كيف تُقدَّم المرأة في السباق الانتخابي؟

في كل موسم انتخابي، تتكرر الأسئلة القديمة حول مشاركة النساء في الحياة السياسية المصرية. لكن هناك سؤالًا أهم يستحق التوقف أمامه: كيف يرسم الإعلام صورة المرأة المرشحة؟ وهل تحصل فعلًا على فرصة لعرض أفكارها وبرنامجها، أم يتم تقديمها فقط كحالة استثنائية أو واجهة رمزية؟

من المفترض أن يكون الإعلام وسيلة لعرض الرؤى السياسية ومناقشة البرامج، لكنه في كثير من الأحيان يتعامل مع المرأة المرشحة على أنها مجرد "ظاهرة" تستحق الانتباه، لا كشخصية سياسية تطرح أفكارًا ومواقف.

أسيرة نمط استعراضي

فبعض وسائل الإعلام ما زالت أسيرة للنمط الاستعراضي أكثر من مضمون ما تطرحه، مما يُفقد التغطية معناها السياسي الحقيقي، ويحجب عن الجمهور فرصة التعرف على المرشحة بصفتها فاعلة في المجال العام، لا مجرد حالة لافتة للنظر.

الناخبات المصريات ايقونة بارزة في الحضور الانتخابي - مواقع الكترونية
الناخبات المصريات ايقونة بارزة في الحضور الانتخابي - مواقع الكترونية

هذا الأسلوب في التناول الإعلامي لا يمكن اعتباره مجرد تجاوز مهني، بل هو انعكاس لثقافة إعلامية تضع المرأة تحت المجهر، ليس لتقييم كفاءتها أو أفكارها، بل للحكم على مدى "قبولها" اجتماعيًا، ومدى توافقها مع الصورة النمطية المفروضة عن المرأة .

 

ولا أنكر أنه في السنوات الأخيرة، أصبحت وسائل الإعلام أكثر حضورًا في متابعة مشاركة النساء في الانتخابات، وأُفردت مساحات جيدة لتسليط الضوء على بعض النماذج النسائية المؤثرة، خاصة مع بروز عدد من النماذج النسائية صاحبات الحضور السياسي القوي، غير أن طريقة التناول لا تزال في أحيان كثيرة تميل إلى التركيز على الجوانب الشكلية أو الشخصية، أو "غرابة" التجربة، على حساب تحليل الأفكار والبرامج الانتخابية.

وقد لا يكون ذلك نابعًا من نية سيئة أو تمييز مباشر، بل في أحيان كثيرة نتيجة ثقافة إعلامية تُفضل "القصة اللافتة" على الرؤية المتماسكة. وهنا يظهر التحدي: كيف يمكن تقديم المرشحة كصاحبة مشروع سياسي متكامل، وليس فقط كـ"حالة" جذابة للعرض الإعلامي؟

صورة المرشحة

حين يُدار الإعلام بوعي مهني، يمكن أن يتحول إلى أداة قوية لدعم المشاركة السياسية للنساء. فالإعلام ليس مجرد ناقل للخبر، بل هو صانع للرأي العام، ومؤثر مباشر في تشكيل صورة المرأة في المجال العام، سواء ناخبة أو مرشحة أو قائدة.

في المقابل، حين يفقد الإعلام بوصلته، ويتحول إلى منبر لتكريس الصور النمطية يصبح جزءًا من المشكلة، فالإعلام الذي يُظهر المرأة السياسية كديكور، أو يستضيفها للزينة لا للفكرة، يساهم فعليًا في تهميشها، حتى لو فعل ذلك بنبرة ناعمة.

بحضور للنائبات.. لجنة برلمانية مصرية تناقش الآراء حول مشروع القانون الذي قدمته الحكومة حول الإيجار القديم (مجلس النواب)
بحضور للنائبات.. لجنة برلمانية مصرية تناقش الآراء حول مشروع القانون الذي قدمته الحكومة حول الإيجار القديم (مجلس النواب)

ما نحتاجه هو إعلام يفتح مساحات جادة للمرشحات، يناقش أفكارهن، يعرض تجاربهن لا صورهن فقط، ويُعامل وجودهن في السياسة كحق، لا كاستثناء.

وهذا يتطلب إرادة داخل المؤسسات الإعلامية، ورقابة مجتمعية ترفض الخطاب السطحي أو المشوِّه، وتطالب بإعلام أكثر مسؤولية.

لكن يجب الاعتراف بأن صورة المرشحة ليست مسؤولية الإعلام وحده. فالأحزاب السياسية أيضًا تتحمّل جزءًا كبيرًا من هذه الصورة، لأنها المصدر الأول الذي يغذي الإعلام بالمضمون، ويختار من يُقدم للرأي العام، وكيف.

حين تدفع الأحزاب بمرشحات غير مؤهلات لمجرد استكمال "كوتا"، أو تُقصر دعمها الإعلامي واللوجستي على المرشحين الرجال، فهي تساهم في تكريس الهامشية، وتدفع الإعلام – عن وعي أو عن جهل – لتكرار نفس النمط.

وحين لا تُدرِج المرأة في خطاباتها السياسية كفاعل أساسي، ولا تُظهرها في مؤتمراتها وبرامجها ومفاوضاتها، فإن أي تغطية إعلامية لاحقة ستعكس هذا الغياب، أو ستملؤه بصور سطحية.

والعكس صحيح: عندما تقدم الأحزاب مرشحات متمكنات، وتدعمهن بخطاب واضح، وتمنحهن منصات عادلة، فإن الإعلام يجد نفسه مضطرًا لتغطية جادة ومسؤولة، لأن المادة الجيدة تفرض نفسها.

كسر الصور النمطية

لكي تصبح المشاركة السياسية للنساء حقيقية، يجب أن يعمل الإعلام والأحزاب معًا على كسر الصور النمطية، وتوفير منصات آمنة، ومساحات جادة، تسمح للمرأة بأن تُعرّف نفسها بنفسها، لا أن تُقدَّم من خلال عدسة الآخرين.

لذلك، فإن إصلاح صورة المرأة في الإعلام لا يبدأ من الكاميرا، بل من خلف الكواليس: من ترشيحات حقيقية، ودعم سياسي واضح، وتدريب داخلي يمنح النساء الأدوات اللازمة للظهور بثقة ومعرفة.

عدد من نائبات مجلس النواب 2020 يتوسطهن رئيس المجلس المستشار حنفي جبالي
عدد من نائبات مجلس النواب 2020 يتوسطهن رئيس المجلس المستشار حنفي جبالي

وحين يحدث ذلك، لن نكون فقط أمام مشهد انتخابي أكثر عدلًا، بل أمام مجتمع أكثر وعيًا بما يعنيه التمثيل، وما تملكه النساء من قدرة على التغيير.

ما نحتاجه اليوم هو إعلام أكثر مسؤولية، وأحزاب أكثر التزامًا، ومجتمع أكثر وعيًا بأن المرأة السياسية ليست استثناءً، بل فاعل أصيل في صياغة السياسات وصناعة المستقبل. عندها فقط، لن تعود مشاركة المرأة في الانتخابات موضع دهشة أو تساؤل، بل حقيقة طبيعية في مشهد ديمقراطي متكامل.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة