غير نصرة القضية.. أسباب أخرى لرفض قادة العرب خطة التهجير

في وقتٍ يتجلى فيه الرفض العربي لخطة تهجير الفلسطينيين شعبيًا، وما تعنيه من خلق نكبة جديدة، يشير تحليل حديث في صحيفة "وول ستريت جورنال"، إلى دوافع أخرى أقوى وراء هذا الرفض على مستوى قادة هذه الدول أنفسهم، والذين إلى جانب ما يشعرون به من ضغط شعبي رافض لإنهاء قضية فلسطين باستقبال مهجرين جدد، لديهم موانع أخرى (القادة) تحول دون استجابتهم الهادئة والسريعة للخطة الأمريكية التي يريد ترامب فرضها على المنطقة.

تقول الصحيفة الأمريكية إن دعم القادة العرب لرفض شعوبهم مسألة التهجير، إنما يأتي من منطلق تجارب الأنظمة العربية التاريخية مع الحركات الفلسيطينية وتداعياته السياسية والاجتماعية والأمنية. وتوضح أن هذه التجارب أثرت بعمق في تشكيل السياسات العربية الحالية، وهو أمر يجعل رفض خطة التهجير قرارًا مدروسًا - وليس عاطفيًا فقط - يستهدف الحفاظ على استقرار المنطقة، وضمان حقوق الفلسطينيين على المدى البعيد.

خوفًا من انتقال المواجهة للحدود

تقول الصحيفة إن نشأة الحركة الوطنية الفلسطينية العنيفة في أعقاب النكبة، وامتدادها إلى الدول العربية التي استقبلت اللاجئين الفلسطينيين من حرب 1948 وحرب 1967، أدت إلى تفاقم الصراعات مع إسرائيل، والتي لا تزال تداعياتها مستمرة حتى اليوم.

وتركز الصحيفة على أن هذه الحركة تحولت على مر العقود اللاحقة إلى تهديد سياسي ووجودي لحكومات الدول العربية التي استضافت الفلسطينيين، الذين ضمّت صفوفهم مقاتلين شنّوا هجمات على إسرائيل. وتبع ذلك أن عانت الدول العربية من عمليات انتقامية إسرائيلية - استغلت الهجمات للمساس بالدول العربية - وهو ما كان غالبًا على حساب المدنيين.

وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، وصل عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" إلى 5.8 مليون لاجئ بحلول منتصف عام 2022. أغلب هؤلاء اللاجئين هم من نسل الأشخاص الذين نزحوا بسبب الحروب قبل عقود. ويعيش الكثير منهم في مخيمات تديرها الأونروا.

تشير الصحيفة الأمريكية إلى أن اللاجئين الفلسطينيين في بعض الدول العربية يعانون من التمييز ويُعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية، حيث يتم حصرهم في الغالب في مخيمات اللاجئين وتُفرض قيود على فرص عملهم. هذا الوضع القائم يُبرر أحيانًا بأنه يهدف إلى تجنب الاعتراف الضمني بأن اللاجئين لن يعودوا أبدًا إلى ديار أجدادهم في ما يُعرف الآن بدولة إسرائيل.

وتوضح الصحيفة أن وزراء خارجية الأردن والإمارات والسعودية وقطر والأردن ومصر اجتمعوا وأكدوا على ضرورة ضمان قدرة الفلسطينيين على البقاء في أراضيهم، ورفضوا أي محاولات لترحيلهم قسرًا.

وقد بدا هذا في بيانهم المشترك: "تعارض الأطراف بشدة أي إجراءات تهدف إلى اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم بأي شكل من الأشكال"، محذرين من أن "مثل هذه الإجراءات تهدد الاستقرار الإقليمي وتنذر بتصعيد الصراع وتقوض فرص السلام والتعايش".

أسباب الممانعة الأردنية اللبنانية

تستعرض الصحيفة أمثلة تاريخية للصراعات التي نشبت بسبب الوجود الفلسطيني في الدول العربية، مثل الحرب الأهلية في الأردن ولبنان.

ففي الأردن، تذكر الصحيفة أن مسلحين فلسطينيين اغتالوا الملك عبد الله الأول عام 1951، مما أدى إلى بداية تاريخ مضطرب بين المملكة والفلسطينيين.

وفي أوائل السبعينيات، طُردت منظمة التحرير الفلسطينية بزعامة ياسر عرفات من الأردن بعد محاولة المنظمة الاستيلاء على السلطة من الملك حسين، لكن الجيش الأردني سحقها في حرب أهلية وحشية. قُتل آلاف الفلسطينيين في القتال أو طُردوا في أعقابه؛ وتوجه الكثير منهم إلى لبنان.

وفي لبنان، تتابع الصحيفة، بأن المقاتلين الفلسطينيين أعادوا تجميع صفوفهم. وغزت إسرائيل لبنان عام 1978 بعد أن تسلل مسلحون فلسطينيون إلى إسرائيل بحرًا وهاجموا حافلة، مما أسفر عن مقتل 38 راكبًا.

وتضيف الصحيفة أن المقاتلين الفلسطينيين انخرطوا أيضًا في الحرب الأهلية اللبنانية إلى جانب الحركة الوطنية اللبنانية ضد الموارنة، الذين حظوا في النهاية بدعم إسرائيل. وأدت الهجمات الفلسطينية على إسرائيل في تلك الحرب إلى غزو إسرائيلي للبنان عام 1982، عندما طُردت منظمة التحرير الفلسطينية رسميًا.

اقرأ أيضًا: لماذا ترامب أخطر من بايدن على غزة والشرق الأوسط؟

وتؤكد الصحيفة على أن الفلسطينيين لا يزالون قضية حساسة في لبنان، حيث يعيشون بشكل حصري تقريبًا في مناطق تديرها الأونروا ونمت من مخيمات اللاجئين. وتضيف أن منحهم المزيد من الحقوق والمواطنة من شأنه أن يخل بالتوازن الطائفي الدقيق بين السنة والشيعة والمسيحيين والدروز وغيرهم في لبنان.

وتشير الصحيفة إلى أن الأردن لا يزال يضم أكبر عدد من الفلسطينيين الذين يحملون صفة لاجئ، حيث يبلغ عددهم 2.4 مليون نسمة. معظمهم - ولكن ليس جميعهم - يحملون الجنسية الأردنية، مما يشكل تحديًا للحكومة المدعومة من الولايات المتحدة في عمان والتي اعترفت بإسرائيل منذ اتفاقية السلام عام 1994.

وتذكر الصحيفة أن الملك الأردني عبد الله الثاني استبعد قبول اللاجئين الفلسطينيين بأعداد كبيرة، مستشهدًا بـ "ضرورة إبقاء الفلسطينيين على أرضهم وضمان حقوقهم المشروعة، وفقًا لحل الدولتين الإسرائيلي والفلسطيني".

لماذا ترفض مصر؟

تنتقل "وول ستريت جونال" للحديث عن مصر وقطاع غزة، فتشير إلى أنه بعد حرب 1948، أدارت مصر هذا القطاع بينما حاولت الولايات المتحدة والأمم المتحدة مرارًا إعادة توطين سكان غزة في مصر وليبيا ودول عربية أخرى، لكن الرئيس جمال عبد الناصر أوقف هذا الجهد عام 1955 بعد اندلاع احتجاجات.

وتوضح الصحيفة أن موقف عبد الناصر ساهم في تحويل النضال الفلسطيني من أجل إقامة دولة إلى قضية لاقت صدى واسعًا في العالم العربي وأوقف المحاولات الدولية لإعادة توطينهم في أماكن أخرى.

وقد بقي القطاع تحت الإدارة المصرية حتى احتلت إسرائيل غزة بعد حرب 1967، وتوصلت مصر إلى اتفاق سلام مع إسرائيل عام 1979. ومنذ سيطرة حماس على غزة عام 2006، انضمت مصر إلى الحصار الإسرائيلي على القطاع.

تكشف الصحيفة عن تصريحات لمسؤولين مصريين تفيد بأن ما بين 110 ألف و115 ألف شخص عبروا إلى أراضيها من غزة منذ بداية الحرب، لكن ليس جميعهم بقوا في البلاد.

وتضيف الصحيفة أن الحكومة المصرية - التي تقيد حرية التعبير والتجمع - سمحت للمصريين بالاحتجاج في الشوارع ضد دعوات تهجير الفلسطينيين من غزة. وقد سُيرت مسيرات ليلية وصلت مدينة رفح صباح الجمعة، ورفع المحتجون شعار "كلنا معاك يا سيسي"، معربين عن رفضهم نقل الفلسطينيين إلى مصر.

وتختتم الصحيفة بالإشارة إلى أن السيسي صرح أيضًا في أكتوبر 2023 بأن نقل الفلسطينيين إلى شبه جزيرة سيناء المصرية قد يحول المنطقة إلى قاعدة لشن هجمات على إسرائيل، مما يهدد السلام بين البلدين. وهو أمر تخشى مصر أيضًا الوصول إليه.

وضع الفلسطينيين في العراق وسوريا

تنتقل الصحيفة إلى العراق، حيث تذكر أن آلاف الفلسطينيين فروا إلى العراق بعد حرب 1948، عندما قاتل الجيش العراقي القوات الإسرائيلية حول مدينة حيفا.

وتوضح الصحيفة أن الفلسطينيين في العراق واجهوا رد فعل عنيف بعد الغزو الأمريكي عام 2003 الذي أطاح بحكومة صدام، بما في ذلك "مضايقات شديدة وهجمات عنيفة وعمليات إخلاء قسري من منازلهم"، وفقًا لتقرير صادر عن "هيومن رايتس ووتش". وقد فر معظم السكان الذين كانوا قبل عام 2003 يبلغون 34 ألف نسمة إلى الأردن.

وتستعرض الصحيفة وضع الفلسطينيين في سوريا، مشيرةً إلى أن ما لا يقل عن 80 ألف فلسطيني فروا إلى سوريا خلال حرب 1948، واستقروا في النهاية في جميع أنحاء البلاد في حوالي عشرة مخيمات. وكانت الصراعات بين الحكومة والمسلحين تدور في الغالب خارج حدودها.

وتذكر الصحيفة أن الجيش السوري احتل لبنان لمدة 30 عامًا تقريبًا بدأت عام 1976، خلال الحرب الأهلية في البلاد، وقاتل مع منظمة التحرير الفلسطينية بزعامة عرفات، وساعد في النهاية في طرده إلى تونس.

ياسر عرفات وصدام حسين (وكالات)
ياسر عرفات وصدام حسين (وكالات)

الخليج لا يستضيف لاجئين

تنتقل الصحيفة إلى دول الخليج العربي، موضحة أن الملكيات الخليجية من الناحية الفنية لا تستضيف أي لاجئين فلسطينيين، بل تعتبرهم مهاجرين يسعون إلى حياة أفضل. ومع ذلك، يضم الخليج أكثر من 600 ألف فلسطيني، من بينهم من يشغلون مناصب مؤثرة في تقديم المشورة للملكيات في المنطقة.

وتستشهد الصحيفة بتقرير لوكالة المخابرات المركزية عام 1983 يشير إلى وجود "تفاهم ضمني يوفر لهم ملاذًا مقابل عدم التدخل في الشؤون الداخلية لمضيفيهم". لكن الصحيفة تضيف أنه بدءًا من الثمانينيات، بدأ قادة الخليج، القلقون بشأن الزعماء الفلسطينيين في الخارج الذين يدعون إلى مزيد من التحرك ضد إسرائيل، في وضع قيود على الهجرة الفلسطينية، وفقًا لوكالة المخابرات المركزية.

"القضية الفلسطينية تحظى بشعبية، وتخشى حكومات الخليج من أن أي استياء فلسطيني داخل بلدانهم سينتشر إلى المواطنين والمغتربين الآخرين غير الراضين عن الأسر الحاكمة".

وتختتم الصحيفة بالإشارة إلى أن الشرخ الأكبر في العلاقة بين الخليج والفلسطينيين حدث عام 1990، عندما أعلن عرفات تأييده للغزو العراقي للكويت. وأدى ذلك في النهاية إلى طرد الكويت لأكثر من 300 ألف فلسطيني.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة