بدأ استخدام مصطلح "الغسيل الوردي" في عام 2002 ضمن حملة أطلقتها منظمة BC Action، وهي منظمة معنية بمراقبة الشركات التي تدّعي دعم مريضات سرطان الثدي، استهدفت الحملة تسليط الضوء على الشركات التي تروج منتجاتها باستخدام الشريط الوردي كرمز للتضامن مع المريضات، لكنها في الوقت ذاته تنتج أو تبيع منتجات تحتوي على مواد كيميائية ضارة قد تسبب السرطان، بينما تزعم أنها تخصص جزءً من أرباحها لدعم هؤلاء المريضات.
لاحقًا، توسع استخدام المصطلح ليشمل حملات أخرى ذات أهداف مختلفة، أبرزها الحملة الدعائية الإسرائيلية الممنهجة "براند إسرائيل" والتي استخدمت المصطلح في هذا السياق للإشارة إلى استراتيجيات إسرائيل لتقديم نفسها كدولة متسامحة مع مجتمع الميم عين بهدف تحسين صورتها دوليًا كدولة ديمقراطية ليبرالية، بينما تخفي بذلك ممارساتها القمعية كدولة احتلال واستعمار.
الغسيل الوردي هو استراتيجية تسويقية وسياسية تُستخدم لترويج منتجات أو سياسات أو جهات من خلال إظهار دعمها لحقوق أفراد مجتمع الميم عين، ويهدف هذا التوجه إلى تسويق صورة تقدمية ومتسامحة تعترف بحقوق الأقليات المضطهدة، لكنه غالبًا ما يكون أداة لتبييض الصورة وتضليل الرأي العام.
ويُعتبر الغسيل الوردي إحدى الأدوات الرئيسية التي يستخدمها الكيان الاسرائيلي لتحسين صورته أمام العالم، فيما يعتمد الكيان على خطابات موجهة وحملات ممولة بملايين الدولارات للترويج لنفسه كدولة حقوقية تقدمية تحترم التعددية الجندرية وحقوق الأفراد من مجتمع الميم عين.
تشمل هذه المظاهر تنظيم "مسيرات الفخر" في تل أبيب، المهرجان الدولي للأفلام المثلية، والمشاركة في مسابقات دولية مثل "يوروفيجن".
ولا تقتصر خطورة الغسيل الوردي على تحسين صورة إسرائيل، بل تمتد إلى تشويه صورة الفلسطينيين من خلال تصويرهم كمُعادين للمثلية واضطهادهم لأفراد مجتمع الميم عين، ما يعزز رواية الاحتلال أمام المجتمع الدولي.
اقرأ أيضًا:"حادثة الجامعة".. إعلان للوجود أم تصادم مع القيم
الغسيل الوردي في عين الكويرين
يرى كثير من النشطاء والمنظمات الكويرية أن هذا الاستخدام السياسي لحقوق مجتمع الميم عين هو تضليل واضح يهدف إلى صرف الانتباه عن الانتهاكات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، وفي شهر الفخر، طالب العديد من النشطاء بعدم الاحتفال أو تنظيم المسيرات في ظل استمرار الاحتلال، مؤكدين أن المشاركة في هذه الفعاليات يعني تواطؤًا ضمنيًا في الانتهاكات التي يرتكبها الكيان.
ويؤكد النشطاء أن حقوق الإنسان لا يمكن تجزئتها، وأن قضايا التعددية الجنسية والجندرية لا يمكن فصلها عن القضايا الأوسع للحرية والعدالة.
كما يشددون على أن النضال ضد الاحتلال يجب أن يشمل رفض جميع أشكال القمع، سواء كانت ضد الكويريين أو المغايرين، لأن الاستعمار والقمع لا يفرقان بين الضحايا.
يسعى الغسيل الوردي إلى فصل الهوية الجنسانية عن الهوية الوطنية، عبر تصوير دولة الاحتلال كداعم لمجتمع الميم عين، مع الترويج لفكرة أن الصراع الأساسي ليس على الأرض، بل بين التحضر والرجعية.
وقد عبر بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، عن هذا المفهوم صراحة في حديثه أمام الكونغرس، قائلًا: "هذا ليس صراع حضارات، إنما صراع بين البربرية والحضارة" ولكن هذا التصوير يتجاهل الواقع، حيث يعاني الفلسطيني المثلي من المشكلات نفسها التي يعانيها الفلسطيني المغاير تحت الاحتلال.
استغلال تاريخي ومكاني
كما يتجلى أحد أبشع مظاهر الغسيل الوردي في إسرائيل من خلال تصوير مقاطع ترويجية للسياحة المثلية في أماكن أقيمت على أنقاض قرى فلسطينية مهجرة تم تطهير أهلها عرقيًا خلال نكبة 1948، ويهدف هذا الترويج إلى تسويق هذا الكيان باعتباره واحة للحقوق والحريات، بينما يتغافل عن الجرائم التاريخية التي ارتكبت بحق الفلسطينيين.
ورغم ما يُروج له بشأن حصول مجتمع الميم عين على حماية قانونية غير موجودة في الدول العربية، إلا أن هذا لا يجعل من إسرائيل مكانًا آمنًا، حيث أن الحكومة الحالية ذات توجه يميني متطرف تُبدي عداءً واضحًا تجاه المثليين، ما يُبرز تناقضًا صارخًا بين الادعاءات الدعائية والواقع الفعلي.
كما أن تسويق الصراع باعتباره صراعًا حضاريًا يؤدي إلى محاولة إجبار الأفراد على الفصل بين هويتهم الجنسانية ووطنيتهم، في حين أن الادعاء بتقدمية إسرائيل كدولة داعمة للمضطهدين والمثليين يخفي تاريخًا طويلًا من القمع والمعاملة السيئة، كما أن أفراد مجتمع الميم عين العرب، ولا سيما الفلسطينيين منهم، يعانون من القمع ذاته، ويكافحون لفضح هذه السياسات التوسعية.
كما أن فكرة "الغسيل الوردي" يُخفي أيضًا مظاهر رهاب المثلية داخل المجتمع الإسرائيلي نفسه، حيث سُجلت العديد من حالات الاعتداء على المثليين، بعضها وصل إلى حد القتل، حتى في مدينة تل أبيب التي يُروج لها كـ"عاصمة المثليين في الشرق الأوسط".
ترويج ودعاية
تعتمد إسرائيل على أدوات متنوعة لتحقيق الغسيل الوردي، مثل الترويج للجيش الإسرائيلي كالقوة الوحيدة في المنطقة التي تسمح للمثليين بالانخراط في صفوفها، وتنظيم فعاليات مثل السينما المثلية التي تُمولها القنصليات الإسرائيلية عالميًا، بالإضافة إلى حفلات غنائية، محاضرات أكاديمية، وعروض لمنظمات مثلية إسرائيلية.
وهذا الاستخدام الدعائي الممنهج يهدف إلى تحسين صورة إسرائيل كدولة تقدمية، لكنه يُخفي أهدافًا توسعية استيطانية، وهناك منظمات كويرية عربية وفلسطينية تعمل على كشف هذه السياسات، وتُسهم في رفع الوعي بسياسات الاستعمار واستغلالها لقضايا الجنسانية لتحقيق مكاسب دعائية.
كما أن رفض هذا الترويج والتصدي له يمثل جزءً أساسيًا من النضال ضد الاحتلال والتمييز، مؤكدين أن الحقوق والحريات لا تُستخدم كأداة لتلميع صورة نظام استعماري، بل هي قضايا إنسانية لا يمكن فصلها عن العدالة والحرية.
وختامًا يُمكن القول أن الغسيل الوردي ليس مجرد أداة لترويج سياسات أو منتجات، بل هو أداة سياسية تُستخدم لتضليل الرأي العام وتحقيق مكاسب دعائية.
وفي السياق الإسرائيلي، يتحول الغسيل الوردي إلى أداة استعمارية تهدف إلى تبرير الاحتلال وتشويه الحقائق، ما يفرض على المجتمع الدولي والمسؤولين عن حقوق الإنسان مزيدًا من الوعي والحذر من الوقوع في فخ هذه الاستراتيجيات التضليلية.
اقرأ أيضًا:"أوسكار".. عابرة جندريًا اُستَغلَت في "تنظيم مسلح" من أجل "ثمن عمليتها"