أزمة السكر “مستمرة”.. والمواطن بين “الطابور” و”الكرتونة”

تكدس مطبخ أحمد محمود، موظف بأحد البنوك الحكومية الصغيرة، بأكياس المكرونة والملح والأرز التي اضطر لشرائها جبرًا من أجل كيس سكر، بعدما وجدت المحال التجارية في الأزمة الأخيرة، وسيلة مثالية لتصريف المنتجات الراكدة باشتراط بيع السكر مع بضائع أخرى.

بعد جولات في وسط القاهرة، بحثًا عن كيس سكر، اضطر “أحمد” لقبول العروض التي تتفنن فيها المحال التجارية صغيرها وكبيرها، ببيع كيس سكر أو اثنين ضمن شنطة أو كرتونة شبيهة بكرتونة رمضان، تتضمن دقيقًا ومكرونة وأرز وملح وزيت للقلي (650 مللي)، بسعر يناهز 200 جنيه، حسب المحتويات.

ينظر “أحمد” إلى الأزمة بمنطق لا ثقة في الجميع، فالتجار يحركهم الجشع والحكومة يحركها الفشل، وقد وعدت مرارًا بحل الأزمة ولم تف بوعودها، بينما هو وغيره من المواطنين في فئة المجبرين يضطرون كلما احتاجوا كيلو سكر إلى شراء شنطة كاملة بها منتجات قد لا يحتاجونها وجودتها منخفضة كالأرز الذي تزيد فيه نسبة الكسر عن 7%.

أزمة السكر.. ايه اتحقق من وعود التموين؟

في مطلع ديسمبر 2023، وعد وزير التموين علي المصيلحي، بانتهاء أزمة السكر، بالتعاون بين الحكومة والقطاع الخاص، وأعاد التأكيد في 31 من ديسمبر ذاته بأن مشكلة السكر ستكون من الماضي بحلول 15 يناير 2024 مع بدء مصانع القصب إنتاجها في الشهر نفسه.

وفي 28 فبراير الماضي، وعد الوزير مرة أخرى بحل أزمة السكر خلال أسبوع أو عشرة أيام، وأعاد في 5 مارس الجاري الوعد ذاته بتوفير السكر في الأسواق قبل نهاية الشهر الحالي، مع بدء إنتاج محصول البنجر، بينما دخل الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء على الخط بالإعلان في 6 مارس، عن توفير كميات هائلة من السكر في الأسواق.

أهلًا رمضان.. 2 كيلو سكر لكل أسرة

في معارض “أهلًا رمضان” ببعض المحافظات، يقف المواطنون في طوابير من أجل الحصول على كيس 2 كيلو  سكر بسعر 27 جنيهًا، فمع اشتراط حصول الأسرة الواحدة على كيسين بحد أقصى أصبحت العائلة كلها، تتجه إلى المنفذ وتقف في الطابور للحصول على أكبر كمية ممكنة.

اضطر محمود إسماعيل، سائق تروسيكل، لاصطحاب أمه العجوز وزوجته والوقوف في الطابور من أجل الحصول على 6 أكياس سكر بسعر مخفض.

يقول إسماعيل: “خدت التروسيكل بتاعي وأمي والعيال ووقفنا في المنفذ عشان نجيب 6 كيلو.. السكر مش موجود واللي عنده بيبعه بـ 60 جنيه واحنا في رمضان.. وده شهر بيزيد فيه الاستهلاك.. ومش كل ما احتاج أمشي 20 كيلو بالتروسيكل رايح جاي أحرق فيهم جاز عشان أجيب 2 كيلو”.

تقول ندى الزرقاني، طالبة ماجستير: “لقيت عربية لمنافذ البيع فاضية.. قلت أجيب سكر من اللي بـ ٢٧ جنيه، حتى لو معه حاجات تانية.. أحسن من اللي بـ ٥٠ جنيه. لقيت العرض ٢ كيلو سكر + ٢ كيلو ونص بلح بـ ١٨٠ جنيه”.

رفع أسعار السكر إلى 35 جنيهًا

مرة أخرى، وعدت الحكومة، في اجتماعها أول من أمس الإثنين، بانفراج الأزمة، مع حديث عن توجيهات لمصانع البنجر بتسليم طن السكر الحر للقطاع التجاري بسعر 32 ألف جنيه للطن (تسليم أرض المصنع) بهدف طرحه للمستهلك في الأسواق بكميات كبيرة بسعر 35 جنيهًا للكيلو.

يأتي ذلك مع استمرار شركة السكر للصناعات التكاملية في توفير السكر التمويني بسعره كما هو دون تغيير بسعر  12.60 جنيه للمستفيدين من منظومة الدعم -وغالبا لن تجده- واستمرار توفيره في المنافذ بسعر 27 جنيهًا للكيلو.

تقول عزيزة إبراهيم ، ربة منزل: “ما عنديش مشكلة أن سعره يبقى 35 جنيه بس يبقى متوفر.. بقالي شهر تقريبًا باستخدم عسل النحل والسكر الصناعي الخاص بالريجيم في المأكولات والمشروبات.. تخيل أن عسل النحل موجود والسكر نفسه مش موجود ولو موجود يبقى أغلى من العسل”.

السكر على منصات التواصل

خلال الأيام القليلة الماضية، انتشرت عبر صفحات التواصل الاجتماعي منشورات تروج لمنتج السكر بأسعار تتراوح بين 38 و40 جنيهًا، لكن للطلبيات الكبيرة، ما يشير إلى وجود كميات كبيرة مخزنة لدى التجار.

يقول نادي عزام، الخبير الاقتصادي: “ظهور صفحات تعلن عن كميات من السكر وتشترط البيع بالعبوة ذات الـ 10 أكياس على الأقل يشير إلى أن التخزين السبب الرئيسي في الأزمة الحالية، ما يتطلب من الحكومة آليات أكبر لضبط السوق”.

اقرأ أيضًا: الأسعار ورمضان والصوم الكبير.. اختبار مصداقية دولارات “رأس الحكمة”

يضيف عزام: “الغريب أن الهايبرات الكبيرة ليس لديها كميات من السكر حتى أنها تشترط بيع كيس واحد فقط للمواطن، ولدى التجار الصغار كميات أكبر مخزنة، ما يتطلب من الدولة آليات لضبط عملية التداول من الاساس لحل المشكلة ومنع تكرارها”.

تذكّر أزمة السكر الحالية بما حدث في 2016 حينما قلت الكميات المعروضة في الأسواق واضطر المواطنون للوقوف في طوابير طويلة حينها، حتى أن بعض تلك الطوابير استدعت التنظيم من قبل الأمن.

مليون طن سكر للاستيراد.. أين المحلي؟

مع استمرار الأزمة، أعلن مجلس الوزراء عن استيراد 300 ألف طن سكر بصورة عاجلة كمرحلة أولى من مليون طن سكر وافقت الحكومة على استيرادها خلال العام الحالي.

لكن عبد النبي عبد المطلب، وكيل وزارة التجارة والصناعة السابق، يبدي استغرابه من تلك الخطوة. يقول: “الإعلان عن استيراد مليون طن سكر، يعنى 30% من حجم الإنتاج، كيف يعقل ذلك؟”.

ويضيف: “إذا كان استهلاكنا من السكر ثلاثة ملايين طن خلال العام، وننتج نحو 2 مليون و800 ألف طن، يعنى الفجوة السنوية حوالي 200 ألف طن فقط، أو حتى ثلاثمائة ألف طن سنويًا.. هل هذا إعلان عن توقف صناعة السكر فى مصر تدريجيًا.. وهل الاقتصاد المحلي عاجز عن توفير سلعة مثل السكر لمواطنيه؟”.

أزمة البنجر

يجيب على هذا حاتم النجيب نائب رئيس شعبة الخضراوات والفاكهة بالغرفة التجارية الذي طالب بخطوات استباقية لاستيعاب الأزمات قبل حدوثها، وهو أمر ينطبق من وجهة نظره تمامًا على أزمة البنجر.

ويضيف أن سبب المشكلة الحالية هو انخفاض القدرة الاستيعابية لمصانع بنجر السكر وعجزها عن استقبال المحصول، فـ”المزارعون تخلصوا من البنجر العام الماضي برميه في الشوارع.. آلاف الأطنان من البنجر ضاعت بسبب قلة الطاقة الاستيعابية”؛ على حد قوله.

ويبلغ إجمالي إنتاج مصر من السكر 2.8 مليون طن بينها 1.8 مليون طن سكر بنجر ومليون طن من قصب السكر،  وبحسب الدكتور ياسر عبد الحكيم المستشار الزراعي لمشروع “مستقبل مصر”: “وصلنا للاكتفاء الذاتي من السكر بنسبة 100% تقريبًا”.

ويجب توريد البنجر عقب الحصاد مباشرة بحيث لا تزيد الفترة بينهما عن 48 ساعة خاصة فى درجة الحرارة المرتفعة، فالتأخير يقلل من استخلاص السكر تدريجيًا، وإذا ما تم التوريد بعد الحصاد بأسبوع، فإنه يقلل نسبة الاستخلاص للسكر بنسبة تزيد على 20%.

وتحتوى جذور البنجر على 75% من المياه، و20% من المواد الصلبة الذائبة عبارة عن حوالى 16% سكروز و4% مواد غير سكرية كاليتروجين والأملاح المعدنية كالصوديوم والبوتاسيوم، وزيادتها تعيق تبلور السكر وتؤدي إلى انخفاض جودة المحصول.

وبحسب “نجيب”، فإن حل أزمة السكر لن يكون إلا بالتوسع في زراعات البنجر وقصب السكر، وفي الوقت ذاته التوسع الطاقة الاستيعابية للمصانع حتى يمكنها توريد محصول البنجر.

الفلاحون يتخلون عن زراعة القصب والبنجر

ويحذر اتحاد الفلاحين، منذ سنوات، من مشكلة تواجه المحاصيل السكرية بمصر، بعد استبدال مساحات كبيرة من الأراضي بصعيد مصر محصول القصب بالموز، لجدواه الماليًا لهم وإمكانية بيعه بسهولة.

وتصل إنتاجية الموز إلى 30 طنًا للفدان الواحد، بأرباح تصل إلى ربع مليون جنية سنويًا، واضطرت وزارة الزراعة لمجابة انتشاره السريع بوضع مساحة إجمالية له لا تزيد عن 98 ألف فدان.

وانخفضت المساحة المزروعة بقصب السكر خلال موسم 2023 إلى 300 ألف فدان قصب، مقابل 350 ألف فدان قصب في الموسم السابق له، وكان السبب الأساسي استبدال المزارعين لزراعته بمحاصيل أجدى ماليًا.

الأمر ذاته، ينطبق على محصول البنجر، فبحسب المجلس التصديرى للمحاصيل السكرية، تراجعت المساحة المزروعة بالبنجر من 594 ألف فدان إلى 560 ألف فدان خلال الموسم الحالي، بسب رفض المزارعين للسعر الذى تم الاتفاق عليه مع شركات سكر البنجر ويقترب من 1500 جنيه للطن بسبب ارتفاع تكاليف الزراعة.

السكر.. وسيلة دعائية ووسيلة اتهام

تلقى الحكومة بالمسؤولية الأساسية في أزمة السكر على الاستهلاك المحلي المفرط، بينما عزا رئيس مجلس إدارة شركة الدلتا للسكر أحمد أبو اليزيد الأزمة لاستضافة مصر عددًا من اللاجئين بعد أزمة السودان الأخيرة ما أدى لزيادة الضغط على سلعة السكر وارتفاع أسعاره.

وأكدت دراسة لمجلس المحاصيل السكرية بوزارة الزراعة المصرية، أن معدل استهلاك الفرد بمصر من السكر يبلغ 34 كيلو سنويًا مقابل 20 كيلو جرامًا للمعدل العالمي.

وقد أصبح السكر أحد الأنشطة اليومية الدعائية لرؤساء المدن الذين يحرصون على زيارة منافذ التوزيع والتقاط الصور بين المواطنين، والتشديد على حرص الدولة على تخفيف العبء عن المواطنين بإمدادهم بما يلزمهم من سلع غذائية ضرورية بأسعار مخفضة عن مثيلاتها بالأسواق؛ لمحاربة الغلاء واحتكار التجار للسلع.

لا يهم أحمد محمود، موظف البنك، من المسؤول عن أزمة السكر ولا تعقيدات المساحات المزروعة والمحاصيل البديلة وتعقيدات الاستيراد من الخارج والدولار وتداعياته.. كل ما يهمه هو كيس سكر جيد يعود به بمفرده دون أن يكون معه أصدقائه من المكرونة والدقيق والملح.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة