الدَّم والقهوة والفيلم… ومحاولات الانتحار الفاشلة

الدَّم

تتعدد خطايا البشر، تكثر جرائمهم، قتل ودم وتدنيس لحرمات، إفساد وفساد، شر خالص، قد يظن من يشاهد أنه لا خلاص من كل هذه الذنوب، أن الموضوع انتهى وفاز الشيطان. هل يستطيع شخص أن ينفض يده من الدَّم ويغير مسار حياته بعد أن يرتكب حماقات وجرائم كثيرة؟

أرتشف فنجان القهوة ببطء شديد، لأبحث عن قاتل للوقت، لأبحث عن مبرر لتمضيته، لأبحث عن الوقت نفسه في بضع قطرات من الكافيين، أم فقط لأني أحب مذاقها؟

أفكاري مشتتة، أجمعها من على موائد الصداقات الضائعة والسجون والطرقات، ومنعطفات الأمل بخيباتها. وأشواق لا تنتهي لأشياء انتهت، والفشل المحتوم والصراع الطبقي، والتكملة الإجبارية وضعف لغتي، و«وش القهوة».

القهوة

للقهوة طريقة خاصة في الصنع، تختلف من فرد لآخر.. بها جزء من الخلاص. مما نحاول أن نتخلص؟ الخلاص من رتابة الحياة؟ الخلاص من الحياة ذاتها؟ الخلاص من انعدام المعنى؟ أم الخلاص من ثقل الذنوب ربما؟

قرأت مقالًا، وتعليقات للبعض على مواضيع طرحتها بالأمس على صفحتي، وألقيت نظرة على صندوق البريد، أقصد البريد الإلكتروني. أنا في حالة انتظار دائمة، لما لا أعلم! لا أظن أني الوحيدة في حالة الانتظار والوحدة. أنا أنتظر وحيدة وَسَط ملايين من النساء والرجال ينتظرون في وحدة.

نظرت إلى الوارد في صفحتي الشخصية فعلمت أني فقدت صديقين جديدين لغوا صداقتهم، لا أعلم السبب تحديدًا لكنى أستطيع أن أتكهن ببعض الأسباب المنطقية. نظرت إلى صندوق البريد الوارد «الآخر» في صفحتي نفسها، رسائل إباحية، تجاوزات لفظية، دعوات للتعارف، واعترافات بميول جنسية في إطار التحرش!

الفيلم

تعبت، أو قل مللت حد الإعياء. تابعت الفيلم الذي يفترض أن تكون هذه المقطوعة عنه، شعرت أنه لا شيء فيه على الإطلاق! وأن كل شيء فيه كتلك الحياة التي لا تنفك تكرر نفسها وتفرض وجودها علي يوميًا. فيه نفس الجنون اللا منطقي الذي نحياه، في إطار رتيب ممنهج من النظريات التي تحاول تقييده.

انتهيت منه ولا أعلم هل هو السبب؟ أم رائحة القهوة؟ أم طعم الدَّم العالق في حلقي؟ أم ثقل القيد في كاحلي الذي لم أتخلص منه؟ لكني تساءلت سؤالي المعتاد، لماذا لم أقدم بعد على الانتحار؟! وأجبت نفس الجواب: أن الدافع الوحيد لعدم قيامي بذلك هو شيء من الفضول المعلق في ذهني.

محاولات الانتحار الفاشلة

أنا في العادي لست فضولية إطلاقًا، تلك الخاصية ليست عندي، أنا أستطيع أن أنتظر من دون ملل، أيام نتيجة الثانوية العامة علمت أنها ظهرت مساءً، كان هناك ظروف تمنعني من أن أحضرها من «فوري»، لذلك بكل هدوء خلدت للنوم وانتظرت الصباح.

منذ بضعة أشهر كنت أذهب إلى جلسات تجديد حبسي احتياطيًا ولا أتسائل عن القرار، وأعود منهكة إلى السجن لا يشغل بالي قرار الجَلسة، ربما لأني أعلم أنها مجرد «مسرحية» ذهبت لتمثيل أحد فصولها فحسب، أو ربما لأني مع الوقت فقدت اللهفة تمامًا.

فقدت كثيرًا من الخواص الإنسانية والعواطف مع الزمن، لكن هذه الخاصية أظن أنى لم أحملها يومًا. ومع هذا شيء من الفضول ينتابني لأكمل هذه الحياة التي أعطيت وإن لم أسألها. الفضول ربما نفسه عندما أحصل على كتاب وأجده مملًا أو سيئًا للغاية. أبدًا لم أغلق كتابًا قبل أن أنهيه، ربما نقص في الشجاعة، أو فضول للوصول للنهاية، أو لقتل خيالاتي التي ستكمل الناقص!

لذلك أنا لم أنتحر..

ذاكرتي الضعيفة لا تسعفني لأكتب حتى تفاصيل اليوم، ومزاجي الأزرق يمنعني من أن أعيد تفاصيل الفيلم، تخيل لو أن للإكتئاب لونًا، وللحزن لونًا، وكذا لكل المشاعر. ألوان حقيقة تظهر على وجوهنا، تخيل!

نسيت أن أقول لكم عن الفيلم، هو مجموعة إجرامية متنوعة، أحداث بين الأكشن والإثارة والفلسفة تدور في إطارهم الحياة، ليلقى كل واحد نهاية تختلف عن الآخر. جذبني الأسمر وحده دون البقية، فكلهم عاشوا وماتوا بلا قيمة تذكر لأعمالهم في نظري، إلا الأسمر الذي وجد الخلاص من قيود الرحلة كلها، وقرر أن يسبح في الأرض هكذا من دون دليل. صحيح أنه وجد الدليل في الدين، لكن لا عيب في هذا أليس كذلك؟

أنا أظن أن الله موجود في الأرض وليس بالسماء! هو هنا بعلامات ودلائل وإشارات، لكن ليس من العدل أن يتدخل في اللعبة ويعود فيحاسبنا! لذلك هو موجود وواجد لكل شيء، لكنه لن يتدخل بشكل مباشر. كل شيء موجود كالأحجية المعقدة في الدنيا، وأنت في الآخر من تقرر لنفسك.

شاهدوا فيلم الليلة Pulp Fiction»».

كان يحمل حقيبة، تحتوي على شيء مثير جدًا لا يعرف أحد ماهيته. «صامويل جاكسون» الأسمر الجذاب وصديقه «جون ترافولتا» انتقلا من مكان لمكان، وفى كل أرض يدخلاها يتسببا في موت ودمار. تبلد واضح في مشاعرهما وهما يقتلان هنا وهناك، والحقيبة في أيديهما، تلك الحقيبة التي كانت تحمل الخلاص لهما بشكل أو بآخر، حملها الأسود وحمل العلامات وتخلص من حياته الإجرامية.

ربما أحمل هذه الحقيبة وأنا لا أشعر، الحقيبة التي بها الخلاص، الخلاص من اللا شيء وضياع المعنى لهذه الحياة السرمدية التي يبدو أنها لم تعد تحمل أي معنى.

ربما الحقيبة نفسها أنت تملكها، ربما في «القصة» الخلاص، أو ربما في القهوة، أو في الحقيبة الشر، أو رئيس العصابة الذي اغتُصب من مجرمين ربما هو الشيطان. ربما الأسود الذي تحرر من الحقيبة ومن العصابة والإجرام هو خليفة الرب، هو الله في الأرض، كما كان يكرر دوما آية من الإنجيل تقول: «طريق الإنسان المستقيم محاصر من جميع الجهات من قبل ظلم الأنانية واستبداد الرجال الأشرار، باسمه المبارك و ذو النوايا الحسنة، سأحمي الضعيف خلال وادي الظلام. لمن حفظ أخاه بصدق و ملهم الأطفال الضائعين, و سوف ألقي بعذابي الشديد و غضبي العارم على هؤلاء الذين يحاولون تضليل و تدمير إخوتي، وسوف تعرف أن اسمي هو (الله) عندما أصب غضبي على هؤلاء».

ربما لا معنى لهذا المقال، كما لا يوجد معنى للفيلم، ربما هكذا كلاهما مقصود. عدمية المعنى في المقال كالفيلم كالحياة، ينزلق كل شيء إلى اللا شيء، نوع من الخيال الرخيص، كما هو اسم الفيلم، وكما هي تلك المقالة.. وربما كما هي الحياة.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة