أثار الحديث الأخير الذي أجراه رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بحضور عدد من أعضاء البرلمان ومسؤولي الحكومة والمتخصصين في السياسة الخارجية، حول مسألة تأمين الوصول إلى البحر الأحمر، مخاوف وتساؤلات عديدة حول نية إثيوبيا وخططها للوصول إلى موانئ البحر الأحمر. قال آبي أحمد "البحر الأحمر ونهر النيل هما ثنائيان يحددان مصير إثيوبيا، وأساس لتنميتها أو تدميرها، وإنه من غير المعقول ألا نناقش موضوع الوصول إلى موانئ البحر الأحمر، بينما تتمتع الدول الأخرى بحقوق مناقشة نهر النيل والأنهار الأخرى العابرة للحدود".
ووفق ما نقلته وكالة الأنباء الإثيوبية، الأحد 15 أكتوبر، استحضر رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد المنظور التاريخي لرأس علولا أبانيجا، المحارب الحبشي في القرن التاسع عشر، الذي اعتبر البحر الأحمر بمثابة "الحدود الطبيعية" لإثيوبيا. وتحدث آبي أحمد عن حقوق تاريخية لبلاده، مؤكدًا أن بلاده لديها حقوق طبيعية في الوصول مباشرة إلى البحر الأحمر، قائلاً: "ليس من الصواب أن نقول هذه المياه "النيل" تهم إثيوبيا وهذه المياه "البحر الأحمر" لا تهم".
اقرأ أيضًا:"لو لم تكن لاخترعناها".. أمريكا تنزع "رداء الأخلاقيات" دومًا لإسرائيل
لماذا تسعي إثيوبيا لامتلاك منفذ بحري؟
تقع إثيوبيا شرق إفريقيا، وأصبحت دولة حبيسه بعد استقلال إريتريا عام ١٩٩٣، ما تسبب في خسارة إثيوبيا لمنفذها المباشر إلى البحر الأحمر. ونظرا لأراضيها غير الساحلية الواسعة، بدأت إثيوبيا بعد ذلك في الاعتماد على ميناء جيبوتي بتكلفة اقتصادية عالية.
وعقب تولي آبي أحمد السلطة في أبريل 2018، شرعت إثيوبيا في تبني "دبلوماسية الموانئ"، كجزء من المشروع الإثيوبي الإقليمي، ما دفع آبي أحمد إلى المسارعة لتوقيع سلسلة من الاتفاقات مع بعض دول الجوار مثل جيبوتي والصومال وكينيا والسودان إلى جانب أرض الصومال بشأن استخدام الموانئ البحرية وهو ما تزامن مع عودة العلاقات الاستراتيجية مع إريتريا عقب توقيع اتفاق السلام بينهما في عام 2018. وعزز تلك المساعي الإثيوبية أيضًا إعلان آبي أحمد في عام 2019 نية بلاده إعادة تأسيس القوة البحرية الإثيوبية بمساعدة فرنسية أملًا في امتلاك قاعدة بحرية إثيوبية بالقرب من مضيق باب المندب بحجة تعزيز التجارة الإثيوبية مع العالم الخارجي.
ومن أجل الوصول للبحر، تعاونت إثيوبيا مع دول الجوار الإقليمي من خلال بناء الممرات والطرق البرية التي تربط بينهما مثل خط السكك الحديدية الواصل بين أديس أبابا وميناء جيبوتي بطول 750 كيلومتر بتمويل من الحكومة الصينية.
كما وقعت إثيوبيا اتفاقًا مع الصومال في يونيو 2018 يتضمن الاستثمار الإثيوبي في أربع موانئ بحرية من أبرزها ميناء جرعد وهوبيو بهدف جذب الاستثمارات الأجنبية. كما أبرمت اتفاقًا مع جيبوتي في عام 2018 -في أول زيارة خارجية لآبي أحمد عقب توليه السلطة- لشراء حصة من ميناء جيبوتي وذلك في مقابل استحواذ الحكومة الجيبوتية على حصص من بعض الشركات الإثيوبية مثل شركة إثيوتيلكوم وشركة الكهرباء الإثيوبية وشركة الخطوط الجوية الإثيوبية، وهو أمر مرتبط بما كشفت عنه صحيفة كابيتال الإثيوبية في ديسمبر 2019 بشأن تفاهمات مبدئية لتأسيس قاعدة بحرية إثيوبية في جيبوتي خلال زيارة آبي أحمد لها في أكتوبر 2019.
يُضاف إلى ذلك، توقيع الجانب الإثيوبي اتفاق آخر مع السودان في مايو 2018 للوصول إلى ميناء بورتسودان على البحر الأحمر، وهو يخدم بشكل أساسي منطقة الشمال الإثيوبي في تجارتها مع الشرق الأوسط وأوروبا وآسيا. كما أبرمت أديس أبابا اتفاقًا مع كينيا في مايو 2018 يهدف إلى تسهيل حصول إثيوبيا على أراضي في جزيرة لامو كجزء من مشروع لابسيت بتكلفة 24 مليار دولار- يربط إثيوبيا مع كينيا وجنوب السودان.
أيضًا، أعلنت هيئة موانئ دبي العالمية في مايو 2018 توقيع اتفاق يمكن إثيوبيا من الاستحواذ على حصة نسبتها 19% من ميناء بربرة بإقليم أرض الصومال، في حين تمتلك موانئ دبي حصة نسبتها 51%، وحكومة أرض الصومال بنسبة 31%. كما وقعت إثيوبيا مع موانئ دبي مذكرة تفاهم في مايو 2021 لتطوير الطريق البري الرابط بين أديس أبابا وميناء بربرة بأرض الصومال ليصبح أحد ممرات التجارة الدولية بهدف تعزيز المصالح الاقتصادية الإثيوبية في المنطقة، خاصة أن موانئ دبي أعلنت أنها تستهدف تحقيق استثمارات بقيمة مليار دولار على طول الممر من خلال تدشين بعض المشروعات مثل الموانئ الجافة والصوامع وأحواض الحاويات.
الحكومة الصومالية، في خطوة مغايرة للطموح الإثيوبي، أعلنت في يونيو 2022 فقد الحكومة الإثيوبية لحصتها في ميناء بربرة بسبب عدم استيفاء الشروط المطلوبة لإتمام الصفقة قبل موعدها النهائي. فقد كان من المفترض أن تقوم أديس أبابا بتطوير طريق بري بطول 260 كيلومتر يصل بين بربرة والحدود الإثيوبية.
إعلان "حرب"
فسر- لاندبندنت عربية- المتخصص بشؤون القرن الأفريقي، عبد الرحمن سيد، حديث رئيس الوزراء الإثيوبي. قائلًا "تصريحات آبي أحمد تعد نوعاً من إعلان حرب مغلفة بلغة الدبلوماسية والسياسة"، موضحاً أن ذلك عائد لأسباب عدة، أهمها، أنه تحدث عن "أحقية إثيوبيا في امتلاك منفذ على البحر" وليس "استخدام منفذ بحري"، والفرق بين الاثنين أنه في الحالة الأولى يريد اقتطاع ميناء من سيادة دولة مجاورة مطلة على البحر، وضمها إلى السيادة الإثيوبية بكل السبل بما في ذلك استخدام القوة العسكرية"، في حين تخضع الحالة الثانية لعقد اتفاقيات مشتركة للاستفادة من الموانئ المجاورة، وهذا ما ظل قائماً منذ استقلال إريتريا عام 1993، إذ تم توقيع اتفاقيات مع إريتريا ظلت سارية حتى عام 1998، قبل أن توقف أديس أبابا التعامل مع الموانئ الإريترية نتيجة اندلاع الحرب الحدودية، إذ وقعت اتفاقيات بديلة مع دولة جيبوتي لا تزال سارية حتى الآن.
ردود الفعل
عرض آبي أحمد خيارات التعاون مع دول الجوار في مقابل حصول بلاده على موانئ بالبحر الأحمر، وقال "يمكننا أن نتحدث في امتلاك هذه الدول حصص ونسبا في سد النهضة أحد أكبر السدود في العالم، أو حصة مشابهة في الخطوط الإثيوبية أفضل خطوط طيران والأكبر في إفريقيا أو حصة في شركة الاتصالات الإثيوبية التي تمتلك أكثر من 70 مليون مشترك".
في أول رد لها على تصريحات آبي أحمد، أعلنت الحكومة الإريترية أول أمس الإثنين، عن رفضها لما وصفته بأنها خطابات فعلية ومفترضة حول المياه والوصول إلى البحر الأحمر والموضوعات ذات الصلة التي طرحت في الآونة الأخيرة مشيرة إلى أنها مفرطة بالفعل وقد أثارت حيرة جميع المراقبين المعنيين، وفق بيان لوزارة الإعلام الإريترية. وحسبما نقلت التقارير على الشبكة.
وأوضحت الحكومة الإريترية أنها تؤكد مرارا وتكرارا أنها لن تنجر، كما كانت دائمًا، إلى مثل هذه المنابر مشيرة إلى إنها تحث كذلك كافة الأطراف المعنية على عدم الاستفزاز بهذه الأحداث.
ونقلا عن اندبندنت عربية، ردت إريتريا على "الخطاب المطول" الذي استمر حوالى 46 دقيقة، ببيان مقتضب لا يتعدى أربعة أسطر، وذلك من دون ذكر اسم آبي أحمد ولا منصبه، واصفة الخطاب بأحاديث "القيل والقال حول المياه والمنافذ البحرية". ونصح البيان الإريتري المتابعين بعدم الانجرار لتلك "الأقاويل"، وزاد على ذلك بالقول "إن الحكومة الإريترية لا تعير تلك الدعوات والموائد أهمية تذكر".
وبث التلفزيون الإريتري برامج وثائقية تتناول صراع القوى الدولية تاريخيًا حول حوض البحر الأحمر، في إشارة إلى مآل كل تلك المحاولات الدولية، التي أفضت إلى احتفاظ إريتريا بكامل شواطئها، بخاصة تلك المتعلقة بـ"الثورة المسلحة" التي استمرت لثلاثة عقود في الفترة من 1961 وحتى 1991.
أما عن الجانب الصومالي، قوبلت تصريحات آبي أحمد بالرفض من جانب الصومال، وأكد وزير الدولة الصومالي للشئون الخارجية علي عمر:" في حين أن الصومال ملزمة بتعزيز السلام والأمن والتجارة والتكامل، إلا أنها غير ملزمة بتوفير الوصول إلى أصول استراتيجية مثل الميناء"، وهو ما يعني أن الصومال ترى أن الوصول إلى توافق مع إثيوبيا في هذا الشأن سوف يؤثر على السلامة الإقليمية للدولة في وقت تواجه فيه أزمات داخلية لا تبدو هينة نتيجة تصاعد حدة الصراع مع حركة "شباب المجاهدين" الإرهابية.
كما حذر عبد الرحمن عبد الشكور ورسمي، البرلماني والمبعوث الخاص للرئيس، المكلف بالشؤون الإنسانية، من طمع إثيوبيا في البحر الصومالي وسعيها للحصول على ميناء بالقوة أو بالحيلة.
وحث ورسمي في بيان مقتضب أصدره، الشعب والقيادة الصومالية إلى اليقظة، كما دعا الحكومة الفيدرالية إلى مراقبة الأطماع الإثيوبية ورغبتها في الوصول إلى البحر الصومالي. وقال مبعوث الرئيس: "لا يمكن الاستهانة بالرسائل المتتالية من قيادة الحكومة الإثيوبية، بشأن حق بلادها في الوصول إلى البحر الأحمر".
ونشرت وكالة "بلومبورج" الأمريكية تقريرًا، في 13 أكتوبر الجاري، كشفت فيه أن الصومال لم تتجاوب مع طلب إثيوبيا الانخراط في مفاوضات من أجل منحها حق الوصول إلى ميناء على البحر الأحمر.
كما انضمت جيبوتي إلى إريتريا في رفض أطماع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد لمنح بلاده إمكانية الوصول المباشر إلى ميناء على البحر الأحمر، وهو أحد أكثر طرق الشحن ازدحاما في العالم. بحسب وكالة بلومبرج.
وقال ألكسيس محمد، أحد كبار مستشاري الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيله: "لقد حافظ بلدانا دائمًا على علاقات ودية قوية". وأضاف: "لكن يجب أن تعلموا أيضًا أن جيبوتي دولة ذات سيادة، وبالتالي فإن سلامة أراضينا ليست موضع شك، لا اليوم ولا غدًا".