جنين حاضنة المقاومة وشعلتها التي لا تنطفئ

لطالما كانت جنين نواة المقاومة الفلسطينية فهي مدينة ولادة لأجيال وأجيال من المقاومة، فخلف كل جيل تولد جنين من هم أعتى واشرس، لا تهنأ قوات الاحتلال بالعيش بوجودهم بداية من معارك الشيخ عز الدين القسام الذي اعتصم بمدينة جنين واندلعت من خلاله الثورة الكبري عام ١٩٣٦، إلى الانتفاضة الثانية عام٢٠٠٢ التي مثلت نقطة تحول للمقاومة والصمود في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وتتوالى بطولات جنين وتتوارث وتتنامى في أذهان الاحتلال الاسرائيلي قبل أذهان الشعب الفلسطيني، حتى أسماها الاحتلال عش الدبابير.

مدينة جنين

جنين هي مدينة قديمة أسسها الكنعانيون ودخلت في الحكم العثماني في القرن السادس عشر، حتى نجح إبراهيم باشا ابن محمد علي من طرد العثمانيين منها في القرن التاسع عشر، حتى خضعت للاحتلال البريطاني في القرن العشرين وحتى قيام دولة الاحتلال الاسرائيلي عام ١٩٤٨. وفي ١٩٤٩ آلت إلى الولاية الهاشمية الأردنية مع باقي مدن الضفة، حتى تم احتلالها من قبل الجيش الإسرائيلي عام ١٩٦٧، وظلت تحت سلطة الاحتلال حتي خضعت لإدارة السلطة الفلسطينية بموجب اتفاق غزة أريحا عام ١٩٩٥.

وتقع جنين شمال الضفة الغربية التابعة للسلطة الفلسطينية. تبعد المدينة مسافة 75 كيلومترًا عن القدس من ناحية الشمال، وتطل على غور الأردن من ناحية الشرق، وتقع على السفح الشمالي لجبال نابلس على الجانب المطل على مرج بن عامر.

ويقع مخيم جنين الذي تبلغ مساحته ٤٢. كم، أب أقل من نصف كم مربع، على أطراف مدينة جنين، ويعيش فيه ما يقارب عشرة آلاف فلسطيني، ويضم أكثر من ٥٨ قرية من القرى التي هجرها جيش الاحتلال خلال ٧٥ عامًا. ومنذ أكثر من عامين تحول المخيم إلى معقل للمقاومين الفلسطينين ومركزًا لعمليات المقاومة ضد جيش الاحتلال.

اقرأ أيضاً: فلسطين تستغيث"لا تتركونا للجوع"

مخيم جنين درع المقاومة الذي يريد الاحتلال كسره

بالرغم من محاولات جيش الاحتلال المتكررة لاقتحام المخيم، دائمًا ما تبوء هذه المحاولات بالفشل، وتنتهي بأشتباكات عنيفة لا تزيد المقاومة الا إصرارًا وصمودًا.

وفي ٢٠٢١ أعاد اسم المخيم الرعب في أذهان الاحتلال، حينما استطاع ٦ من المجاهدين المعتقلين في سجن الجلبوع شديد الحراسة بالهرب، أغلبهم من أبناء المخيم، بطريقة سببت الحرج لجيش الاحتلال قبل أن يستطيع اعتقالهم مرة أخرى.

بعد ذلك بدأت مشكلة المخيم تظهر على أمن الاحتلال الاسرائيلي مع معركة سيف القدس، التي ولدت كتيبة جنين التابعة لسرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، كأول حالة عسكرية علنية منظَّمة في الضفة الغربية، وكتيبة حزام النار التابعة لكتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة "فتح"، الأمر الذي ساهم في ميلاد حالة مقاومة جديدة غير معتادة على الأجهزة الأمنية الإسرائيلية منذ انتهاء انتفاضة الأقصى عام ٢٠٠٢. 

وتمتلك الكتيبة معدات عسكرية بدائية تسعى إلى تطويرها، مثل العبوات الناسفة وصواريخ محلية الصنع. وبالرغم من بدائية تلك المعدات استطاعت إحراج القوتين العسكرية والأمنية لجيش الاحتلال، كما استطاعت تحويل أي محاولة لاقتحام المخيم إلى معركة حقيقية تستمر لساعات.

وقالت "كتيبة جنين" إن مسلحيها تمكنوا من "تفجير عبوات ناسفة تدخل الخدمة للمرة الأولى بآليات تابعة للقوات الإسرائيلية، وسببت أضرارًا لعدد منها".

وأقر الأمين العام لحركة "الجهاد الإسلامي" زياد النخالة بأن الحركة تعمل على "تشكيل كتائب مقاتلة في مدن الضفة الغربية والمدن الفلسطينية كافة.

اقرأ أيضاً: شهداء مجزرة مخيم جنين وإضراب شامل.. ماذا يحدث في فلسطين؟

بيت وحديقة عملية أم مهمة عسكرية؟

اختلف الإسرائيليون على تسمية عملية أم مهمة عسكرية على عملية بيت وحديقة، التي شنها جيش الاحتلال فجر الاثنين علي مخيم ومدينة جنين وأسفرت عن مقتل وإصابة العشرات، بحيث رأى البعض أن عدم إطلاق كلمة عملية جاءت لتجنب الضغط الدولي وخاصة العربي، ولإرسال رسالة إلى غزة وحزب الله أنها مهمة عسكرية بسيطة وليست عملية موجهه ضدهم أو ممتدة إلى ساحات أخرى.

وفور شن العملية رفع جيش الاحتلال حالة التأهب في كل مناطق الضفة الغربية وداخل الشريط الأخضر، كما نشر كميات كبيرة من صواريخ القبة الحديدية، بعد أن أعلن عن وجود منصات صواريخ بجنين ويتوقع وجودها في بلدات فلسطينية أخرى في الضفة، وهو أمر لم يواجهه جيش الاحتلال من قبل. وبحسب جيش الاحتلال فقد قرر البدء بهذه العملية بعد إطلاق صاروخ من جنين والمواجهات التي شهدها المخيم على مدار أيام.

وبالرغم من مطالبات الجيش والقيادة الأمنية بعدم استخدام كلمة عملية، جاء في كلمة نتنياهو أن الجيش ينفذ عملية واسعة النطاق، وتوجه لوزراء ونواب حزبه ائلًا: "لم يتم عقد جلسة خاصة لاتخاذ القرار لأسباب تتعلق بالسرية. وكان قد قرر رئيس الحكومة ووزير الأمن إطلاق العملية قبل 10 أيام بالتعاون مع جميع قادة أجهزة الأمن".

وأضاف نتنياهو: "كما سبق وغيرنا المعادلة تجاه حماس في عملية "حارس الأسوار"، وغيرنا المعادلة تجاه "الجهاد الإسلامي" في عملية "درع وسهم"، كذلك هذه المرة سنغير المعادلة تجاه أوكار "الإرهاب" في جنين، الهدف هو إنهاء دور جنين كملاذ للإرهاب"، وفق تعبيره.

ووجه عديد من الوزراء والنواب الانتقادات لنتنياهو لعدم إشراكهم في اتخاذ القرار، حيث اختار طريقة غير مألوفة بمثل هذه الحالة لإعلام حزبه، "الليكود"، بالعملية. وقام الناطق بلسان الحزب بتوزيع رسالة عن العملية لوزراء وأعضاء حزبه بما في ذلك كيفية الرد في حال وُجهت إليهم أسئلة حولها وسبب عدم عقد اجتماع المجلس الوزاري الأمني المصغر لاتخاذ القرار في شأنها.

اقرأ أيضاً: هل اسرائيل ديمقراطية؟

هل حققت العملية أهدافها ام انتصرت المقاومة؟

بعد اجتماع لتقييم الوضع دعا إليه وزير الأمن يوآف غلانت، وشارك فيه رئيس أركان الجيش هرتسي هليفي وقادة الأجهزة الأمنية، إذ اعتبر المجتمعون العملية ناجحة وحققت الجزء الأكبر من أهدافها، وعليه أعلن أكثر من مسؤول تقديراتهم لإنهاء العملية مساء يوم الثلاثاء الماضي.

لكن هذا التقييم، الذي دعا له غلانت ودعمه نتنياهو، لم يحظ بدعم أمنيين وسياسيين ومسؤولين في جهاز الاستخبارات العسكرية. فعملية الدهس في تل أبيب كانت واحدة من التحذيرات التي أطلقها أمنيون، معتبرين أن المقاومة الفلسطينية ستعود وبقوة ردًا على عملية جنين.

واعترف الجيش الإسرائيلي بأن قواته واجهت صعوبات في مخيم جنين بسبب عدم تحضير واستعداد الجيش لمثل هذه العمليات، بل "لا توجد له تجربة بكل ما يتعلق بالعملية المحدودة في مثل هذا القتال".

وأعرب أكثر من مسؤول أمني وسياسي عن خشيته من أن تكون عملية "بيت وحديقة" بمثابة الشعلة لتوحيد بقية الساحات: غزة، والشمال تجاه لبنان وسوريا، وحتى شرقًا تجاه الأردن، إذ اتخذ الجيش احتياطاته بنشر قوات خشية تسلل مقاتلين وتنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية وإسرائيليين.

ويرى أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العربية الأميركية أيمن يوسف، نقلًا عن جريدة إندبندت العربية، أن "المقاومة الفلسطينية في جنين حققت نصرًا معنويًا كبيراًا سينعكس بشكل إيجابي على عملها خلال الفترة المقبلة"، معتبراً أن "الوحدة بين مسلحي الجهاد الإسلامي وحركتي فتح وحماس كانت علامة بارزة في المخيم، والأهم من ذلك هو الحاضنة الشعبية للمقاومين والتضامن الواسع مع المخيم من أنحاء الضفة الغربية وقطاع غزة".

وقالت وزارة الصحة الفلسطينية إن من بين الضحايا أربعة أشخاص تقل أعمارهم عن 18 سنة.

وتسببت العملية العسكرية الإسرائيلية في إتلاف شبكتي المياه والكهرباء بشكل كامل بمخيم جنين وتدمير كلي لنحو 300 منزل وجزئي لنحو 500 منزل، بحسب البلدية.

واستهدف الجيش الإسرائيلي وفق تقارير منظمات طبية وحقوقية خلال العملية العسكرية، مستشفيات وفرق وسيارات إسعاف وأعاق تحركاتها، كما حاصر نحو 13 ألفًا في المخيم وشرد نحو 4 آلاف.

اقرأ أيضا: الكنيست يخصص المليارات لليهود المتشددين في الموازنة واتهامات للحكومة بالفساد

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة