًا في ممارسات مثل العادة السرية، والتي يؤكد الخبراء أنها ليست ظاهرة مرضية.

الدكتورة نهال زين أخصائية الطب النفسي وعلاج الإدمان
الدكتورة نهال زين أخصائية الطب النفسي وعلاج الإدمان

توضح الدكتورة نهال زين أخصائية الطب النفسي وعلاج الإدمان، أن “العادة السرية ليس لها أضرار طبية، والأبحاث تؤكد أن معظم المراهقين من النوعين يمارسونها”. وتضيف – في حديثها لـ فَكّر تاني – أن خطورتها تبدأ فقط “عندما تكون هي الشغل الشاغل للشاب/ة وتعطله/ا عن متابعة حياته/ا اليومية، أو عندما تكون وسيلة للتنفيس عن الغضب والإحباط”.

لكن التعامل الأسري الخاطئ باعتبار الحوار في هذه الأمور “عارًا” هو ما يحوّل هذه الممارسات الطبيعية إلى مصدر للخوف والرهاب.

يحذر لبيب من أساليب “الكبت، والحماية الزائدة، والتحذيرات شديدة اللهجة”، مؤكدًا أنها تربي المراهقين/ات دون وعي. ويضيف: “الجنس ليس تابو لا يمكننا الاقتراب منه. يجب التعامل مع الأعضاء الجنسية بكرامة، فهي ليست من المحاذير التي لا يجب ذكر اسمها. خلاف ذلك يجعل المراهق/ة يعتاد/تعتاد السرية والتلاعب”.

أما مشاهدة الأفلام الإباحية، فتشرح الدكتورة نهال أن خطورتها لا تكمن في الفعل ذاته بقدر ما تكمن في أثرها النفسي.

تقول إنها تؤدي إلى “محاكمة النفس وقيام المراهق/ة بالمقارنة بين شكله/ا وبين ما يشاهده/تشاهده وتوقعاته/ا من الشريك/ة”. هذا يخلق إحباطًا ومفاهيم مغلوطة عن الجسد والعلاقات، لأنهم/ن “لا يعرفون/يعرفن أن هناك مؤثرات يتم وضعها لتخرج هذه الأفلام بتلك الصورة فينصدمون/ينصدمن بالواقع”.

حين تكشف البيانات ما يخفيه المجتمع

هذه الظواهر التي يتعامل معها المجتمع كأسرار، تؤكدها الأرقام والدراسات العالمية كواقع واسع الانتشار. ففي دراسة نشرتها المكتبة الوطنية للطب (NLM)، تمت على عدد من المراهقين/ات في الولايات المتحدة تتراوح أعمارهم/ن ما بين 14 و17 عامًا، تبين أنه في مختلف الفئات العمرية، أفاد الذكور (73.8%) بممارسة الاستمناء أكثر من الإناث (48.1%).

وتشير الدراسة نفسها إلى أن ممارسة الاستمناء تزداد مع التقدم في السن، ففي سن 14 عامًا، أفاد 62.6% من الذكور بممارسة الاستمناء مرة واحدة على الأقل، بينما قفزت النسبة إلى 80% من الذكور في سن 17 عامًا.

ويذكر موقع الرعاية الصحية “ويب ميد” أن أكثر من نصف الفتيان والفتيات يمارسون/يمارسن العادة السرية منذ سن الرابعة عشرة، مشيرًا إلى أن الخرافات التي تثير الرعب لدى المراهقين/ات، مثل أنها تسبب الضعف الجنسي، هي “غير صحيحة”.

وإلى جانب ذلك، هناك ظاهرة طبيعية أخرى تثير قلق الأهل والمراهقين/ات على حد سواء وهي “الاحتلام”. إذ توضح جينا فليتشر المتخصصة في الطب الجنسي، في مقال بموقع “ميديكال نيوز توداي”، أن الاحتلام “يحدث عند قذف السائل المنوي أو بلوغ النشوة الجنسية أثناء النوم”.

وتؤكد فليتشر أنه “أمر شائع وطبيعي خلال مرحلة النضوج، ولا يدعو للقلق، ويمكن أن يحدث لأي شخص”، نافيةً الخرافات التي تربطه بضعف المناعة أو الحيوانات المنوية، موضحةً أنه ليس بالضرورة أن يرتبط بأحلام جنسية.

صورة تم إنتاجها بالذكاء الاصطناعي
صورة تم إنتاجها بالذكاء الاصطناعي

التربية الجنسية.. متى نكسر تابوه “عيب”؟

وسط هذا الانفتاح المعلوماتي الهائل الحاصل الآن، والذي غالبًا ما يكون عبر مواقع غير موثقة على الإنترنت أو عبر الـ AI، الأدوات التي تلقى ثقة كبيرة بين المستخدمين الأقل وعيًا بطبيعتها، تبدو هناك ضرورة ملحة لوجود مصدر موثوق يستخلص منه الشباب والمراهقون/ات معلوماتهم/ن للتعرف على أجسادهم/ن وكل ما يتعلق بالجنس دون خجل أو قمع.

هنا يأتي دور “التربية الجنسية” كحل لا مفر منه، والتي تؤكد الدكتورة نهال زين أنها “مفيدة جدًا ويجب توافرها للأولاد في المدارس”، نافيةً المخاوف الشائعة بقولها: “التربية الجنسية ليست إباحية أو عيب كما يخاف الأهل”.

ووفق ما تشير إليه الدكتورة نهال، فإن مفهوم التربية الجنسية أوسع بكثير من مجرد الحديث عن العلاقة بين الرجل والأنثى، وهو يبدأ من “النظافة الشخصية، والصحة الجنسية، والاعتناء بالأعضاء التناسلية”. كما يتضمن “توعية للمراهقين/ات عن العلاقات، وتقديم النصائح لهم/ن من الدخول في علاقات على الإنترنت”.

وهكذا، يصبح الاختيار أمام الأهل والمجتمع واضحًا وحاسمًا: إما الاستمرار في مسار الصمت والخوف الذي يغذي المعلومات المغلوطة ويترك المراهقين/ات فريسة سهلة للقلق والمفاهيم المشوهة، أو سلوك مسار الحوار والعلم الذي يبني جسورًا من الثقة ويمنح هذا الجيل الأدوات اللازمة لفهم أجسادهم/ن واحترامها.

فأي إرث نريد أن نتركه لأبنائنا وبناتنا؟ إرث الخجل الذي يورث الكبت، أم إرث المعرفة الذي يورث المسؤولية؟ إن كسر تابوه “عيب” اليوم، ليس مجرد خيار تربوي، بل هو حجر الأساس لبناء مجتمع أكثر صحة ووعيًا في الغد.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة