خواطر عن التوحيد

الإيمان أساس الأمان

إن الايمان بأن للكون إله واحد قادر على كل شئ، يغير رؤيتنا لأنفسنا ورؤيتنا للناس وللأحداث التي نمر ونتأثر بها، أي أنه يغير رؤيتنا للحياة عمومًا، وذلك لإن الإيمان بوجود إله حاكم رحيم يحكم كل شيء يخفف عنا المصاعب التي تواجهنا أيًا كانت، ويسهل علينا الصبر في ساعات المحنة ويبث الطمأنينة في القلوب الخائفة، وتقريبًا لا يمكن لشيء آخر أن يحل محله، فالإيمان بقدرات الانسان الفرد أو المجتمع الانساني ككل – وإن كان ضروريًا لاستشراف المستقبل – إلا أنه سرعان ما يتضائل أمام الأشياء التي لا يمكن للبشر أن يسيطروا عليها أو يتوقعوها – وما أكثرها – ولذلك فإن الإيمان بالله ضروري ومفيد سواء للفرد أو المجتمع.

إن معرفة الفرد بأن كل قوي مهما كانت قوته فهناك من هو أقوى منه وأرحم، ومعرفة المجتمع أنه مهما تشددت قوانينه أو تراخت ومهما صلحت أجهزة إنفاذ القانون فيه أو فسدت، فإن هناك قانون كوني لا يمكن الفكاك منه أو التحايل عليه، يجعل للفرد وللمجتمع فنار أخلاقي وقيمي يهديه إلى فعل الصواب أو – على أقل القليل – السعي نحوه.

وكون أن هذا الإيمان بالله أمر نافع ومفيد عمليًا لا يعني أنه أمر اخترعه الإنسان – كما يظن الكثيرون – وإلا يمكننا الاستغناء عنه بالاعتماد على الأنظمة البشرية أو حتى باعتزال البشر بالكلية، ولكن الواقع يظهر أنه كلما اعتمدنا على أنفسنا فقط بدون الله كلما زادت أمراض البخل والكراهية والغل، لأن مواردنا مهما زادت محدودة وقدراتنا مهما اشتدت ناقصة والاعتماد عليها يعني توجيهها ضد باقي البشر للحصول على أكبر كمية ممكنة من مواردهم، بينما الاعتماد على الله – مع الايمان بأنه عادل ورحيم – يعني أن نقبل محدودية جميع البشر واحتياجهم وأخوتهم وقابليتهم للتغيير للأفضل. فالانسان ليس شريرًا بطبعه ولكن الفقر والكبت والنقص هم ما يزرعون الشر في النفوس، ولذلك فإن الإيمان بسعة الله وقدراته اللا متناهية على الخلق والعطاء تطفئ شهوة كراهية الآخر والحط منه وتفتح الباب للعطاء والتسامح والكرم.

وقد يقول قائل إن المجتمعات المتدينة مثل المجتمعات غير المتدينة – ان لم تكن أسوأ – في سجل الكراهية والتعصب أو أن بعض المجتمعات الحديثة قد وصلت للسلام والاستقرار والأخوة دون الايمان بوجود إله، وفي اعتقادي أن من يقول ذلك لن يكون بعيدًا عن الحقيقة بالكلية، ولكن دلالة الأمر – في اعتقادي – مختلفة، فليست المجتمعات المتدينة هي بالضرورة المجتمعات المؤمنة، بل أن الكثير من المجتمعات المنغلقة تخلق صورة كئيبة محدودة مقبضة للإله ثم تحتكر هذه الصورة وتبث الكراهية والتعصب نحو من لا يعتنقها فيبغضون الله إلى القلوب، وتنتعش في هذه الحالة القلوب المريضة الملئى بالغل والغضب، وهنا يسبغ المجتمع نقائصه وأطماعه ومخاوفه على تصوره للإله فينشئ تصور يأنف منه أصحاب الشعور النبيل والحس السليم يتناقض مع أبسط دلالات الرحمة والحب، بينما في الحالة المعاكسة تصل بعض المجتمعات للأمان بسبب وفرة الموارد وحسن إدارة ونظام المجتمع، فتعيش في صورة من صور السلام والطمأنينة التي أوجدها أساسًا كرم الله على هذا المجتمع، وهنا نجد أن المجتمعات التي سارت وتسير على نهج التسامح والحب هي الأقرب بالفعل للإيمان لأنها الأقرب بالفعل للأمان حتى لو تعلن ذلك في كل لحظة أو حتى تدركه، بينما المجتمعات التي تتخبط في قيود الكراهية والخوف والفوضى والبخل هى الأقرب للكفر لأنها بعيدة كل البعد عن الأمان حتى لو أعلنت في كل محفل إيمانها وتشددها ومغالاتها.

واختم مقالي بمثال توضيحي بسيط، فلو أنك بغضت جارك الذي يعبد صنمًا خشبيًا لأنه يعبد الأصنام ثم عبدت صنمًا ذهبيًا فلن يجعلك ذلك أفضل منه، وان كان صنمك كيان غير مادي من صنع خيالك أو من تصور سابقيك فأنت أيضًا لست أقرب إلى الحقيقة من جارك – وذلك لأن الله مهما حاولنا تصوره وفهمه أوسع من قدراتنا وعلومنا، وبالتالي فإن محاولة حصره في تصور عقلي محدود يعد من قبيل السذاجة المؤذية، ولا مجال للقرب الحقيقي من الله إلا بالقلب السليم، أي بالشعور والوجدان والمحبة وليس بالمقاييس العقلية المادية المحدودة، فالإيمان ليس مجرد نصوص تحفظ أو طقوس تؤدى ولكن قبل كل ذلك وبعده هو صلة شعورية قلبية بالرحمن الرحيم تسبغ على القلوب الرحمة وعلى العقول الحكمة وعلى المجتمع والفرد الأمن والأمان.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة