"أرسل رسالة خاصة ربما تكون الأخيرة لقوى المعارضة المتمثلة في الحركة المدنية: برجاء توحيد الصفوف، ودعم وتأييد مرشح المعارضة المصرية فريد زهران. أكتب هذه الكلمات وأنا أدرك تمامًا أن هناك بعض الخلافات بين القوى السياسية المدنية. ولكن هذه الخلافات يجب أن توضع جانبًا في هذه المرحلة المهمة من تاريخ مصر. نحن ندعوكم إلى التضحية بالمصالح الحزبية أو الشخصية من أجل مصلحة الوطن، وتحقيق التغيير الذي ننشده جميعًا".
هكذا وجه شادي العدل، السياسي أحد مؤسسي الحزب الليبرالي المصري (تحت التأسيس)، رسالته ونداء أخير إلى الحركة المدنية الديمقراطية، في مقالته المنشورة بمنصة "فكر تاني"، 3 ديسمبر الجاري، ليفتح ملفًا شائكًا بات كثيرون في المشهد العام يضعون أمامه العديد من علامات التعجب والاستفهام التي تطال مستقبل الحركة التي أنشئت قبل 6 سنوات.
تأسست الحركة المدنية الديمقراطية في 13 ديسمبر من العام 2017، بمشاركة عدد من الأحزاب من مختلف التوجهات السياسية المدنية والشخصيات العامة، منها أحزاب: الدستور، والمصري الديمقراطي الاجتماعي، والكرامة، والتحالف الشعبي الاشتراكي، والعيش والحرية. وآل مآلها الآن إلى الاختلاف حد الخلاف والتلاسن.
الحركة المدنية.. مستمرة لهذه الأسباب
يرى الكاتب الصحفي خالد داوود، المتحدث الإعلامي للحركة المدنية الديمقراطية، في حديثه لمنصة "فكر تاني"، أن الحركة التي مرت بتجارب كثيرة في الخلافات السياسية استطاعت أن تتجاوزها جميعًا وتستكمل طريقها كمظلة واسعة للعديد من الأحزاب مختلف التوجهات.
ويضرب داوود المثال بما حدث من مشاركة أحزاب من الحركة في التحالف البرلماني لحزب "مستقبل وطن"، الأمر الذي أحدث انقسامًا في الحركة بعدها، سرعان ما تجاوزته أحزاب الحركة ومن ثم توحدت مرة أخرى تحت أجندة واحدة تتفق على مجموعة من الإصلاحات الرئيسية في المجال العام والإيمان بحتمية التحرك بشكل جماعي في هذا الوقت بالذات.
ويشير المتحدث الإعلامي للحركة إلى تجربة إنشاء التيار الليبرالي بأحزابه وشخصياته العامة، للتيار الحر، وهو الأمر الذي لم يؤثر على تواجد الحركة كمظلة جامعة، وهو ما حدث كذلك مع الانتخابات الرئاسية، فلا يزال المرشح الرئاسي فريد زهران وأحزابه الداعمة موجودة بالحركة- رغم تجميد وجودهم في الحركة منتصف الشهر الماضي عبر جروب خاص بالحركة- ولم يعلن خلاف ذلك، مثلما فعلت الأحزاب الرافضة للمشاركة في الانتخابات.
القضية الفلسطينية فرضت التنسيق
ويلفت داوود الانتباه إلى أن القضية الفلسطينية وتوابع العدوان على غزة فرضا على الحركة التواجد والتنسيق المشترك في سبيل دعم القضية ومساندة الموقف المصري الرسمي الرافض للتهجير، وهو ما سيلقي بظلاله على الحركة وتواجد أحزابها في ظل وجود قضية رئيسية للجميع تستحق التواجد والتشاور وتمديد الأنشطة والتنسيق الفوري.
ويعتقد المتحدث الإعلامي للحركة أن أولويات المواطن المصري محل اتفاق أحزاب الحركة، رغم التوجهات المختلفة. وهذا يدفعه إلى توقع استمرار الحركة في دورها من أجل فتح المجال العام وتخفيف القبضة على وسائل الإعلام وإيجاد سياسات اقتصادية مغايرة تناسب مطالب الشعب المصري.
الحركة المدنية.. انتهت لثلاث أسباب
في المقابل، يدافع المحامي أحمد فوزي الأمين العام السابق للحزب المصري الديمقراطي، عن الدور المحوري والمهم للحركة المدنية منذ 2011، بعد أن تلقت المعارضة المصرية ضربات موجعة خلال هذه الفترة، حيث كانت الحركة صوت المعارضة والكيان المحافظ عليه. لكن كل هذه الأمور الآن "ماضيًا" وحال انتهى، بحسب رأيه.
ويصرح فوزي، في حديثه لـ"فكر تاني"، بثلاثة أسباب لرأيه في انتهاء دور الحركة المدنية:
- طريقة المصريين في التعامل مع الائتلافات والجبهات: فالأحزاب بحسب الأمين العام السابق للحزب المصري الديمقراطي لا تريد أن تفهم أن لكل ائتلاف أو جبهة بداية ونهاية. وفي التجربة المصرية الجميع يريد تطويل عمر الائتلاف دون داعي، الأمر الذي يضر بنهايته. ويضرب بذلك مثل ما حدث في وقت سابق بحركة "كفاية" التي رفعت شعار لا للتمديد ولا للتوريث، و"جبهة الإنقاذ الوطني" التي كانت الصوت المدني ضد الدولة الدينية، وانتهى دورهما بتحقيق هدف رحيل "مبارك" ثم "الإخوان".
- توابع قضية الأمل: وفق فوزي، فإن "هذه القضية التي أحيلت للمحاكمة وصدر بشأن المحالين فيها عدد من الأحكام، كانت سببًا في التأثير سلبًا على الحركة". وقد دخل فيها بعدها أحزابًا وشخصيات عامة كانوا عبئًا على الحركة، وأصبحوا سببًا في المشاكل لا حلها. كما ظهرت محاولة للسيطرة على نتائج التصويت بمشاركة رموز من الشخصيات العامة، محسوبة على أحزاب بعينها، في التصويت ضمن كوتة الشخصيات العامة في التصويت بالحركة ما أضر بالمخرجات وسير الحركة، على حد قوله.
اقرأ أيضًا: كفاية.. الحركة المدنية
- ظهور اختلافات جذرية: يعدد الأمين العام السابق للحزب المصري الديمقراطي أمثلة لتلك الاختلافات. ومنها: المشاركة في الحوار الوطني، وبلاغ الوزير الأسبق والقيادي الناصري كمال أبو عيطة ضد القيادي بالتيار الحر هشام قاسم، وزيارة المرشح الرئاسي والقيادي الناصري حمدين صباحي إلى سوريا والتطبيع مع بشار الأسد، في مخالفة صريحة للمطالب الديمقراطية التي ترفعها الحركة، وفق فوزي.
وينتقد الأمين العام السابق للحزب المصري الديمقراطي ما وصفه بـ"سيطرة التيار الناصري" على الحركة المدنية الديمقراطية. ويشير إلى أنه مع احترامه الشديد لهذا التيار، ومع ما لديهم من مهارات في التنسيق المشترك مع بعضهم البعض، تحسب لهم، يبقى أنها تضر بالإطار الديمقراطي داخل الحركة، على حد قوله.
ويرى فوزي أن المستقبل متوقف على ظهور جيل جديد من الشباب الحالي في الأحزاب السياسية، من أمثال زياد العليمي، وحسام مؤنس، ليقدم تجربة جديدة مليئة بالتجديد والتغيير، تعرف الفرق بين العمل الجبهوي والعمل الحزبي، وتجدد الخطاب العام وتسعى بوعي لفتح المجال العام ، بعدما أصبحت الحركة المدينة ليست القطار الذي يستطيع فعل ذلك.
الحركة المدنية.. ستستمر
"الحركة مستمرة وقابلة للتوسع والانكماش"؛ يقول إلهامي الميرغني، نائب رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي العضو في الحركة، حاسمًا رأيه في عدم الإيمان بانتهاء الحركة أو توقف دورها. يشدد الميرغني على أن التغييرات الجارية في المشهد العام ستؤدي إلى تفاعل الحركة المدنية الديمقراطية معها دون توقف أو انتهاء لدورها.
ويوضح الميرغني، في حديثه لمنصة "فكر تاني"، أن الحركة تحالف سياسي مفتوح قابل للتوسع والانكماش ويستطيع احتواء الاختلافات، ويضم كل أطياف الحركة الوطنية كالقومية والليبرالية والناصرية والاشتراكية، ويستطيع بفضل نضوج أعضائه بالقدر الكافي أن يعالج آثار الأزمات التي ضربت الحركة كافة، مثل أزمة الخلاف بين "كمال أبو عيطة" و"هشام قاسم"، أو أزمة اختيار المرشح الرئاسي. كما يؤكد أن الإجماع غير وارد في التحالفات والاختلافات موجودة ولكن هناك حرص كبير على استمرار الحركة المدنية.
ويعتبر نائب رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي أن الحديث عن سيطرة الاتجاه الناصري على الحركة المدنية، نوعًا من المبالغات، بحسب تعبيره. ويشير إلى أن الاجتماعات تعقد في حزب المحافظين، وتدار دون سيطرة تيار بعينه عليها سواء ليبرالي أو اشتراكي أو ناصري، فالجميع على قدم المساواة، هناك أحزاب لها قدرها وذات أهلية واحترام.
وينظر الميرغني إلى "الحركة المدنية" باعتبارها علامة مهمة في تاريخ العمل السياسي المصري الحديث، إذ قدمت حراكًا مهمًا على مدى السنوات الماضية، في قضايا الحريات والديمقراطية وحملات الإفراج عن المعتقلين السياسيين، ولكنها -والكلام له- مكبلة بقيود الفترة الحالية على العمل العام السياسي في مصر، وهذا يؤثر على فاعليتها ويحرمها من النزول إلى الشارع.
الحركة بحاجة لإعادة الهيكلة
نظرة أخرى يقدمها علاء الخيام الرئيس السابق لحزب الدستور وأحد القيادات الحالية بالحركة المدنية الديمقراطية، في حديثه لمنصة "فكر تاني".
يرى أنه يجب، في البداية، إعادة الهيكلة العامة للحركة بعد انتخابات الرئاسة، لأنها باتت بعيدة عن دورها المنوط بها وأضاعت "المعارضة المصرية"، وإلا - والكلام للخيام- فالأمل في كيان جديد يحمل برنامجًا محترمًا من خلال صف ثان من قيادات المعارضة، واعتبار ما مضى فترة قامت فيها الحركة بدورها في حدود إمكاناتها والمساحات المتاحة.
ويصف الخيام الانتخابات الرئاسية، بأنها مفصل رئيسي في ضرب الحركة المدنية الديمقراطية، حيث تسببت في انقسام الحركة واحتوائها، على حد تعبيره. ويؤكد أنه منذ البداية كانت الحركة متأخرة في إعلان موقفها من الانتخابات، ثم ترددت في النقاش حولها بعد دخولها الحوار الوطني، حتى ظهر اجتماع الساحل الشهير الذي لم تنجح فيه فكرة المجلس الرئاسي، وأعقب ذلك قرار ترشح رئيس الحزب المصري الديمقراطي فريد زهران، وهو ما أربك الحركة في ظل الحديث المسبق عن المرشحين للرئاسة رئيس حزب الكرامة السابق أحمد طنطاوي ورئيس حزب الدستور جميلة إسماعيل.
ويحدد القيادي البارز في الحركة المدنية الديمقراطية، قرار مشاركة أحزاب من الحركة في تحالف مستقبل وطن الانتخابي البرلماني، بأنه نقطة البداية، في الإضرار ببوصلة الحركة المدنية، وخفض سقفها المعارض، والتأثير السلبي على مواقفها، مشيرا إلى أن ما جرى في الحوار الوطني وقبول الحركة المدنية بسقف منخفض على خلاف بيانها الصادر في 8 مايو الماضي الذي حدد الضمانات المفترضة والجدول الزمني المحدد وكيفية المشاركة، يعد نقطة مركزية أخرى في تفجير الانقسام داخل الحركة.
خيبة أمل تنتظر التصحيح
بدورها، تشعر منى عبد الراضي أمين عام المرأة وعضو الهيئة العليا بالحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، بخيبة أمل شديدة، من عدم حسم الحركة المدنية الديمقراطية لموقفها من الانتخابات الرئاسية ودعم المرشح الرئاسي المدني فريد زهران رغم أهمية ذلك.
وتضيف عبد الراضي، لـ" فكر تاني"، أن الحركة المدنية كانت في فترة أمل الجميع في دولة مدنية ديمقراطية، ولكنها لم تؤد المطلوب منها في هذا الإطار وبدلا من استغلال فرصة الانتخابات الرئاسية في دعم التغيير السلمي الآمن اتجهت إلى الخلافات في وقت غير مبرر.
وتؤكد عضو الحملة الرئاسية للمرشح فريد زهران أنها تتمنى ألا ينتهي دور الحركة بعد الانتخابات الرئاسية، وألا توقف الخلافات مسيرتها المطلوبة، مؤكدة على تمسك حزبها والمرشح الرئاسي فريد زهران بقيمة الحركة وضرورة استمرارها.
وتتوقع عبد الراضي دراسة الحركة المدنية الديمقراطية للموقف ككل بعد انتخابات الرئاسة، من أجل الاستمرار وفق أفق واضح جديد، لكنها كذلك تتوقع على التوازي ظهور تحالفات سياسية جديدة وجبهات جديدة في صفوف المعارضة المصرية.
على جيل السبعينات أن يتنحى
"لابد من تنحي جيل السبعينات عن طريق وقيادة المعارضة"؛ يلخص الكاتب الصحفي والمحلل السياسي محمد حماد، في حديثه لـ"فكر تاني"، رؤيته تجاه الحركة المدنية. ويؤكد أهمية هذا التنحي ليعطي الفرصة لجيل جديد من الشباب، كي يقدموا تجربتهم الجديدة التي تعلمت دروسًا كبيرة منذ ثورة 25 يناير 2011 حتى الآن.
ويضيف "حماد" أنه بغير ذلك فإن المعارضة والحركة المدنية الديمقراطية من فشل إلى فشل، خاصة أن المجال السياسي في مصر غير معلوم الأفق، ما يجعل مستقبل الحركة "مرهون بمستقبل السياسة في مصر"، مؤكدًا أنه إذا كان المجال السياسي في طريقه إلى التغييب والتجميد فالحركة كذلك، ما يحتم التفكير في القادم بعناية عبر جيل جديد من النخبة.
ولا يحب "حماد" وصف الحركة المدنية بالتحالف، لأنها بحسب رأيه "تجميعة" لفرقاء متشاكسين في العمل السياسي لا يجمعهم إلا نبذ السلطة لهم، ولا يتفقون على حد أدنى من التلاقي في الفكر والسياسية والتصورات للمستقبل.
ويضيف الكاتب الصحفي والمحلل السياسي أن أزمة الحركة المدنية أنها غير قابلة للحياة وإلا عينها على السلطة، فإن أعطت للبعض وجهًا حسنًا، وللبعض الآخر وجهًا غاضبًا، انقسمت الحركة، وهو ما ظهر في أزمات عدة منها أزمة الناشر "هشام قاسم".