عمليات التأكيد الجندري محفوفة بالمخاطر.. من التشويه إلى الوفاة

جراحة التأكيد الجندري هي إجراء طبي يهدف إلى تغيير المظهر الجسماني وخصائص الجنس البيولوجي لتتوافق مع الجندر الذي يعبر عنه الشخص العابر/ة جنسيًا، ومع ذلك، يُعد إجراء هذه الجراحة في مصر مخاطرة شديدة، تتوزع بين المخاطر الأمنية والطبية والاجتماعية.
يعاني العابرون/ات جنسيًا من حرمان واسع النطاق في أبسط حقوقهم/ن للحصول على خدمات طبية آمنة والاعتراف بجندرهم/ن، ما يجعلهم عرضة لكوارث جسيمة قد تتراوح بين التشويه، والتلوث، وأحيانًا الوفاة.

ولعل من أبرز الأمثلة على خطورة هذه العمليات في مصر، هي قصة عز الدين، وهو رجل عابر جنسيًا فقد حياته نتيجة مضاعفات خطيرة ونزيف استمر لمدة 18 يومًا بعد خروجه المبكر من أحد العيادات غير المرخصة حيث أجرى الجراحة. 

اضطر عز الدين إلى مغادرة منزل أسرته بسبب رفضهم له، ما دفعه للتنقل بين أماكن إقامة مختلفة وهو يعاني من جرح مفتوح، ما أدى في النهاية إلى وفاته، وتعكس هذه الحالة حجم الخطر الذي يواجهه العابرون/ات جنسيًا في ظل غياب الرعاية الطبية المتخصصة ورفض الأطباء المؤهلين لإجراء هذه العمليات، حيث يتم النظر إليهم/ن كـ"مرضى نفسيين" رغم أن العملية تستوجب موافقة من طبيب نفسي على الحالة.

من ناحية أخرى، يواجه الأطباء الذين يوافقون على إجراء هذه العمليات مخاطر قانونية ومهنية، تصل إلى الشطب من نقابة الأطباء. في بعض الحالات، يُعاقب الأطباء غير المتخصصين الذين يجرون هذه الجراحات إذا تسببت في "عاهة مستديمة"، ما يزيد من التحديات التي تواجه الأشخاص العابرين/ات في الحصول على الرعاية المناسبة.

تناقضات التصريحات الرسمية

ورغم تصريح نقابة الأطباء في عام 2013 بأنها مستعدة للنظر في طلبات الأشخاص العابرين/ات جنسيًا، نجد أن الواقع مختلف تمامًا، حيث أن الشروط المعقدة والإجراءات المرهقة تجعل الموافقة على إجراء الجراحة شبه مستحيلة، ما يدفع العديد من العابرين/ات إلى اللجوء لعيادات غير مرخصة، مع ما يترتب على ذلك من مخاطر كبيرة على حياتهم/ن.

وفقًا للمادة 43، من لائحة آداب مهنة الطب في مصر، يُحظر على الأطباء إجراء عمليات تأكيد الجندر. أما عمليات التصحيح للأفراد بيني الجنس، فتشترط موافقة اللجنة المختصة بالنقابة، وإجراء التحليلات الهرمونية وفحص الخريطة الكروموسومية، بالإضافة إلى العلاج النفسي والهرموني لمدة لا تقل عن عامين.

جدير بالذكر أن عام 2013 شهد تنفيذ العديد من عمليات تأكيد الجندر قبل انسحاب ممثل الأزهر من اللجنة المختصة، ما دفع كثير من العابرين/ات للجوء إلى العيادات غير المرخصة لإجراء العمليات.

 

اقرأ أيضًا:"أوسكار".. عابرة جندريًا اُستَغلَت في "تنظيم مسلح" من أجل "ثمن عمليتها"

جراحات تحت السلم

في ظل غياب الرقابة والإشراف الطبي اللازم، ظهرت في مصر ظاهرة خطيرة تعرف بـ "جراحات تحت السلم"، وهي عمليات سرية تُجرى بعيدًا عن إشراف نقابة الأطباء ووزارة الصحة، وهذه العمليات غالبًا ما تكون مكلفة وغير آمنة، ولا تخضع للمساءلة القانونية في حال فشلها.

ونظرًا لخوف العابرين/ات من الإبلاغ عن الأطباء، ورغم سهولة إجراء هذه العمليات، إلا أن المخاطر المرتبطة بها تدفع الغالبية العظمى من العابرين/ات إلى الامتناع عن إجرائها في مصر، حيث لا توجد آليات تضمن سلامتهم/ن من التشوهات، والعاهات المستديمة، والتلوث، أو حتى الوفاة أثناء أو بعد العملية.

ويعود إصرار العابرين/ات على إجراء هذه العمليات إلى المعاناة النفسية والاغتراب الذي يشعرون/ن به داخل أجساد لا تتوافق مع هوياتهم/ن الجندرية، ويضاف إلى ذلك الضغوط المجتمعية والعائلية التي تزيد من حدة الوضع، ما يدفع البعض إلى البحث عن أي وسيلة للخروج من هذه الأزمة.

 

تؤكد مها -اسم مستعار- لـ فكّر تاني: "رفضت بشكل قاطع إجراء العملية في مصر"..، ومها، عابرة مصرية تعيش في هولندا، تشير إلى الفرق الجوهري بين الأوضاع في مصر وهولندا، فهناك، تمكنت بسهولة من إجرائها فور وصولها  بعد العرض على طبيب نفسي وأخذ موافقته، وتشيد مها بالاحترام الذي يلقاه العابرون/ات في هولندا من الدولة والمجتمع.

"الوضع في هولندا مختلف تمامًا عن مصر. هناك تفهم وسرعة في إجراءات الجراحة وتغيير الأوراق الرسمية، وعند تعرفك على شخص جديد، يسألك أي الضمائر تفضل أن يتم مخاطبتك بها؟ الجراحة تمت بسلاسة ويسر، وأنا راضية تمامًا عن نتائجها وأتمتع الآن بسلام نفسي أتمناه لكل العابرين/ات".

اقرأ أيضًا:كراهية ووصم العابرات/ين جندريًا.. حكايات من الواقع

تسلط تجربة مها الضوء على التحديات التي يواجهها العابرون/ات في مصر مقارنة بالدعم والتفهم الذي يتلقونه في دول أخرى.

تنقسم عمليات التأكيد الجندري إلى نوعين رئيسيين، الأول "جراحات التأنيث" والتي تتضمن اجراءات تجميلية تابعة للجراحة مثل تأنيث الوجه، والتي تهدف إلى جعل ملامح الوجه أكثر أنوثة، والجراحة العلوية، والمعنية بتكبير وتحسين شكل الصدر ليبدو أنثويًا، وأيضًا الجراحة السفلية، التي تشمل استئصال الأعضاء الذكرية وإعادة بناء الأعضاء التناسلية الأنثوية، وتتم على عدة مراحل وليس في إجراء واحد.

أما النوع الثاني "جراحات التذكير" تتكون من جراحة لتذكير الوجه: تهدف إلى جعل ملامح الوجه أكثر ذكورة، واستئصال الثدي، للحصول على مظهر ذكوري، وأيضًا الجراحة السفلية، التي تشمل استئصال الرحم وعنق الرحم، وقنوات فالوب والمبيضين، وإعادة تكوين الأعضاء الجنسية الذكرية، بما في ذلك إنشاء عضو ذكري وكيس صفن، وأحيانًا زراعة خصيتين صناعيتين.

مخاطر الأخطاء الطبية في مصر

 

إن من أبرز المشكلات التي تواجه العابرين/ات جنسيًا في مصر، الأخطاء الطبية نتيجة غياب المراكز المتخصصة والرقابة اللازمة، وتؤكد تجربة مارك -اسم مستعار- وهو رجل عابر جنسي مصري، تُعد مثالًا صارخًا على هذه المخاطر. 

قرر مارك إجراء العملية في مصر، لكنه يعاني حتى الآن، رغم مرور عشر سنوات على إجرائها، ويقول لـ فكّر تاني: "أجريت الجراحة في أحد المراكز غير المختصة، وتعرضت لتلوث ولدي تنميل مستمر في بعض أجزاء جسدي، ولا أنصح أي عابر أو عابرة بإجراء الجراحة في مصر نظرًا لخطورة العملية وتبعاتها".

بينما تُشير الأبحاث إلى أن جراحات التأكيد الجندري، عند إجرائها بشكل صحيح وتحت إشراف طبي متخصص، تحمل آثارًا إيجابية كبيرة على نفسية الفرد، وهذه العمليات تقلل من الشعور بالاغتراب، وتعزز من شعور الفرد بذاته، وتساعده على الاندماج بشكل صحي في المجتمع.

لكن، تظل هذه الجراحات في مصر محفوفة بالمخاطر، ما يبرز الحاجة إلى تحسين مستوى الرعاية الصحية ودعم العابرين/ات لضمان حقهم/ن في الحصول على إجراءات طبية آمنة ومهنية.

اقرأ أيضًا:أن تعيش مكروها في مصر لأنك من مجتمع "الميم عين"

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة