آخر ليلة تانجو

المشهد الأول والأخير..

كأس نبيذ عمري، تسكر منه الدنيا، بضع رشفات تُسكرها، تترنح وتسكبه على الطرقات..

زانية تتوج رأسها بإكليل زهور برية، أكليل يبديها جميلة، وهي جميلة.. ترقص على الموائد وعمري بيدها، ترتشف القطرات غير عابئة بتمرجح الكأس في يمينها يمينًا ويسارًا، على وقع خطواتها المترنحة من السكر. ينسكب عمري بين الطاولات وأيادي الرجال تلاحق خاصرتها المتمايلة، وتتلاعب بتلابيب ثدييها..

في يسارها تشعل سيجارة.. عاهرة تحتفظ بعذريتها.. لا أحد يستطيع امتطائها.. عاهرة تجعلني قديسًا فى يدها.. أتوب عن كل ذنوبي.. أتمسح تحت الصلبان.. أسجد حتى يدمي السجود جبهتي، أبكي وتحفر الدموع مجرى في وجنتي يجف من هجر دموعي.. قديسًا يضيع عمره ككأس نبيذ في يدها اليمنى.

نهداها بارزان يتضرعان للشهوة تحت فستانها الأزرق.. تهتز أردافها وهي تضرب بكعب حذائها العالي على أيادي الضعاف من أسفل فستانها، يشتعلون بلعابهم السائل كأطفال رضع ملوثين بدمائهم سقطوا من رحمها.. وهي لاهية تدور وتدور.. وأنا عمري فى يديها تقبض عليه وتتمسك به وترتشف مني بين الحين والحين.

شفتاها كحبتي كرز يلمسان الكأس للحظات. لحظات أنسى حينها حقيقة أنها تستفزني وتُشعل في رغبة لأنسكب كاملًا بهذا الفم العاجي.. وأنسكب كلي بداخل جوفها الحاني..

لكنها بضع قطرات تنزلق مني في فمها، وتنتهى متعتي في ثواني، وتعود تتمايل ويزداد ترنح خطواتها.. وينسكب عمري كأس نبيذ يمينًا ويسارًا بين موائد العشاق. وأنا الناسك أقبع عند مدخل بابها أتضرع.. ليبقى بضع قطرات صغيرات تتجمع في قاع الكأس.. كأس نبيذ عمري تسكر الدنيا منه كزانية عذراء تترنح من بضع قطرات والباقي تسكبه يمينًا ويسارًا.

يسير بخطوات تائه والدمع في عينيه، زوج محطم بالخيانة، حبيب كسره الحب، يحيا مذبوح للموت، تنسكب خطواته على الطريق و قطار الحياة يسير فوق رأسه، يخنقه بسرعته ومروره عبر رأسه، يطحن حطام بقاياه وينثره رمادًا، ليستنشق رحيق حريقه فتاة صغيرة تتمايل بخصرها أمامه تحت جسر القطار.

أمريكي خانته زوجته وكان يحمل طلقة خيانتها في قلبه الدامي من دون أن يصرخ، حتى اكتفت هي من حياتها المزدوجة وكللتها بالانتحار، ليضعه زوجها على رأسه ويواجه الشك في نظرات الجميع بأنه قد قتلها، ماتت ولم تترك ولا كلمة خلفها، لا له ولا لأمها ولا لعشيقها حتى، ماتت فحسب!

الفتاة الصغيرة كانت مخطوبة، خطوبة محسوبة بمقاييس العمر والخبرات والمناسب، شريكها مخرج أفلام يسعى للشهرة، حياتهم فيلمًا قصيرًا هي الفتاة البطلة فيه، مشاعرهم بين التمثيل ومراهقة تنبض لا زالت بقلبها تتقلب..

الصدفة، أم القدر، لا فرق كبير بينهما، أيًا كان ما جمعهما، حطام البطل ونضارة الصغيرة في شقة كانت تسعى استئجارها لأجل زواجها..

يمارسا الجنس في ليلة لقائهما الأولى، أو ليكن الوصف أدق يمارسا الحب في نهار يومهما الأول.. من دون تعارف تقليدي، لا تعرف اسمه، سنه، وظيفته ولا عنوانه، وهو كذلك يجهل كل شيء عن ماضيها، أهلها ، خطوبتها ، يعرفا فقط جسد أحدهما الآخر كما يعرفا ظهر كفيهما..

المشهد الثاني..

يوم بعد اليوم، تتعلق به تلك الفتاة كالطفيل العالق على ظهره المنحني بالهموم والحزن والغدر وخيبات الآمال، تمتص منه حزنه وتلعق همومه، تتغذى على نضجه بقلبها النابض متسارع الدقات.. لا يريد أن يعرف عنها أي شيء، يتقلب مزاجه الحاد بين الهدوء والدعة والصراخ والشدة .. غضب مكتوم بداخله يكاد يحيله لرماد ..

يمارسا الجنس بمتعة وانتظام وتفوق، كل ليلة أو نهار، يأتيان إلى الشقة فيخلعا عنهما ثياب الدنيا والتمثيل والألقاب والمفروض والمعروف والزمن.. بين الجنس المتوافق عليه وبين السادية في المعاملة منه تزداد الفتاة تعلقًا بهذا الناضج الجريح..

تمر الأيام وهي تقضي أيام تمثل مع خطيبها في النهار، تمثل علاقتهما أمام الكاميرات، حتى اختلط عليها الواقع بالهزل، ثم حين يشتد الخناق على عنقها من التمثيل تهرع إلى ملاذها الآمن.. بين أحضان الناضج الغريب الذي لا تعرف حتى اسمه!

يبكي هو، يبكي في أحضان قلبه المصلوب على أربع، وتد الخيانة الزوجية، ووتد موت حبيبته، ووتد انتحار زوجته واتهامه فيها، ووتد الزمن الذي يمر.

الفتاة الصغيرة المنقسمة نصفين، بين خطيب شاب تخرج منه ذرات المراهقة في مرح الشباب الصغير، طلب يدها للزواج سريعًا ويريد أن يتمه خلال أسبوع، أما نصفها الثاني في تلك الشقة التي تذهب لها فتفقد كل نفسها وتعثر على كل ما تحتاجه، تحصل على حضن ومتعة ودفء وبساطة، لكنها لا تعرفه.. لا تعرف شيئًا عنه.

تتذبذب بين هذا وذاك، فتعترف للناضج الغريب بعشقها له حد الجنون، وتوافق على خطيبها الشاب زوجًا نمطيًا للمستقبل..

المشهد الثالث..

يدفن هو زوجته، تغلق القضية بعدما تأكدوا من انتحارها العبثي الذي ملأ غرفته دمًا، ويبكى هو على ضريحها ويدفن حزنه وغضبه معها.. فيعود إنسانًا يكاد يكون طبيعيًا، ويذهب لعشيقته الصغيرة بروح جديدة، روح تدفعه دفعًا لبدء حياة جديدة معها، هي التي علقته بها وأقسمت أن تحبه بكل قاذورته وعيوبه وجنونه..

يفاجأ بها تتردد وترفض، بعد أن عرفت اسمه وسنه ووظيفته وحياته وماضيه، يخيفها ويبعدها عنه الآن رغم أنه من قبل عذبها واغتصبها وما هربت ولا خافت!

اليوم تغير رأيها، وتخبره عن زواجها وأنها اقتنعت أن نهاية علاقتهما الغريبة هي الأفضل..

اليوم فقط يراها عاهرة، وقد كانت تقف أمامه عارية بالساعات ولا يرى فيها أي عهر..

يجري ورائها من شارع لشارع، يظن أنها تلهو كعادتها، أنها طفلة تلعب ولما يرغمها ستفعل ما يريد، ستنام طائعة تحت منه ويجبرها أن تفعل ما يحلو له، وتسعد بما يأمرها به رغم ممانعتها.. ظن فيها كل هذا كما مضى..

فظل خلفها من شارع لشارع يطاردها.. حتى صعدت لشقة أمها.. وحملت مسدس أبيها.. فاقترب يداعبها.. فأطلقت النار.. خانته.. قتلته والدمع في عينيه.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة