بدأ الهجوم المضاد الذي انتظره المتابعون لمسار الحرب منذ فترة طويلة، وكعادة الجانب الروسي انطلقت الآلة الإعلامية البوتينية لتؤكد أن الهجوم قد فشل من قبل أن يبدأ، وانتشرت صور المركبات الأوكرانية المدمرة لتملأ فضاء الإنترنت سعيًا لإقناع العالم أن ما أنفقه الغرب في تسليح وتدريب الأوكران سوف يعود عليهم حسرات، بينما اعتمد الأوكرانيون الصمت كمتحدث إعلامي، فكانت أكبر دعوة للحديث عن الهجوم وتداعياته.
وإذا كنت ممن يتعجبون من كيفية قيام الاحتلال الاسرائيلي بتزييف الحقائق على الأرض وتغطية أفعاله الإجرامية في عيون العالم الغربي، فربما عليك أن تنظر كيف استطاع الاحتلال الروسي لوي عنق الحقيقة في عيون مؤيديه في العالم العربي والعالم الغربي، ليصبح تدمير سد كاخوفكا وإغراق 80 منطقة سكنية يقطنها 22 ألف من أهالي المنطقة، بل وقصف قوات الإنقاذ أثناء محاولة إنقاذهم جريمة تنسب لأصحاب البلد لا للمحتل!
وكانت الحجة المتهافتة التي ترددها الأبواق الروسية أنه لا يمكن للروس أن يدمروا السد وهو تحت سيطرتهم! وكأنه من الطبيعي أن يقوم الأوكرانيين بتدمير السد لإغراق أراضيهم ومزروعاتهم ومواطنيهم وإغراق مساحات من الأرض كان يمكن أن تستخدم كمحور من محاور الهجوم المضاد!
وبينما أكدت الآلة الإعلامية البوتينية أن الجيش الروسي ينسحب تكتيكيًا لمواقع أفضل، قام قائد فاجنر بوصف القوات النظامية بالفشل والخيانة وسوء الإدارة، واتهمهم بوضع الألغام عمدًا في طريق قواته المنسحبة من باخموت، بل وأعلن رفضه للأمر التنفيذي الذي أصدره وزير الدفاع الروسي بضرورة قيام أى متطوع للقتال بجانب روسيا بتوقيع عقد مع الجيش، في ما وصف بأنه خطوة أراد بها أن يسيطر على قوات فاجنر وغيرها من الشركات الخاصة. وجاء رفض قائد فاجنر دليلًا جديدًا على الصراع الداخلي بين القوات الروسية ويمهد الطريق بالفعل لهزيمة مدوية تلوح في الأفق.
١٠٠ كم٢ هي المساحة التي استعادها الأوكرانيين خلال ٣٦ ساعة من الهجوم المضاد، ورغم أن المراقبين يؤكدون أن القوات الأوكرانية المهاجمة لا تزال في مرحلة جس النبض واستطلاع نقاط الضعف في الخطوط الدفاعية الروسية، وصل عدد القرى التي حررها الأوكرانيين من الاحتلال الروسي إلى خمسة حتى كتابة هذه السطور.
ويؤكد بعض المحللين العسكريين أن الحالة المعنوية المرتفعة لدى الجانب الأوكراني والمنخفضة لدى الجانب الروسي سوف يكون لها أثر عظيم في انهيار الدفاعات الروسية سريعًا، خاصة مع عدم تناسب تكتيكات الهجوم بآلاف الجنود غير المدربين التي استخدمها الروس مرارًا وتكرارًا مع حالة الدفاع الحالية، بينما يؤكد آخرون أن أفضلية الدفاع على الهجوم بجانب الوقت الطويل الذي استغرقه الجيش الأوكراني في التحضير للهجوم مما مكن الجيش الروسي من تدعيم دفاعاته وتركيزها سوف يؤديان لظهور صعوبات بالغة أمام الهجوم الأوكراني يستحيل معها أن يحقق أهدافه في الوصول للقرم.
ويرى بعض المحللين أن صورة الآليات الأوكرانية المدمرة تشي بأن الجانب الأوكراني وقع في نفس الأخطاء التي ارتكبها الجانب الروسي في بداية الحرب من هجوم مكثف بالآليات الثقيلة في وضح النهار، مما مكن المدافعين من تدمير جزء كبير منها. كما يروا أيضًا أن الروس قد استفادوا من أخطائهم في الماضي ليتأقلموا مع الظروف الجديدة للحرب، بينما يرى آخرون أنه لا مفر من سقوط ضحايا وخسارة بعض الآليات وأن العبرة بقدرة الأوكرانيين على تنفيذ ما يبدو أنه خطتهم في اختراق الخطوط الدفاعية الروسية لإجبار القوات الروسية على الانسحاب بديلًا عن التطويق.
وعند الحديث عن الاختراقات فلا يمكن أن نتناسى الهجمات التي شنهتا قوات روسية مناهضة لبوتين على مناطق حدودية عدة داخل روسيا، لتأكيد ضعف قدرة الجيش الروسي على حماية الأراضي الروسية والتي قالت وزارة الدفاع الروسية أنها قتلت القائمين عليها بالكامل.
فهل يستطيع الأوكرانيون طرد الاحتلال الروسي من أراضيهم؟ يؤكد الخبراء أن حجم القوات التي شكلتها أوكرانيا مؤخرًا – حوالي 40 ألف جندي - لا يمكن أن تكفي لتحرير كامل المساحة التي يحتلها الروس الآن، ولكنها على الأقل تكفي لو قامت بعملها على أفضل وجه أن تحرر مساحات كبيرة من الأرض وإثبات أن الأوكرانيين يستحقون المزيد من الدعم لتحرير كامل أراضيهم، رغم كل التهديدات الروسية باستخدام الأسلحة النووية في حالة كانت خسائر الجانب الروسي أكبر من قدرة الروس على التحمل.