قدمت سعاد حسني وحسن يوسف عام 1968 فيلم من إخراج وتأليف صلاح كريم، عرض فيه وجهة نظر الكاتب عن الزواج الحديث الذي يكسر أنماط مجتمعية حول مفهوم الاستقرار الأسري وطريقة بناء بيت، وأيضًا حول طريقة اختيار الشريك، هذا الطرح السابق لعصره جاء مجددًا في مسلسل سابع جار من خلال قصة "علي وهالة"، حيث كانت هالة فتاة في منتصف الثلاثينات تخاف مصطلح العنوسة الذي يفرضه المجتمع وكذلك تشعر بالوصم بسبب ماضي والدها، لذلك تعزف عن الزواج رغم مخاوفها إلا أن رغبتها في الإنجاب تدفعها لطلب الزواج من زميلها في العمل بهدف ذلك فقط، ثم يقعان في الحب و ينجحان في إتمام الزواج على الطريقة الحديثة.
يعيش هذا الجيل مخاوف تجاه الزواج بسبب زيادة حالات الطلاق بين معارفهم، والتي قد تكون نهاية لقصص حب كانت يوما مشتعلة ومليئة بالحماس والأحلام غير التقليدية، وكذلك مخاوف من المسئوليات المادية والاجتماعية التي قد تعيقهم عن الاستمتاع بحياتهم خاصة في ظل الظروف الاقتصادية المتردية الحالية في مصر، هذه المخاوف أخذت شكل حديث في تسميتها كـ الخوف من الالتزام FEAR OF COMMITMENT و Gamophobia أو رهاب الزواج — أو الخوف من الزواج —وهو ما يمكن أن يمنعك من الاستمتاع بعلاقات ذات معنى. وقد يكون سبب المرور بانفصال مؤلم أو طلاق أو هجر خلال مرحلة الطفولة أو البلوغ فتخشى الالتزام بشخص محدد حتى وإن كنت تحبه.
هذه الظاهرة المنتشرة في الجيل الحالي جعلت من قصة هالة وعلي حلم جميل يتردد وسط بوستات الفيس بوك عن تأثير تفاصيل هذه العلاقة عليهم، من حيث الشعور بالراحة والاستقلالية والحصول على الاحتياجات دون ملل أو رتابة وكذلك دون التزام مميت يقتل العلاقة ويفشلها، وهو ما يطرح علينا سؤالًا هامًا حول أسباب فشل منظومة الزواج التقليدية الآن؟
رأيت بعض الإجابات على موقع QOURA جاءت ردا على سؤال "هل الزواج التقليدي ينتهي من العالم؟"، كانت مختلفة والبعض تكلم فيها عن المسؤوليات التي أصبحت تتزايد كلما انفتح العالم وتطورت رغبات الإنسان بسبب التكنولوجيا ومتابعة الأخبار والسوشيال ميديا، فأصبح الزواج عملية مكلفة وصعبة تضع الإنسان في مواجهة تحديات لن تكون موجودة أبدا إذا لم يتزوج، البعض أيضًا تطرق إلى ازدياد وتيرة العنف بين الأزواج وخاصة من الرجال ضد النساء وارتفاع وعي النساء بحقوقهن مما يدفعهن للطلاق سريعًا وقبل مرور عقد أو عقدين على زواجها لتجد نفسها قد خسرت حياتها في علاقة مسيئة.
كانت هناك إجابات أخرى حول التطلعات الزائفة حول الجنس بسبب ثقافة الأفلام الإباحية مما يشعر الطرفين بالإحباط من ممارسة "الجنس العادي" كما ذكر أحدهم، وكذلك أجابت إحدى السيدات بأنه: نعم الزواج مكلف للطرفين ولكن ما تدفعه النساء من جسدها وحياتها بلا عائد حقيقي ولا سبيل للتخلف عن هذا الدور لأنه مدمج في طبيعتنا البيولوجية، وهو ما قد يدفع بعض النساء للهروب من الزواج.
كل ذلك قد يفسر بعض من مخاوفنا تجاه الزواج التقليدي، وقد يبرر إعجاب بعض الشباب بقصة هالة وعلي وبفيلم الزواج على الطريقة الحديثة، حيث نجحت نهى وأحمد بطلا الفيلم في إقناع عائلاتهما بأن الزواج أصبح عملية مكلفة جدًا وبأن الحل هو أن يعيش كل منهما في بيت أسرته ويستضيف الآخر يوم أو يومين أسبوعيًا مما يوفر تكاليف تأسيس عش زوجية وقد يحميهما من الشعور بالملل والروتين، لكن لم يحك الفيلم أيضًا عن حلول لمشكلات قد تظهر فيما بعد مثل انتهاك الخصوصية وتدخلات الأهل وغيره.
لكن عالجت قصة هالة وعلي بعض من هذه المشكلات ويعود ذلك لأن بطلا القصة هذه المرة شخصان مستقلان تمامًا عن أهلهما، ناضجان بما يكفي، كما أن هالة تمتلك شقة وعلي يستطيع أن يستأجر شقة بمفرده ويتبادلان الزيارات أو ينظمان حياتهما كما يشاءان.
عند النظر على ما قدمته هذه القصة وما عالجته من مشكلات كالروتين القاتل والأعباء المادية والاجتماعية، وواقعية التوقعات التي حظى بها الطرفان، نجد أن المشكلة الحقيقية في منظومة الزواج هي شكلها وليس الزواج نفسه، وما فرضه المجتمع كشكل محدد للزواج الناجح والمستقر، والتنميط الاجتماعي للأدوار وهو ما يحصر المرأة في دور قد يجعلها تخسر أشياء لا تعوض كحياتها ومستقبلها المهني، وكذلك الرجل وحصره في دور اقتصادي يجعله يدور في الساقية وينسى سعادته.
لا يمكننا حسم الأمر بأن الزواج على طريقة هالة وعلي أو على الطريقة الحديثة هو الحل، لكن على الأقل ما نحتاج لمعالجته في النظام الحالي تمت الإشارة له من خلال هذه القصة وقد يعالج بعض مخاوفنا ونتعرف من خلالها على نوع جديد من الزواج أو الاستقرار.