كل من عليها.. عمال الشوربجي

ربع قرن تقريبًا قضته صباح أحمد – اسم مستعار – بين جدران مصنع شركة النصر للغزل والنسيج والتريكو “الشوربجي سابقًا”، التابع لمجمع مصر حلوان للغزل والنسيج، حيث تشابكت خيوط عمرها مع إيقاع الآلات التي شهدت تلاشي شبابها.

كانت تأمل أن تُتوّج سنوات كدِها تلك باستقرار وأمان وظيفي، لكنها بقيت -كما زميلاتها وزملاؤها- حبيسة عقد سنوي مؤقت، وراتب لا يتجاوز 2500 جنيه، تأبى الإدارة أي تحريك ينتشله من قاع الأجور، بينما لا تتوانى عن فرض مزيد من الأعباء تُلقيها على كواهلهم. والعصا لمن صرخ بمعاناته وعصى.

تأسست شركة الشوربجي عام 1947 على مساحة تقارب 67 ألف متر مربع بمنطقة إمبابة شمالي محافظة الجيزة، وخضعت للتأميم عام 1962 بموجب القانون رقم 117 لسنة 1961 بشأن تأميم الشركات والمنشآت.

العصا لمن عصى

آخر هذه الصرخات العمالية كان يوم السبت الماضي، حينما احتج مئات من عاملات وعمال المصنع على قرار الإدارة زيادة أيام العمل إلى ستة بدلًا من خمسة، فامتنعوا عن الحضور، وواصلوا إضرابهم وتظاهرهم داخل أسوار منشأتهم، مطالبين بالتراجع عن القرار الجائر، وعودة اللجنة النقابية، وزيادة الحد الأدنى للأجور وتثبيت العمالة المؤقتة، والاعتراف بحقهم في أيام الإجازات الرسمية (مثل عيد شم النسيم وعيد تحرير سيناء وعيد العمال)، التي تُجبرهم الإدارة على العمل خلالها دون أي مقابل.

اقرأ أيضًا: مصنع “الشوربجي”.. شاهد على اغتيال الصناعة المصرية

وقد ردت الإدارة على هذا الاحتجاج بتصعيد بعد تجاهل، طال عددًا من العاملين والعاملات بالتحقيق والإيقاف عن العمل بداية من الرابع من مايو الجاري، وإلى إشعار آخر عنوانه “حتى انتهاء التحقيقات”.

إما السخرة أو التطفيش

“الإدارة بتتعامل معانا بمنطق التطفيش عشان احتجينا على الظلم اللي بنتعرض له بشكل استثنائي مقارنة بباقي وحدات مجمع مصر حلوان وبوسايل قانونية”؛ تقول صباح.

في منشورها الذي حصلت فكر تاني على نسخة منه، قضت الإدارة بإحالة 18 عاملةً وعاملًا إلى التحقيق مع وقفهم عن العمل، بسبب اعتراضهم على قرار إلغاء الإجازات بحجة “حاجة العمل”.

“هو في حد من اللي بيطلعوا القرارات دي يقدر يعيش بـ 2500 جنيه؟ ولا حتى 5000؟ إحنا بس اللي لازم نشتغل وناخد الفتات؟”؛ تقول منال – اسم مستعار – التي تُعيل أربعة من الأبناء في مراحل تعليمية مختلفة، بينما بالكاد يكفيها راتب الـ 2500 مصروفات 10 أيام من الشهر، تستكمل بقية نفاقته بـ”السُلف”.

تبدي منال شكوكًا بوجود نية لدى إدارة المجمع أو الشركة القابضة لتصفية وحدة الشوربجي تدريجيًا، عبر تقليل عدد العمال، والتهرب من صرف مستحقاتهم القانونية، وتستشهد على ذلك بتهديد مباشر تلقته وزملاؤها من رئيس مجلس الإدارة، الذي قال ذات مرة مهددًا: “اللي مش عاجبه يمشي”.

اقرأ أيضًا: في عيد العمال.. أياديهم مُصابة بالعوز والخوف وفقدان الأمل

شهادة أكدها أيضًا علي – اسم مستعار -، والذي تحدث لـ فكر تاني، عن سياسة إجبارهم المتكررة على تنفيذ طلبيات خلال أيام الجمعة طوال الشهر الماضي، دون أي مقابل مالي، لافتًا إلى أن رئيس الشركة أبلغهم صراحة بأن “ما فيش إضافي”، متجاهلًا مخالفة تصريحه نظام العمل في باقي وحدات مجمع حلوان.

“بشتغل في الشركة بقالي حوالي 30 سنة، ومرتبي لحد دلوقتي ما وصلتش للحد الأدنى اللي هو 5000 جنيه، رغم إن الحكومة زوّدته مرتين الفترة اللي فاتت. الإدارة مش راضية تطبّق القرار الحكومي من غير أي سبب واضح، غير إنها بتتعنّت معانا طول الوقت”؛ يقول صُبحي – اسم مستعار – الذي يشبه المصنع فيما آل إليه حاله من تهالك وترد يراه متعمدًا، مضيفًا أن عمال “الشوربجي” كما مصنعهم محرومون من المزايا، تدفعهم الإدارة إلى الاستقالة كما تدفع عجلة الخصخصة منشأتهم إلى التصفية، بالإهمال بداية ثم الدمج فالبيع.

في 21 يونيو 2021، أصدرت الشركة القابضة للقطن والغزل والنسيج والملابس قرارًا بالموافقة على دمج شركات: المصرية لغزل ونسج الصوف والقطن “ولتكس”، والنصر للغزل والنسيج والتريكو “الشوربجي سابقًا”، ومصر لصناعة معدات الغزل والنسيج، في كيان واحد تحت مسمى شركة مصر حلوان للغزل والنسيج.

غياب نقابي يعطل التفاوض

على مدار أربعة أيام، نظّم العمال، البالغ عددهم 650 عاملةً وعاملًا، وقفات احتجاجية، هتفوا خلالها مطالبين بعودة اللجنة النقابية التي جمدت الإدارة نشاطها منذ أكثر من عام، ومنعت رئيسها من دخول المصنع.

جاء ذلك بعد حضور قسم الشرطة ومكتب العمل، اللذين طلبا بدورهما اختيار عشرة ممثلين عن العمال للتفاوض مع الإدارة بشأن المطالب، وهو ما رفضه العمال خشية فصل هؤلاء الممثلين.

يقول مصطفى عرفة رئيس اللجنة النقابية بالشركة، في تصريحاته لـ فكر تاني: “زملائي طلبوا مني الحضور رفقة باقي أعضاء اللجنة للتفاوض نيابة عنهم، إلا أن أحد المسؤولين أبلغني بعدم الحضور حتى لا أعرّض نفسي للمساءلة القانونية”.

وفيما يخص قرار العمل يوم السبت من كل أسبوع، يوضح عرفة أن القرار صدر شفهيًا من إدارة المصنع، وأُبلغ به العاملون بزعم أنه صادر عن وزير العمل ورئيس الشركة القابضة للغزل والنسيج.

ويطالب المشاركون في الاحتجاجات بمساواتهم مع زملائهم في مجمع الغزل بحلوان، التابع للكيان ذاته، من حيث عدد أيام العمل والأجور.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة