مغارة "علي بابا" التي فُتحت لترامب بالشرق الأوسط

بشكل ما يمكن اعتبار التطورات المتسارعة والتحولات الشديدة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، في أقصى صورها في سوريا التي أسقطت ديكتاتورها بشار الأسد، وأو في غزة المدمرة، ولبنان المجبرة على وقف إطلاق النار، وإيران المنهكة في محور مقاومتها، وروسيا التي خسرت قوة نفوذها، بأنه كمن فتح باب مغارة "علي بابا" أمام دونالد ترامب، العائد بقوة إلى البيت الأبيض، كما يرى فريد كيمبي، الرئيس والمدير التنفيذي للمجلس الأطلسي، الذي يدعو في مقال نُشر حديثًا إلى التفكير حول التداعيات الجيوسياسية المترتبة على أحداث سوريا، ويعتبرها أكثر من مجرد حدثًا دراماتيكيًا.

روسيا تفقد بريقها

يُركز كيمبي بشكل خاص على الدور المتضائل لروسيا في هذا التحول الدراماتيكي، مقوضًا بذلك الصورة التي حاولت موسكو ترسيخها كقوة عالمية قادرة على التأثير في مجريات الأمور في مناطق بعيدة عن حدودها.

ويشير إلى أن قرار موسكو بعدم التدخل عسكريًا لمنع سقوط الأسد، والاكتفاء بنقل الأخير جوًا إلى روسيا، يُظهر بشكل جلي "مدى ضعف روسيا في قدرتها على مد النفوذ في منطقة الشرق الأوسط".

عمل كيمبي لأكثر من 25 عامًا في صحيفة "وول ستريت جورنال"، حيث تولى مناصب بارزة مثل مساعد مدير التحرير الدولي ورئيس مكتب برلين بعد توحيد ألمانيا. في 2002، صنفته صحيفة "The European Voice" ضمن أكثر 50 شخصية أوروبية تأثيرًا.

يذهب كيمبي إلى أبعد من مجرد ملاحظة هذا الضعف الظاهر، بل يربطه بالتكاليف الباهظة التي تتكبدها روسيا جراء حربها في أوكرانيا. ويوضح أن سحب روسيا لجزء كبير من قواتها ومعداتها العسكرية من سوريا لدعم حربها في أوكرانيا كان له تأثير حاسم على ميزان القوى في سوريا، ما يؤكد أن "موسكو أدركت أن دورها الإقليمي كقوة بات على المحك في أوكرانيا، لذا فإن القتال هناك يجب أن يكون له الأسبقية".

اقرأ أيضًا: يأس أم غطرسة.. ماذا يعني تهديد ترامب للشرق الأوسط؟

ويستنتج كيمبي أن سقوط الأسد يمثل "نهاية لدور روسيا المهيمن في سوريا" الذي بدأ عام 2015، وهو اعتراف ضمني بفشل استراتيجية موسكو في الحفاظ على نفوذها في المنطقة مع الانخراط في صراعات أخرى.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس السوري المخلوع بشار الأسد (وكالات)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس السوري المخلوع بشار الأسد (وكالات)

إيران في مهب الريح

لا يُغفل تحليل كيمبي دور إيران في هذا المشهد المتغير، بل يضعه تحت المجهر ليكشف عن التحديات المتزايدة التي تواجهها طهران في الحفاظ على نفوذها الإقليمي. ويشير إلى أن "إيران لم تعد قادرة على التدخل لدعم حزب الله في لبنان، وبالتالي لن تكون قادرة على التحرك لدعم الأسد في سوريا أيضًا".

ويُرجع كيمبي هذا الضعف جزئيًا إلى "الهجمات الإسرائيلية الدقيقة"، بما في ذلك الضربة التي أدت إلى مقتل حسن نصر الله، و"أضعفت قدرة إيران وحزب الله بشكل كبير". وهو يرى أن هذا العجز الإيراني قد تجلى أيضًا في عدم قدرة "ميليشياتها الشيعية في العراق" على تقديم الدعم الحيوي لنظام الأسد المنهار، ما يشير إلى وجود قيود على قدرة طهران على حشد حلفائها في اللحظات الحاسمة.

ويكشف تحليل كيمبي عن أن إيران، التي طالما سعت لتوسيع نفوذها الإقليمي عبر وكلائها، تواجه الآن صعوبات متزايدة في الحفاظ على هذه الشبكة ودعمها في ظل الضغوط المتزايدة عليها.

اغتيال حسن نصر الله كان ضربة قاسمة لإيران (الصورة: وكالات)
اغتيال حسن نصر الله كان ضربة قاسمة لإيران (الصورة: وكالات)

تركيا والتوقيت المثالي لتعزيز المصالح

يُسلط كيمبي الضوء على الدور المحوري الذي لعبته تركيا في تسريع سقوط نظام الأسد، مبرزًا بذلك قدرة أنقرة على استغلال الفرص في بيئة إقليمية مضطربة.

ويؤكد أن "تركيا، بقيادة الرئيس أردوغان، استغلت هذا الضعف الروسي والإيراني في المنطقة" بعد اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، حيث رأت أن "لديها فرصة سانحة للتحرك بشكل حاسم" قبل أن تتغير الظروف على الأرض.

اقرأ أيضًا: من خصومه والديمقراطية.. هل عاد ترامب لينتقم؟

ويشرح كيمبي كيف أن "الضوء الأخضر" التركي للمتمردين السوريين لشن هجوم على حلب أدى إلى الانهيار السريع لقوات النظام والسيطرة على مناطق رئيسية وصولًا إلى دمشق. ويُظهر هذا التحرك التركي، وفقًا لكيمبي، براجماتية أنقرة واستعدادها لتغيير قواعد اللعبة عندما تسنح الفرصة لتعزيز مصالحها الإقليمية.

أردوغان من بين أكثر المستفيدين من الإطاحة بالأسد وفق كيمبي (وكالات)
أردوغان من بين أكثر المستفيدين من الإطاحة بالأسد وفق كيمبي (وكالات)

البعد الأوكراني.. صراع يمتد لساحات أخرى

لا يتوقف تحليل كيمبي عند القوى الإقليمية الكبرى، بل يشير أيضًا إلى "تورط المخابرات الأوكرانية في تقديم الدعم للمتمردين السوريين"، كجزء من "جهود أوكرانية أوسع لاستهداف المصالح الروسية في مناطق مختلفة". ويقول إن هذا البعد الإضافي يُظهر أن الصراع في أوكرانيا له تداعيات أوسع نطاقًا تتجاوز الحدود الجغرافية، وإن كييف مصممة على مواجهة موسكو على مختلف الجبهات، حتى في مناطق تعتبر تقليديًا جزءًا من النفوذ الروسي.

نافذة الفرص تُفتح أمام ترامب

يُركز كيمبي بشكل خاص على الفرص الاستثنائية التي يتيحها هذا التحول في الشرق الأوسط لإدارة ترامب القادمة، معتبرًا أن هذه اللحظة تمثل منعطفًا حاسمًا في السياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة.

دعم إسرائيل والقوة مع روسيا ومحاولة إبعاد الصين عن تحالفها الحالي هو ما يدعو كيمبي الرئيس المنتخب إلى اقتناصه لصالح الولايات المتحدة التي أمامها فرصة كبيرة للفوز بصراع القوة والنفوذ

ويرى أن هذا الوضع الجيوسياسي الجديد يمنح الإدارة الأمريكية فرصة سانحة لـ"بلورة استراتيجية فعالة لمواجهة ما يسميه "محور المعتدين" الناشئ، والذي يضم الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية.

اقرأ أيضًا: فريق ترامب الصهيوني

ويحدد كيمبي في هذا السياق ثلاث فرص رئيسية أمام ترامب:

  • دعم إسرائيل في مواجهة إيران الضعيفة: يرى كيمبي أن إيران تعيش "أضعف حالاتها منذ عقود"، وأن هذا يمثل فرصة سانحة لتعزيز الدعم الأمريكي لإسرائيل في مواجهة التهديد الإيراني المتصاعد، خاصة فيما يتعلق ببرنامجها النووي ودعمها للجماعات المسلحة في المنطقة.

  • التعامل مع روسيا من موقع قوة: يؤكد كيمبي أن انكشاف ضعف روسيا في سوريا يتيح لإدارة ترامب فرصة "التعامل مع روسيا من موقع قوة" في ملفات أخرى، خاصة فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا، وفرض عقوبات أكثر صرامة على موسكو.

  • توضيح تكلفة التحالف مع "محور الخاسرين" للصين: يرى كيمبي أن ضعف روسيا وإيران يمثل فرصة لتوضيح المخاطر والتكاليف التي تنطوي عليها علاقة الصين بهذا المحور، وذلك بحث بكين على إعادة تقييم تحالفاتها بما يخدم مصالحها على المدى الطويل.

ويُقر كيمبي بأن هذه الفرص تأتي مصحوبة بتحديات جمة، وأن على الإدارة الأمريكية الجديدة أن تتعامل مع هذا الوضع بحذر. ويشدد على ضرورة أن يكون ترامب قادرًا على "ربط النقاط وتجاهل المستشارين الذين ليسوا على استعداد للقيام بذلك"، وأن يتبنى نهجًا استراتيجيًا حازمًا للاستفادة من هذا الوضع الجديد دون الوقوع في أخطاء الماضي.

ويقول إن "العالم يمر بمنعطف حرج"، وأن على الولايات المتحدة "استعادة توازنات قواها الإقليمية" لتجنب "حرب شاملة" قد تكون لها تداعيات كارثية، مضيفًا أن قدرة ترامب على استيعاب التغيرات الجيوسياسية الأخيرة في الشرق الأوسط، واستغلال نقاط ضعف الخصوم، ستحدد إلى حد كبير شكل النظام العالمي في المستقبل القريب. 

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة