رغم بروز حزب الجبهة الوطنية الجديد وتحركاته المرتبطة بالتحالفات الانتخابية المتوقعة لأحزاب الموالاة وحصصها في الكعكة البرلمانية القادمة، إلى جانب النشاط المكثف لبعض الأحزاب المحسوبة على المعارضة في الأيام الأخيرة، لا تزال ترتيبات الحركة المدنية الديمقراطية "محلك سر"، وفقًا لمراقبين ومصادر خاصة لـ"فكر تاني".
المراقبون أشاروا إلى إعلان مجلس أمناء الحركة، في منتصف ليل السبت 8 يونيو 2024، عن تشكيل تحالف انتخابي مستقل، بعد مرور أكثر من 6 أشهر، لم يظهر أي ملمح بعد له، في حين لا تزال لجنة الانتخابات داخل الحركة غير مفعّلة.
وبينما لا يزال هناك إصرار بين بعض القيادات البارزة في الحركة على المضي قدمًا نحو تدشين هذا التحالف الانتخابي المعارض، يبدو أن الحركة لا تزال بعيدة عن التوافق بسبب ضعف يعتريها نتيجة عدة عوامل، أبرزها إحباطات التيار الناصري القومي من التطورات في سوريا، وانشغاله بالقضايا الخارجية على حساب الداخل.
كذلك نجحت أحزاب مثل المصري الديمقراطي الاجتماعي، والعدل، والإصلاح والتنمية في الاقتراب من بلورة تحالف انتخابي خاص بها، مما قد يؤثر على حجم وتأثير تحالف الحركة إذا ما تم التوافق عليه بعد صدور قوانين الانتخابات، وفق ما كشفته مصادر مطلعة لـ "فكر تاني".
ومع ذلك، يتوقع أن تكثف الحركة اجتماعاتها خلال الأسابيع المقبلة لدراسة تطورات المشهد الانتخابي وتبعات تأسيس حزب الموالاة الجديد، في محاولة للخروج من حالة الجمود الراهنة، واللحاق بسباق كانت الحركة بدأته مبكرًا ثم عطلته أحداث و"إحباطات سوريا".
رهانات تتراجع
يقول أكرم اسماعيل، عضو مجلس أمناء الحركة المدنية الديمقراطية والقيادي بحزب العيش والحرية" تحت التأسيس"، إن الظروف الإقليمية المتوالية أفرزت توابعًا جديدة على المشهد السياسي الداخلي، بحيث أن كل القراءات السابقة المبنية على وجود مسار الحوار الوطني حول الانتخابات وقانونها وطريقة إدارتها بشكل مختلف عن عام 2020، باتت محل مراجعة بعد ظهور مؤشرات سلبية في المشهد.
ويضيف في حديثه لـ فكر تاني أن هناك مؤشرات لإعادة المشهد الانتخابي نفسه في عام 2020، دون تغيير، رغم ما تم الاتفاق عليه في مسار الحوار الوطني، ومنها تدشين حزب موالاة جديد، يرى أنه" أداة لتغيير اللاعبين لا السياسيات، والأسماء لا المناخ السياسي المطلوب تغييره بشكل عاجل لتهيئة المناخ لانتخابات نزيهة وجادة وغير مهندسة انتخابيًا كما العادة الحكومية".
"الحماس لم يعد كما كان، والرهان على التغيير الانتخابي يتراجع، مع قطع الطريق على وجود مناخ ملائم لخوض الانتخابات، وهو ما يؤثر بالطبع على توقعاتنا منها "؛ يقول عضو مجلس أمناء الحركة المدنية الديمقراطية، مضيفًا أن الفرصة لا تزال سانحة للتراجع عن المسار الجديد الذي بات يهدد العملية الانتخابية، وفق رأيه.
ويؤكد القيادي البارز بالحركة أنه رغم كل ذلك، فإن الحركة المدنية مصرة على تشكيل تحالفها الانتخابي المستقل، وتفعيل لجانها المعنية بملف الانتخابات، وترتيب توقعاتها الانتخابية وفق المستجدات وقراءة الأفق الراهن، مشددًا على أن فتح المجال السياسي هو السبيل لاستقرار الوطن، لا تجميد المشهد لحساب اجراءات شكلية يظن البعض أنها السبيل للاستقرار.
اقرأ أيضًا: ثلاثي الكعكة البرلمانية.. مخطط أحزاب الموالاة لعلاج "هشاشتها التشريعية"
كشف مصدر مطلع لـ"فكر تاني" ، عن أن "الحركة باتت في حالة ضعف، بعد إحباطات التيار الناصري القومي من نتائج التغيير في سوريا، وانشغاله بالخارج أكثر من الداخل، وقد نجحت أحزاب المصري الديمقراطي الاجتماعي، والعدل، والإصلاح والتنمية في الاقتراب من بلورة تحالفهم الانتخابي الخاص، وهو ما قد يؤثر على حجم تحالف الحركة الانتخابي في حال الاتفاق عليه بعد صدور قوانين الانتخابات"
في انتظار قوانين الانتخابات
ومع ذلك، ورغم هذا الإصرار المعلن من الحركة المدنية على تدشين تحالفها، يبقى هناك احتمال قائم بمقاطعة الانتخابات، خاصة أن اللجنة الانتخابية للحركة غير مفعلة حاليًا.
في 9 يوليو الماضي، قرر مجلس أمناء الحركة، تشكيل لجنة لوضع آليات خوض الانتخابات البرلمانية المقبلة برئاسة طلعت خليل، النائب البرلماني السابق ورئيس هيئة التحالفات الانتخابية بحزب المحافظين.
يوضح مجدي عبد الحميد، عضو مجلس أمناء الحركة المدنية الديمقراطية والمنسق العام السابق، أن الحركة لديها رؤيتان محل تشاور حتى الآن بين أحزابها والشباب وجيل الوسط المقربين منها، وهما:
أولًا: تعليق المشاركة في الانتخابات على انتظار القوانين المنظمة لها، وبالتحديد وجود قائمة نسبية في القانون ومناخ ديمقراطي مناسب لإجراء انتخابات نزيهة، وربما لا تشارك الحركة في حال غيابهما، حتى لا تساهم في إجراءات شكلية تقنن الممارسات السلطوية الراهنة بعيدًا عن حسابات عدد المقاعد.
ثانيًا: المشاركة في الانتخابات، بغض النظر عن شكل القانون المنتظر، بغرض عرض البرنامج السياسي للأحزاب على الجماهير، والنزول إلى الشارع، ونوعية قوائمه، مع التركيز على المقاعد الفردية، وإدارة معركة انتخابية عليها بمرشحين من الحركة، على أمل إنجاح عدد من النواب الديمقراطيين الجادّين ليكونوا صوتًا للشعب ومطالبه.
ويوضح عبد الحميد، في حديثه لـ فكر تاني، أنه في حال وجود شكل مختلط لإجراءات الانتخابات يتكون من قوائم نسبية بشكل أقل لصالح تفوق القائمة المطلقة، مع وجود المقاعد الفردية، فإن الحركة قد تتجه إلى المشاركة على القوائم النسبية بالقدر الموجود مع المقاعد الفردية، مع تسجيل اعتراضها على تفوق القوائم المطلقة وما يترتب عليها من مناخ غير ديمقراطي.
ويشير عضو مجلس أمناء الحركة المدنية الديمقراطية إلى أن لجنة الانتخابات الخاصة بالحركة غير مفعلة حاليًا، في انتظار بلورة موقف من الحركة للبناء عليه والتحرك على أساسه، معتقدًا في نجاح حركته في تشكيل ائتلاف انتخابي محدود ليس بضخم، بعد الإخلال الذي حدث في القوى المدنية، وفق رأيه، في الفترة الأخيرة.
ويؤكد عبد الحميد أنه مع بذل مزيد من المجهود من أحزاب الحركة، قد يضم مجلس النواب المقبل نوابًا من الحركة على قدر المسؤولية والفاعلية.
الحزب الجديد والمناخ الحالي
وفي يوليو الماضي، أعلن مجلس أمناء الحركة كذلك، طرح استمارة الترشح للاستحقاقات الانتخابية القادمة باسم الحركة، ونشرها من جانب أحزاب الحركة في القاهرة ومحافظات مصر وعلى حسابات التواصل الاجتماعي الخاصة بالحركة وأحزابها وشخصياتها استعدادًا للانتخابات البرلمانية القادمة، دون تفعيل.
كما قرر تولى الأكاديمي مصطفى كامل السيد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة وعضو المجلس التنفيذي السابق للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان والقيادي بحزب التحالف الشعبى، مهمة التنسيق لإعداد مشروع البرنامج الانتخابي للحركة المدنية استعدادًا للانتخابات البرلمانية المقبلة، لكن لم يصدر بعد.
ويؤكد الكاتب الصحفي سيد الطوخي، رئيس حزب الكرامة وعضو مجلس أمناء الحركة، لـ فكر تاني، أنهم تلقوا استمارات ترشح عدة لخوض الانتخابات، ولديهم تصورات لمشروع البرنامج الانتخابي، رهن الإعداد، لم يتم الانتهاء منها بعد.
يربط الطوخي بين بطء ترتيبات الحركة المدنية والمناخ السياسي العام، الذي لم يشهد بعد صدور قرار الانتخابات، بجانب تدشين حزب الجبهة الوطنية الجديد تزامنًا مع اختيار السلطة لأحزاب "معارضة مستأنسة"، وفق وصفه، للتحالف الانتخابي معها في الانتخابات المقبلة، لكن لم يفصح رئيس حزب الكرامة عن أسماء أحزاب بعينها.
ويقول الطوخي: "يريدون – أي الحكومة – تأخير القانون لوضعنا تحت الضغط وإرباك تحركاتنا، والتأثير سلبًا على ائتلافنا الانتخابي، في ظل إعلانهم حزبهم الجديد، واختيارهم لقوى معارضة مستأنسة للتحالف معها في الانتخابات"، وفق رأيه.
ويضيف رئيس حزب الكرامة أنه مع الاستجابة البطيئة من مؤسسات الدولة لمطالب المعارضة بشأن الانتخابات، وخاصة القوائم النسبية، فإن تفكير الحركة المدنية يتجه إلى "المقاطعة لرفض محاولات احتكار الثروة والسلطة والمقاعد البرلمانية، أو الاكتفاء بخوض معارك المقاعد الفردية".
فرصة ذهبية بشروط
في هذا الأثناء، تقدم هلال عبد الحميد، رئيس حزب الجبهة الديمقراطية المصرية "تحت التأسيس"، مؤخرًا بطلب للانضمام إلى الحركة المدنية الديمقراطية، ومن المنتظر تمريره مع أول اجتماعات مجلس الأمناء للحركة، وفق حديث عبد الحميد لـ"فكر تاني"، مشيرًا إلى أنه قدم كذلك طلبًا إلى لجنة شؤون الأحزاب المصرية للمضي في توفيق أوضاع الحزب.
ويقول عبد الحميد، الذي شغل سابقًا عضوية الهيئة العليا لحزب المصري الديمقراطي، ورئاسة قطاع التنظيم بحزب المحافظين: "بغض النظر عن قبولنا من عدمه في الحركة المدنية، ولكن أنا كخبير انتخابي، أرى أن الحركة ستستطيع تكوين تحالف انتخابي مهم، طالما التزمت بقواعد موضوعية وشكل انتخابي احترافي لتشكيل هذا التحالف".
"ما لم يُدرك كله لا يُترك كله"، يضيف عبد الحميد، في إشارة إلى تأخير الحركة المدنية في ترتيبات تحالفها الانتخابي المستقل، موضحًا أنه لا زالت هناك فرصة لتجميع كل أحزاب الحركة المدنية في معركة انتخابية جيدة، تستطيع تحقيق نتائج مهمة من خلالها.
ويشير رئيس حزب الجبهة الديمقراطية المصرية "تحت التأسيس"، إلى أنه في حال وجود قائمة نسبية في شكل الانتخابات، فإنه لدى الحركة المدنية فرصة ذهبية في المحافظات لتكوين قوائم قوية تعتمد على الكوادر المنتشرة لأحزاب الحركة، بعد تنظيمها بشكل جاد، في ظل وجود قواعد موضوعية لاختيار المرشحين، مثل: قوة المرشح الموجود على رأس القائمة النسبية، وحضوره الجماهيري، وتاريخه البرلماني، فضلًا عن القواعد المستقرة ككونه معارضًا، وحسن السيرة والسمعة.
ويأمل عبد الحميد عدم ذهاب أحزاب العدل والإصلاح والتنمية والمصري الديمقراطي الاجتماعي في تحالف خاص بعيد عن الحركة المدنية، مشيرًا إلى أنه يميل إلى أن هذه الأحزاب لم تحسم تحالفها الانتخابي بعد، فيما دعاهم إلى الانخراط في تحالف الحركة المدنية لتكوين جبهة قوية وجادة تخوض الانتخابات، خاصة أنهم "حريفة انتخابات"، كما يقول عبد الحميد.
حزب المحافظين والتحالف المرتقب
ويتردد في الوسط السياسي المعارض أن حزب المحافظين، برئاسة رجل الأعمال أكمل قرطام، سيكون صاحب "اليد الطولى" في التحالف الانتخابي المستقل للحركة، وهو ما ينفيه وليد العماري، المتحدث الإعلامي للحركة، في حديث لـ فكر تاني.
ويقول العماري:" لا يوجد فرق بين حزب وآخر في الحركة، ولا أفضيلة فيما يخص الانتخابات"، مضيفًا أن التحالف الانتخابي المنتظر سيعبر عن كل مكونات الحركة وبرنامجها المتفق عليه.
وحول ما يخص المرشحين، يوضح المتحدث الاعلامي للحركة أن تحديد المرشحين سيتوقف على قدرة كل مرشح على المنافسة والحضور وسط الجماهير لكسب أصواتها، فضلًا عما يتفق عليه من ضوابط.
"عناصر القوة ليست في يد حزب المحافظين بمفرده" يضيف هلال عبد الحميد، رئيس حزب الجبهة الديمقراطية "تحت التأسيس"، مؤكدًا أن الحركة تضم تنوعًا سياسيًا ، ففيها الليبرالي، واليساري، والناصري القومي، وكل لون سياسي له حزب وازن وصاحب حضور في التحالف المرتقب.
ويحذر عبد الحميد، من غياب الضوابط الموضوعية في تشكيل القوائم الانتخابية، مشيرًا إلى أن الانتخابات لا تقوم فقط على الفلوس أو التواجد الشعبي بل هي عوامل عدة تضم منها، قوة الحملة الانتخابية أو القدرة على الحشد الانتخابي.
مشاركة الشباب وجيل الوسط
وفي 14 أغسطس الماضي، عقد مجلس أمناء الحركة المدنية الديمقراطية جلسة نقاشية مع عدد من جيل الوسط وشباب الأحزاب والمستقلين من التيار المدني وجيل يناير، بهدف استطلاع رأي الدوائر القريبة من الحركة المدنية في أداء الحركة وسبل تطويرها، وفيما يخص المشهد السياسي والاستعداد لانتخابات 2025.
وتمت مناقشة سبل خوض معركة الانتخابات والضغط من أجل توفير بيئة تشريعية وسياسية قبل إجرائها، مستهدفين خوض الحركة المدنية وأحزابها الانتخابات البرلمانية تحت تحالف واحد للقوى المدنية.
وحول مستجدات هذه المشاركة، يوضح وليد العماري أن هناك تعويلًا كبيرًا داخل الحركة على تواجد جيل الوسط والشباب في تنسيق وترتيب إجراءات الملف الانتخابي، بعد بلورته في الاجتماعات المقبلة، مؤكدًا أن أي انتخابات تحتاج إلى شباب وجيل وسط للحركة والتأثير وخوض السباق لمن يمتلك القدرة.
ويلفت المتحدث الإعلامي للحركة الانتباه إلى أن ملف الشباب وجيل الوسط محل دراسة في الحركة، وغير مرتبط بالانتخابات فقط، حيث يدرس مجلس الأمناء تدشين أمانة للشباب وجيل الوسط يكون لها ممثل في اجتماعات مجلس الأمناء للحركة.