على الرصيف الموازي لمدرسة مستشفى أحمد ماهر بشارع بورسعيد، جلست "م.ن" بملابسها الريفية وبشرتها المصرية السمراء، تحتضن طفلها الصغير وأمامها قفص عليه عُلب مناديل بكل الأحجام تبيعها للمارة.
حين اقتربنا منها وسألناها عن نيتها في المشاركة في الانتخابات البرلمانية القادمة أكدت لـ فكّر تاني أنها سبق وشاركت في الانتخابات الماضية، وأعطت صوتها لمرشح الدائرة، لكنها لم تره بعد ذاك اليوم، بل إنها لا تتذكر اسمه. قائلة: "كنت أتمنى يهتم بالفقراء في دايرته.. بس ماحصلش".
"اللي يروح الانتخابات، ويدي صوته لحد ما يعرفوش ولا يعرف دوره إيه في المجلس، يبقى منافق ومرتشي، لأنه إدى صوته عشان رشوة"، وعن نيتها التصويت مجددًا، توضح: "احنا خدنا إيه من الانتخابات اللي فاتت عشان نشارك في اللي جاية؟".
بينما لـ "ر.ع" رأي مختلف، وقالت بابتسامة ساخرة: "احنا مش بنرقص في الانتخابات لأي حد، بس هناخد الـ 200 جنيه والوجبة، مش كل يوم بنلاقيهم. هي ساعة زمن بنديله صوتنا وخلاص، ونبقى كأننا اشتغلنا وكلنا لقمة حلوة مش بنشوفها غير بالصدفة في المواسم".
تتساءل: "مستكترينهم علينا ليه، هو احنا بنشوف منهم حاجة، ولا بنشوفهم وهم في المجلس ولا براه!"، ومع ذلك تؤكد مشاركتها في التصويت، رغم قناعتها بأن "الانتخابات محسومة ومطبوخة مقدما للي يدفع أكتر".
الوعي الانتخابي
بين رأي السيدتين تتجلى الحقيقة: أن الانتخابات معركة وعي، وفق مراقبين وسياسيات تحدثوا لـ فكر تاني.
في الانتخابات الرئاسية 2024، بلغت نسبة تصويت النساء 60%، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، بعد أن كانت نسبة مشاركتها 44% في انتخابات الرئاسة 2014، بحسب المرصد المصري، ما يدل على أن نسبة مشاركة المرأة في الانتخابات يزداد مرة بعد الأخرى.
حصلت المرأة على 149مقعدًا من إجمالى 564 مقعدًا فى مجلس النواب2020، ووصلت نسبة تمثيلها فى مجلس النواب إلى 27%، بعد تعيين رئيس الجمهورية 14 امرأة عضوا بالبرلمان وهي النسبة الأعلى للمرأة في تاريخ البرلمان المصري ما يجعل مصر تحتل المركز الـ 16 عالميًا، والأول عربيًا فى تمثيل المرأة فى مجلس النواب.
بلغت نسبة النساء في مجلس الشيوخ 14% بواقع 41 مقعدًا من إجمالي 300 مقعد، وعُينت امرأة لأول مرة في منصب وكيل مجلس الشيوخ.
هكذا تحسن المرأة الاختيار
أما عن دور الدولة والأحزاب في تحفيز مشاركة المرأة، والتصويت في الانتخابات البرلمانية القادمة، يقول أحمد قناوي أمين عام حزب العدل لـ فكّر تاني: "دور الدولة هو توعية المجتمع -والمرأة بالطبع- بالعناصر الرائدة التي تمثلها في الانتخابات البرلمانية. حينها تتحمس النساء لمرشحين/ات بعينهم/ن لهم/ن برامج سياسية تمثلهن وتعبر عنهن. كما أنه على الأحزاب أن تستثمر دور المرأة في حملات التوعية، فحين تشعر السيدات بأن مصلحتهن في هذا المرشح/ة أو هذا البرنامج، لاهتمامه/ا بالصحة أو التعليم مثلًا، أو ما يهمها بشكل عام، ساعتها تُحسن الاختيار، وتدلي بصوتها".
بعد25 يناير
"قانون الانتخابات اسمه قانون ممارسة الحقوق السياسية، ويعني أنه على كل مواطن/ة واجب وطني للإدلاء بصوته/ا في الانتخابات، وعندما يكون المجال السياسي مفتوحًا للجميع، يشجع على المشاركة في الانتخابات، والدولة تدعو المواطنين/ات للمشاركة بالتصويت. وعلى النساء اختيار المرشح/ة الذي يمثلهن ويفيدهن، وعلى هذا الأساس تعطيه/ا صوتها"، تقول النائبة سميرة الجزار عضوة مجلس النواب عن الحزب المصري الديمقراطي لـ فكّر تاني.
قدم دستور 2014 فرصًا حقيقية للقضاء على التمييز ضد النساء وتحفيز مشاركتهن السياسية، ما لم تشهده الدساتير المصرية السابقة. نصت المادة 11 من الدستور على أن: "تكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفقًا لاحكام الدستور.
وتعمل الدولة على اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة تمثيلًا مناسبًا في المجالس النيابية، على النحو الذي يحدده القانون، كما تكفل للمرأة حقها في تولي الوظائف العامة ووظائف الادارة العليا في الدولة والتعيين في الجهات والهيئات القضائية، دون تمييز ضدها، وتلتزم الدولة بحماية المرأة ضد كل أشكال العنف، كما تكفل تمكين المرأة من التوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل ، وتلتزم بتوفير الرعاية والحماية للأمومة والطفولة والمرأة المعيلة والمسنة والنساء الأشد احتياجًا".
كما نصّت المادة 53 على أن المواطنين لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين أو العقيدة أو الجنس أو الأصل أو اللون أو اللغة أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعي أو الانتماء السياسي أو الجغرافي.
وتضيف عضوة مجلس النواب: "النساء هن الأكثر مشاركة في التصويت في الانتخابات الماضية، وتحديدًا بعدما عرفن دورهن وقيمة أصواتهن في الحياة السياسية، خاصةً بعد ثورة 25 يناير وقبل أن أصبح عضوة في مجلس النواب كنت أرى السيدات الأكثر مشاركة في الانتخابات، وحين تعرف المرأة أنه لا تغيير ولا جديد في الحياة، تعزف عن المشاركة مثلها مثل الشباب الذين عزفوا عن المشاركة في الانتخابات السابقة".
ديمقراطية.. نزاهة.. شفافية
ترى منى عزت رئيسة مؤسسة النون لرعاية الأسرة، أن المحور الأساسي لتشجيع المرأة للمشاركة بالتصويت في انتخابات البرلمان القادمة هو أن تتمتع هذه الانتخابات بالديمقراطية والنزاهة والشفافية، والأهم، توفير بيئة آمنة للنساء لاستبعاد أي عنف ضدها، وألا تشعر المرأة بالخوف على سلامتها، وتشعر بالطمأنينة على نفسها بالحفاظ على أمنها الشخصي، بالإضافة إلى ضرورة أن تشعر بأن لصوتها قيمة ويؤخذ به".

أما عن دور المجتمع المدني في تحفيز المرأة على المشاركة بقوة في الانتخابات القادمة. تقول رئيسة مؤسسة النون لرعاية الأسرة لـ فكّر تاني: "إن توافر المحور الأساسي في الانتخابات يخلق فرصة للمجتمع المدني كي يفتح حوارًا مجتمعيا للنساء. ويكشف لهن أهمية دورهن في الانتخابات، وأهمية المشاركة بقوة فيها وكذا أهمية الإدلاء بأصواتهن".
وتؤكد: "هنا تبدأ معركة الوعي، بتنظيم فعاليات مباشرة مع الجمهور، وكذا استخدام مواقع ومقار المجتمع المدني في ذلك، وتفعيل دور المرأة للتصويت وتسهيل المشاركة في الانتخابات بداية من تسهيل المواصلات، ومواعيد اللجان، ومن خلال النداوت يُكشف لهن قيمة أصواتهن"، مشيرةً إلى أهمية أن يكون مجلس النواب معبرًا عن مصالحهن، وأن يتيح الفرص أمام المجتمع المدني لتوعية النساء بذلك، ومده بالمعلومات، وهو ما يحفز المجتمع المدني للعمل على توعية السيدات.
اقرأ أيضًا:دعم لا وعود.. ما تريده النساء من البرلمان القادم
من أين يأتي التحفيز والانتخابات محسومة!
تقول إلهام عيداروس وكيلة مؤسسي حزب العيش والحرية -تحت التأسيس، لـ فكّر تاني:"إن تحفيز المواطنين/ات على التصويت في الانتخابات المقبلة يتطلب أولًا أن تكون الانتخابات قائمة على برامج حقيقية للمرشحين/ات، وأن تتيح مساحة لحرية الرأي والتعددية السياسية". وتؤكد أن الشعور بجدوى الصوت الانتخابي لن يتحقق ما دامت النتيجة محسومة مسبقًا، إذ يفقد المواطنون/ات الحافز للمشاركة حين يشعرون بعدم تأثير أصواتهم/ن.

وترى وكيلة مؤسسي حزب العيش والحرية، أن صور الحشد الانتخابي، خاصة استغلال النساء في دعم بعض المرشحين/ات، تثير استياء الكثيرات والكثيرين، ما يؤدي إلى العزوف عن التصويت. ورغم ذلك، لاحظت إلهام أن نسبة مشاركة النساء في الانتخابات غالبًا ما تكون أكبر، لكنها ليست نابعة من قناعة سياسية، بل بسبب الرشاوى الانتخابية، وهو ما ظهر في الانتخابات الماضية، حيث اصطفت طوابير النساء بشكل لافت مقابل حضور ضعيف للرجال.
وتشير إاهام عيداروس إلى أن قانون القائمة المطلقة يفقد الناخب/ة القدرة على اختيار من يمثله/ا فعلًا، إذ يمكن وجود -في القائمة الواحدة- من يدافع عن قضاياه/ا بجانب من يعارضه/ا، ما يدفعه/ا للعزوف عن التصويت، أو المشاركة بمقابل مادي، لا قناعة بالعملية الانتخابية.
أسر سجناء الرأي
تقول أماني حمدي زوجة المصور الصحفي حمدي الزعيم، المعتقل منذ أكثر من 8 سنوات بين الحبس الاحتياطي والتدابير الاحترازية، إنها لم تشارك في أي انتخابات سابقة، لكنها مستعدة للتصويت إن كان ذلك سيساهم في الإفراج عن سجناء الرأي.

"نحن مع أي خطوة تؤدي إلى خروج المعتقلين/ات، فقد مضت سنوات طويلة، وأسرهم/ن عانت كثيرًا من أعباء الحياة والحرمان، وننتظر أي بصيص أمل يمنحهم/ن فرصة للعيش مجددًا مع أبنائهم/ن". وتتابع، قد يرفض البعض التصويت بسبب القوانين: "لكني سأفعل أي شيء يمكن أن يساهم في الإفراج عنهم/ن".

ومن جانبها، تقول سلوى رشيد زوجة المعتقل شادي محمد، لـ فكّر تاني: "الأولوية الآن بالنسبة لي هي الإفراج عن المعتقلين/ات، فهو المعيار الأول لقياس أي انفراجة سياسية".
لكنها شددت في الوقت نفسه على أن هذا لا يكفي لتشجيعها على التصويت، مشيرةً إلى أن الحياة السياسية تعاني من اختلالات كثيرة، وأن المشاركة قد تُستخدم لتجميل صورة النظام.
"لدينا تجارب سابقة لم تؤدِ لنتائج حقيقية، فرغم وجود نواب ونائبات معارضين/ات، إلا أن القوانين المجحفة استمرت، مثل التنازل عن تيران وصنافير". وتختتم حديثها قائلة: "قد يقال إن موقفي متطرف، لكن لا معنى للمشاركة إذا كانت تشرعن انتهاكات وقوانين ضد مصلحة المواطنين".
اقرأ أيضًا:التمكين البرلماني للنساء
مواطنة قادرة على التغيير
وفاء عشري القيادية بحزب العيش والحرية -تحت التأسيس، لـ فكّر تاني، إن نظام "القائمة المطلقة" يزيد من التحديات أمام الأحزاب الصغيرة والمجتمع المدني، ما يفرض عليهم دورًا مضاعفًا لضمان تمثيل حقيقي وفعّال للمرأة، خاصة في ظل القيود الأمنية أو ضعف التمويل.
"إن ترشيح الأفراد يتطلب آليات دعم شاملة، تشمل التمكين المجتمعي، والتحفيز السياسي، ورفع الوعي بحقوق المرأة كمواطنة كاملة".
وتوضح وفاء أن أهم محفزات مشاركة النساء في الانتخابات هي دعم الأحزاب لترشيح نساء مؤهلات وذات كفاءة، وإدراج قضايا المرأة في برامجهم. فكلما شعرت المرأة بأن هناك من يمثّلها ويدافع عن قضاياها، زادت رغبتها في التصويت.

وعن دور المجتمع المدني، أكدت وفاء على أهمية مراقبة التمثيل النسائي، ومساءلة الأحزاب، وإصدار تقارير حول نسب مشاركة النساء، وتشجيع التصويت للمرشحات المستقلات، إلى جانب رصد أي انتهاكات أو تمييز ضد النساء، خاصة في المناطق التي تعاني من ضعف الوعي أو الثقافة الذكورية. كما تدعو إلى بناء تحالفات وشبكات نسوية لتبادل الخبرات والدعم.
بينما تقول نجوى عباس عضوة المكتب السياسي بحزب التحالف الشعبي الاشتراكي لـ فكّر تاني، إن دور الأحزاب لا يقتصر على الانتخابات فقط، بل يشمل تحفيز المواطنين/ات على المشاركة السياسية عمومًا، مشيرةً إلى أن الترشح والتصويت جزء من هذه المشاركة.
وتوضح أن الأحزاب تنظم دورات تثقيف وتدريب لأعضائها، وأحيانًا لغير الأعضاء أيضًا، لرفع وعي الجماهير، وهو دور حيوي يجب أن يُمارس باستمرار.
هدر 49 % من أصوات الناخبين
كريمة الحفناوي القيادية بحزب الاشتراكي المصري تؤكد لـ فكّر تاني: "رفض الحزب لقانون الانتخابات بالقائمة المطلقة، لأنه يهدر أصوات 49 % من الناخبين، وبالتالى لا يعبر عن إرادة الشعب الحقيقية، ويفرز برلمانا لصوت الأغلبية، وصوت القادرين ماديا، الذين يعملون لمصالحهم، وليس لمصلحة غالبية الشعب المصرى".
وعن زيادة نسبة تصويت المرأة في الانتخابات القادمة تقول الحفناوي:" لا أعتقد أن الإقبال على التصويت سيزيد عن الانتابات السابقة، حتى مع زيادة نسبة من لهن حق التصويت، ويجب أن ندرك أن ما يتم فى الانتخابات من شراء أصوات الغلابة والفقراء، ومنهم النساء، للخروج للتصويت مقابل فلوس نقدية وكراتين عينية مملوءة بالأغذية، أو إجبار العاملين والعاملات بالدولة أو الشركات على الذهاب فى أتوبيسات توفرها الجهات المسئولة من أجل التصويت لقوائم بعينها، وهى قوائم الموالاة، أيضا هذا لا يعبر عن الأرقام الحقيقية، وفى ظل الأزمة الطاحنة الحالية ستكون محاولات شراء الأصوات أكثر، لكن لا أعتقد أن الإقبال سيكون كثيرا، بعد فشل النظام فى تحقيق تنمية اقتصادية حقيقية ،أو رفع مستوى معيشة الملايين من الشعب المصرى، وأيضا فشل مجلس النواب فى سن تشريعات وقوانين لصالح الغالبية من الشعب المصرى".

وتوضح القيادية في حزب الاشتراكي المصري دور الأحزاب والمجتمع المدني في الانتخابات البرلمانية القادمة قائلة:" إذا تكلمنا عن دور الأحزاب، فمن المفروض أن يكون هناك مساحة حرية للأحزاب المعارضة، حتى تنشر برامجها وآرائها من خلال المؤتمرات، ووسائل الإعلام لتعرف الجماهير آراء وبرامج المرشحين، ويكون الاختيار وفقا لبرنامج المرشح، لكن للأسف لا يتم ذلك، ويتم إفساح المجال فقط لأحزاب الموالاة للسلطة، وهذا يتسبب فى إما عزوف الأحزاب المعارضة عن المشاركة، أو المشاركة من خلال المقاعد الفردية فقط، لأننا نرفض القائمة المطلقة، وطالبنا بالقوائم النسبية".
وتشير، إلى أن نسبة تصويت النساء في الانتخابات القادمة لن تزيد عن السابق، رغم ارتفاع عدد من يحق لهن التصويت، مرجعةً ذلك إلى استمرار شراء الأصوات، خاصةً بين الفقراء، مقابل أموال أو كراتين غذائية، بالإضافة إلى إجبار العاملين/ات في القطاعين العام والخاص على التصويت لصالح القوائم المدعومة من السلطة.
"إن الأزمة الاقتصادية الحالية قد تزيد من وتيرة شراء الأصوات، لكني لا أتوقع إقبالًا واسعًا، في ظل غياب أي مؤشرات على تحسن حقيقي في المعيشة أو تشريعات داعمة للفئات الأكثر احتياجًا".تضيف الدكتورة كريمة.
وتشدد السياسية المعارضة، على أن الأحزاب بحاجة إلى مساحة حرة لنشر برامجها، والتواصل مع المواطنين/ات عبر المؤتمرات ووسائل الإعلام، لكنها ترى أن هذه المساحة لا تُمنح إلا لأحزاب الموالاة. لذلك، تعزف معظم الأحزاب المعارضة عن المشاركة، أو تلجأ للترشح الفردي كخيار اضطراري، خاصة مع رفضها للقائمة المطلقة ومطالبتها بقوائم نسبية تعكس التعدد الحقيقي.