مشاركة المرأة في الانتخابات ليست ترفًا ديمقراطيًا، أو وجهًا لتجميل المشهد السياسي. إنها، ببساطة، أساس معركة التغيير ، الذي لن يُكتب لها النجاح دون مشاركة كاملة وواعية من كل فئات المجتمع .
لقد عانت المرأة من التهميش على جميع المستويات: اجتماعيًا بفعل الثقافة الذكورية، وسياسيًا عبر تمثيل رمزي مفرغ من التأثير، إلا أن تحولات الواقع تفرض تجاوز هذا التهميش، لتصبح المشاركة الحقيقية للمرأة جزء لا يتجزأ من المشروع الديمقراطي، المرتبط بتحقيق العدالة.
حين يرتفع صوت النساء، لا يعلو الصوت النسوي فقط، بل يرتفع منسوب الحرية كله
انتخابات تُقصى فيها النساء عن الترشح الجاد، أو تُستبعد أصواتهن بالتهميش أو التوجيه أو التلاعب، لا يمكن أن تفرز تمثيلًا شعبيًا حقيقيًا، ولا أن تعبّر عن مجتمع حيّ. فالمرأة لا تنتخب فقط من يشبهها بيولوجيًا، بل من يمثّل قضاياها وقيمها وحقوقها. وهذه الحقوق، في جوهرها، لا تنفصل عن قضايا التعليم والصحة والعمل والعدالة والمساواة.
من هذا المنطلق، فإن دعم النساء في الانتخابات لا يجب أن يظل مجرد مطلب "نسوي" موجه للنساء وحدهن، بل هو التزام سياسي لكل من يؤمن بالديمقراطية والمواطنة . تمكين النساء من المشاركة ليس منّة من حزب أو نظام، بل بوعي مجتمعي بضرورة أن تُدار الدولة بعقول وخبرات تمثّل كل فئات الشعب.
التمكين السياسي للمرأة
لانحتاج إلى نساء يُقدّمن في الحملات الانتخابية كديكور رمزي، بل نحتاج قائدات ومفكرات ومشرّعات يدافعن عن مستقبل أكثر عدلًا وإنصافًا. نحتاج برلمانات تُشرّع القوانين بعيون ترى النساء مواطنات كاملات لا تختزل دورهن في الرعاية، بل تعترف بكفاءتهن في القيادة والتشريع.

فرغم التقدم الذي تحقق في العقود الأخيرة على مستوى تمثيل المرأة ، لا يزال التأثير السياسي الفعلي للنساء دون المستوى المطلوب. فمشاركة المرأة في الحياة السياسية يجب ألا يكون هدفه الوفاء بإلتزام دستوري أو اتفاقيات دولية بل يجب أن ينبع من إيمان حقيقي بأحقية المرأة وقدرتها على المشاركة التي تمثل ضرورة حيوية لضمان ديمقراطية حقيقية.

ولا يمكن الحديث عن تمكين سياسي للمرأة دون الربط بينه وبين التمكين الاقتصادي والاجتماعي. فامرأة تعاني من الفقر، أو تُحرم من التعليم، أو تُقصى من سوق العمل، يصعب أن تكون فاعلة في المجال العام. ولهذا، فإن أي استراتيجية لزيادة المشاركة السياسية للنساء يجب أن تكون جزءًا من إصلاح اجتماعي واقتصادي أوسع.
ومن الخطوات التي تؤدي لتعزيز دور المرأة في الحياة السياسية:
- تطوير "كوتة" ملزمة ومؤقتة تشمل التمثيل الحزبي والمناصب التنفيذية.
- كسر الصورة النمطية للمرأة في الإعلام، وتقديم نماذج نسائية ملهمة.
- ترسيخ قيم المساواة في التعليم منذ المراحل الأولى
- ربط التمكين الاقتصادي بمسارات تشجع على المشاركة السياسية.
- تبني الأحزاب السياسية سياسات داخلية واضحة لتمكين النساء، وتوفير برامج تدريب فعالة تؤهلهن للمنافسة السياسية والانتخابية.
إن مشاركة المرأة في الحياة السياسية ليست هامشًا يُضاف إلى متن السياسة، بل هي صلب المعادلة.
وحين يرتفع صوت النساء، لا يعلو الصوت النسوي فقط، بل يرتفع منسوب الحرية كله.