"تجربتي" مع الفحص الطبي الشامل للنساء 

اعتدنا نحن النساء التعرض للاستهانة بآلامنا، واتهامنا بالهستيريا فيما يتعلق بما نشعر نفسيًا وجسديًا. يحدث هذا من الجميع، ولا يستثنى حتى الأطباء الذين تمارس نسبة لا يستهان بها منهم عنفًا ضدنا؛ يتجلى في مراحل الكشف وتشخيص المرض. 

لهذا، فإن هذه التجربة جديرة بالإشارة إذا ما كنا بصدد الحديث عن تجربة طبية مختلفة، تعي أن احتياجات النساء مختلفة، والعناية الصحية بهن أمر ضروري.

استمرت آلامي المصاحبة للدورة الشهرية سنوات. كنت أتعاطى مع الآلام بما لدي من مخزون خاطئ من معلومات متوارثة، ترى الأمر طبيعيًا تتعرض له كل النساء. 

استمر هذا حتى صادفت مقطع فيديو لفتاة تتحدث عن بعض آلام الدورة الشهرية، وتصر على كونها غير طبيعية، تستدعي الفحص الطبي. 

قبل هذا الفيديو ذهبت إلى أربع أطباء من بينهم طبيبة، جميعهم أقروا أنني "بتدلع". لم يكن ما استخفوا به "دلعًا". كنتُ أعاني بالفعل.

زادت آلام الدورة الشهرية لدي، وأصبحت متزامنة مع آلام بالثدي لا تحتمل، وقد رافقهما سيل من الكوابيس والأوهام والخوف. 

في مصر تصل نسبة الإصابة بسرطان الثدي إلى 29% لـ عام 2022، طبقًا لإحصائيات وزارة الصحة والسكان. لذا، لابد من القيام بخطوتي القادمة الأثقل على قلبي؛الفحص الطبي في المستشفى.

اقرأ أيضًا: التحقيق الفائز بمنحة الصحافة النسوية: كشف جبري.. عنف الولادة يمر من دون حساب

العنف الطبي ضد النساء

خوض رحلة المستشفى في مصر مرعبة، خاصة بالنسبة لنا نحن النساء. هذا إذا ما وضعنا في اعتبارنا بعض الدراسات والإحصائيات التي تشير إلى العنف الممارس طبيًا بحقنا.

ويكفي على سبيل المثال هنا الإشارة إلى تصريحات الدكتور حسام عبد الغفار المتحدث الرسمي لوزارة الصحة، الذي أعلن -في تصريحات أدلى بها مارس الماضي- عن نتائج أخر إحصاء سكاني صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أكد أن متوسط الولادات القيصرية في مصر عام 2021 بلغ 72% متصدرة المرتبة الأولى عالميًا، الأمر الذي يشير إلى استسهال مقدمي الخدمة الطبية هذا النوع من التدخل الجراحي توفيرًا للوقت وطلبًا لمزيد من المال، حتى ولو على حساب صحة متلقية الخدمة.

اقرأ أيضًا: في مصر أجساد النساء "تحت الوصاية"

يبدأ الرعب مع ما تتسم به أماكن الفحص وتقديم الخدمة الطبية من اختلالات في الحفاظ على خصوصية المريض، مرورًا بالاستهتار بشكواه، وصولًا إلى غياب الرقابة والمنظومة الجيدة التي تمنع الانتهاكات اللفظية والجسدية داخل أماكن تلقي الرعاية، والتي انتشرت الشهادات والبلاغات ضدها في السنوات الأخيرة، بما يشمل مستشفيات عامة وخاصة وعيادات طبية. هذا فضلًا عن التحيز والتمييز ضد النساء في أماكن تلقي الرعاية.

وفقًا لدراسة أجراها المعهد الوطني للصحة، فإن النساء يتعين عليهن الانتظار لوقت أطول من الرجال في المستشفى. ويتراوح فارق الانتظار بين النساء والرجال من 13% إلى 25%، حيث ينتظر الرجال عادةً 49 دقيقة قبل أن يتم علاجهم من آلام البطن، في وقت تنتظر النساء 65 دقيقة للأعراض نفسها.

 بالإضافة إلى ذلك، فإن هناك ميل جمعي إلى عدم تصديق شكوى النساء من آلامهن.

 وفي عام 2008، نشرت المجلة الأكاديمية الخاصة بطب الطوارئ دراسة أفادت بأن النساء المصابات بأمراض ضمن فئة الأمراض النسائية يكن أكثر عرضة للتشخيص الخاطئ بأمراض ترتبط بالجهاز الهضمي.

 كما يصيب مرض بطانة الرحم واحدة من كل 10 نساء، إلا أنه يستغرق من سبع إلى ثماني سنوات للتشخيص، لذلك أوصى المعهد الوطني للصحة والرعاية في بريطانيا بالإصغاء لشكاوى النساء لتسريع التشخيص.

داخل مركز صحة المرأة

قررت أخيرًأ بعد قلق وبحث القيام برحلتي للفحص الطبي بمركز صحة المرأة في معهد ناصر الذي لا يعرفه الكثيرون -رغم أهميته.

اتصلت هاتفيًا بالمركز وحجزت موعدًا للفحص الطبي الشامل، بعد التأكيد على ألا أكون حامل أو حديثة الولادة. 

أبلغني المركز بضرورة الصيام 12 ساعة قبل الذهاب للفحص؛ لأن هناك تحاليل عدة. سُمح لي بشرب الماء فقط.

بمجرد وصولي إلى المعهد، قابلت عدداً من العاملين بمبنى مركز صحة المرأة المتواجد داخل المعهد بشكل خاص. صعدت الدرج بينما كنت أستمع إلى نبضات قلبي من الخوف؛ فالفحص الشامل للنساء وصحتهن ليست في ثقافتنا.

استقبلتني موظفة بابتسامة هادئة، وطلبت مني ملء استمارة بيانات، ودفع الرسوم ( 1900 جنيه) -وهو مبلغ مدعوم كما أُبلغت- مع صورة بطاقة إثبات الهوية. 

لاحظت الموظفة توتري، فحاولت تهدئتي بالتأكيد على سهولة الإجراءات وأنه لا داعي للقلق. 

طبيًا، يجب أن أخضع لهذا الفحص كل 6 أشهر تقريبًا.

بعد فترة انتظار، اصطحبتني موظفة أخرى إلى غرفة مكيفة نظيفة بها سرير وحمام خاص وبعض الأثاث، أحمل مفتاحها للانتظار فيها بعيدًا عن الزحام ولحفظ أمتعتي. 

لعبت هذه الغرفة دورًا كبيرًا في تهدئتي.

بعد برهة، طلبت مني إحدى العاملات تغيير ملابسي وارتداء اللباس الخاص بالفحص، ثم بدأت رحلة الفحص بعينة تحليل البول، الذي أعقبه إجراء تحليل صورة دم كاملة (صائم).

وصلت إلى الفحص الأخير، وهو ما كنت أخشاه، فحص أشعة الماموجرام على الثدي، المخصص للكشف عن الأورام بشكل عام، ومنها سرطان الثدي. 

لم يستغرق الأمر أكثر من ربع ساعة، ثم عدت إلى غرفتي، حيث أحضروا لي وجبة الإفطار، وتركوني لأستريح. 

بعد نصف ساعة تقريبًا، عدت لاستكمال الخطوات بفحص باطنة عام، وتحاليل عامة (سكر صائم وفاطر، وظائف كلى، وظائف كبد، وفيروس سي، وكوليسترول، ودهنيات الدم، وحمض البوليك، وصورة دم، وسرعة ترسيب).

انتظرت قليلًا حتى دخلت غرفة رسم القلب، ومنها إلى غرفة فحص النساء، ومن ثم موجات صوتية على الرحم، ثم غرفة كثافة العظام لقياس نسبة الكالسيوم. 

لم أكن أعلم أن هناك فحص كهذا. 

تكلفة هذا الفحص خارج المركز تعادل في كثير من الأماكن قيمة الفحص الشامل التي دفعتها في بداية الفحص، وربما تزيد في أماكن أخرى. 

ذهبت إلى غرفة فحص النساء مرة أخرى للفحص المبكر لسرطان عنق الرحم، والذي لا تعي كثير من النساء أهميته.

بحسب منظمة الصحة العالمية يُعد سرطان عنق الرحم السرطان الرابع شيوعًا بين النساء في العالم. وقدّرت حالاته الجديدة عام 2020 بنحو 000 604 حالة ووفياته بنحو 000 342.

بعدما يقرب من 6 ساعات، استلمت نتائج التحاليل والفحوصات من قبل الطبيب العام والذي جلس معي ليطلعني على النتائج، وما يجب علي اتباعه. 

تظهر نتيجة فحص سرطان الثدي في اليوم ذاته، بينما نتيجة فحص سرطان عنق الرحم تظهر بعد 10 أيام من تاريخ الفحص ويتم إرسالها عبر "واتساب"، مع التشخيص الخاص بها. 

أجابتني هذه الرحلة عن أسباب آلامي، وأيقنت أنني لستُ مصابة بهستيريا النساء.

مركز صحة المرأة هو أحد المراكز المتخصصة المدعومة في خدماتها لتقديم الرعاية الطبية للنساء في مصر والكشف المبكر عن الأورام مجانًا، ضمن مبادرة دعم صحة المرأة التي تم إطلاقها عام 2019.

وبحسب وزارة الصحة، فإن المبادرة نجحت في فحص وتقديم التوعية الصحية لـ 28 مليونًا و962 ألفًا و454 سيدة، بداية من سن 18 عامًا، منذ إطلاقها وإلى الآن. ذلك من خلال 3538 وحدة صحية على مستوى محافظات الجمهورية، بالإضافة إلى 102 مستشفى، للحالات التي تحتاج إجراء فحص متقدم. وتخصيص خط ساخن لتلقي الاستفسارات على الرقم 15335.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة