التابوه المحرم.. الثقافة الجنسية والسوشيال في مواجهة العيب

“أن تكوني أنثى في مصر فهذا يعني أن كل ما تعرفيه عن الجنس هو الختان والتحرش”. جريمتان هما كل ما تعنيه كلمة الجنس في ذهن “ج”، المرأة التي أكملت عامها الثلاثين قبل أشهر، حمتها ديانتها المسيحية من الجريمة الأولى، لكنها لم تنج من الثانية، وكذلك لم تنج بأي ثقافة ترشدها الطريق في حياتها الجنسية قبل عالم منصات الثقافة الجنسية التي انتشرت مؤخرًا عبر وسائل السوشيال ميديا. 

تقول “ج” التي التقتها منصة “فكر تاني”: “الحديث في بلدي عن الجنس محرم وعيب في كل الأديان.. أنا لا أعرف عن جسدي سوى أني ممتلئة القوام، وأن هذا يثير شهية الرجال نحوي. لكن لا أعرف على وجه الدقة ماذا يثيرني أنا في الرجال، أو كيف أصل إلى نقطة الإثارة في حياتي الجنسية.. لا أعرف كيف أتعامل مع التغير الذي ينتابني أثناء وقبل دورتي الشهرية.. كل هذه الأشياء والأمور المرتبطة بالحق في الإجهاض أو ماهية الأمراض المنقولة جنسيًا، وموانع الحمل النسائية وأثرها على الهرمونات، لم أكن لأعرف عنها شيئًا لولا المنصات التثقيفية”. تقول “ج” التي التقتها منصة “فكر تاني”: “الحديث في بلدي عن الجنس محرم وعيب في كل الأديان.. أنا لا أعرف عن جسدي سوى أني ممتلئة القوام، وأن هذا يثير شهية الرجال نحوي. لكن لا أعرف على وجه الدقة ماذا يثيرني أنا في الرجال، أو كيف أصل إلى نقطة الإثارة في حياتي الجنسية.. لا أعرف كيف أتعامل مع التغير الذي ينتابني أثناء وقبل دورتي الشهرية.. كل هذه الأشياء والأمور المرتبطة بالحق في الإجهاض أو ماهية الأمراض المنقولة جنسيًا، وموانع الحمل النسائية وأثرها على الهرمونات، لم أكن لأعرف عنها شيئًا لولا المنصات التثقيفية”. 

السوشيال ميديا وكسر التابوه المحرم

الجنس عربيًا هو ثاني التابوهات المحرمة في العوالم المفتوحة أدبيًا وثقافيًا، بعد الدين وقبل السياسة، غالبًا ما كان يأخذ الحديث عنه شكلًا من السرية، حتى انفتحت على مناقشته الفضائيات العربية قبل سنوات، ولكن بما يخدم إثارة الجدل التي تضمن مزيدًا من المشاهدات، فكان النقاش الأكبر حول موضوعات مثل المثلية، وقوامة الذكر الجنسية، والاستمناء وتحريم العادة السرية، والحلال والحرام في العلاقة الحميمية. 

لم يتطرق أحد لكثير من التفاصيل التي تخص العلاقة ذاتها، ما قبلها وما بعدها، الطرق والأساليب وكيفية الاستمتاع، المعلومات المرتبطة بالجنس والأمراض الجنسية، وكيف نتعامل مع أجسادنا وكيف نعرف مفاتيح الإثارة لدينا.

اقرأ أيضًا: الهوية الجندرية من منظور عربي

غاب الأمر عن الوعي العربي تمامًا لحساب العرف، حتى بدأت فكرة “الجنس ثقافة” في الظهور عبر مجموعات مغلقة؛ أولًا عبر فيسبوك، ثم بشكل أكثر اتساعًا وانتشارًا مع ظهور المنصات الجديدة والمتنوعة؛ تيك توك وإنستجرام وغيرهما. 

تتابع “ج” حاليًا الكثير من هذه المنصات المتخصصة؛ تُفضل برنامج “حكي صريح” لـ ساندرين عطالله، والمنصة المصرية “motherbeing” -يتابعها أكثر من نصف مليون عبر “إنستجرام”- والمتخصصة في الاستشارات النفسية والجسدية المرتبطة بالجنس. 

تقول: “اطلعت عبر برنامج (دليل الرغبة)، على الكثير من المعلومات حول كيفية اكتشاف الجسد ومناطق الإثارة.. أدركت كم كان لدي من معلومات مغلوطة حول حياتي الزوجية والممارسة الجنسية، ولماذا تشعر بعض صديقاتي بفتور رغبتهن الجنسية تجاه أزواجهن بعد فترة من الزواج”. 

النساء أكثر اهتمامًا بالثقافة الجنسية

في تقرير نشرته وكالة الصحافة الفرنسية عن منصات التثقيف الجنسي العربية، تقول هبة فيشر مسؤولة شبكة “كريننج كلتشرز”، التي تدير عددًا من منصات البودكاست من الإمارات العربية المتحدة، إن ثمة شهية متزايدة لمحتوى مماثل والحديث عن جوانب صحتنا الجسدية والعقلية. 

وتشير “فيشر” إلى بودكاست “جسدي”، الذي أنتجته شبكة كريننج كلتشرز في 2019، واختارته شبكة “آبل” كواحد من أهم البودكاست المسموعة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. 

يلقى هذا البودكاست رواجًا متزايدًا في مصر والسعودية والإمارات، وتشكل النساء أكثر من 70% من إجمالي مستمعيه، وفق “فيشر”. 

اقرأ أيضًا: حكايات من دفتر الاعتداء الجنسي.. ماذا شعرن وقتها؟

في الأردن وعلى غرار بودكاست “جسدي”، تنتج شركة “صوت” ومقرها المملكة الهاشمية، بودكاست “عيب”، أما في لبنان، فتقود الطبيبة ساندرين عطالله منصة “حكي صريح” للتثقيف الجنسي، بغرض التعلم فقط حول الجنس. 

تقول “ساندرين”: “رغم أن لبنان بلد مفتوح على الثقافات الأجنبية، لا تزال الثقافة الجنسية وما أقدمه حولها يواجه اللوم والتنمروالرفض المجتمعي، حتى مع كونه محتوى علميًا بالأساس، خال من أي إسفاف”. 

حصدت حلقات “حكي صريح” لـ ساندرين عطالله ملايين المشاهدات، ويتابع صفحتها عبر “إنستجرام” ملايين المتابعين: “عندما تستمع للبودكاست الخاص بي.. أنت تتعلم فقط” 

“لم نكن نريد لهذا الزواج أن ينتهي”

في مصر، لا تزال برامج الدكتورة هبة قطب مسيطرة على عالم الثقافة الجنسية المسموعة والمرئية، ولا يزال أثرها ظاهرًا على العديد من الشباب الذين ورثوا عقدة الحلال والحرام في علاقاتهم بأجسادهم. 

“لسنوات كنت ألوم نفسي في كل مرة تتبادر إلى ذهني فكرة جنسية، وفي ليلة زفافي لم أكن أعرف كيف أتعامل مع زوجتي. فشلت كل محاولات ليلتنا الأولى”. يروي “ش. ع” المحاسب الثلاثيني عن انعدام الوعي الجنسي لديه، وكيف كان حلمًا أن يلمس يد خطيبته أو يختطف منها بعض القبلات. 

ورث “ش” هذه الثقافة حتى تزوج وعلم أنه لا يُدرك ما عليه فعله، وأن الأزمة أكبر من “الفيشة والبريزة” التي يحول أصدقاؤه بها أي حديث عن الثقافة إلى “نكتة جنسية”.

لم يعرف “ش” كيف يتعامل مع جسده وتفضيلاته، فضلًا عن جسد زوجته. يقول: “العُرف السائد في مجتمعنا: لما تتجوز هتعرف تعمل ايه، بينما فعليًا تجربتنا في الجنس أنا وزوجتي لم تبدأ إلا بعد حوالي ثلاث سنوات، بعد أن أنجبت طفلنا الأول. حينها شعرنا بالراحة من ضغط الإنجاب وسنواته الأولى، وبدأنا في اكتشاف جسدينا واطلعنا على منصات علمية لتساعدنا.. لم نكن نريد لهذا الزواج أن ينتهي”. 

وفقًا لآخر إحصاء صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2021، بلغت حالات الطلاق على مستوى الجمهورية 254,777 حالة طلاق، بارتفاع نسبته 14.7% مقارنة بالعام الذي سبقه، والذي شهد تسجيل 222,039 حالة طلاق.

وبينما يرجع الخبراء ارتفاع نسبة الطلاق في مصر إلى عوامل عدة من بينها عدم الاتفاق الجنسي وغياب التأني في اختيار شريك الحياة، ما يدفع الزوجين إلى إنهاء العلاقة خاصة في السنة الأولى من الزواج، والتي ترتفع فيها نسبة الطلاق لأكثر من 65%.

الثقافة الجنسية “علم” 

اقرأ أيضًا: “أصحاب ولا أعز” لماذا تثير دعوة عشاء بين أصدقاء كل هذا الجدل؟

لا زلت أذكر فترة دراستي الثانوية، وكيف لم يشرح لنا مدرس العلوم في فصل الأحياء عن التناسل بين الذكر والأنثى في الإنسان.. من وقتها، عرفت أن كل ما يتعلق بتلك العملية يجب ألا يعرفه أحد”؛ يقول محمد فهمي “اسم مستعار” عن تجاربه الأولى في الثقافة الجنسية. 

كل ما عرفه “محمد” عن الجنس كان من نسج خياله، وهو غامض ومظلم، يمثله نور غرفة والديه المطفأ حين عودة الوالد إلى المنزل، والباب المغلق بالمفتاح، والهمهمات. الدرس الذي رفض المدرس شرحه، ثم لاحقًا لعبة “قياس القضيب”، التي ابتدعها أصدقاؤه ووصموه بعدها بالأصغر لأنه رفضها، رغم أنه كان الأكثر حياءً.

تغيرت نظرة “محمد” عن الجنس، بعد دراسته الصحافة، واطلاعه على ثقافات متنوعة. وأصبح شغوفًا بمعرفة كل شيء عن الجنس، لا يتطلع فقط لإرضاء شغفه الذكوري، لكنه يرغب في معرفة حقيقية ترضي الأنثى في حياته. كانت القراءة في المصادر الأجنبية هي المعين الأول لتلبية رغبته في الاكتشاف، في الوقت الذي كان يكتفي فيه زملاؤه بالحديث عن الأفلام الإباحية.

ذات يوم شارك منشورًا مع صديقته من صفحة الطبيبة ساندرين عطاالله وبرنامجها “حكي صريح” عن “نظرة أخرى عن القضيب.. اروي حكايتك عنه”. حكى “محمد” وقتها لصديقته المقربة عن تلك الواقعة، وشارك معها للمرة الأولى رغبته في أن يكتشف نفسه معها. يقول في حديثه لمنصة “فكر تاني”: “لم أفكر في أنني أمارس الجنس، لكن كل ما كنت أفكر فيه هو أن نستمتع أنا وهي بما لدينا وقد كان”.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة