محذرًا من حافة الهاوية الاقتصادية مجددًا.. زياد بهاء الدين يعيد طرح مبادرته لإحياء المسار الديمقراطي (حوار)

لم يُعرض عليَّ منصبٌ وزاريٌّ.. ولن أتأخر عن خدمة بلدي مهما كان الموقع

الوزير يجب أن يكون صاحب قرار ومساحة وإلا فلن يُحدث تغييرًا في وزارته

ضم وزارتي النقل والصناعة “غير متسق”.. ووزارة التواصل السياسي محل اختبار

أدعو إلى الاهتمام بوزارات الصناعة والسياحة والزراعة وتكنولوجيا الاتصالات

استقالتي في 2013 تراكمية.. وجاءت بعد يقيني من تغييب المسار الديمقراطي

الذين اتهموني بالانسحاب من المعركة بعضهم التزم الصمت لحين “معرفة الفائز”

الدولة فتحت بابًا للديمقراطية عبر الحوار الوطني ثم سرعان ما “واربته”

المعارضة ليست أحزابًا فقط هناك شعب معارض يبدي سخطه وتذمره

مواقع التواصل الاجتماعي في مصر ساحة للمعارضة أكبر من مقرات الأحزاب

نعيش مرحلة اللابرنامج و”النقد الدولي” بات “صندوق ضرورة”

هناك مركزية في القرار ولكن لا أعفي باقي مؤسسات الدولة من المسؤولية

مطلوب من الحكومة ثلاثة خطوات فورًا أولها مصالحة الشعب وتصحيح المسار

أتمسك بالدستور الحالي واستكمال تطبيقه وأرفض تعديله

مصر بعد 2030 لديها كفاءات لاستكمال الطريق بشرط وجود سباق حقيقي

يوجد فراغ سياسي يجب ملؤه سواء بجيل جديد أو كيان آخر

حرية الصحافة والإعلام قد تساهم في تجاوز الأزمة الراهنة والوسط يفتقد لحكمة والدي

لن أشارك في الانتخابات البرلمانية وسأدعم المناسبين في حال تغيير القانون الحالي

رجوعي للمشهد السياسي يرتبط بمشروع حزبي جديد يتجاوز كل ما هو موجود

قوة مصر الدبلوماسية مرتبطة بقوتها الاقتصادية ودعمنا لأهل غزة ضرورة

حوار – حسن القباني و إسراء عبد الفتاح

تصوير – محمد الراعي

أعلن المفكر والأكاديمي الدكتور زياد بهاء الدين، نائب رئيس الوزراء ووزير التعاون الدولي الأسبق، خلال حواره مع منصة “فكر تاني”، أن مبادرته لاستعادة المسار الديمقراطي والتي طرحها عام 2013، جاهزة للنقاش والتحديث من جديد، في ضوء ما يناسب الأوضاع الراهنة، داعيًا الجميع للمشاركة في وضع تصورات مناسبة للوقت الحالي تدفع في اتجاه إحياء المسار الديمقراطي الذي تحتاجه البلاد حاليًا، وذلك في أول حديث عنها بعد مرور أكثر من 11 عامًا على طرحها في حكومة د.حازم الببلاوي، وسط ظروف بالغة التعقيد.

وضمن مقابلة شاملة في إطار سلسلة حواراتنا: مستقبل مصر في الولاية الرئاسية الأخيرة، تطرق نائب رئيس الوزراء ووزير التعاون الدولي الأسبق إلى العديد من الملفات، أبرزها: الحكومة الجديدة والملف الاقتصادي والمسار الديمقراطي والانتخابات البرلمانية والدستور والحوار الوطني وسجناء الرأي والحركة الطلابية واستقلال الجامعات ووزن مصر الدبلوماسي من زواية الوضع الاقتصادي.

وقدم كمفكر وأكاديمي يدرك الوضع التنفيذي، رؤيته في كلمات دقيقة، أصر في معظمها على تناول السياسات بين الحاضر والمستقبل، وسط تحفظ على الحديث عن بعض الماضي في الوقت الحالي، إلا أنه قدم شهادته كاملة عن كواليس استقالته في يناير 2014، وموقفه من حكومة د.حازم الببلاوي.

إلى نص الحوار

في خدمة بلدي وأخشى التقييد

في البداية.. هل عُرض عليك أي منصب في الحكومة الجديدة؟ وما موقفك من المشاركة في السلطة التنفيذية؟

لا.. لم يُعرض عليّ أي منصب. ولو كان عُرض عليّ منصب لن أتأخر عن خدمة بلدي.. إجابتي ثابتة ولن تتغير، قلتها من عام وأكررها اليوم معكم: تواجدت لمدة أكثر من 12 عامًا في العمل العام، سواء في هيئات عامة أو البرلمان أو نائب رئيس وزراء، ولا يمكن أن أتردد لحظة واحدة في العودة لخدمة البلد في أي موقع، ولكن الزمن يحتاج إلى وجوه جديدة.

لست وحدي في هذا الموقف، أعرف شخصيات عامة كثيرة تتمنى خدمة البلد، ولكن قضيتهم الرئيسية هي مدى المساحة الممنوحة لإحداث تغيير.

هل السخط العام يؤثر في قبول بعض الخبراء للمناصب الحكومية كما تردد في أسباب تأخر إعلان الحكومة؟

لا أعرف عدد من تم الاتصال بهم للوزارة واعتذروا.

ولكن الذي يفكر في خدمة البلد والعمل العام يجب ألا يفكر في أي ثمن سياسي أو اقتصادي أو أي تكلفة سواء من حريته أو أمنه. من يفكر في هذا قبل أي منصب، تكون بدايته غير موفقة.

عندما دخلت الحكومة كوزير، في أعقاب الثورة الثانية، كان الوضع الأمني خطيرًا، وكنت وباقي الوزراء مهددين بالقتل في أي لحظة، ولكن لم يكن هذا القلق يحكم قراري، ولا يجب أن يحكم هذا الاعتبار من يشتغل بالعمل العام.

اقرأ أيضًا: أن تخلع قبعة سوداء وترتدي أخرى زرقاء.. كيف يرى نواب المعارضة بيان حكومة مدبولي؟

نفس الأمر يقال مع القيود المالية على الوزراء، والتي قد تتعارض مع أشغال خاصة قد تتعطل أو تغلق حال انشغالهم بالوزارة؛ فهذه كُلفة اقتصادية يدفعها المشتغل بالعمل العام الذي يريد أن يخدم البلد دون تفكير في العواقب أو مصالحه الذاتية.

الأمر الذي يجعل البعض يتردد -ولست منهم- هو قدر الفعالية التي تتاح للوزير إذا اشترك في الحكومة.

ما يشغل البعض لو اشترك في الحكومة السابقة أو الحالية أو التي بعدها هو المساحة المتوفرة لديه كوزير لصنع التغيير، يخاف أن يصبح مقيد الحركة في وزارته.

الوزراء يعملون بلا مساحة

في تقديرك.. هل عضو الحكومة الجديدة سيأخذ مساحته كوزير؟

لا أعرف ما سيحدث في الحكومة الجديدة، حتى لا أظلمها.

ولكن الانطباع السائد لدى الغالبية أو من الناس التي عُرضت عليها هذه المناصب في حكومات سابقة، أن حجم حركة الوزير مقيد جدًا، ولا يوجد مجال لاتخاذ سياسات خاصة بوزارته يعبر فيها عن أولوياته ورؤيته للتغيير.

أعتقد أن هذا الانطباع في محله في الحكومة السابقة، ولا يزال سائدًا حتى هذه اللحظة، وأتمنى أن تنجح الحكومة الجديدة في الحصول على مساحاتها الحقيقية، وأن تتخلص من ذلك الانطباع.

منذ عهد مبارك والبعض يعتقد أن الوزراء مجرد سكرتارية للرئيس، ولا تزال تلك العبارة تتردد.. فكيف تعلق؟

في عهد الرئيس مبارك كان هناك وزراء لهم نفوذ كبير وقوة تنفيذية شديدة جدًا ومساحات كبيرة في اتخاذ القرار. وفي الوقت نفسه كانت هناك وزارات تكاد تكون شكلية.

مثلًا، وزارة د.أحمد نظيف الأولى على وجه التحديد مع الاختلاف في السياسات، كانت لديها مساحة غير مسبوقة في النشاط الاقتصادي، وبالتحديد منذ عام 2004 وما بعدها حتى تشكيل الوزارة الثانية.

أما الوضع الحالي، فهو الذي يدفع الناس إلى العزوف عن العمل العام. هناك الكثير، سواء خارج مصر أو داخلها، مستعد أن يخدم بلده، ولكن سؤاله عن المساحة الممنوحة له للتغيير والإنجاز.

وليس من العدل ولا الدقة، في هذا الإطار، الحديث عن أن مرتب فلان في القطاع الخاص هو سبب العزوف من البعض عن المشاركة في الوزارة والعمل العام.

رئيس الوزراء د.مصطفي مدبولي وصف حكومته بأنها “حكومة تحديات”، من وجهة نظرك، هل تستطيع هذه الحكومة مواجهة التحديات؟

لابد أن نقر بدايةً بأن حجم التغيير في هذه الحكومة كان أكبر من المتوقع.

البادي جليًا للجميع حاليًا هو تأخر تشكيل الحكومة التي كان مفترضًا إعلانها منذ إعلان نتيجة انتخابات الرئاسة.

حجم التغيير، في تقديري، لم يكن في عدد الوزارات، ولكن أيضًا في نوعية الوزارات التي طالها التغيير، مثل: وزارات الدفاع والخارجية والمالية والصناعة والسياحة والتنمية المحلية، وارتبطت بذلك حركة المحافظين.

في اعتقادي، أن هناك رسالة سياسية جديدة مفادها أننا نفتح صفحة جديدة من أجل مرحلة جديدة.

الرسالة تبدو واضحة المعالم بشكل كبير، ولكنها متناقضة كذلك.

اقرأ أيضًا: كمال زايد في حوار خاص: مدبولي تكنوقراط لا يعرف كتالوج مصر.. والمعارضة قادرة على تشكيل الحكومة

من التجديد الذي يلفت أنظار العالم في بعض الملفات الاقتصادية: دخول حسن الخطيب كوزير الاستثمار فهذا خبر جيد جدًا، وكذلك دخول أحمد كوجاك في وزارة المالية، رغم أني كنت من الداعمين للدكتور محمد معيط في مدته الصعبة جدًا، ولكن كوجاك وجه شبابي ومتحمس ومعروف دوليًا. هذه وجوه تعطي رسالة ثقة واطمئنان للمجتمع الاستثماري والعالم الخارجي والمنظمات الدولية.

مشكلتنا في الاقتصاد تكمن في الاقتصاد الحقيقي، وليس في الجزء المالي أو الاستثماري. التغيير الحكومي في هذا الصدد لم يكن واضح المعالم، فهناك تكنوقراط لم نسمع عنهم من قبل.

ضف إلى ذلك ضم وزارتي الصناعة والنقل، الذي أرسل رسالة غير متسقة مع تشجيع الاستثمار.

كان المفترض أن تكون وزارة الصناعة على قمة أولويات البلد وقمة اهتمامات الحكومة، وأن يكون لها وزير مختص بها فقط.

سيبقى السؤال والتحدي الأكبر: هل يوجد تغيير في السياسة الاقتصادية أم لا؟.. من الإجابة نستطيع أن نحدد هل تستطيع الحكومة الجديدة مواجهة التحديات أم لا.

تسمية وزير للتواصل السياسي، هل يدعو للتفاؤل سياسيًا؟

أنا مضطر للتفاؤل.

من طبيعتي عندما يأتي أحد ويعد بتنفيذ أشياء، أعطيه وقته ومساحته، ثم أحاسبه في نهاية الوقت.

تعالوا نختبر ما قيل من وزارة الشؤون النيابية والقانونية والتواصل السياسي، مع الوقت ثم نقرر.

حالة ترقب الحكومة بين المواطنين.. هل تتراجع مع التشكيل الجديد؟

لا شك أن الفترة الماضية شهدت حالة من الترقب والتذمر كان سببها أن السياسية الاقتصادية لم تكن ناجحة. الناس تعاني من الغلاء الشديد وانقطاع الخدمات والديون المتراكمة على البلد و”اللخبطة” التي حدثت في سوق الصرف قبل صفقة رأس الحكمة. وبالتالي كل شيء يحدث لا يعزز وجود تغيير في السياسة الاقتصادية، يزيد من غضب المواطن ودرجة تذمره من الوضع.

ومع ذلك، إذا استشعر المواطن بعضًا من التغيير فإنه أقرب إلى منح الحكومة فرصتها كاملة.

 المواطن والديمقراطية

في 22 نوفمبر 2011، قلت في مقال بعنوان: “الحرية أم الاستقرار.. الفوضى أم الاستبداد؟” ما نصه: “الضمان الوحيد على المدى الطويل للاستقرار وللنشاط الاقتصادي ولتشجيع الاستثمار هو أن يكون المواطن حرًا وأن يكون الحكم ديمقراطيًا”.. أليس الأصلح أن تسع أجندة الحكومة الجديدة “روشتك” بعد 13 عامًا؟

من الضروري للغاية أن تكون حرية المواطن والديمقراطية على أجندة الحكومة الجديدة، أيًا كانت درجة استعدادها للتنفيذ والتقدم بهما في المناخ الحالي.

نعم.. الديمقراطية في العالم تمر بأزمة كبيرة لأسباب عديدة، منها: أن الدول عريقة الديمقراطية انتهجت موقفًا غير متوقع على الإطلاق، بعضه فيما يخص الهجرة وبعضه فيما يرتبط بأهل غزة والاعتداء الاسرائيلي عليهم.

ورغم هذه الهزة العنيفة والانتقادات لفكرة الديمقراطية، إلا أنه يجب أن نظل محافظين في مصر على إيجاد مسار ديمقراطي، وأن نصر على المضي إلى الديمقراطية.

الديمقراطية ليست الانتخابات على الطريقة الأوروبية أو الأمريكية وفقط. الديمقراطية تشمل وجود عدالة قانونية على الأقل، وتضمن وجود حريات مصونة، والمحافظة على مبادئ الدستور، والشراكة أكثر مع المواطنين، وضمان حرية التعبير، لأنها ضمانة حقيقية للاستقرار.

فكرة نائب الرئيس فشلت في مصر

تم اختيار 55 نائبًا للوزراء والمحافظين.. ألا تحتاج مصر إلى نائب رئيس؟

منصب نائب الرئيس لم ينجح في مصر بشكل كبير على مدار عمره. في أوقات كان الدستور ينص عليه ولا يُعمل به، وفي أوقات أخرى كان لا ينص عليه.

لا أظن أن هذه القضية أساسية الآن وليست حاكمة في التغيير المطلوب.

البعض يرى عدد نواب المحافظين والوزراء يتناقض مع سياسة التقشف المطلوبة.. ما رأيك؟

أنا من المؤمنين بضرورة اختيار نواب للوزراء والمحافظين. هذه فكرة ذات قيمة إذا أخذناها على محمل الجد.

نائب الوزير يحلف الآن اليمين الدستوري أمام رئيس الجمهورية مع الوزير، ما يعطي لمنصبه قيمة كبيرة. كما يجب علينا عندما يحضر مكان الوزير مثلًا في البرلمان، أن لا نقلل من قيمته حتى نعطى له تأثير ونضيف له صلاحيات.

وفيما يخص الحديث عن التقشف، أصارحكم القول: إن المرتب الرسمي للوزير أو نائب الوزير، مبلغ زهيد، ولا يستحق أن نشغل أنفسنا به.

 انتخابات المحليات

اختيار محافظين جدد ونواب لهم بلا إصدار قانون المحليات وإجراء انتخاباته ..هل يروق لك ذلك المشهد؟

هذا مشهد غير منضبط للأسف. الاستحقاق الدستوري الخاص بانتخابات المحليات يجب أن يتم ويُحترم.

الإشكالية أنه استحقاق صعب، وآخر معلوماتي أننا نحتاج في المحليات إلى انتخاب أكثر من 50 ألف عضو.

هناك نص في الدستور أقدره واحترمه، ولكن بصراحة نحتاج إلى حوار مجتمعي للوصول من مرحلة “لا انتخابات محليات على الإطلاق” إلى مرحلة أخرى نستطيع أن نصل فيها إلى إجراء انتخابات المحليات بشكل كامل.

ألا تخشى أن يكون إجراء الانتخابات المحلية بابًا لعودة الإخوان وفلول الحزب الوطني؟

أولًا: هل للإخوان الآن وجود وفعالية على الأرض مقارنة بما كان قبل أكثر من 11 سنة. أنا لا أتحدث عن أي تيار إسلامي يقبل بدستور البلاد الصادر في عام 2014، فقط أخص هؤلاء الذين خالفوا دستور البلاد وخرجوا عليه.

ثانيًا: فلول الحزب الوطني، مصطلح انتهى بعد الثورتين: 25 يناير 2011، و30 يونيو 2013، وأنا من المؤمنين بشدة بالثورتين معًا، وأراهما الأساس الذي ستقوم عليه مصر.

ثالثًا: لماذا لا نعمل على انتخابات محلية تدريجية ببعض الضوابط، ولو بعدد أقل، كي نضمن بها المسار الديمقراطي.

مبادرة للتحول الديمقراطي

مبادرتك لضمان التحول الديمقراطي والعدالة الانتقالية، هل لا تزال صالحة للاستخدام رغم مرور 11 سنة؟  

كتبت هذه المبادرة مع زملاء لي، يوم 18 أغسطس 2013، وصدرت بقرار من الحكومة، ونسبت لي بمفردي، بعد أن واجهت انتقادًا شديدًا في الرأي العام.

للاطلاع على بنود المبادرة.. اضغط هنا

سأجيب بشكل لم أفعله من قبل: لو تسألني اليوم عن رأيي في هذه المبادرة أجيبك بأنني لم أغير رأيي في أي كلمة بها، وعن قناعة شخصية، ولا أزال أراها في محلها حتى اليوم، وهذا لا يتعارض مع يقين أني طرحتها في وقت لم يكن الرأي العام غير متقبل لها.

لقد أيقنت أن الديمقراطية ليست ضربة واحدة نستطيع أن ننفذها في صباح أي يوم، ولكنها خط له بداية ونهاية وضمانات، ورأيي أن مبادرتي لا تزال قائمة حتى اليوم.

لكنها تحتاج إلى تطوير وتحديث يراعي الظروف الحالية، أدعو كل من يريد المشاركة في إحياء المسار الديمقراطي إلى طرح بنود وتصورات حديثة.

النخب حكومية تتحدث عن أن الإصلاح الاقتصادي لا يحتاج إلى إصلاح سياسي.. هل هذه رؤية دقيقة؟

هذا تفكير خاطئ لأسباب كثيرة نابعة من سوء تقدير الموقف.

مثل هذه الأفكار تعرقل الإصلاح الاقتصادي بالأساس ولا تخدمه. المواطن سواء الذي يعاني بشدة أو الذي لا يعاني مثله، يحتاج إلى الحرية والأمان للزهو ببلده، هذا التقييد يؤثر على طاقته في الإنتاج والعمل وتحسين الاقتصاد.

في ثورتي 25 يناير و30 يونيو، كان المحرك السياسي أكبر بكثير من المحرك الاقتصادي.

إذا كانت الحرب على الإرهاب عطلت المسار الديمقراطي لأكثر من عقد، بحسب البعض، ما ومن الذي يعطله اليوم برأيك؟

بيروقراطية مؤسسات الدولة. المجتمع من واجبه، أن يضغط حتى يتحرك هذا المسار.

أعتقد أن المسار الديمقراطي ليس منحة من الدولة، ولا يجب أن ينتظر التيار المدني هذا، عليه أن يناضل لاستعادة هذا المسار. اعترف أن ضريبة ذلك عالية، ولكن الانتظار أكثر يجعل الضريبة أكثر تكلفة.

لو الجو العام في البلد يدافع عن وجود شراكة وبرلمان أفضل وأحزاب قوية وحرية صحافة وإعلام ستتطور الدنيا في مصر.

فلنتحاور

هل يمكن أن يشكل الحوار الوطني نافذة لاستعادة المسار الديمقراطي؟ وما تقييمك له؟

عند إطلاق الحوار الوطني لم يكن لدي تحفظ على حضور الناس، ودُعيت لحضور جلسات منه، ولكن تعذر حضوري لسفري، بالصدفة، خارج البلاد.

لا أفهم أن نطالب بمرتكزات أساسية للتغيير وعندما تأتي فرصة للحوار يخرج من يرفض هذا المسار.

دعونا نتحاور لمدة سنة أو اثنتين أو ثلاثة حتى يثبت أن الأمر ليس له جدوى مطلقًا، حينها نقول: لا حوار. وأوقول إننا لم نصل لهذه المرحلة بعد، وإن كنا وصلنا إلى وضع علامة استفهام على الحوار بسبب عدم إنجاز الوعود التي تم التوافق عليها.

يجب أن نحترم جهد التيارات السياسية التي بذلت أوقاتا كثيرة لإقناع أعضائها بجدوى المشاركة في الحوار الوطني.

ويجب أن تحترم الحكومة جدية المشاركين في الحوار وجهدهم.

أنا شخصيا، دعيت في أكثر من حزب محسوب على المعارضة بالتزامن مع الاستعداد للحوار، للمشاركة في صياغة أفكار اقتصادية تساعدهم في تقديم رؤية للحوار الوطني.

اقرأ أيضًا: علي الدين هلال في حوار خاص.. يقيّم أزمات السلطة والمعارضة.. ويرفض مأسسة الحوار

الضغط المستمر أفضل

ما المطلوب من المتفائلين بوجود انفراجة في هذا المناخ البطيء؟

أن يواصلوا الأخذ والرد والشد والجذب.

الضغط المستمر هو الطريقة الوحيدة مع الإيمان بتراكمية النضال. الدولة فتحت بابًا للديمقراطية عبر الحوار الوطني، ثم سرعان ما “واربت” الباب، وهنا تكمن الأزمة.

إذا ذهبنا إلى شخص خارج الدوائر الحكومية وسألناه عن سبب أزمتنا الاقتصادية سيقول فورًا إننا اقترضنا أموالًا كثيرة، وصرفناها على أمور غير ذات أولوية اقتصادية، وهذا هو الرأي العام الموجود على نطاق واسع، نتيجة انتشار الوعي.

الإصرار على الوعي التراكمي والنتيجة التراكمية لهما أثر ملحوظ يمكن أن نرصده في تصريحات الحكومة على سبيل المثال.

لا يوجد طريقة لكل من يريد حدوث انفراجة إلا الانخراط فيما هو موجود، مع استمرار الدفع إلى مساحات أكبر.

ماذا يترتب برأيك على استمرار التجاهل الحكومي لأسئلة الناس ومطالبها؟

هذا أكبر خطأ وخطر. نذكر مثلًا، أزمة قطع الكهرباء، التي تمت إدارتها متأخرًا بطريقة غير مناسبة.

تجاهل الأسئلة التي تطرح على بعض الوزراء أمر خاطئ. الرد مفيد، ولكن التطمينات الزائدة خطأ كبير.

لا معنى للحديث عن انخفاض الأسعار والواقع يشير إلى أنه انخفاض لسلعة أو اثنين لا أكثر، النتيجة هنا ستكون عكسية.

أزمة سجناء الرأي تُحل بتنقية قانون الإجراءات الجنائية

قانون العدالة الانتقالية استحقاق دستوري.. هل إصداره كما يطالب البعض هو الحل الجذري لحل أزمة سجناء الرأي؟

العدالة الانتقالية فكرة نبيلة جدًا، وكانت شعارًا جاذبًا في عام 2014، وكان لدينا وزارة باسمها، وتحمست لها وقتها كثيرًا، ولكن هناك أشياء عندما لا تحدث في وقتها تصبح عديمة الجدوى.

أظن أن حل أزمة سجناء الرأي يدور حول تنقية قانون الإجراءات الجنائية من الإضافات الخاطئة التي أضيفت له في السنوات الماضية، بما يمكن من حل الأزمة.

تغيير السياسات أو العودة لحافة الهاوية

كتبت في مارس 2024 بعد ثلاثية صفقة رأس الحكمة وتحرير سعر الصرف وإبرام اتفاق صندوق النقد: “كنا على حرف الهاوية، ولم يبعدنا عن السقوط فيها إلا صفقة رأس الحكمة”.. هل نجونا تمامًا من هذا السقوط؟

شعرت بأننا كنا على حافة الهاوية وقتها، لأنه لأول مرة، يثار تساؤل دولي حقيقي: هل ستتأخر القاهرة عن سداد ديونها أم لا؟

هذا خط لم نتجاوزه مطلقًا في أسوأ الظروف التاريخية لمصر “عمرنا ما تخلفنا عن سداد دين دولي وهذا مهم لسمعة البلد في الأسواق الدولية”.

الاضطراب الرهيب الذي حدث في سعر الصرف، وشبح الخوف من عدم وجود طريقة لسداد ديوننا، وتوقف الاستيراد تمامًا، وازدحام الموانيء بالبضائع المكدسة، وتوسع أزمات المصانع، كل ذلك كان تجسيدًا حقيقيًا لمرحلة الوقوف على حافة الهاوية.

ثلاثية “صفقة رأس الحكمة وتحرير سعر الصرف والمساعدات الدولية التي جاءت وفرت سيولة كبيرة، منحت مصر مساحة كبيرة للتنفس، لا نستطيع تحديد مدة هذه المساحة الآن هل هي سنة أو اثنتين؟ ليس هذا هو الموضوع الآن. القضية هي تغيير السياسة الاقتصادية في مصر. بدون ذلك قد نعود لحافة الهاوية.

من صاحب القرار الاقتصادي في مصر حاليًا برأيك؟

هذا جزء من مناقشتنا الحالية..

من يملك القرار قبل التشكيل الوزاري الجديد هو الدولة. ومفهوم الدولة واضح لدي جدًا، فهي الرئاسة والأجهزة الرئيسية السيادية والحكومة.

أما اليوم.. هل الوزراء الذين استدعوا للحقائب الاقتصادية يملكون القرار أم أنهم جزء من تنفيذ قرارات مسبقة؟

من المفترض أن أساسيات هذا القرار للشعب في الحالة الديمقراطية، أما في الحالة غير الديمقراطية، لا وجود لاحترام كاف للشعب، وبالتالي تسير الأمور بقرارات لا تناسب الأولويات.

من يملك مفتاح حل الأزمة الاقتصادية على المدى القصير في مصر‎؟ 

مصر اقتصاديًا على مفترق طرق الآن.

نعم هناك وجوه شابة في بعض الوزارات الاقتصادية، لكنها ليست المسيطرة على القطاع الاقتصادي الحقيقي كالزراعة والسياحة والصناعة.

السؤال المطروح: هل سيحدث تغيير في الاستدانة واستخدام الموارد العامة وأولويات الصرف والإنفاق على احتياجات الناس لا مشروعات قد يكون عائدها جيد بعد عشرات السنين؟

مصر اقتصاديًا، كانت في مرض شديد، جعلها على حافة الهاوية، وتم إنقاذها بشكل ما، والسؤال: هل ستأخذ الدواء المناسب على المدى القصير أم ستظل على نفس الطريق الذي أودى بها إلى المرض؟

عموم الناس اليوم يفهمون ذلك والجميع ينتظر الإجابة من الحكومة.

هناك شخص واحد صاحب القرار في مصر ولكن

البعض يرى أن هناك شخص واحد في الدولة هو صاحب القرار كله سواء للتغيير أو للاستمرار في الطريق نفسه.. هل تتفق؟

أرى هذا، ولكن لا أحب أن أعفي باقي الدولة من المسؤولية.

لا شك أن هناك تمركز في صناعة القرار، ولكن القرارات لا تتخذ بهذه الطريقة البسيطة التي يتصورها البعض عن شخص يقرر وفقط، لأن هناك مؤثرات كثيرة وعوامل عديدة، تحكم أي قرار.

في مصر هناك جهات ترسل تقارير ووجهات نظر لصاحب القرار، ويمكن أن ترسل كذلك تحفظات على قرار ما، من أجل المصلحة العامة.

ليس لدي معلومات محددة عن وقائع بعينها، ولكن لا أريد أن تتلخص المسألة في جملة واحدة بسيطة جدا، خلفها تعقيدات كثيرة جدًا.

3 أمور مطلوبة من الحكومة

ماذا تفعل الحكومة “الآن.. والآن فقط” للخروج من الأزمة الاقتصادية؟

ثلاث خطوات حالًا:

أولًا: مصالحة الشعب، بتعبير واضح أن السياسة القديمة انتهت، وسوف تتغير.

لن يقول رئيس حكومة ما يمكن أن أقوله أنا حول فشل السياسة القديمة وعدم نجاح الحكومة السابقة، وبالتالي المطلوب هو إعلان واضح وإشارة قوية عن بدء تغيير المسار الاقتصادي، وعدم تكرار ما سبق.

ثانيًا: الاهتمام الشديد بالقطاعات الانتاجية في البلد، وبالتحديد في الصناعة والسياحة والزراعة وتكنولوجيا الاتصالات.

إذا غاب الاهتمام الكبير بهذه القطاعات، ولم يتم تذليل العقبات أمام المواطنين، سيلقى الأمر بظلال عنيفة على موقف الشعب من الحكومة.

ثالثًا: لابد من وجود قدر مناسب من الحرية، حتى تتحدث الصحافة بحرية، ويعبر البرلمان عن الناخبين بوضوح.

صندوق النقد “ضرورة” وبرنامج لمن لا برنامج له

كيف ترى ملف صندوق النقد؟

دائمًا يجب أن تكون هناك مساحة للأخذ والرد مع صندوق النقد الدولي.

وهنا أود الإشارة إلى أنني أحد تلامذة المفكر الاقتصادي الراحل جلال أمين. في الثمانيات، كان هناك برنامج بين مصر وصندوق النقد الدولي، وكانت لا توجد شفافية مثل اليوم في نشر البيانات من قبل الصندوق نفسه.

أحد المجلات اليسارية في هذا الوقت نشرت خطاب النوايا، وذهبنا لمحاضرة الدكتور جلال أمين، وتوقعنا أن ينتقد الصندوق وبرنامجه انتقادًا لاذعًا، لكن فوجئنا به يقول إنه ليس ضد الأمر، فصدمنا، كيف يقول عمود الاقتصاد اليساري في مصر هذا الكلام؟

جاء رده واضحًا: “نحن وصلنا لمرحلة أي برنامج خير من اللا برنامج”.

وهذا ردي اليوم، أيضًا. ليس دفاعًا عن الصندوق، ولكن نحن كدولة لا نمتلك برنامجًا اقتصاديًا وطنيًا قويًا حتى نقف خلفه. كل ما لدينا هو رفض ما يقدمه الصندوق وفقط.

يمكن اعتبار صندوق النقد الآن “صندوق الضرورة”، يضع علينا قدرًا من الالتزام تجاه برنامج، لأننا للأسف الشديد نعيش في المرحلة التي وصفها المرحوم جلال أمين بـ”اللا برنامج”.

لهذا استقلت من منصبي الوزاري

في 23 يناير 2014، تقدمت بالاستقالة من منصبك الوزاري.. متى قررت هذه الاستقالة؟ وهل كان ذلك تضامنًا مع الدكتور البرادعي وخروجه من المشهد؟ 

دعني أبدأ بالشق الأخير.. لا لم تكن استقالتي مرتبطة باستقالة الدكتور محمد البرادعي ورحيله عن مصر.

الدكتور البرادعي استقال في أغسطس 2013 وترك مصر في اليوم ذاته ولم يعد.. بينما استقالتي كانت في يناير 2014 وتم قبًولها تحديدًا يوم 30 يناير. وبعد الاستقالة بقيت في مصر، واستأنفت عملي في المحاماة بعدها بشهور، ولم أغادر البلد من يومها إلا لإجازات أو رحلات عمل قصيرةً.

هناك شخص تكون استقالته لسبب محدد، وتنتهي فورًا، وهناك شخص تكون استقالته بناءً على تراكم أسباب. أنا الشخص الثاني.

استقالتي كانت تراكمية، وكانت مرتبطة بموضوع واحد، فقط أعلنت عنه وقتها، وهو ما رأيت أنه ابتعاد تدريجي عن المسار الديمقراطي الذي كنا نحلم به بعد ثورتي 25 يناير و30 يونيو.

ولقد تقدمت بمبادرتي لحماية المسار الديمقراطي في 18 أغسطس 2013، ورأيت من أجلها، أن أكمل في موقعي التنفيذي 7 أشهر، حرصًا على العودة إلى المسار الديمقراطي.

وبالتزامن، أنشأنا في هذا الوقت وزارة للعدالة الانتقالية لوزير فاضل وجليل هو المستشار الراحل محمد أمين المهدي، ولكن لم يُمنح أدوات تمكنه من أداء دوره وعمل أي شيء.

وتقدمت بالاستقالة بعد خلاف مع باقي الحكومة حول القانون الذي منع التظاهر السلمي وجعل كل تجمع سلمي للتعبير عن الرأي يتحول إلى جريمة تؤدي للحبس.

كان قانون منع التظاهر بمثابة الخطوة الأوضح في تقييد الحريات الدستورية. لم يكن هذا القانون وحده هو الدافع للخلاف، بل سبقته عدة قرارات اتجهت كلها إلى التضييق على الحريات وغلق منافذ التعبير.

وللأسف أن من هاجموني وقتها لم يقدّروا أنني تعمدت عدم الإساءة أو الحديث ضد الحكومة وزملائي بها، وأن السبيل الوحيد لإنهاء الخلاف داخل الحكومة والحفاظ على وحدة صفها كان استقالتي.

الخروج عن المسار الديمقراطي لم يكن أمرًا أقبله بعد ثورتين قام بهما الشعب للحصول على حريته، ولذلك كان قراري بالخروج من الحكومة مرتبطًا بيقيني بعدم إمكانية العودة للمسار الديمقراطي.

لم أنسحب من “المعركة “

البعض في دولاب الدولة انتقدك على الاستقالة، معتبرًا أنها انساحب مما وصفوه بـ”المعركة”.. ما تعليقك؟

القول بالانسحاب من المعركة لا يصح وقد ساءني كثيرًا وأضر بي وبأسرتي وقتها، لأن الواقع يقول إنني كنت في ساحة الصراع ضد تنظيم الإخوان منذ البداية وفي أصعب الظروف.

حدث هذا حينما خضت الانتخابات البرلمانية ضدهم، وحينما كنت رئيسًا للهيئة البرلمانية المعارضة، وبعد حل البرلمان عارضتهم بالكتابة وبالتظاهر مع باقي التيار المدني أسبوعيًا في القاهرة وأسيوط، ثم كنت ضدهم بالانضمام للحكومة بعد ثورة 30 يونيو لسبعة أشهر كنا فيها جميعًا مهدّدين في أرواحنا.

هذا بينما كثير ممن هاجموني وقت استقالتي كانوا في هذه الأوقات العصيبة مرعوبين وهاربين خارج البلد أو صامتين في بيوتهم في انتظار معرفة من سينتصر في النهاية ليقدموا له الطاعة.

وعلى أي حال -وللأسف الشديد- فقد أثبتت الأيام والتطورات اللاحقة بالفعل ابتعادنا عن المسار الديمقراطي خطوة بخطوة حتى صارت كل مساحات التعبير والاحتجاج مقيدة، فلم يكن قلقي واعتراضي على مصير الديمقراطية خاطئًا.

لا حديث عن حكومة للمعارضة في ظل المناخ الحالي

حكومة 2013 يقدمها البعض كدليل على فشل المعارضة في الحكم.. هل فشلتم أم أفُشلتم؟ 

المشكلة أن توقعات الناس من حكومة د.الببلاوي كانت مرتفعة جدًا. لم نكن قادمين لتحقيق كل ما يتمنى الناس على مدار الثورتين في هذا الوقت الدقيق.

كنا مجرد حكومة انتقالية، وهذه النوعية من الحكومات تأتي لتصنع إجراءات قليلة للحفاظ على الوضع واستقراره من مواد تموينية وأوضاع اقتصادية وأمنية لحين ترسخ قواعد الدولة الجديدة، عبر انتخابات رئاسية جديدة ودستور جديد.

دورنا كان نقل البلد من فترة حكومة الإخوان وما تلاها من فوضى وعنف إلى حالة من الاستقرار تسمح بإجراء الاستحقاقات المفترضة كالانتخابات والدستور.

رأيي أن هذه الحكومة لم تفشل، بيدها أو بيدي غيرها، وفعلت المستطاع لتسليم البلد لمرحلة أخرى.

إذن هل تستطيع المعارضة تشكيل حكومة سياسية الآن في ظل هذه التجربة والاتهام المتكرر للمعارضة بعدم وجود رجال دولة لديها؟

يجب أن تكون مساحات المعارضة في المشهد العام بمصر أكبر. ويجب أن تعود مقرات الأحزاب للعمل بحرية، كي تستطيع الحديث مع الناس والمنافسة في الانتخابات بنزاهة.

كما يجب أن تتطور الحياة العامة ويعود المسار الديمقراطي، قبل أن نحدد مدى قدرة المعارضة على تشكيل حكومة من عدمه.

أرفض تمديد فترات الرئاسة هناك كفاءات تنتظر سباقًا حقيقيًا

كانت لديك تحفظات على دستور 2014.. بعد أكثر من 11 سنة كيف ترى احترام الدستور بمصر؟

هناك فجوة كبيرة بين الدستور وتطبيقه. قانون المحليات مثال على ذلك، وأيضًا قانون مفوضية التمييز الذي لم يطبق حتى الآن، رغم أني تقدمت بمشروع حينما كنت في منصبي بالحكومة، والأمر لا يزال مطروحًا ولا يستدعي كل هذا التأخير.

كيف ترى الحديث عن تعديل جديد في الدستور لمد فترة الرئاسة؟

أياً كان رأينا في الدستور، ومدى تطبيق مواده من عدمه، يبقى أن نتمسك به كما هو الآن من دون أي تعديل أو تغيير.

المهم الآن هو البحث عن الفجوات بين الدستور وتطبيقه وسدها وتفعيل المواد غير المفعلة.

إذا اتجه المسار إلى مثل هكذا تعديل، فإن ردي قاطعًا كما حدث حينما صوت بـ”لا” في تعديلات 2019، سأصوت هذه المرة أيضًا بـ”لا”.

تنتهي الولاية الرئاسية الأخيرة في 2030.. هل تمتلك مصر كفاءات تستطيع قيادة الدفة؟

نعم، وبكل تأكيد.

إذا كان هناك سباق حقيقي ستظهر الكفاءات، ولن نرى كفاءات إذا غاب السباق بالأساس.

يتخوف البعض على دستور مصر وهويته بعد تشكيل اتحاد القبائل العربية.. كيف تعلق؟

أتفق مع هذه المخاوف.

أي كيان له جانب طائفي أو قبلي أو شبه عسكري يتعارض مع فكرة الدولة الحديثة ومبادئ الدستور.

القوائم المطلقة لن تنتج برلمانًا حقيقيًا

بالنسبة لانتخابات برلمان 2025.. ما الأنسب قانونًا وكيف ترى الوضع؟

إجراء الانتخابات بنظام القوائم المطلقة لن ينتج أي مسار ديمقراطي، ولا يساعد في إحداث أي تغيير إيجابي.

المشهد الديمقراطي يبدأ بمرشح لديه القدرة والحرية للمرور بين الناس وطلب أصواتهم، والاستمرار على ما هو عليه الوضع الآن يمنع وجود مثل هذا المرشح.

أنحاز إلى قوائم نسبية وصغيرة حتى تكون هناك صلة بين الناخب والمرشح في دائرة صغيرة.

ليس لدي أمل في المعارضة الحالية

هل لدينا معارضة قادرة على استيعاب اللحظة الراهنة والاستعداد للانتخابات؟

ليس لدي أمل كبير في المعارضة المدنية الموجودة الآن، وأراها تخاطب نفسها أكثر من مخاطبتها المجتمع.

المعارضة في مصر ليست معارضة الأحزاب الرسمية وفقط، المعارضة باتت معارضة شعب يبدي سخطه وغضبه ويتذمر. والحكومة إذا كانت تظن أن المعارضة في الأحزاب فهي خاطئة بشكل فادح.

اقرأ أيضًا: نجاد البرعي في حـوار مع “فكر تاني”: مصر “أون هولد”.. والمعارضة طفولية.. والثورة مستـحيلة.. والطنـطاوي حول الانتـخابات إلى خصـومة شخصية

مواقع التواصل الاجتماعي في مصر باتت ساحة للمعارضة أكبر من مقرات الأحزاب.

الخلط بين ضعف الأحزاب المدنية ومدى قوة المعارضة خلط قد يربك التقديرات، فنحن لدينا معارضة قوية غير منظمة في الشارع، تخطت هذه الأحزاب. وهناك فرق بين معارضة تعمل بمفردها، ومعارضة خلفها زخم في الشارع، وهو ما يحدث الآن ويجب التقاطه.

توقعي أن البلد ستفرز في المستقبل، بناءً على الواقع، تكتلًا جديدًا أو حزبًا جديدًا، في ظل المعطيات الحالية في الشارع.

وهنا، يجب أن نشير إلى أن الدولة بطبيعتها لا تحب الديمقراطية، وأن اللوم يقع علينا جميعًا، لأننا لم نقدم بديلًا معارضًا أو مستقلًا.

يوجد فراغ سياسي في مصر الآن سيتقدم لملئه من يتقدم، سواء جيل جديد أو كيان جديد من المعارضة أو غيرها. هنا، على جيل الوسط في المعارضة الحالية أن يبذل جهده من أجل استعادة دوره ومكانته وإحداث التغيير المطلوب.

لن أشارك في الانتخابات البرلمانية

هل ستشارك في الانتخابات البرلمانية المقبلة؟

في مثل القانون الحالي والقوائم المطلقة لا أمل في المشاركة مطلقًا. إذا تم تغيره، وأصبح هناك قانون يحترم الناخب والمرشح، يمكن حينها أن أدعم المناسبين في دائرتي الانتخابية بأسيوط.

المشهد الحالي لا أراه مناسبًا لدخولي في الانتخابات البرلمانية بكل وضوح، وبالتالي لن أترشح في أي تكتل انتخابي من هنا أو هناك.

رجوعي للمشهد السياسي يرتبط بتواجد مشروع حزبي جديد يتجاوز كل ما هو موجود، من أجل البناء للمستقبل، بغض النظر عن الانتخابات من عدمه.

هل تحدثت مع أحد عن هكذا المشروع؟

هناك من يتحدث، والأجواء مهيأة في مصر لمشروع جديد، للأسباب التي تحدثت فيها طوال المقابلة. هناك حالة من عدم الرضا عن الوضع الحزبي تحديدًا. أنا أسعي لتجربة مستقلة تبني حزبًا حقيقيًا بقواعد حقيقة.

هل هي تجربة فوق أيديولوجية كما يسعي البعض في تشكيلات أخرى؟

لا اعترف بما يسمى فوق الأيديولوجية أو تجاوز الأيديولوجيا أو انتهاء زمن الأيديولوجيا.

لو أن هناك جماعة تعنى بالحفاظ على البيئة، على سبيل المثال، فهذا أيديولوجيا، ولا يعني عدم انتمائها لليمين التقليدي أو اليسار التقليدي نفيًا لإيمانها بفكرة.

حزب يعني أيديولوجيا، وغير ذلك معناه إلغاء الأفكار، وهذا أمر ليس على أجندتي.

الجامعات ليست مساحة للعمل السياسي الحزبي

لا يزال الطالب زياد البسيوني محبوسًا بسبب دعوته لحركة “طلاب من أجل فلسطين” مع قيود بالجامعات وفق مراقبين.. ما ثمن استمرار تقويض الحركة الطلابية؟

الجامعات في رأيي ليست مساحة للعمل السياسي الحزبي من حيث المبدأ. ومع ذلك، لابد من إتاحة حرية التعبير للطلاب، وفي كل القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية داخل الجامعات.

اقرأ أيضًا: هشام جعفر في حوار خاص: مصر باتت “رجل المنطقة المريض”.. و”ربيع القاهرة” معطل بـ”مظهرية” الحوار الوطني.. “الإسلام السياسي” انتهى والمعارضة بلا رؤية

الجامعات هي مصنع إنتاج القيادات الوطنية، وعلى الدولة أن تشجع الطلاب على التعبير عن مواقفهم السياسية والوطنية.

أمر مؤسف حقًا أن يرى البعض أن مبادرة هدفها دعم فلسطين تلقى مواجهة في مصر، فالأغلبية الساحقة من الشعب المصري مشاعرها مع غزة.

استقلال الجامعات كان أحد مطالب المصريين قبل ثورة 25 يناير.. ما تقييمك له في العقد الأخير؟

لا يزال هذا المطلب له أهمية كبيرة.

عندما أنشئت حركة 9 مارس قبل 20 عامًا للمطالبة باستقلال الجامعات، كان الوضع أقل مما هو الآن من القيود واختيار العمداء.

الحاجة باتت مضاعفة لتأكيد استقلال الجامعات الآن.

كيف ترى دلالات تصاعد حديث الشباب عن الهجرة إلى خارج البلاد؟

جزء من الأسباب اقتصادي والجزء الآخر اعتراض على الوضع السياسي. ليس الأمر سيئًا بالمجمل.. الدماء تتجدد مع السفر والحركة، والخبرات تزيد.

بعض الشباب المهاجرين رجعوا بعد يناير 2011 ويونيو 2013.

مصر تستفيد اقتصاديًا من حركة السفر هذه، بزيادة تحويلات المصريين بالخارج، أما بالنسبة للموقف السياسي، أنا مقتنع تمامًأ بوجود تطور سياسي حتمي قادم لا محالة في الدولة، لأن الظروف تذهب إلى ذلك بسبب الضغوط الحالية.

وحتى يحدث ذلك، لابد من بناء الجسور من الأطراف السياسية المستقلة، مع الشباب في الخارج، لأنهم مرشحين للرجوع في حال تحسن الأحوال السياسية.

أعجبتني إدارة البلشي لنقابة الصحفيين

ما تقييمك لتجربة خالد البلشي في نقابة الصحفيين وترشيح د.ضياء رشوان لرئاسة مجلس تنظيم الإعلام؟

أعجبتني تجربة خالد البلشي ومجلسه بعد الفوز أكثر مما أعجبتني لحظة فوزه.

هو ومجلسه مستمرون في الكفاح من أجل فتح المجال العام، والدفاع عن الصحفيين.

دعوني لمؤتمرهم العام لأكون في أحد لجانه الخاصة بمستقبل الصحافة.. كل هذه الأمور مبهجة في المشهد العام.

كذلك أنا متفائل بترشيح ضياء رشوان للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام. ولكن سأعود للأساس الذي قلته، لا يوجد دولة تعطي الحقوق بالمجان، لابد من ضغط مجتمعي للحصول على الحقوق.

وفي هذه الزاوية، أنا أرى أن حرية الصحافة والإعلام، قد تساهم في تجاوز الأزمة الراهنة.

بذكر حرية الصحافة.. ماذا تفتقد صحافة مصر مع غياب والدكم الكاتب الصحفي الكبير أحمد بهاء الدين؟

سأقول ما يردده غيري: نفتقد حكمة الوالد في مثل هذه الأوقات المضطربة التي تختلط فيها الأمور.

الحكمة غير الشجاعة والوضوح.

الحكمة أن تستطيع وزن الأمور وأن ترى مصلحة البلد إلى أين. هذا ما نفتقده الآن.

خارجيًا.. هل مواقف مصر تناسب الأخطار المحيطة وقدرها في القضية الفلسطينية؟

لا أعرف دولة في العالم يفصل وزنها الدبلوماسي عن وضعها الاقتصادي. هنا تكمن الإجابة.

كل بلد تحت وطأة ضغط اقتصادي كبير وتحتاج إلى مساعدة الدول من حولها بأشكال مختلفة، تفقد جزءًا كبيرًا من قوتها الدبلوماسية والخارجية.

وكمتابع، أرى أن الموقف الرسمي للقيادة السياسية والدولة في بداية العدوان على غزة، من رفض للتهجير هو موقف الشعب المصري كله، وعبّر بوضوح عن أساس مهم في مواقفنا المناصرة لأهل غزة، يمكن البناء عليها من المختصين.

في الختام.. مصر إلى أين؟

هناك أمران أساسيان الآن: الأول يتوقف على قرار الحكومة الجديدة في تحديد المسار الاقتصادي، سواء بالتصحيح والتغيير أو بالاستمرار في نفس الطريقة مع بعض التحسينات.

أنا أترقب هذا القرار، كي لا نعود إلى المربع القديم الصعب.

الأمر الثاني: أنا أرى أن البلد اليوم مهيأ لانفراجة عامة وبدء مسار ديمقراطي، حتى لو كان مجاله طويلًا، وأيا كان موقف الدولة، فالظروف اختلفت والضغوط كبيرة.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة