نقابيون: البرلمان يتجاهل عمدًا صوت العمال عند مناقشة "قانونهم"

بعد انقطاع لفترة طويلة، استأنف مجلس النواب المناقشات حول قانون العمل الجديد، وسط استياء من وجود العديد من المخالفات الدستورية في القانون المقترح، والإصرار الحكومي على تجاهل صوت العمال في النقاشات مع سبق الإصرار والترصد، حسبما قال معنيون لـ فكر تاني.

مر القانون بمراحل متعددة كان آخرها ملاحظات أرسلها وزير العمل محمد جبران إلى مجلس الوزراء، الذي بدوره أرسلها إلى البرلمان.

وعادت لجنة القوى العاملة بمجلس النواب الثلاثاء الماضي لمناقشة مشروع قانون العمل الجديد المقدم من الحكومة، مع الاستمرار في تجاهل مطالبات القوى النقابية والحزبية المستقلة والديمقراطية بتنظيم جلسات استماع تشمل كافة الأطراف المعنية بالقضية.

اقرأ أيضًا: ملاحظات أولية حول مشروع قانون العمل الجديد

ما تمت مناقشته لا يتخطى 15% من القانون

النائب إيهاب منصور، رئيس الهيئة البرلمانية للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي ووكيل لجنة القوى العاملة بمجلس النواب، يكشف لـ فكر تاني أن "اللجنة استأنفت المناقشات حول قانون العمل الجديد حتى وصلت إلى مواد تشغيل الأجانب. وأفادت وزارة العمل بوجود بعض البنود التي ترغب في إضافتها للقانون، وهي غالبًا تتعلق بالعمالة غير المنتظمة، إلا أن أعضاء اللجنة لم يطلعوا عليها حتى الآن".

إيهاب منصور
إيهاب منصور

ويعرب النائب عن أمله في الانتهاء من المناقشات حول القانون ليصدر قبل انتهاء دور الانعقاد الحالي، مشيرًا إلى أن هناك رغبة من جميع الأطراف في إصدار القانون. وأكد أن "كلما كانت بنود القانون أكثر وضوحًا وتفصيلًا، ساهم ذلك في حل المشاكل قبل وقوعها".

ويستشهد وكيل لجنة القوى العاملة بالحكم الذي أصدرته المحكمة الدستورية العليا بشأن زيادة أجرة الإيجارات القديمة، موضحًا: "القوانين تصدر لتنظيم العلاقة بين المواطنين، مما يساعد على تقليل الضغط على المحاكم عندما تكون الحقوق واضحة للطرفين، العامل وصاحب العمل".

ويشير النائب إلى أنه "لا يوجد ما يسمى بقانون خاص بالعمال، بل إن القانون يهدف إلى فرض بيئة عمل متوازنة وجيدة تسهم في تعزيز الإنتاج، مما يؤدي إلى تحقيق الأرباح لصاحب العمل والمكافآت للعمال، بحيث يحصل كل طرف على حقه".

ويؤكد النائب أن القوانين تُصاغ بشكل متوازن يحافظ على مصالح الجميع. وحتى الآن، تم الانتهاء من 15% من مواد القانون، بينما تم إرجاء بعض البنود للنقاش لاحقًا.

وفيما يتعلق بما يُثار حول تجاهل لجنة القوى العاملة داخل البرلمان، يشدد النائب على أن جميع بنود القانون تتم مناقشتها بعناية. وتوقع أن تنتهي اللجنة من مناقشة القانون خلال سبعة أشهر، مستبعدًا صدوره في دور الانعقاد الحالي.

حملة "نحو قانون عمل عادل"

وتقود دار الخدمات النقابية والعمالية حملة بعنوان "نحو قانون عمل عادل"، تستهدف تعديل المواد المعلنة بشكل يستجيب لتطلعات العمال ويعزز حقوقهم.

وأرسلت الدار ملاحظاتها على مشروع قانون العمل الجديد إلى مجموعة من النواب وعدد من القوى النقابية المستقلة والحزبية.

اجتماع في دار الخدمات النقابية والعمالية - فيس بوك
اجتماع في دار الخدمات النقابية والعمالية - فيس بوك

واللافت أن مشروع القانون المقدم من الحكومة، وفقًا للدار، استحضر معظم نصوص قانون العمل الحالي، مما جعله يبدو وكأنه مجرد تعديل لهذا القانون. كما أشارت الدار إلى أن القانون لم يواكب الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمر بها العمال في ظل أزمة اقتصادية خانقة، بل انحاز بوضوح إلى أصحاب العمل، مع التمسك بمواد تجريم الإضراب المخالفة للأعراف والقوانين الدولية.

ونص مشروع القانون المقدم من الحكومة، في المادة (4)، على عدم سريانه على العاملين بأجهزة الدولة، بما في ذلك وحدات الإدارة المحلية والإدارة العامة، وعمال الخدمة المنزلية ومن في حكمهم، إلا إذا ورد نص بخلاف ذلك، وهو ما أيدته مناقشات مجلس الشيوخ.

في المقابل، تبنت دار الخدمات النقابية، في مشروعها، تطبيق القانون على عمال الخدمة المنزلية ومن في حكمهم، مؤكدة أن استبعادهم من نطاق سريانه لم يعد مقبولًا.

وتساءلت الدار في مشروعها: "كيف يمكن في زماننا هذا أن نرفض اعتبار علاقة هؤلاء العمال بمن يعملون لديهم علاقة عمل، ونصر على اعتبارها علاقة تبعية شخصية يُطلق عليها الصلة المباشرة بين هؤلاء العمال ومخدوميهم؟".

وأضافت: "كيف يتفق ذلك مع مبادئ حقوق الإنسان، واتفاقيات منظمة العمل الدولية، بل مع الدستور المصري الذي ينص على أن الكرامة حق لكل إنسان ولا يجوز المساس بها، وتلتزم الدولة باحترامها وحمايتها (المادة 51)، فضلًا عما يكفله الدستور من حقوق المساواة وعدم التمييز، وحماية حقوق العاملين".

وأوضحت الدار أن المبررات المقدمة لعدم تطبيق قانون العمل على عمال الخدمة المنزلية، مثل "عدم اقتحام الحياة الخاصة فيما لو سمح لمفتشي العمل بالدخول للمنازل باعتبارها أماكن عمل للتحقق من تطبيق القانون"، ليست مقنعة. وأكدت أنه يمكن استثناء أعمال الخدمة المنزلية من أحكام الباب الأول من الكتاب الخامس (تفتيش العمل والضبطية القضائية)، دون حرمان هؤلاء العمال من حقوقهم في الأجور وساعات العمل والإجازات وغيرها. كما شددت على ضرورة توفير حقهم في تقديم الشكاوى.

حملة مستمرة

يوضح القيادي العمالي صلاح الأنصاري، عضو حملة "نحو قانون عمل عادل"، لـ فكر تاني، أن الحملة مستمرة في جهودها لتحقيق أهدافها، لكنها تتعرض للتوقف من حين إلى آخر، بسبب تكرار تعليق مناقشات البرلمان.

صلاح الأنصاري
صلاح الأنصاري

ويشير الأنصاري إلى عدة ملاحظات تعتري القانون الجديد، أبرزها مسألة إنهاء الخدمة. فقد منح القانون الحق في إنهاء الخدمة لكل من العامل وصاحب العمل، وكأن الإرادتين متساويتان فيما يُعرف بـ"سلطان الإرادة". بينما الواقع مختلف، حيث يُعد إنهاء علاقة العمل من قبل صاحب العمل فصلًا تعسفيًا وليس مجرد إنهاء خدمة، ويجب أن يتم الفصل عن طريق المحكمة العمالية لضمان حقوق العامل.

ويضيف الأنصاري أن حق الإضراب مقيد بقيود تعجيزية، وإذا تمت مخالفة هذه القواعد، يُعد ذلك خطأً جسيمًا يُفصل العامل على إثره. كما يلفت إلى أن علاقات العمل أصبحت تُحال إلى النيابة، حيث تُلفَّق للعمال تهم مثل الانضمام لجماعة إرهابية، مستشهدًا بما حدث مع عمال وبريات سمنود.

ووفق الأنصاري، فإن القانون يعقد مسألة الإضراب بفرض شروط مثل الإخطار المسبق والموافقة، مما يخل بحق الإضراب. وتساءل: "ما هي ضوابط المفاوضة الجماعية في حال رفض صاحب العمل التفاوض أو تنفيذ ما تم الاتفاق عليه؟ لا يوجد في القانون ما يُلزمه أو يُعاقبه".

ويؤكّد الأنصاري أن فكرة فض المنازعات عن طريق المفاوضة الجماعية قد تم تفريغها من مضمونها، مما جعلها غير ملزمة لصاحب العمل، ما يدفع العامل للإضراب وبعدها يتعرض للفصل.

ويشير الأنصاري إلى ما وصفه بـ"الطبقية الغريبة" في بنية القانون، منتقدًا استمرار استبعاد العاملين في الخدمة المنزلية من نطاق القانون، وهو وضع مستمر منذ صدور القانون 91 لسنة 1959 وحتى الآن، على الرغم من تغيّر توجهات الحكم أكثر من مرة منذ الحقبة الناصرية الاشتراكية.

ويرى الأنصاري هذا الاستبعاد مخالفةً للدستور والمعايير الدولية والاتفاقيات التي وقّعتها مصر، لافتًا إلى أن القانون يتجاهل كذلك مسألة التحرش في العمل، وهو ما يُلقي بظلال سلبية على حقوق العاملات وحمايتهن.

 التطورات السياسية والاجتماعية

بدوره، يوضح كمال عباس المنسق العام لدار الخدمات النقابية والعمالية، أنه حتى الآن لا يوجد ردود على طلبات ومناشدات التي أرسلها المشاركون في حملة الدار، للمطالبة بالاستماع لآراء العمال أصحاب المصلحة، على أن يتم إجراء حوار مجتمعي حقيقي.

كماس عباس
كمال عباس

ويشير لـ"فكر تاني" إلى أن اللجنة القائمة على مناقشة مشروع القانون الجديد هم أعضاء الاتحاد العام الحكومي، بالإضافة إلى أن ما قامت به الوزارة من عقد اجتماع تشاوري شارك فيه أشخاص غير مخاطبين بالقانون، ولن يطبق عليهم القانون وبالتالي هم أشخاص ليسوا أصحاب مصلحة، ما يشير إلى أن الحكومة ما زالت مصرة على عدم الاستماع لرأي النقابات المستقلة الحقيقة المخاطبة بالقانون، وفق رأيه.

ويحذر عباس من تغييب قطاع كامل عن المناقشات والمشاركة في صياغة مواد القانون وهو القطاع الخاص، مؤكدًا أن هذا تجاهل للعمالة غير الرسمية والتي تمثل 60% من قوة العمل الآن في مصر.

ويستنكر منسق العام لدار الخدمات النقابية والعمالية، طريقة إدارة مناقشة القانون، وخاصة تكرار التوقف، وهو ما يعتبره "إطالة لمدة المناقشات وبالتالي تأخر إصدار القانون".

وينتقد عباس بعض ما جاء بالقانون منها محددات تطبيق القانون على العمالة ومن بينهم العاملين والعاملات الأجانب في الخدمة المنزلية، في حين لم يشمل القانون العاملين والعاملات المصريين في الخدمة المنزلية، مطالبًا بتطبيق القانون وشمول الحماية على الجميع بشكل متساوي.

ويلفت عباس عن أن القانون الجديد لم يختلف كثيرًا عن قانون العمل الحالي 12 لسنة 2003، وبالتالي كان يجب الحديث عن إدخال بعض التعديلات على القانون القديم، بعد دراسة مشاكل القانون الحالي، كما كان يجب على المشرع دراسة سوق العمل وما حدث به من تغيرات، بالإضافة إلى ضرورة دراسة التغير السياسي والاجتماعي في مصر في السنوات الماضية.

ويوضح عباس أن المشرع تناسى عندما أقدم على صياغة قانون جديد، تغيير الدستور المصري في العام 2014، ولذلك يعتبر إجراء بعض التعديلات على قانون العمل 12 لسنة 2003 والذي وضع حسب دستور 1971، أمر غير مقبول ويتجاهل الكثير من التغيرات، وكان يجب الرجوع للدستور الذي يشمل مواد جيدة جدًا خاصة بالحماية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

استياء النقابات المستقلة

من جانبه، أكد كرم عبد الحليم رئيس نقابة أندية قناة السويس، استياء النقابات المستقلة والعمال عمومًا من تجاهل مشاركتهم في المناقشات حول القانون الذي ينظم شؤنهم.

ويضيف لـ"فكر تاني" أنه وعدد من العمال المشاركين في جلسات الحوار الوطني أكدوا عدم رغبتهم في إصدار قانون عمل جديد، في ظل برلمان غير معبر عن جميع المواطنين، معتبرًا القانون الجديد أسوأ من قانون العمل الحالي.

كرم عبد الحليم رئيس نقابة العاملين بأندية قناة السويس
كرم عبد الحليم رئيس نقابة العاملين بأندية قناة السويس

ويشير عبد الحليم إلى أن القانون يوضع لمناصرة الطرف الأضعف، وبالتالي لابد من مشاركة أصحاب المصلحة والمعنيين بالقانون وهم العمال والنقابات، مؤكدًا أن الوقت غير مناسب لإصدار قانون عمل جديد الآن، هناك الكثير من المشاكل تحيط بالعمال من غلق مصانع والتعسف بالنقابات وأزمة في الأجور وبالتالي لا يوجد مناخ مناسب لإصدار قانون جديد.

ويرى أن القائمين على صياغة القانون الحالي، تعمدوا الضغط على المواطنين في ظل أزمة اقتصادية طاحنة، وظهر ذلك في تخفيض العلاوة الدورية من 7% إلى 3% على الأجر التأميني الشامل، هذا بخلاف عدم تطبيق الحد الأدنى للأجور، حيث لم يتحدث القانون عن ضوابط تطبيقه.

يميل لكفة رجال الأعمال

ويتفق القيادي العمالي جمال عثمان مع سابقيه، موضحًا أن القانون به العديد من المخالفات منها، أن مسألة تخفيض نسبة العلاوة الدورية 7% لـ 3% على الأجر التأميني الشامل والتي تم تطبيقها قبل إقرارها في القانون، في محاولة إيهام الناس أن نسبة الـ 3% أكبر من الـ 7%، وهذا غير حقيقي إلا في بعض الحالات النادرة لمن يحصل على مرتبات كبيرة.

جمال عثمان قيادي عمالي
جمال عثمان قيادي عمالي

لم تكن تلك هى المادة الوحيدة التي عقب عليها عثمان بخلاف العلاوة، حيث انتقد مسألة العقود محددة المدة، في القانون الحالي، مشيرًا إلى أن العقد مفتوح المدة يتم احتسابه بعد مرور سنة، أما القانون الجديد يعتبر العقد محدد المدة بعد مرور أربع سنوات.

واتهم عثمان مشروع القانون بأنه يميل لكفة رجال الأعمال والاستثمار، مستشهدًا بمقدمة القانون التي تنص على حقوق العمال والمستثمر، لتشجيع وجذب الاستثمار، معتبرًا أن هذا يعتبر انحيازًا تامًا لرجال الأعمال على حساب العمال.

وانتقد عثمان مشاركة جهة واحدة وهي اتحاد العمال الحكومي، في المناقشات، في تجاهل واضح للعمال والنقابات والاتحادات المستقلة بالرغم من توجيه منظمة العمل الدولية انتقاد لهذا النهج، أكثر من مرة.

 

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة