بعد 7 أكتوبر 2023 أصبح فرض الهيمنة على هذه المنطقة أصعب من ذي قبل
من كان ينتظر قطار التطبيع لا يستطيع التحدث الآن إلا عن مطلب الدولة الفلسطينية
معظم منظمات الأمم المتحدة تعرضت للوفاة وأدعو العالم إلى تأسيس أممي جديد
نحن بصدد مقاومة فلسطينية حقيقية شاملة تؤدي دورًا تاريخيًا يسعى لأكثر الكثير
الإسناد من اليمن أفضل من لبنان والدعم العراقي رسالة مهمة بوجود أصوات حرة
صمت الجبهة السورية منسجم مع نظام يجعل بقاءه فوق كل شيء ولا يغامر به
ترامب يتعامل مع السياسة بطريقة التجارة، وبالتالي فهي مجرد صفقات لديه
الوضع في العلاقات الإسرائيلية الأمريكية حاليًا “معكوس”، وننتظر موقف “ترامب”
أمريكا أصبحت تابعة للمستعمرة التي أنشأتها بيدها بمساعدة الغرب في منطقتنا العربية
لولا الجسر الأمريكي لقضى الجيش المصري على المستعمرة الصهيونية في 6 أكتوبر 1973
مشروع نتنياهو حول الشرق الأوسط الجديد جاد جدًا ولكنه يحمل في طياته فشلًا للمرة الخامسة
لا بد من وساطات فعالة توجد مخرجًا من هذا الصراع في الوقت المناسب للسودان
النخب السياسية العربية في الحكم أو المعارضة ليست ديمقراطية
أدعو النخبة السودانية إلى عقد فترة انتقالية مع الجيش السوداني الوطني بعد الحرب
إعادة توحيد ليبيا المقسمة فعليًا إلى قسمين باتت بعيدة المدى والنخب الليبية راضية بذلك
جامعة الدول العربية “مجمدة” وفي غرفة عناية مركزة، ولا بد من تبنيها مواقف مختلفة
روسيا رهينة “أوكرانيا”، والصين تخشى الحروب والاثنان غير مؤثرين الآن بالمنطقة
مستقبل الإقليم يحدده مسار طوفان الأقصى، ونتنياهو قد لا يكون موجودًا بعد بضعة أشهر
في أولى حوارات منصة فكّر تاني تحت عنوان “كيف تُدير القاهرة ملفاتها الإقليمية؟”، دعا الكاتب وحيد عبد المجيد، مستشار مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية ومديره الأسبق، إلى تصحيح مسار الجامعة العربية، وتأسيس كيان أممي جديد يستوعب متغيرات العالم بعد طوفان الأقصى الذي يعتبره صانع تاريخ جديد في المنطقة ومؤثر رئيسي في العالم.
التقينا “عبد المجيد” على هامش اجتماعاته التحضيرية كأمين عام للمؤتمر العام السادس لنقابة الصحفيين، في 4 عبد الخالق ثروت، ليتحدث برؤية وعين خبير، عن العديد من ملفات الإقليم ذات الصلة والاشتباك مع الهم المصري، بشكل يضع القاهرة أمام تصورات واضحة للحاضر الإقليمي ومستقبله، ويمنحها مفاتيح جيدة لإدارة ملفاتها الإقليمية بشكل دقيق في وقت لا يحتمل إلا دقة القرار المبني على رؤية واضحة.
فإلى نص الحوار:
طوفان الأقصى وما يعنيه
7 أكتوبر 2023.. هل تُرسخ لتاريخ وطني جديد في المنطقة أم هي لحظة تراجع كما يقول البعض؟
طوفان الأقصى هو بداية صنع تاريخ جديد، وهو تجسيد لتاريخ الإرادة الوطنية حين تستعصي على الهيمنة والسيطرة، وحين تعبّر عن نفسها بشكل جلي في عمل مشروع يقوم به خاضعون للاحتلال ضد احتلال جاثم على صدر فلسطين منذ أكثر من 70 عامًا.
بلا شك، هذه بداية تاريخ جديد في هذه المنطقة، وإن كان هناك من يريد أن يفرض تاريخًا مضادًا، وإنتاج تاريخ يعيد المنطقة إلى عهود الاستعمار، تحت هيمنة أمريكية-إسرائيلية.
لقد أصبح فرض الهيمنة على المنطقة أصعب من ذي قبل.
دور تاريخي للمقاومة
بعد عام ويزيد.. ما الذي تغير في دور المقاومة الوطنية الفلسطينية مقارنة بمرحلة تأسيسها؟
يؤسفني أن أقول أن المقاومة الفلسطينية طوال تاريخها، وبالتحديد في تاريخها الأقرب الذي بدأ في يناير 1965، بتأسيس قوات العاصفة الجناح العسكري لحركة فتح، كانت جزئية، تسعى إلى أقل القليل، وليست مقاومة شاملة، كما هو الحال الآن، والتي تسعى أكثر الكثير.
هذه المقاومة منذ عام ونيف، أوقفت مسار إنهاء القضية الفلسطينية، وأوقفت عملية التطبيع التي بدأت قبل عامين، وكان اكتمالها سيعني شطبًا للقضية الفلسطينية من جدول أعمال هذه المنطقة والعالم.
ويمكننا لإثبات ذلك المقارنة بين حضور قضية فلسطين على المستوى الدولي الآن، وما كانت عليه قبل 7 أكتوبر، لنعرف تأثير المقاومة. العالم الآن كله منشغل بالقضية الفلسطينية وبأشكال مختلفة وفي اتجاهات مختلفة، وهذا أمر طبيعي، فهناك مستعمرون وأحرار في هذا العالم.
لو لم يحدث ما حدث في 7 أكتوبر، لانتهت قضية فلسطين تمامًا.
الآن القضية الفلسطينية هي القضية الأولى في المنطقة، وهي موجودة في العالم الآن بقوة، ويمككنا القول إنها لم تكن بمثل هذا الزخم في الحضور منذ العام 1948.
صمود يعرقل الاحتلال
من غزة إلى جنوب لبنان.. كيف ترى التمدد الصهيوني في العدوان على المنطقة؟
أعتقد أن الصهاينة ليسوا في إمكانهم احتلال أي منطقة. هم يحاولون منذ بدء العملية البرية في جنوب لبنان، احتلال أي جزء به، ولكن المقاومة اللبنانية صامدة في مواجهتهم.
على مدى أكثر من عام، حاول الصهاينة إعادة احتلال قطاع غزة، لكن محاولاتهم باءت بالفشل. لجأ الاحتلال إلى استخدام أعلى مستويات الإجرام في التاريخ بأسره، وليس فقط الحديث، لاحتلال جزء صغير من شمال القطاع.
استخدموا التجويع ومنع الدواء والتعذيب العلني أمام العالم، إلى جانب تسخير كل قوتهم العسكرية، بهدف تهجير سكان محافظة شمال القطاع. ورغم كل هذه الأساليب الوحشية، فشلوا في تحقيق هدفهم بعد عام كامل من المحاولات المستمرة.
الوضع اليوم مختلف عن أمس، في عام 1948 تمكن الاحتلال من السيطرة على 60% من أراضي فلسطين خلال بضعة أيام فقط. أما اليوم، وبعد عام من المحاولات المستمرة، لم يتمكن من فرض سيطرته أو احتلال أي جزء من قطاع غزة.
قطاع غزة، الذي كان سابقًا تحت الاحتلال، أجبرت المقاومة فيه العدو على الانسحاب تحت وطأة ضرباتها، وها هي الآن تقاومه مجددًا، وهذا يؤكد أن المحاولات الحالية للسيطرة على القطاع لن تؤدي إلا إلى مزيد من الفشل.
التهجير مشروع فاشل
إلى أي مدى خسر الكيان الصهيوني معركته في مشروع التهجير؟
حتى الآن، فشل الصهاينة في ذلك المشروع فشلًا كبيرًا. ولم ينجحوا حتى في عمليات التهجير الداخلي في غزة، من الشمال إلى الجنوب.
أعتقد أن التهجير، لم ولن ينجح، فليس لأحد في العالم مصلحة فيه بما في ذلك أمريكا. وهذه من التناقضات الثانوية البسيطة بين الصهاينة والأمريكان، والأهم من هذا أن الفلسطينين في قطاع غزة، لا يريدون أن يتركوا أراضيهم.
عجز الاحتلال
البعض الآن يعيد التذكير بشعار “من النيل إلى الفرات” محذرًا من رغبات العدو في التمدد.. ما تقديرك للأمر؟
من لم يستطع احتلال القليل لن يستطيع احتلال الكثير.
هو يريد احتلال شمال غزة الآن، ولا يستطيع، وسيغادرها تحت ضربات المقاومة.
قرار الإسناد اللبناني
نذهب إلى جنوب لبنان.. ما تعليقك على المشهد هناك منذ بداية الإسناد إلى اليوم؟
منذ بداية دخول المقاومة اللبنانية على خط الإسناد، فيما أُطلق عليه “الإشغال”، كنت أرى أن هذا القرار لم يكن موفقًا.
فتح جبهة إسناد لغزة في جنوب لبنان لم يكن ضروريًا، ولم يحقق النتيجة المرجوة، بل أدى إلى اعتداءات إسرائيلية هائلة، وشغل العالم، ولو جزئيًا، عن القضية الأساسية في غزة.
كنت أفضّل أن تبقى المقاومة في غزة، وأن تساندها المقاومة في لبنان عبر الإمدادات، باستخدام أساليب مبتكرة في الإمداد والإسناد، بدلًا من الانخراط في معركة قد تؤدي إلى حرب على لبنان أو أجزاء منه. هذا الخيار كان سيحافظ على تركيز العالم على ما يحدث في قطاع غزة.
بناءً على ذلك، أعتقد أن قرار إسناد المقاومة اللبنانية لقطاع غزة لم تُحسَب حسابات دقيقة له. كانت هناك وسائل أفضل لتنفيذ الإسناد كان يجب بحثها وتنفيذها.
مقاومة لبنانية صامدة
حدث ما حدث، فما تقييمك لدور المقاومة اللبنانية وما يسمى محور المقاومة الآن في مواجهة العدوان؟
المقاومة اللبنانية تمثل نموذجًا للصمود، حيث لم تتمكن قوات الاحتلال الصهيوني من احتلال أجزاء من لبنان، وفشلت خطط الاحتلال في السيطرة على المنطقة الممتدة من الخط الأزرق إلى النهر الليطاني طوال أكثر من شهر.
وأعتقد أن المقاومة اللبنانية ستظل صامدة في لبنان، كما هي الحال في غزة، في مواجهة محاولات الاحتلال.
أما بالنسبة للإسناد الذي يقوم به اليمن، فيبدو أنه أكثر جدوى من الإسناد اللبناني، نظرًا لظروف المنطقة وطبيعة المواجهة.
ورغم أن الإسناد العراقي يبقى محدودًا، إلا أنه يحمل رسالة قوية مفادها أن هناك أصواتًا حرة في هذه المنطقة لا تزال تقاوم خارج حدود فلسطين.
النظام السوري لا يغامر ببقائه
كيف ترى صمت نظام بشار الأسد رغم العدوان الصهيوني على الأراضي السورية نفسها أكثر من مرة مؤخرًا؟
يشكل هذا جزءًا من طبيعة النظام السوري، الذي يجعل بقاءه في السلطة فوق كل اعتبار.
منذ بداية “طوفان الأقصى”، تلقى النظام السوري تهديدًا ورضخ له، مما يعكس انسجامه مع تاريخه الذي لم يسمح فيه بإطلاق رصاصة واحدة من الحدود السورية.
على مدار تاريخها، كانت المقاومة الفلسطينية متواجدة في لبنان والأردن في أوقات مختلفة، لكنها لم تكن موجودة في سوريا إلا من خلال منظمات صنعتها دمشق لتتحدث باسمها.
منذ عام 1967، منعت سوريا المقاومة الفلسطينية من العمل انطلاقًا من حدودها، رغم أنها سمحت لها في بعض الفترات بالتحرك من الأردن ولبنان، قبل أن تُمنع هناك أيضًا بسبب الأزمات الداخلية، والحرب الأهلية، والغزو الإسرائيلي.
هذا الموقف ليس جديدًا على النظام السوري، الذي يتحدث عن المقاومة كنوع من اللعب بأدوار أكبر من قدراته.
إنه دور لا يستطيع تحمله ولا يرغب فيه، إذ إن النظام السوري لا يغامر ببقائه واستمراره في السلطة من أجل دعم المقاومة، بل يفضل الحفاظ على استقرار حكمه.
الحلف الرباعي حلم بعيد
نذهب إلى إيران.. البعض يدعو إلى حلف جديد يضم القاهرة والرياض وإسطنبول إلى جانب طهران.. هل هذا مهم لمصر والمنطقة وممكن؟
الأمر يتعلق بمدى إمكانية حدوث ذلك، وأنا أراه أصبح مستحيلًا في الظروف الراهنة.
لقد تجاوزنا الحديث عن أهمية هذا الحلف، فبلا شك هو مهم على المستوى الاستراتيجي. هذا الحلف قد يغير موازين العالم، وليس المنطقة فقط، وقد يسهم في تغيير العالم بشكل أوسع، لا سيما على مستوى الأقاليم.
ومع ذلك، فإنه يبقى حلمًا بعيدًا جدًا في ظل المعطيات الحالية.
فشل للمرة الخامسة
تحدث بنيامين نتينياهو عن بروز شرق أوسط جديد.. ما توقعاتك لذلك المشروع؟
هذا مشروع جاد جدًا، لكنه يحمل في طياته عوامل فشله. وهو المشروع الخامس في المنطقة، حيث كانت هناك محاولات سابقة فاشلة.
أولًا، كان هناك مشروع بعد اتفاق كامب ديفيد تبناه وزير الخارجية الأمريكي الأسبق “ألكسندر هيج” في الفترة بين عامي 1980 و1981، لكنه فشل.
بعد ذلك، كان هناك محاولة أخرى بعد الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، والتي كانت تهدف إلى إخراج المقاومة الفلسطينية من لبنان، لكنها أيضًا باءت بالفشل.
ثم جاءت المحاولة الثالثة مع اتفاقات أوسلو ووادي عربة في الأردن، وهي محاولة كانت ظاهرة للجميع. وفي ذلك الوقت، دعا السيد عمرو موسى، عندما كان وزيرًا للخارجية، إلى وقف التسرع نحو هذا المشروع نتيجة تحفظات عدد من الدول العربية عليه، بما في ذلك مصر في تلك الفترة.
بعد ذلك، تم إعادة صياغة المشروع من خلال الحرب على العراق، بتكتيك جديد يقضي بإسقاط الأنظمة العربية واحدة تلو الأخرى، بدءًا بالنظام العراقي كخطوة أولى نحو تغيير المنطقة وتمكين المشروع. سقط النظام في العراق، لكن المشروع فشل.
الآن، نحن في المحاولة الخامسة. في المحاولات الأربع السابقة كانت هناك عوامل نجاح أكثر مما نراه الآن، ومع ذلك، فشلت هذه المحاولات. وبالتالي، ما كان ميسرًا له أن ينجح وفشل، من باب أولى أنه سيفشل الآن، خاصة في ظل الظروف الأكثر صعوبة التي ظهرت بعد “طوفان الأقصى”.
ما بعد ترامب
إلى أين تذهب المنطقة بعد انتخاب ترامب رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية؟
هذا يتوقف على ترامب.
الجميع يعلم أنه لا يمكن توقع سلوك ترامب أو معرفة ما سيفعله في هذا الموضوع أو ذاك، باستثناء أنه “رجل بيزنس”، ومسألة الصفقة بالنسبة له محورية.
ترامب يتعامل مع السياسة بنفس طريقة تعامله مع التجارة، حيث تكون كل مسألة مجرد صفقة بالنسبة له، ولا يمكن نسيان ما فعله في “صفقة القرن”.
لكن هذه الصفقة تحديدًا تواجه صعوبات أكبر الآن. فعندما طرحها، لاقت معارضة من السلطة الفلسطينية وتحفظات من بعض الدول العربية. واليوم، يواجه ترامب كل هذه المعارضة بالإضافة إلى رفض من الجانب الصهيوني، ما لم يتمكن من ترويضهم كما كان يأمل.
البيت الأبيض والكيان الصهيوني
هذا يحلينا إلى العلاقة بين البيت الأبيض والكيان الصهيوني بعد وصول ترامب.. كيف تراها؟
الوضع الحالي في العلاقات الإسرائيلية الأمريكية هو وضع معكوس.
من أنشأ كيانًا وتكفل بحمايته من كافة الجوانب الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية، أصبح الآن تابعًا للمستعمرة التي أنشأها بيده وبمساعدة الغرب في منطقتنا العربية.
في حرب 6 أكتوبر 1973، لولا الجسر الأمريكي، لكان الجيش المصري قد قضى على هذه المستعمرة الصهيونية.
ويبدو الآن في بعض المواقف أن رئيس وزراء هذه المستعمرة والمحميّة يتعامل مع رئيس الدولة التي تكفلت بحمايته وبقائه، كما لو أنه هو من يقوم بحمايتها، بل وذهب إلى الكونجرس ليعلن علنًا أنه يدافع عن المصالح الأمريكية، وبالتالي يريد أن تكون أمريكا تابعة لإسرائيل.
إذا استطاع ترامب تغيير هذه المعادلة، فقد يتمكن من عقد صفقات في المنطقة، وسيجد استعدادًا لإبرام هذه الصفقات مهما كانت. ولكن هذا الاستعداد أصبح أضعف بكثير من فترة رئاسته الأولى، بسبب التغيرات التي حدثت نتيجة “طوفان الأقصى”، والذي أوقف مسار التطبيع والصفقات، وجعله مازال موقوفًا.
من الصعب اليوم استمرار هذا المسار، لأن من كان يقف منتظرًا أن يتوقف قطار التطبيع في محطته مقابل الحصول على أقل القليل، أصبح الآن لا يستطيع التنازل عن مطلب الدولة الفلسطينية، وأصبح القطار بعيدًا جدًا عن محطته.
تأسيس أممي جديد
من البيت الأبيض إلى ضفاف نهر إيست في مدينة نيويورك.. هل العالم بحاجة إلى تأسيس كيان أممي جديد؟
أتفق مع هذا المطلب، وأزيد عليه أن ما حدث هو بمثابة موت للأمم المتحدة ومعظم منظماتها إن لم يكن كلها.
قبل 7 أكتوبر، كانت المنظمات الأممية ضعيفة ومريضة، أما بعده فقد توفيت.
لقد أجبرت الأمم المتحدة على الصمت تجاه أكبر مجزرة في التاريخ الحديث على الأقل، مما يكشف عن عجزها التام.
وأعتقد أن تأسيس منظومة أممية جديدة أصبح أمرًا مهمًا، ولكنه قد لا يكون متاحًا في الوقت الراهن.
وأتوقع أن تُجرى محاولات لإحياء منظومة الأمم المتحدة الميتة، تحت الاعتقاد بأنها قد تواجه موتًا إكلينيكيًا وليس موتًا كاملًا، ولكنني أعتقد أنها لن تنجح في النهاية.
نحتاج إلى وساطات فعالة
نذهب إلى السودان.. أين ترى مآلات الصراع الحالي؟
أرى أن الجيش السوداني يحقق بشكل متسارع نجاحات ميدانية، لكن في النهاية، مثل أي صراع، لابد أن يتم الحل من خلال التفاوض.
الجيش السوداني قادر على إضعاف الجانب الآخر، وهو قوات الدعم السريع، ولكنه قد لا يكون قادرًا على إنهاء وجودها بشكل كامل. لذلك، لابد من وساطات فعالة لتوفير مخرج من هذا الصراع في الوقت المناسب.
قد لا يكون الوقت المناسب الآن بشكل دقيق، ولكننا بحاجة إلى بعض الوقت لكي يواصل الجيش السوداني انتشاره في المواقع التي سيطرت عليها قوات الدعم السريع، مما يجبرها على التفاوض وتقديم تنازلات.
من المتوقع أن تحدث مزيد من الانشقاقات، كما حدث في الفترات الأخيرة في المناطق التي سيطرت عليها قوات الدعم السريع. وأتوقع أن يتوسع نطاق هذه الانشقاقات، حتى يتم التوصل إلى صيغة تفاوضية ودمج ما تبقى من قوات الدعم السريع، مع إعطاء مخرج آمن لقياداتها للخروج إلى أي مكان آخر يختارونه.
النخبة السياسية السودانية والجيش السوداني
هل يمكن أن نعول على النخبة السياسية السودانية في استعادة الاستقرار في المرحلة المقبلة؟
لدينا مشكلة أساسية في جميع الثورات العربية، أو ما أطلق عليه “ثورات الربيع العربي” منذ عام 2011، وهي أنها جاءت في غير أوانها، قبل أن تنضج النخب السياسية بما يكفي لإحداث تغيير حقيقي نحو نظام ديمقراطي. فالديمقراطية تحتاج إلى ديمقراطيين، والنخب السياسية العربية، سواء في الحكم أو المعارضة، ليست ديمقراطية.
تغيير الأنظمة دون وجود بديل ناضج يؤدي حتمًا إلى أوضاع أصعب، وهذا ما حدث منذ عام 2011.
من الضروري أن تتواضع القوى السياسية المدنية في السودان، وأن تدرك حدود قدراتها. هذه القوى، في وضعها الحالي، ليست قادرة على تحقيق نظام ديمقراطي مستقر، لأنها لم تصل إلى مرحلة النضج الكافي.
على القوى السياسية السودانية أن تتعاون مع الجيش السوداني الوطني في مرحلة انتقالية طويلة لا تقل عن خمس سنوات، بهدف الوصول إلى نضج سياسي يمكنهم من الاعتراف ببعضهم البعض وقبول الآخر، أيًا كان هذا الآخر. هذه المرحلة ضرورية لبناء قيم ديمقراطية حقيقية في التعامل السياسي.
النخب السودانية، مثل غيرها في دول أخرى، تصارعت على السلطة بعد الثورة، كما حدث في تونس ومصر. هذا المشهد المتكرر يعكس أن هذه الثورات غالبًا ما تأتي قبل أوانها، وقبل أن تتوافر الظروف المناسبة لها. ما يحدث هو ما يمكن تسميته بـ”حرق المراحل”، الذي لا يؤدي إلا إلى حرق كل شيء، وهو ما نراه في كل البلاد التي شهدت ما أطلق عليه “ثورات الربيع العربي”.
اتهامات متكررة
البعض عندما يذكر الأزمة السودانية يذكر بالسلب دور الإمارات.. كيف ترى دور أبو ظبي في السودان والمنطقة عامة؟
هناك اتهامات متكررة للإمارات ولكن لا توجد أدلة، حول تدخلاتها أو حتى أدواتها.
ومن طبائع الأمور أن تحرص كل دولة، على زيادة دورها في المنطقة وفي العالم بحيث ما يتيسر لها، وبالتالي لا أجد شيئا غير طبيعي فيما تفعله سواء الإمارات أو قطرأو السعودية أو غيرهم مما كان لا يوجد لهم أدوار أن يكون لهم أدورًا.
هذا أمر طبيعي ولا عيب. البحث عن دور مسألة منطقية عندما تسعي له أي دولة. على الأقل هناك ثلاثة أطراف في الخليج تسعى إلى توسيع أدوراها، والإمارات واحدة منها، وهذا أمر لا يعيبها. ولكن يعيب الدول التي تركت مساحاتها الإقليمية لدول أخرى تشغلها.
توقف مسار التطبيع
ولكن البعض يصنف توسع الإمارات بأنه “سلبي” لصالح المسار الأمريكي-الصهيوني في المنطقة.. ما تعليقك؟
أنا أيضًا لا أجد ما يدل على هذا المسار، هذا كلام شائع.
لكنها، ودول أخرى كانت جزءًا من مسار التطبيع مع الكيان الصهيوني.. وهو أمر مثار انتقاد قومي عروبي
مسار التطبيع ليس مقصورًا على الخليج، وسبقه مسار آخر في الأردن ومصر، الذي وُلد بعد حرب وتفاوض، وهذا يمكن أن نضعه في إطار أن للحكومات ضروراتها وللشعوب خياراتها.
كان التطبيع فيما قبل تجريه حكومات كانت في صراع وحرب ثم دخلت في تفاوض، لكن التطبيع الحالي، الذي لم يقتصر على الإمارات وطال دولًا أخرى كالمغرب والبحرين. ودعنى أذكر بأن أكبر قاعدة عسكرية أمريكية موجودة في قطر وليست في الإمارات، وبالتالي يجب أن يوجه الانتقاد للجميع وليس لدولة واحدة.
نحن كشعوب خيارنا رفض التطبيع، وأنا أتفق مع من ينتقد تلك الدول كلها، وليس دولة واحدة، خاصة تلك الدول التي لم تكن جزءًا من الصراع، ثم اتجهت إلى التطبيع، وقد يكون بلا مقابل. هذا غير مفهوم وليس له أي ضرورة، وجزء من نتائج طوفان الأقصى أن هذا المسار لم يتوقف فقط، بل ظهر أنه لا ضرورة له.
ما حدث بعد طوفان الأقصى أكد أن إقامة علاقات حسن جوار بين دول الخليج وإيران أفضل بكثير من الاستعانة بقوى أجنبية للدفاع عن هذه الدولة أو تلك في مواجهة إيران، وأظهر أن إيران ليست وحشًا يريد التهام العرب.
العكس هو ما حدث، إيران تقدمت لأداء دور تاريخي في دعم المقاومة عندما تخلف العرب عن هذا الدور، وبدأت العلاقات تتحسن بين طهران والدول التي كانت خائفة منها وفي خصومة معها. وبالتالي، اتضح للجميع هذا أفضل لدول الخليج وللعرب جميعًا من الدخول في صراع ضد ايران.
وحدة ليبيا بعيدة المنال
في الملف الليبي.. إلى أين تذهب الأزمة الليبية برأيك؟
ستذهب الأزمة الليبية إلى اللامكان.
في المدى المنظور، التوقع في التحليل له مدى زمني معين لا يتخطى 5 سنين، فيما عدا ذلك، يسمى تنبؤ، وتنجيم لا علاقة لنا به.
في السنوات الخمس القادم، سيظل الملف الليبي في مكانه، والنخب الليبية كلها مستريحة إلى هذا الوضع، فمن له السيطرة في الشرق أو الغرب مستقرون على هذا الوضع ولا مشاكل لديهم فيه، غير مشاكل تفصيلية غير ذات أولوية لديهم.
اعادة توحيد ليبيا المقسمة فعليًا إلى قسمين باتت بعيدة المدى والمنال.
جامعة مجمدة
أين جامعة الدول العربية من كل ذلك.. ما تقييمك لدورها؟
مثلها مثل الأمم المتحدة.
ولأنها تخضع لإرادات الدول الأعضاء، وليس لها إرادة مستقلة، فهي مرتبطة بما يقرر الأعضاء.
هذه الدول قررت تجميد جامعة الدول العربية، ووضعها في غرفة عناية مركزة أو تحت التجميد لحين وجود مصلحة تستدعي خروجها من الثلاجة، وهذا أمر عليه شبه توافق عربي.
لا نستطيع أن نلوم الأمانة العامة للجامعة العربية، لأن الكيان نفسه بات وظيفته تلبية رغبة الدول الأعضاء.
الدول الأعضاء لا تفعل شيئًا، ولكن إذا أردت الدولة الكبرى أو مجموعة الدول المؤثرة بالجامعة فعل شيء، فيمكن أن نجد لها موقفًا مختلفًا.
موقف عربي منتظر
ما هو الموقف المختلف الذي تنتظره من جامعة الدول العربية غير البيانات والاجتماعات؟
ينبغي أن تبدأ في إدارك أن هناك تناقض رئيسي، وأن هناك تناقضات ثانوية كقانون من قوانين الحياة.
الحكومات العربية تُغلب التناقضات الثانوية على التناقض الرئيسي.
لابد من إنهاء النزاعات بين الدول العربية أو وقفها، لأن معظمها وأخطرها يحدث تحت السطح.
السودان وليبيا خارج نطاق الخدمة الآن، لكن هناك دول أخرى داخل نطاق الخدمة وبينها نزاعات، ولن أسميهم لأنه أمر يطول شرحه.
بالتزامن مع وقف النزاعات الثانوية تلك، على الجامعة أن تقدم على برنامج تعاون جاد بين دولها العربية، يتصدى لأي محاولة للهيمنة والسيطرة عليها انطلاقًا من استقلال حقيقي يرتكز على ارادة وطنية وسيادة حقيقية في مواجهة الطامعين في هذه الدول والمنطقة العربية.
لدينا أطماع أمريكية وصهيونية في هذه المنطقة، ولدينا أدوات قوة عربية لا تحصى ولا تعد.
موارد الطاقة التي تزخر بها المنطقة العربية يمكن أن نشل بها حركة الولايات المتحدة الأمريكية.
البترول العربي والأموال العربية الموجودة في سندات الخزنة الأمريكية أدوات ضغط هائلة.
اضرب لك مثلًا واحدًا: السيد جو بايدن الصهيوني، الذي كان يفخر أنه صهيونيًا في حملاته الدعائية، وأنه سيفعل في الزعيم العربي كذا كذا، وبالأسماء، وبعدما ذلك نشبت حرب أوكروانيا، وحدثت أزمة طاقة وكان في مقدور واحد فقط ممن ذكرهم بالاسم، أن يفاقم أزمة الطاقة في الغرب بالاتفاق مع روسيا، فما كان من بايدن إلا أن ذهب له في بلده وصافحه صاغرا في عقر داره.
إجمالًا أعتقد أن لدى الجامعة العربية ودولها أدوات ضغط هائلة يستطيعون بها التأثير على العالم.
غياب روسيا والصين
بذكر روسيا.. هل يمكن أن تشكل موسكو وبكين الآن أداة توازن في المنطقة والعالم؟
روسيا والصين ليس لهما وجودًا في المنطقة.
الصين موجودة اقتصاديًا، ولكن ليست موجودة بقوة تأثير في النظام العالمي. العزلة لا تزال مسيطرة عليها سياسيًا رغم أنها تخلصت منها اقتصاديًا.
ولعله لا يوجد هناك وقت أثمن من هذا للصين لانهاء أزمة تايوان، فهذا وقت مثالي قد لا يتكرر لها، في ظل هذه الفوضى الموجودة في العالم، ومع ذلك لا تقدم على ذلك، فعقلية الخوف من الحرب والاشتباك العسكري لازالت مهيمنة عليها، رغم أنها اشتبكت اقتصاديًا ونجحت.
الغرب وأمريكا نجحوا في تحجيم دور روسيا الدولي، بعد انهاكها في حرب أكروانيا، حتى أصبحت رهينة أكروانيا، وبات انشغالها في الحرب حاجبًا لدورها في العالم.
كان يمكن أن تقوم روسيا بدور مهم في العالم الآن، ولكن حرب أوكرانيا خطفتها.
مستقبل الإقليم
ختامًا.. إلى أين يتجه الأقليم في ظل الأوضاع الراهنة ولمن تكون القيادة فيه؟
هذا سؤال يصعب جدًا الإجابة عليه، لأنه يتوقف على متغيرات كثيرة وأهمها: الطريقة التي سيتوقف بها العدوان على غزة وجنوب لبنان، والأدوار التي ستقوم بها الدول العربية في ايقاف هذا العدوان أو ذاك.
وأعتقد أن طوفان الأقصى بات صاحب الكلمة الآن في حاضر المنطقة ومستقبلها، والمتغير الرئيسي الذي حدث في العام الماضي الذي جعل أي متغيرات مرتبطة به.
خلال المدى الدقيق للتوقع، أرى أنه لا يحدث تغييرًا جوهريًا في هذه المنطقة سواء بما يحقق مصالح دولها، أو في غير مصالحها كما يسعي نتينياهو لفرض الهيمنة الأمريكية والصهيونية عليها.
ونتنياهو نفسه قد لا يكون موجودًا بعد بضعة أشهر، وهذا يتحدد بناء على الوضع الداخلي في اسرائيل، الذي يتمزق يومًا بعد يوم على كل المستويات، سواء سياسيًا أو اقتصاديًا أو اجتماعيًا، وهذا من نتائج طوفان الأقصى، كما يتحدد بناءً على طريقة العلاقة بينه وبين ترامب في الأشهر الأولى من عام 2025.