“أجيب لكم منين”.. شعار المرحلة

“بقيت بجيب على قد الاحتياج وعملنا جدول للأكل الأسبوعي مفيهوش غير مرة واحدة بروتين، وباقي الأسبوع بناكل أي حاجة.. بنحاول نمشي الدنيا.. هنعمل ايه طيب مع الأسعار دي”.

“أم إيمان” أربعينية لديها 3 من الفتيات في مراحل تعليمية مختلفة، تسكن في إحدى مناطق جنوب القاهرة، وتعمل في إحدى شركات القطاع الخاص بمقابل شهري لا يتعدى 2500 جنيه تجمعها على معاش زوجها كل أول شهر، في جلسة كشف حساب، تنتهي دومًا بتمزيق ميزانية الأسرة بين المواصلات والديون ومصروفات تعليم البنات، فلا يكفي منها إلا قليل للمأكل والمشرب وأحيانًا قطعة أو قطعتين من ملابس جديدة، بالتبادل بين أفراد الأسرة.

“قبل الغلا والأسعار الأخيرة، كانت الدنيا صعبة برضه، بس كنا بنعرف نشتري مستلزمات البيت ونشيل شوية إما خزين أو فلوس نواجه بيها أي أزمة جاية. بس دلوقتي خلاص احنا عايشين يا دوب ولو الدنيا زادت عن كده هنشحت”.

الوضع الحالي للتضخم

آخر بيانات للبنك المركزي تظهر تراجعًا في معدل التضخم الأساسي -الذي يستثني الوقود وبعض المواد الغذائية المتقلبة، إلى 35.9% في نوفمبر مقابل 38.1% في أكتوبر الماضيين. بينما ذكر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، في ديسمبر الجاري، أن التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن المصرية تراجع إلى 34.6% في نوفمبر مقارنة بـ35.8% في أكتوبر.

اقرأ أيضًا: “زي الحكومة”.. المصريون يواجهون الفلس بالسلف

إلا أن هذا التراجع يأتي مدعومًا بتباطؤ زيادة أسعار المواد الغذائية، وليس انتهاء الأزمة التي لم تنجح الحكومة في مواجهتها في سلع عدة أساسية، منها السكر والبصل، على سبيل المثال.

قبل الغلا والأسعار الأخيرة، كانت الدنيا صعبة برضه، بس كنا بنعرف نشتري مستلزمات البيت

الخميس الماضي، أبقى البنك المركزي على معدلات الفائدة دون تغيير، بينما أشار -في بيان- إلى أن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي شهد تباطؤًا مسجلًا 2.9% خلال الربع الثاني من عام 2023 مقارنةً بمعدل 3.9% خلال الربع السابق له.

تباطؤ الناتج المحلي

وأرجع التباطؤ في معدل نمو النشاط الاقتصادي نتيجة الانكماش في إجمالي الاستثمارات المحلية بشكل أساسي، في حين ساهم كل من الاستهلاك وصافي الصادرات بشكل إيجابي في معدل النمو الاقتصادي، بحسب البيان.

ونص البيان: “من المتوقع أن يستمر معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في التباطؤ خلال العام المالي 2023/2024 مقارنةً بالعام المالي السابق له، على أن يعاود الارتفاع تدريجيًا فيما بعد. ويأتي ذلك تماشيًا مع التطورات الفعلية للبيانات وكذا التداعيات السلبية الناجمة عن المخاطر الجيوسياسية والآثار المترتبة عليهما وبشكل خاص على قطاع الخدمات. وفيما يتعلق بسوق العمل، استقر معدل البطالة إلى حد كبير مسجلًا 7.1 بالمئة خلال الربع الثالث من عام 2023”.

وقال المركزي: “ستواصل اللجنة تقييم أثر السياسة النقدية التقييدية التي تم اتخاذها وتأثيرها على الاقتصاد وفقًا للبيانات الواردة خلال الفترة القادمة. وتؤكد اللجنة على أن المسار المتوقع لأسعار العائد الأساسية يعتمد على معدلات التضخم المتوقعة وليس معدلات التضخم السائدة”.

وأكد المركزي أن اللجنة لن تتردد في استخدام جميع أدوات السياسة النقدية المتاحة للحفاظ على الأوضاع النقدية التقييدية وخفض المعدلات الشهرية للتضخم في مصر.

عن الأسعار.. “أجيب لكم منين” شعار المرحلة

مواطنون أمام منفذ بيع سلع مدعمة
مواطنون أمام منفذ بيع سلع مدعمة

“بنستخدم الحد الأدنى من كل شيء دلوقتي، اللحمة لو عرفنا نجيب كيلو منها مرة أو اتنين في الشهر بنحمد ربنا.. أقل سعر للكيلو 350 جنيه عند الجزار، و250 جنيه في المجمعات الاستهلاكية. وحتى لو قررنا نبطلها خالص، احنا بنقابل أزمة حقيقية في كل الأسعار، وما فيش أي حماية للمستهلك ولا حد عارف يوقف ارتفاع الأسعار اللي بيحصل كل شوية.. بنزل بـ 200 جنيه عشان تخلص على شوية مستلزمات كانت بتعمل وليمة من سنين قريبة”.

اقرأ أيضًا: خارطة الضرورة.. ما الانفراجة التي تنتظرها مصر؟

اعتادت آمال عبد الشافي -ربة منزل- سماع جملة “أجيب لكم منين” التي لا يجد زوجها غيرها ليعبر عن حاله كل أول شهر، وهي لا تلومه عليها، بل تُدرك أن الحال هذه الأيام أصعب من أي وقت مضى.

تحملت أسعار المستهلك في مصر العبء الأكبر من ثلاثة تخفيضات في قيمة العملة منذ أوائل عام 2022. وجرى تداول الجنيه المصري بسعر 30.9 جنيه للدولار في البنوك في معظم الأوقات خلال العام الجاري. لكن سعره في السوق السوداء أقل بنسبة 36% تقريبًا (50 جنيهًا مصريًا مقابل الدولار). وهذا هو المستوى ذاته الذي يتوقع المستثمرون أن ينخفض إليه خلال 12 شهرًا مقبلة، وفق “الشرق بلومبرج“.

في ظل التضخم والأسعار.. الفقراء قد يصلون إلى 36%

الدكتورة عالية المهدي
الدكتورة عالية المهدي

وترتفع أسعار السلع الأساسية بمعدلات هائلة بلغت نحو 74%، وهو ما دفع الأسر، إلى خفض معدلات استهلاكها من اللحوم والسلع الأساسية وتدبر الطعام من بدائل غير صحية، بحسب ما صرحت به الدكتورة عالية المهدي العميدة السابقة لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة في ندوة بالجامعة الأميركية في القاهرة عُقدت في أكتوبر الماضي.

وتتوقع “المهدي” أن تصل نسبة الفقر المتوقعة عام 2025 إلى 36% من تعداد السكان، مشيرة إلى تقديرات تظهر أن الفقراء يشكلون في عام 2023 حوالى 33.3% من إجمالي السكان، مقابل 29.5% في عام 2019، بما يدفع إلى زيادة عدد الفقراء إلى نحو 37 مليون شخص يعيشون في حالة فقر خلال العام الحالي.

وأوضحت المهدي أنّ 40% من المصريين ينفقون دخولهم على شراء السلع الغذائية، بينما تصف الحلول التي تطرحها الحكومة لدعم الفقراء بأنها قصيرة الأجل وقليلة التأثير، لاعتمادها على صرف مبلغ نقدي شهري، لا يتغير بقيمة 50 جنيهًا للفرد (نحو 1.6 دولار)، في وقت تتراجع فيه قيمة الجنيه، وتزداد أسعار السلع.

أين المصريون من “تكافل وكرامة”؟

الدكتورة هبة الليثي، أستاذة الإحصاء بجامعة القاهرة
الدكتورة هبة الليثي، أستاذة الإحصاء بجامعة القاهرة

وفي الندوة ذاتها، قالت الدكتورة هبة الليثي، أستاذة الإحصاء بجامعة القاهرة، إن تعويم الجنيه المصري الذي جرى في عام 2016 أسفر عن زيادة ملحوظة في معدلات الفقر في مصر خلال السنوات التي تلت تنفيذ هذا القرار.

وأوضحت أن الأسر ذات الدخل المحدود اضطرت إلى تقليل استهلاكها للمواد الغذائية رفيعة المستوى مثل اللحوم والدواجن والأسماك، نتيجة لتصاعد معدلات التضخم. وفي سياق ذلك، اتجهت هذه الأسر نحو استهلاك أنواع غذائية ذات تكلفة منخفضة وقيمة غذائية متدنية، مثل الكربوهيدرات والمعجنات.

وقدمت الليثي تعريفًا للفقر، حيث وصفته بأنه “عدم قدرة الأسرة على تلبية احتياجاتها الأساسية من سكن وطعام وملابس ومستلزمات أخرى”. وأكدت أن ثلثي الفقراء يعيشون في المناطق الريفية بالمحافظات، في حين يقيم 48% من الفئات الأكثر فقراً في محافظات صعيد مصر.

وأشارت إلى إحصاءات رسمية تظهر أن 80% من الأسر الفقيرة لا تستفيد من برنامج “تكافل وكرامة” الذي تقدمه الحكومة، حيث يستفيد منه نحو 20% فقط من إجمالي الفقراء على مستوى البلاد.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة