بعد إجازة عيد الفطر المبارك، تبدأ لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب النقاش حول مشروع الموازنة العامة للدولة للعام المالي الجديد 2025/ 2026، تمهيدًا لإقراره قبل أول يوليو المقبل، بعدما وافق عليه مجلس الوزراء مساء الأربعاء.
تُقدّر وزارة المالية إجمالي إيرادات مشروع الموازنة بنحو 3.1 تريليون جنيه، بمعدل نمو سنوي 19% عن الموازنة الحالية التي تنتهي في 30 يونيو المقبل، وتبلغ فيها الإيرادات المستهدفة 2.6 تريليون جنيه، بمعدل نمو 36% عن العام المالي 2024/ 2025.
في المقابل، تبلغ المصروفات في مشروع الموازنة 4.6 تريليون جنيه، بزيادة 18% عن المصروفات المتوقعة للعام المالي الحالي، التي تبلغ 3.9 تريليون جنيه، وتزيد 29% عن العام المالي السابق 2023/ 2024.
ويشير تراجع نسبة الزيادة في المصروفات بمشروع الموازنة العامة إلى استمرار المنحى الانكماشي؛ فالموازنة الجديدة تتضمن تراجعًا في بند دعم المواد البترولية بنسبة 50%، بعدما أعلنت الحكومة رفع الدعم عن البنزين بالكامل بنهاية ديسمبر 2025.
الفائض الأولي.. دائرة جدلية
يتضمّن مشروع الموازنة تركيزًا -كالمعتاد- على الفائض الأولي (الفارق بين الإيرادات والمصروفات دون احتساب الديون)، إذ يستهدف تحقيق 795 مليار جنيه بنسبة 4% من الناتج المحلي، مقابل فائض أولي يعادل 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي للعام المالي الحالي 2024/ 2025.
يثير الفائض الأولي جدلًا بين خبراء الاقتصا؛ فيرى كثيرون أن العبرة ليست في فرق الإيرادات والمصروفات، ولكن في الفائض أو العجز الكلي، أي بعد إضافة فوائد الديون، فاستبعادها من الحساب لا يعني أنها غير موجودة أو غير مطلوبة السداد، لكن وزارة المالية تعتبره مؤشرًا مهمًا على قدرة الموازنة على التوسع في الإيرادات وضبط الإنفاق.

وعلى سبيل المثال، بلغ الفائض الأولي خلال النصف الأول من السنة المالية الحالية نحو 230 مليار جنيه، وهو أعلى مستوى يصل إليه منذ 20 عامًا، بارتفاع يصل إلى 81 مليار جنيه مقارنةً بالفترة نفسها من العام الماضي، لكن هذا الفائض ينعكس إلى عجز حينما تضاف مدفوعات الفوائد، التي تبلغ 939.1 مليار جنيه في الفترة ذاتها.
وتستهدف وزارة المالية في العام المالي الجديد خفض دين أجهزة الموازنة العامة إلى 82.9%. ذلك ضمن خطة متوسطة الأمد لوضع معدل الدين للناتج المحلي في مسار نزولي ليبلغ 80% في يونيو 2027.
كما تضع سقفًا قانونيًا لدين “الحكومة العامة” لا يمكن تجاوزه إلا بموافقة رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء، فضلًا عن توجيه نصف إيرادات برنامج “الطروحات” لخفض حجم المديونية الحكومية بشكل مباشر، مع العمل أيضًا على إطالة عمر الدين.
مخصصات الأجور.. 18.1% زيادة
يتضمن مشروع الموازنة تخصيص 679.1 مليار جنيه لأجور العاملين بالدولة، بنمو سنوي 18.1% عن العام المالي الحالي، الذي تبلغ فيه الأجور 575 مليار جنيه، وذلك لاستيعاب الزيادات الجديدة المقررة في أول يوليو المقبل.
وكانت الحكومة قررت في فبراير الماضي رفع الحد الأدنى للأجور لجميع العاملين بالدولة إلى 7 آلاف جنيه شهريًا، وزيادة المعاشات بنسبة 15% اعتبارًا من يوليو 2025، ورفع علاوة غلاء المعيشة إلى 1000 جنيه شهريًا لمواجهة التضخم.
ويتضمن بند الأجور مخصصات مالية لتعيين أكثر من 75 ألف معلم، و30 ألف طبيب، و10 آلاف موظف مؤقت بباقي أجهزة الدولة، مع العديد من الشروط في ملف التعيينات، أهمها ربط اقتراح التعيينات الجديدة بالاحتياجات الفعلية للمقررات الوظيفية المعتمدة من الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، والوظائف المدرجة بالجداول الوظيفية.
كما ارتفعت مخصصات مساهمة الخزانة العامة للدولة في صناديق المعاشات للعام الجديد لتصل إلى 227.1 مليار جنيه، مقابل 142.6 مليار في الفترة المقارنة، بنسبة زيادة 60%.

تراجع حاد بدعم البترول وارتفاع كبير بالكهرباء
يتضمن المشروع تخصيص 623.7 مليار جنيه للدعم والمنح والمزايا الاجتماعية، بزيادة 15.2% عن العام الحالي، الذي تبلغ فيه مخصصات الدعم 635.9 مليار جنيه، لتخفيف الأعباء عن المواطنين.
وقد تم تخصيص 75 مليار جنيه لدعم المواد البترولية، مقابل 154.5 مليار جنيه في الموازنة الحالية، بتراجع قدره 106%، وذلك ضمن خطة الحكومة للتخلص نهائيًا من دعم البنزين بنهاية النصف الأول من العام المالي الجديد (ديسمبر 2025).
وتدرس لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية حاليًا تعديل أسعار المحروقات، ليتم رفع أسعار البنزين بصورة تدريجية خلال اجتماعاتها التي تُعقد كل 3 أشهر. ومن المتوقع أن تكون أول زيادة في الأسعار خلال شهر أبريل المقبل.
بحسب بيانات وزارة البترول، تستهلك مصر سنويًا نحو 16 مليار لتر سولار، و6.7 مليون طن بنزين، و6 مليارات قدم مكعب يوميًا من الغاز الطبيعي. ووفقًا لبيانات الحكومة، فإن أسعار السولار والبوتاجاز ستظل كما هي دون تغيير.
وارتفع دعم الكهرباء بنسبة قياسية، من 2.5 مليار جنيه إلى 75 مليار جنيه، ما يعني توجيه الدعم لشرائح بعينها، في ضوء خطة الحكومة لجعل الدعم تبادليًا بين الفئات المختلفة خلال العام المالي 2025/ 2026، أي رفع السعر على الشرائح كثيفة الاستهلاك، وتوجيهه لدعم الطبقات الأقل استهلاكًا، بينما استقر دعم توصيل الغاز للمنازل دون تغيير عند 3.5 مليار جنيه.

ويظهر ارتفاع دعم الكهرباء حسم الجدل الذي دار منذ منتصف العام الماضي حول الفترة التي يجب أن يستمر فيها دعم الكهرباء، ووجود مقترحات بأن يستمر البرنامج لمدة 4 سنوات، تبدأ من يوليو 2024، مع الالتزام به مهما كان الأمر، لتفادي حدوث فجوات أخرى.
رغيف الخبز والتموين.. البند الأهم للفقراء
بلغت حصة دعم السلع التموينية ورغيف الخبز 160 مليار جنيه، مقابل 134 مليار جنيه في العام المالي الحالي، بنمو سنوي 20%، لضمان توفير رغيف الخبز لـ69.9 مليون مواطن، ودعم البطاقة التموينية لنحو 6.2 مليون مواطن.
وتفترض وزارة المالية أن نسبة سحب رغيف الخبز تبلغ نحو 79.5%، بينما يتم توفير 20.5% منه واستبداله بنظام النقاط، بواقع 10 قروش لكل نقطة (رغيف). وقررت الوزارة رفع سعر توريد أردب القمح المحلي إلى 2200 جنيه، مقابل 2000 جنيه للأردب في الموسم الحالي، و1500 جنيه للأردب في الموسم السابق.
ورفع مشروع الموازنة الجديدة معاش الضمان الاجتماعي “تكافل وكرامة” بنسبة 35%، ليرتفع من 40 مليار إلى 54 مليار جنيه، لاستيعاب رفع المساندة النقدية الشهرية بنسبة 25%، اعتبارًا من أبريل المقبل.
وكانت الحكومة قد أعلنت عن زيادة جديدة بنسبة 25% بمعاش “تكافل وكرامة”، ليصل متوسط الزيادة إلى 125 – 325 جنيهًا، وفقًا لفئة المستفيد، وذلك بهدف تحسين الأوضاع المعيشية للأسر المستفيدة من البرنامج في ظل مستويات التضخم المرتفعة.

خلال العام المالي الحالي، ارتفع عدد المستفيدين من برنامج “تكافل وكرامة” بنحو 200 ألف أسرة، ليبلغ العدد 5.2 مليون أسرة، مقابل 5 ملايين في مارس 2024. ويعد “تكافل وكرامة” برنامجًا يقدم مساعدات نقدية مشروطة للأسر الأولى بالرعاية.
مخصصات الأدوية والطلاب.. فوق وتحت
بحسب الأرقام التي حصلت عليها فكر تاني من مشروع الموازنة الجديدة، تم تخصيص 22 مليار جنيه للأدوية، و12.4 مليار جنيه للمواد الخام، و11 مليار جنيه للمستلزمات الطبية، و2.8 مليار جنيه لصيانة الأجهزة الطبية.
وتم تثبيت مخصصات الأدوية العلاجية وألبان الأطفال كما هي دون تغيير عند 5 مليارات جنيه، بينما تراجعت مخصصات العلاج على نفقة الدولة لمن ليس لديهم تغطية تأمينية من المواطنين محدودي الدخل إلى 15.1 مليار جنيه، مقابل 18.4 مليار جنيه في الموازنة الحالية.
وعلّق مسؤول بالخزانة العامة -رفض ذكر اسمه- على تلك النقطة، مؤكدًا أن تراجع ذلك البند سببه توسع الدولة في التأمين الصحي الشامل، ليشمل عددًا أكبر من المحافظات، بالإضافة إلى التوسع في مبادرات مثل “100 مليون صحة” والقضاء على قوائم الانتظار، مما قلل أعداد الحالات المتوقعة للحصول على علاج على نفقة الدولة.
ويتضمّن المشروع 5.9 مليارات جنيه للتأمين الصحي على الطلاب، والمرأة المعيلة، والأطفال، والتأمين الصحي الشامل على غير القادرين، مقابل مخصصات في 2024/ 2025 لتلك البنود بنحو 2.9 مليار جنيه، تتوزع على 398 مليون جنيه للتأمين الصحي على الطلاب، و54 مليونًا للمرأة المعيلة، و2.3 مليار جنيه للتأمين الصحي الشامل، و187 مليونًا للتأمين الصحي على الأطفال ما دون السن المدرسي.
ارتفع دعم اشتراكات الطلبة بالقطارات ومترو الأنفاق إلى 1.8 مليار جنيه، مقابل 650 مليون جنيه في الفترة المقارنة، كما ارتفع دعم نقل الركاب بالقاهرة إلى 2.5 مليار جنيه، مقابل 2.4 مليار جنيه في الفترة المقارنة ذاتها، بينما تراجع دعم السكك الحديدية بنسبة طفيفة ليبلغ 5.2 مليارات جنيه، مقابل 5.5 مليارات جنيه في الفترة المقارنة.
دعم كبير للأنشطة الإنتاجية
وخصص مشروع الموازنة الجديدة 78.1 مليار جنيه لدعم الأنشطة الإنتاجية والتصديرية والسياحية، ودفع النمو، وتعزيز الثقة في الاقتصاد المصري، وهو ما يمثل زيادة قدرها ثلاثة أضعاف مخصصات الأعوام السابقة.
وتم تخصيص 8.3 مليارات جنيه لمبادرة دعم القطاع السياحي، و5 مليارات جنيه للأنشطة الصناعية ذات الأولوية، ومن 3 إلى 5 مليارات جنيه حوافز نقدية للمشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر.
كما تم توفير 3 مليارات جنيه لمبادرة تحويل المركبات للعمل بالغاز الطبيعي، مقابل 414 مليونًا في الموازنة الحالية، ومليار جنيه لمبادرة توفير سيارات تاكسي تعمل بالغاز الطبيعي، وسيارات ربع نقل لطرحها للشباب.
ماذا تعكس الموازنة الجديدة؟
ويؤكد المسؤول بوزارة المالية وجود مؤشرات إيجابية على مستوى زيادة الدعم للطبقات الأكثر احتياجًا في العام الجديد، إلى جانب تحقيق الفائض الأولي وتحسين ملف الديون، مضيفًا أن هذا الملف شهد تحسنًا في النصف الأول من العام الحالي، بعدما بلغت مصروفات الفوائد 939 مليار جنيه في النصف الأول من العام المالي 2024/2025، بما يعادل 52% من إجمالي الإنفاق البالغ 1.8 تريليون جنيه، مقارنة بـ 1.5 تريليون جنيه في الفترة ذاتها من العام المالي الماضي.

ويقول الدكتور أشرف غراب، الخبير الاقتصادي، إن السبب وراء تحقيق الموازنة العامة فائضًا أوليًا كبيرًا هو تطبيق مشروعات ميكنة الضرائب، مما قلل من التهرب الضريبي وزاد من الحصيلة الضريبية، وأسهم في ارتفاع الإيرادات الضريبية بنسبة 38.4% على أساس سنوي، وهو أعلى معدل نمو سنوي يتحقق منذ سنوات، إضافة إلى زيادة حجم الصادرات المصرية السلعية.
ويشير إلى أن الزيادة في حجم المصروفات تستهدف تخفيف العبء المعيشي على المواطنين في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية، التي أسهمت في ارتفاع معدل التضخم العالمي وتأثيره السلبي على التضخم المحلي، مشيدًا أيضًا بوضع الدولة ضوابط لخفض المصروفات وترشيد الإنفاق الحكومي من خلال ترشيد المصروفات وتعظيم الإيرادات العامة.
ويضيف أن مصر حققت فائضًا أوليًا للعام السادس على التوالي، مما أسهم في خفض نسبة الدين المحلي من الناتج المحلي الإجمالي، إذ تراجع الدين الخارجي لمصر بأكثر من 14 مليار دولار بنهاية ديسمبر الماضي، وهو ما يساعد أيضًا على خفض عجز الموازنة من الناتج المحلي، الأمر الذي يطمئن المستثمرين ويزيد ثقتهم في الاقتصاد المصري.