هل تفكك الخطابات الذكورية المجتمعية حل مبدأي لقضايا العنف ضد النساء؟!

كثرت الجرائم في مصر وكثرت ضحايا جرائم القتل التي باتت تهز المجتمع وتقلق الرأي العام، ووفقًا لإحصاءات من قاعدة البيانات تصنف الدول حسب معدلات الجريمة صنفت مصر في المرحلة الثالثة من العالم العربي بعد ليبيا والجزائر، كما أكدت دراسة للمركز القومي للبحوث الجنائية والإجتماعية أن نسبة ٩٢% من هذه الجرائم تمت بدافع الشرف والعرض نتيجة لسوء الظن والشائعات والشك.

لذلك في بداية حديثي أود أن أوضح رفضي التام لكافة أشكال العنف، كما أرفض كافة الوسائل التي يستبيح بها الرجال أجساد النساء ويملئون الأرض بدمائهم، وأرفض سلطة الرجال على أجساد النساء وعلى حيواتهن، بل وأطالب بأقصى العقوبات من دون شفقة أو رحمة ضد هؤلاء القتلة الذين يشيعون في الأرض الفساد بحجة الحب أو الامتلاك أو الضغوط الحياتية، كما أطالب بأقصيى العقوبات علي كافة المعتدين على النساء والفتيات.

ما حدث من جرائم قتل لنساء وفتيات في مصر خلال الفترة الأخيرة ليس أمرًا عرضيًا، بل هو شرخ مجتمعى ستدفع أجيالنا وأجيال قادمة ثمنه الباهظ، وأكثر من يدفع الثمن بالطبع هن النساء، ولذلك مهما حدثت ثورات أو انتفاضات أو مراجعات بعدد من الدول ظلت قضية المرأة وطريقة تعامل المجتمع مع نسائه بعيدة عن أي مراجعة واعتراف بالأسباب المخفية لارتكاب هذه الجرائم.

إن التمييز الواضح لصالح الذكور في ظل المنظومة الاجتماعية والتشريعية، وفي ظل الانهيار على مستوى الحقوق الاقتصادية والسياسية والمدنية والحريات العامة، يؤدي إلى ظهور العنف كنوع من أنواع المقاومة ضد السلطات،  لكن الأفراد يوجهونه توجيهًا خاطئًا نحو أنفسهم وبعضهم البعض، خاصة نحو الطرف الأضعف، وهن النساء، ومع تكرار ذلك أصبح  العنف وقتل النساء والفتيات ظاهرة تتزايد بسرعة شديدة، وفي المقابل نرى هناك عنفًا مضادًا من النساء لمحاولة حماية أنفسهن وحفاظًا على حقوقهن وحيواتهن من الانتهاكات المستمرة.

تدعم الثقافة المجتمعية الذكورية أحقية الرجال بامتلاك أجساد النساء، وتملأ جوفه بالعنف والهمجية والغضب والحق في امتلاك جسد المرأة، بدلًا من قيم أخلاقية سامية تدعو لنشر المودة والرحمة، ومع الأسف تستمر في العنف بخلق صور وأشكال مرضية قائمة على أساس الغيرة والسيطرة وحب التملك، وفي النهاية يقومون بوصفها على أنها حب شديد، حتي يبررن به قتل الفتيات، أو يصفون هؤلاء الفتيات أو النساء باللا أخلاقية.

من ناحية أخرى، كل هذه الجرائم التي ترتكب في حق النساء ليست قاصرة على مجتمع بعينه، فهي جرائم ترتكب في كافة المجتمعات العربية ليس مصر وحدها، فهو أسلوب بشع يفرض نفسه علي ثقافتنا لكي يحول مجتمعاتنا إلى جدران هشة.

لذلك لابد وأن نعرف جيدًا دور النشاطات النسويات في مواجهة هذه القضية، وأن نشارك مشاركة  بناءة للتخلص من هذه الظاهرة أو الأزمة. لذلك أدعو كافة المؤسسات والجمعيات الحقوقية والنسوية إلى التضامن والتكاتف لوقف نزيف دم النساء والفتيات في كامل منطقتنا العربية عبر كافة الوسائل والإمكانات، وأن نطالب حكوماتنا بوضع قوانين مشددة على مرتكبي مثل هذه الجرائم، بداية من التحرش اللفظي وختان الفتيات وزواج القاصرات ونهاية بجرائم القتل الأسري أو الفردي.

أدعوهن جميعًا للتضامن لوقف كافة ممارسات العنف ضد النساء، وكافة السبل التي تبرر مثل هذه الجرائم، وأن نعلن أن مجرد التعاطف مع مرتكبي هذه الجرائم يعد أيضًا مشاركة في جريمة القتل والعنف، فقد آن الآوان لنحدد مصيرنا بأيادينا من خلال التكاتف والتضامن لإيقاف سيل العنف ضد النساء.

حدثت بالفعل انفراجة في مصر ودعوات لسن القوانين وتشريعات جديدة تحمي النساء من جميع أشكال العنف، وكانت بدايتها سن قانون يجرم ويغلظ عقوبة ختان الإناث، أو بمعنى أدق تشويه الأعضاء التناسلية للفتاة.

ونص هذا القانون على معاقبة كل من طلب ختان أنثى وتم ختانها بناء على طلبه بالسجن مدة لا تقل عن 5 سنوات، فإذا نشأ عن ذلك الفعل عاهة مستديمة تكون العقوبة السجن المشدد لمدة لا تقل عن 7 سنوات، أما إذا أفضى الفعل إلى الموت تكون العقوبة السجن المشدد لمدة لا تقل عن 10 سنوات، وهذا ليس أمرًا هينًا على مجتمعنا المصري بثقافته وعاداته التي اكتسبها بفطرته من ثقافات فكرية ودينية مغلوطة.

ولكن لا زلنا ننتظر المزيد من القوانين والتشريعات الصارمة لكافة أشكال العنف، وهذا لا يتم إلا بتحقيق المساواة العادلة في كافة القوانين من دون التمييز بناء على النوع الاجتماعي والتفرقة بين الجنسين، فلن يتحقق القضاء على العنف بشكل تام إلا إذا تفكك أي خطاب ذكوري، ويتم ذلك عن طريق المناقشات المجتمعية ودور المنظمات والمؤسسات والروابط النقابية في تحقيق ذلك التغيير، حيث ينقصنا في مصر التكامل والتعميم في التغيير، بالإضافة إلى ضرورة تعديل القوانين والسياسات العامة التي تخص النساء في نواحي عديدة.

كذلك يجب على الحكومات العربية أن تراجع تشريعاتها المرتبطة بالقضاء على أشكال التمييز في النظام القانوني، بما في ذلك كافة القوانين والأحكام المتناقضة في تلك القوانين، وإدراج القواعد والاتفاقيات الدولية بشأن المساواة بين الجنسين كجزء لا يتجزأ من الإطار التشريعي الوطني، مع مراعاة وضع أسس وآليات لرصد مدى التزامها بتلك القوانين الدولية.

وفي سياق متصل، لابد من توافر الآليات المؤسسية على الصعيد العربي التي تسمح للنساء بكافة الضمانات في توفير العدالة، وتحديد كافة السبل التي يمكن للنساء من خلالها الاستفادة من المبادىء والأحكام المنصوص عليها في التشريعات الوطنية، لضمان حقوق النساء القانونية، إلى جانب ضرورة تعديل التشريعات الوطنية لتتوافق مع الأسس والآليات التي تحقق العدالة بين الجنسين، وإلغاء التمييز على أساس الجنس، فلابد من تطبيق المسائلة لضمان تحقيق هذه العدالة بشكل عملي، بتوفير كافة الإجراءات المطلوبة في تنفيذ ذلك بشفافية تامة، وتعزيز القدرات المؤسسية ومبدأ التكافؤ بين الجنسين باحترام سيادة القانون.

كما نكرر التأكيد على أهمية إنشاء قانون متكامل للقضاء على العنف ضد النساء، والعمل على وضع خطة وطنية لرفع الوعي المجتمعي العربي بقضايا المساواة بين الجنسين في كافة المجالات، مع العمل على توجيه المشاريع وقطاع الأعمال والنقابات بإعادة تقسيم الأدوار للسماح بإقامة علاقة شراكة بين النساء والرجال داخل المنزل وخارجه، وإتاحة كافة الفرص بالتساوي العادل، والتمكين في اختيار الأنشطة الاقتصادية من خلال سياسات وتشريعات مناسبة، مثل توفير دور حضانة لهم في أماكن العمل ومنح الرجال والنساء إجازات رعاية الطفل.

أعلم أن الطريق ليس سهلًا أمام تحقيق هذه العدالة، ولكننا نلاحظ ضعف الثقافة الذكورية مرة بعد الأخرى منذ أن طالبنا بتحقيق مبادىء المساواة، فأصبحنا نرى كل يوم ارتفاعًا مناسبًا في مناصرة النساء في عدد من حقوقهن لتحقيق العدالة والمساواة كما نحلم.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة