تشابكت الملفات تعقيدًا في إفريقيا بفعل تحركات إثيوبيا الطامحة إلى نفوذ أكبر وسيطرة على محيطها القاري. وقد اتسمت هذه التحركات الأخيرة بشقين من التوترات؛ أولهما مع الصومال، الذي يرى مساسًا إثيوبيا بسيادة أراضيه عبر منطقة أرض الصومال، وثانيهما مع مصر، التي حركت أديس أبابا الصراع معها من شكله النيلي إلى البحري، بمحاولة جديدة للنفوذ إلى البحر الأحمر عبر بوابة مهمة في أرض الصومال.
لماذا تقلق أرض الصومال مقدشيو؟
كانت أرض الصومال محمية بريطانية سابقًا، واتحدت مع الصومال في عام 1960، قبل أن تعلن استقلالها في عام 1991 بعد اندلاع حرب أهلية، وهو استقلال لم تعترف به سوى تايوان.
منذ ذلك الحين، أجرت المنطقة، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 5.7 مليون نسمة، انتخابات وأصدرت جوازات سفر خاصة بها، وطبعت عملتها الخاصة. كما وقعت عددًا من الصفقات الاستثمارية الدولية، بما في ذلك مع شركة موانئ دبي العالمية لتوسيع مينائها الرئيسي، ومع شركة جينيل إنرجي التي تتخذ من لندن مقرًا لها لاستكشاف النفط. وهو ما عارضه الصومال الذي يرى المنطقة جزءًا من أراضيه، ويقول إنها لا تستطيع التفاوض بشكل مستقل على الاتفاقيات الدولية دون موافقته.
الاتفاق الإثيوبي مع أرض الصومال
في المقابل وعبر هذا الوضع، حاولت إثيوبيا تأمين منفذ بحري يعوضها تحولها إلى دولة غير ساحلية عام 1993، في أعقاب استقلال إريتريا بعد حرب استمرت 3 عقود.
اقرأ أيضًا: إثيوبيا الحبيسة.. مستقبل “أطماع أديس أبابا” في البحر الأحمر
ففي الأول من يناير الماضي، أبرمت إثيوبيا اتفاقًا لتأمين الوصول إلى البحر الأحمر من خلال منفذ ساحلي عبر أرض الصومال (صوماليلاند). وتضمن هذا الاتفاق حصول إثيوبيا على إمكانية الوصول إلى خليج عدن عبر منفذ بحري تستأجره من أرض الصومال لمدة 50 عامًا، فضلًا عن إنشاء قاعدة عسكرية ومرافق تجارية. بينما في المقابل طلبت أرض الصومال حصة في الخطوط الجوية الإثيوبية، أكبر شركة طيران في القارة الإفريقية، واعترافًا إثيوبيًا رسمي بها كدولة ذات سيادة.
وهو الأمر الذي وصفه رئيس الوزراء الصومالي، حمزة عبدي بري، بأنه "عمل عدواني ضد سيادة الصومال وسلامة أراضيها" وتهديد مباشر لمواردها البحرية، مشيرًا إلى أن حكومته ستدافع عن حقوقها.
لماذا تدخلت مصر؟
تربط مصر والصومال علاقات تاريخية طويلة تمتد إلى عصر الأسرة الثامنة عشرة الفرعونية - بعثات حتشبسوت إلى بلاد بونت - مرورًا بتسجيل مصر ضمن أوائل الدول المعترفة والمدافعة عن استقلال الصومال في 1960، وهو الدعم الذي استمر في مختلف المجالات، حمايةً للدولة العربية، التي تمثل بوابة تأمين أولى للبحر الأحمر ومن ثم قناة السويس.
وتستهدف مصر من حضورها العسكري في الصومال 3 محددات: أولًا مساعدة الجيش الصومالي ورفع كفاءته القتالية للتعامل مع عمليات (منظمة الشباب) الإرهابية عبر الخبرات الكبيرة للجيش المصري، وثانيًا دعم وحدة الأراضي الصومالية برفع كفاءة قواتها المسلحة، وثالثًا تعزيز مشاركة مقديشو في تأمين قناة السويس من باب المندب، وفق تصريحات الخبير الاستراتيجي اللواء سمير فرج، المقرب من دوائر إنفاذ القرار المصري، كما تنقل عنه صحيفة "الشرق الأوسط".
وبينما لا تفسر مساعدة وزير الخارجية المصري للشؤون الإفريقية السابقة، السفيرة منى عمر، هذا التحرك المصري باعتباره تدخلًا عسكريًا أو تصعيدًا تجاه دولة أخرى، وتوضح أن هذا التعاون لا يزيد عن التدريب والمساعدة والمشاركة في قوات حفظ السلام، فإنها ترى التدخل المصري مدفوعًا بكون الصومال دولة استراتيجية تجمعها بمصر مواقف مشتركة "رافضة للتحركات الإثيوبية الجديدة تجاه مقديشو أو الأمن المائي المصري".
ما العلاقة بين سد النهضة وأرض الصومال؟
يقول الباحث المتخصص في الشؤون الإفريقية، محمد تورشين، إن المساعدات المصرية للصومال "تعد خطوة مهمة جدًا في إطار تعزيز العلاقات المشتركة بين البلدين، وهي تؤكد حضور القاهرة في الصومال في ظل تنامي دور إثيوبيا وتركيا وغيرهما من الدول". كما يلفت إلى أن مقديشو كانت بحاجة إلى تلك الخطوة لإعادة تأهيل القوات الأمنية والعسكرية وبعث رسائل إلى الجانب الإثيوبي بأن "لديها شركاء أقوياء ولا يمكن الاستهانة بها".
ويرى "تورشين" أن "تداعيات ذلك الحضور بلا شك ستكون معقدة"، مُرجعًا ذلك إلى "عدم تقبل الجانب الإثيوبي هذه الخطوة في ظل توتر علاقاته مع مصر، بشأن ملف سد النهضة خصوصًا وأنه سيفهم الحضور المصري على أنه رسالة من مصر تفيد بأنها لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه أي تهديد لأمنها المائي".
اقرأ أيضًا: استعدادات بدء الملء الرابع لسد النهضة.. إثيوبيا تفرض الأمر الواقع
هذا الرأي يدعمه أيضًا هيثم حسنين، زميل مساعد في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (FDD)، والذي يقول إن الوجود العسكري المصري في الصومال حاليًا إنما يخدم عدة أهداف، على رأسها إثارة قلق قادة إثيوبيا.
ومن هنا، فإن تدخل مصر في الصومال يعكس إحباطها من الجمود الدبلوماسي بشأن مشروع السد الإثيوبي، ويعكس أملها في السيطرة على التهديدات السياسية والأمنية التي تشكلها إثيوبيا، كما تقول مريم وهبة، محللة أبحاث في المؤسسة.
وبناءً عليه، يتوقع خبراء أن يؤدي استمرار التوترات بين مصر وإثيوبيا إلى نزاع محدود النطاق، خاصة إذا تداخلت قوات البلدين على الحدود الصومالية. إذ يؤكد الدكتور حسن خاننجي مدير معهد القرن الدولي للدراسات الاستراتيجية، في تصريحاته لـ "بي بي سي"، أن اندلاع صراع في المنطقة قد يعقد الجغرافيا السياسية للبحر الأحمر، ما قد يجذب تدخلات دولية ويؤثر سلبًا على التجارة العالمية، إذ تمر 17,000 سفينة سنويًا عبر قناة السويس، ويُقدر حجم التجارة العالمية عبر البحر الأحمر بحوالي تريليون دولار.
وفي مقابل ذلك، تسعى دول مثل السعودية والإمارات وتركيا لتعزيز شراكاتها مع دول إفريقية مطلة على البحر الأحمر. ويرى المحلل الجيوسياسي جوناثان فينتون-هارفي أن الإمارات، التي استثمرت بشكل كبير في ميناء بربرة في أرض الصومال، وتركيا، التي تستعد لبدء محادثات دبلوماسية مع إثيوبيا والصومال، قد تكونان في موقع أفضل للتوسط وإيجاد حل لهذه الأزمة الأخيرة.