مسألة اختيار شريك الحياة من أهم وأصعب القرارات، التي يواجهها الشباب في أهم فترة من فترات حياتهم. لكل إنسان مواصفات معينة يطمح إليها في شريكه وتختلف بالطبع، من إنسان إلى آخر، وفقًا لعدة مستويات منها الاجتماعي والثقافي والفكري، ومنها أيضا المادي.
والملاحظ الغالبية العظمى من الشباب اجتمعوا على توافر ميزة بعينها في شريكة الحياة، فنحن هنا نتحدث عن اختيار الشاب لشريكته فيفضل أن تكون صاحبة دخل ومستقلة ماديًا، بحيث تكون ذات إرث أو صاحبة وظيفة أو حرفة.
في عصر سالف كانت الأمهات تلجأن إلى "الخاطبة"، وهي سيدة مؤهلاتها حيازة شبكة علاقات واسعة، فتبحث عن عروس بالمواصفات المطلوبة للشاب المقبل على الزواج.
فيما مضى كانت الخاطبة تؤدي هذه الوظيفة، مقابل عائد مادي بسيط، وكان ذلك مطلبًا رئيسيًا للأمهات أن تكون الزوجة موظفة تساعده على نفقات الأسرة والمنزل ومواجهة ظروف الحياة المتغيرة، ذلك أن "إيد لوحدها ماتسقفش".
ثم مع التطور، اختفت مهنة الخاطبة وأصبحت الأمهات هن صاحبات الدور في البحث عن الزوجة المناسبة لأبنائها معتمدة في ذلك على الأصدقاء والأقارب والمعارف. وهذا كان يطلق عليه زواج "الصالونات" الذي يحظى بتفضيل عديد من الأمهات، اللاتي يردن لأبنائهن زوجة، تخفف الحمل عن ظهره، سواء كانت من الوارثات أو سيدات الأعمال أو وظيفة ذات دخل جيد، بما يساهم في تأمين مستقبل الأسرة بأسرها.
ومع التقدم والتطور الزمني والفكري والتكنولوجي وظهور الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي أصبح التعارف أمرًا سهلًا وميسرًا للجميع لتقارب المسافات. ومع التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والفكرية والثقافية، حيث كان السائد في حقبة زمنية سالفة أن الزوج هو وحده المسؤول عن توفير احتياجات أسرته، وكانت الزوجة يقتصر دورها علي الاهتمام برعاية الأسرة والأبناء وهذا يذكرنا بالشخصية الفنية التي جسدتها الدراما المصرية، في دور "سي السيد، الست أمينة".
ولكن مع الثورة الفكرية التي طرأت على المجتمع من خلال الحركات النسوية والفكرية التي كانت تنادي بتحرر المرأة ومحاولات تمكينها على كافة المستويات سواء التمكين الفكري والاقتصادي والاجتماعي، وهذا ما حدث علي عدة فترات زمنية متلاحقة وإلي الآن ونحن في ذلك الحراك لمحو أنماط تقليدية جعلت من المرأة الموظفة سلعة لأمهات تحلمن باستقلال مادي لابنها، وأيضًا جعل من المرأة التي ترعي أبناءها وأسرتها سيدة فاقدة للهوية والشخصية ويتلخص دورها الأسري في مبدأ السمع والطاعة فقط لأوامر الزوج، فكانت تعيش صاحبة هذا النموذج في حالة من الاستعباد التام لأفكار ومعتقدات الزوج إلى أن بدأت سلسلة الحراكات النسوية التي طالبت بتغيير هذه الأنماط الفكرية فجعلت من المرأة امرأة مستقلة في كافة الجوانب وتمتلك الحرية المطلقة في اختياراتها، ولكن وفقًا للمتغيرات المعاصرة بات عمل النساء أمرًا ضروريًا فرضته الظروف المتغيرة والضغوط الحياتية والمعيشية بجانب مساحة الحرية والحقوق التي نالتها النساء إلى الآن.
رغم افتقادنا للحصول على كافة الحقوق كاملة ولكن فيما نتحدث عنه هو تمكينها في الحصول علي حق العمل بجانب الرجل بمساواة وعدالة وهذه المتغيرات جعلت الشباب يفضلون الزواج من العاملات، ليتقاسموا عبء المصروفات المنزلية والأسرية. ونرى في تلك الحالات أن عمل المرأة أصبح مطلبًا إجباريًا وإلزاميًا وليس مطلب اختياريًا لمحاولات الحصول على حقوقها لمواكبة الحياة بكافة ضغوطها في إطار مبدأ التكافل والتكامل والتعاون لتوفير متطلبات الأسرة السعيدة فتصبح المرأة ملزمة بالقيام بالعديد من الأعمال التي تضمن من خلالها استمرار الحياة الأسرية، فنلاحظ أن المرأة التي كانت ترعي الأسرة بدأت تقوم بمشروعات من داخل المنزل كالخياطة وصناعة الصابون وصناعة الإكسسوارات وبيع المنتجات التجميلية والملابس بالإضافة إلي إعداد الوجبات الجاهزة وشبه الجاهزة، كما نلاحظ أن المرأة العاملة لجأت إلى إنشاء مشروعات صغيرة كنوع من أنواع زيادة الدخل لمواكبة الأزمة الاقتصادية التي حلت على المجتمع فمنهن من عمل علي إنشاء حضانات ومنهن من لجأن لتقديم الدروس للطلاب في المنزل وهكذا إلى ما لا نهاية.
على أن إنجاح مشروعات المرأة، والذي يعد ضرورة لتوازن الأسرة اقتصاديًا، فلابد من استحداث سبل تكفل ضمان حقوقها كشريك للرجل في عملية الإنفاق الزوجي وذلك من خلال توضيح ذلك في عقود الزواج علي سبيل المثال بالإضافة إلى أننا نحتاج إلي إنشاء شبكات دعم للمشروعات الصغيرة التي تقدم عليها النساء بتوفير قروض تساهم في مساندتهن بتسهيلات مناسبة للأوضاع المتغيرة لسهولة سداد النساء لهذه القروض وضمان حمايتهن وأمانهن من أي أوضاع خطرة يمكن أن يتعرضن لها.
وختامًا، أود أن أؤكد أن التحولات والتغيرات المعاصرة كانت مسيرة تحول أخرى للنساء من مرحلة حرة للتمكين الاقتصادي للحفاظ والحصول على حقوقهن في أي مسألة أو أمر إلزامي بجانب الزوج في وضع تشاركي بينهم لنجاح الأسرة وتحقيق التوازن الأسري والحفاظ على أسرهن من الهلاك والضياع المجتمعي.
اقرأ أيضا: هل تفكك الخطابات الذكورية المجتمعية حل مبدأي لقضايا العنف ضد النساء؟