أحزن كثيرًا عندما أشاهد أو أسمع كلام مثل الذي قاله هذا الفنان والأستاذ الجامعي مصطفي حشيش عن رأيه في عمل النساء ببرنامج ياسمين عز بأحد القنوات الفضائية، والتي نعلم جيدًا أن هذه القناة تبث السم في العسل كعادتها، فورد على لسانه «وجوب إجبار الزوجة من قبل الزوج الجلوس في المنزل وترك عملها إذا لم تساهم في مصروف البيت».
رأيت في هذا تحريضًا على العنف ضد النساء، تحريضًا لتفتيت الأسرة، وأيضًا أجد فيه تحريضًا على تفكك المجتمع بالكامل وإثارة الفوضى والفتن، في ظل فترة انفتاح جديدة تعيد هيكلة وضع المرأة من جديد داخل المجتمعات وبصورة خاصة داخل مجتمعنا المصري، وفي ظل صحوة نسائية مستنيرة جديدة تحاول أن تضع النساء على مسار صحيح، ووضع قوانين وتشريعات تقضي قضاء تام على العنف ضد النساء والفتيات. وفي ظل حوار وطني تكون قضايا المرأة على رأس أجندته للخروج بمخرجات ملائمة لكل النساء في الحصول على حياة آمنة في ظل قوانين تضمن حقوقها وتحمي جسدها ونفسها من كل عنف تتعرض له من قبل أي فرد تسيطر عليه أفكار ذكورية جاءت من فكر وهابي عقيم، ومن قبل أنظمة أبوية سلطوية سائدة، ومن قبل أمراض ذكورية عديدة تجاه النساء.
دائمًا ما نرى أن مبادئ الذكورية طاغية على فئة الذكور وليس الرجال، فهناك فروق تعريفية واضحة بين ماهية الرجل وماهية الذكر، فنتطرق هنا إلى ماهية الرجل الذي نعرف أنه الأصل في التعريف، فالرجل رجل عندما يشعر بمسؤوليته تجاه أسرته وتجاه زوجته من نفقات وتوفير حياة كريمة آمنة لها في علاقة تسودها المودة والرحمة، علاقة تحمي وتضمن حريتها لكونها امرأة من حقها أن يكون لديها الاختيار في كافة أمورها كنفس بشرية خلقها الله حرة مثل باقي البشر، من حقها الاختيار في العمل من عدمه، الاختيار في الزواج وفي الإنجاب وفي كل شيء دون وجود سلطة عليها من أي فرد أيًا كان.
للأسف مثل هذه العناصر الذكورية مهما تقدمت في العلم تظل أنماط تفكيرها تهدد المجتمعات من خطر الفكر الجاهل الذي ينظر للمرأة على أنها جارية تقدم فروض الولاء والطاعة للزوج، وكأنها علاقة عبودية تنمو على الإهانة والعنف، ولن يدركوا أن علاقة الزواج هي علاقة تشاركية تسمو وترتقي بالحب والمودة، علاقة أساس بنيانها واضح معلوم بأن الرجل إذا أقدم على الزواج فعليه التزامات عديدة تجاه زوجته، منها بكل بساطة الإنفاق في كافة جوانب الحياة، وأيضًا حقوقها الكاملة في عدم إلحاق الضرر بها، ولكن مثل هذه الآراء تخضع لفكر التسلط والزواج بالسخرة للنساء، وهذه ماهية الذكور الغيورة من كل نجاح تصل إليه النساء.
نرى النساء العاملات وأزواجهم متصدرين الصفوف الأولى على المقاهي، نرى النساء العاملات التي تعمل لترعى أيتامها، في مقابل ذلك نجد أن الذكر سرق ميراثها وميراث أبنائها وهي تعمل كادحة لتحصل علي لقمة العيش لفلذة كبدها، نرى النساء العاملات التي تجاهد من أجل أن توفر في متطلباتها الخاصة لتوفير احتياجات ومتطلبات أبنائها في التعليم الجيد، وتقدر شقاء الزوج وعنائه لأنها اختارت أن تكون وظيفتها أم، فالأمومة في حد ذاتها عمل لدى أسرتها. نجد نساء هنا ونساء هناك تكافحن من أجل الحياة، ونماذج عظيمة من النساء القادرة على تخطي الصعاب، فكل ذلك موجود حولنا، ونجد تصريح مثل ذلك يحاول أن يلغي وجودية المرأة حتى في أبسط حقوقها وهي العمل، وتحريض الزوج على تعنيف زوجته في أمر أساسه اختيارها ورضائها وقرارها فقط. في النهاية أؤكد على أن النساء خير من يمثل البقاء لهذا المجتمع، إن غابت تختل لسببه توازنات الحياة، فالعمل للنساء ليس رفاهية ولكن هو واقع تتطلبه كافة الهيئات والمؤسسات والقطاعات العامة والخاصة، بعد أن أثبتت جدارتها مثلها مثل الرجل بصورة تامة بل أحيانًا نجدها أكفأ من الرجل في وظائف كثيرة، فهي على قدر أي مسؤولية تحملها على عاتقها، نجحت أن تصبح وزيرة ورئيسة حكومة ورئيسة دولة بالكامل، فهل بعد ما حققت كل هذا النجاح والتميز في كافة المجالات يصح أن يكون عملها رفاهية؟ بالطبع «لا» لأن عملها يمثل للمجتمع البقاء.