“حسام” و”ولاء”.. حكايات العابرين/ات إلى إثبات الهوية

“طول عمري حاسس إني مختلف. من صغري وأنا بلعب مع الولاد كورة قدم. أصحابي كلهم ولاد. عمري ما حسيت إني منتمي لجنس البنات. دايمًا كان جوايا شعور إني مش أنا اللي ببص عليها قدام مرايتي.. ما كنتش عارف إني المفروض أبقى من العابرين جنسيًا”.

لسنوات طوال، ظل “حسام أحمد” يحمل هويتين؛ واحده تقنعه وترضيه وأخرى أُجبر عليها يخشى البوح برفضها حتى لا يطاله الوصم المجتمعي والهجوم والتهميش، إلى أن قرر أخيرًا بعد استيعاب ذاته وفهمها أن يلجأ إلى عملية تصحيح جنسي ويكون واحدًا من العابرين جنسيًا.

يقول “حسام” الذي التقته منصة “فكر تاني”: “لما بدأت رحلة علاجي بتناول الهرمونات الذكوريّة المُخصصّة لعبوري جنسيًّا إلى ذكر، ارتحت من إحساس إني راجل مسجون في جسم أنثى.. صحيح مشواري لسه طويل، ويمكن يكون لسه فاضل عمليات تانية للتصحيح الكامل مستنية مشوار طويل تاني في المعافرة عشان أنجح في تغيير هُويّتي الشخصيّة -البطاقة- من أنثى لذكر، بس أنا وصلت لحالةٍ جيّدةٍ من الرضا والقناعة بذاتي وشكلي. ما بقتش بتكسف إني أبص على نفسي في المراية زي الأول”.

الارتباك الجندري عند العابرين جنسيًا

هناك فارق جوهري بين الجندر والجنس؛ فالجندر هو إحساسك الداخلي بكونك ذكرًا أو أنثى. ويستند لتعريفات مجتمعية وثقافية. أما الجنس فيشير لاختلاف الكروموسومات، والهرمونات، والأعضاء الجنسية الداخلية والخارجية.

وفق هذه المعطيات، يُعرّف اضطراب الهويّة الجنسيّة أو الارتباك الجندريّ بأنه “شعور بالضيق أو الانزعاج لدى الأشخاص الذين تختلف هويتهم/نّ الجنسية عن جنسهم/نّ المحدد وقت الولادة، أو عن السمات البدنيّة المرتبطة بالجنس”.

هناك فارق جوهري بين الجندر والجنس
هناك فارق جوهري بين الجندر والجنس

وقد يُسبّب هذا الاضطراب ضيقًا شديدًا يُؤثّر على أداء هؤلاء الأشخاص اجتماعيًّا؛ لعدم قدرتهم/نّ على الانخراط مع أفراد المجتمع بهذه الهويّة الجنسيّة. وغالبًا ما يتعرضون/نَ للتنمر والوصم والنّعت بالجنون وغيره من الصفات التي تقصد التقليل من الشأن والاحتقار.

وبحسب التصنيف الدوليّ للأمراض الذي تنشره منظمة الصحة العالمية؛ فقد تم تغيير المصطلح من “اضطراب الهويّة الجندريّة” إلى “عدم التوافق الجندري أو الارتباك الجندري”، وذلك وفق ما وُرِد بالإصدار العاشر الأخير. كما تم حذفه من قائمة الأمراض والاضطرابات النفسيّة والعصبيّة منذ عام 2019.

رحلة.. تغريبة.. لأني عابر جنسيًا

يحكي “حسام” البالغ من العمر 32 عامًا، كيف كانت رحلة عبوره جنسيًا شاقة ومليئة بمشاعر التغريبة، وكأنه وحده في هذا الكون، لا يدركه أحد ولا يدرك حقيقته. “معاناتي بدأت مع العيلة.. محدش كان مستوعب مشاعري المُتضَاربة. روحت لوحدي أتابع حالتي في المستشفى.. ما كانش فيه دعم من أهلي.. الدعم والدافع لقيته في حلقة للناشطة الحقوقية العابرة جنسيًا ملك الكاشف.. كانت بتتكلم باستفاضة عن العبور الجنسي وحالتها كعابرةٍ أو ترانس، فشجعتني أخد القرار”.

بعد هذه الحلقة التي أشار إليها، قرر “حسام” مواجهة عائلته ومجتمعه، فكان رد الفعل أعنف مما يتصور، بلغ حد أن قرر هجَرانهم. “كانوا من وقت للتاني بيضحكوا عليا بإنهم مستعدين يتقبلوا حالتي ويتفهموها بس ده ما كانش بيحصل وماكنتش بلقى منهم الدعم اللي يشجعني لحد ما اجتمعوا في يوم على قرار طردي تعسفيًا من البيت بحجة إن ده هيرجعني عن قراري وأقبل هوية مش هويتي الحقيقية”.

لفترة من حياته، كانت الشوارع ملجأ “حسام” الوحيد، يفترش أرصفة مِنطقَة وسط البلد ليلًا ويجوب أحياءها صباحًا، حتى دبرت صديقة له مأوى، إلى أن ألقي القبض عليهما ورفيق سكن آخر. “اتهمونا بالإرهاب.. عرفوا إني ترانس فحاولوا يلبسوني قضية وخلاص”؛ يقول “حسام” الذي خضع للتحقيق لساعات طويلة حتى تقرر إطلاق سراحه دون وجود أدلة على إثبات مزاولة الإرهاب، على حد قوله.

“احنا ضحايا جهل المجتمع”

تقول مي صالح، الباحثة في قضايا الجندر والنوع الاجتماعي، إنّ أكثرِ الضغوط التي يتعرّض لها العابرون/ت جنسيًّا هي جهل المجتمع بقضيتهم/نّ وطبيعتهم/نّ الفيسيولوجيّة واحتياجاتهم/نّ، إضافةً إلى الممارساتٍ القمعيّةٍ ضدهم/نّ من بعض المؤسسات العلاجيّة؛ كالمراكز الطبيّة والمستشفيات التي تجربهم على عقاقير طبيةً محددة وتُقدّم لهم خدماتٍ رديئةً تضُّر بحالتهم/نّ ومن الممكن أن تُودي بحياتهم/نّ في بعض الحالات. كلّ هذا يتعرضون له بغرض واحد فقط؛ إجبارهم على القبول بهُوية الجنسيّة لا الجندرية.

وقد شجع على رفضهم/نّ وتعنيفهم/نّ التفسيرات الدينية الخاطئة المُتزمّتة التي تقوم على مبدأ – لا تبديل أو تحريف للصورة التي فطر الله سبحانه وتعالى الإنسان عليها – فضلًا عن عادات وتقاليد المجتمع المُتوارثَة التي تخشى الوصم إذا تحوّل الرجل إلى امرأةٍ أو العكس. وكل ذلك هادم لصورة وحق العابرين/العابرات جنسيًّا، كما تضيف الباحثة مي صالح، التي تشير إلى أضرار كبرى لهذه الممارسات تتنوع بين فقدان هؤلاء ثقتهم/نّ بالمجتمع المُحيط بهم/نّ بصورةٍ مُبالغٍ فيها، مدفوعين/نّ بتنمُّر يتعرضون/يتعرضنّ له، بينما هم/نّ بأمس الحاجة للدعم والمؤازرة.

اقرأ أيضًا: بين زحام الإجراءات وتأجيلها.. أزمة العبور الجنسي في مصر

إرهاب وإجبار على التعديل السلوكيّ

“ولاء أحمد” -اسم مستعار- متزوجة تبلغ من العمر 29 سنة، عانتْ في سنوات طفولتها من الارتباك الجندري، ورفض أهلها دعمها والاعتراف بهُويّتها الأُنثويّة التي تغاير هويتها الجسدية الذُّكوريّة.

تقول في حديثها لـ”فكر تاني”: “أبويا كان بيضربني ويهيني وبيحاول يذلني وحتى إنه دفعني للانتحار مراتٍ.. ما حدش كان مقتنغ إني بحاجة لعلاج هرموني وعملية تصحيح جنسيّ حتى قربت أدخل موسوعة جينيس من كتر محاولات الانتحار اللي كانت الحل الوحيد للهروب من معاناتي.. دول حطوني في مصحة عقلية من كتر ما فشلوا في إنهم يقنعوني بغير حقيقتي اللي وصلت لها”.

"ولاء" مثلها كعابرين/عابرات كُثُرٍ تعرضوا/نَ لإيذاءٍ جسديّ ونفسيّ بالغ، وصل حد الإجبار على العلاج بالهرمون الذكوريّ
“ولاء” مثلها كعابرين/عابرات كُثُرٍ تعرضوا/نَ لإيذاءٍ جسديّ ونفسيّ بالغ، وصل حد الإجبار على العلاج بالهرمون الذكوريّ

“ولاء” مثلها كعابرين/عابرات كثر تعرضوا/نَ لإيذاءٍ جسديّ ونفسيّ بالغ، وصل حد الإجبار على العلاج بالهرمون الذكوريّ بعد سن البلوغ كي تظل ذكرًا، وقد تسبب هذا في أضرارًا نفسية وصحية خطيرة، منها تضرر أحبالها الصوتية وإصابتها بأورام سرطانية خضعت للعلاج منها لفترة طويلة.

“نِزِل عليا دم، أول ما أمي شافته، لطمت بالصوت، أخدوني لدكتور اداني حقنة وقّفِتْ نزول الدم نهائي، معرفش لحد دلوقت ايه سر الحقنة ديه؟! متهيألي هي السبب في معاناتي السرطان. كل اللي لا حظته وقتها إنها وقفت الدم، بس فضلت أحس بألم الدورة زي البنات الطبيعيين.. بعد الواقعة دي، فكرت أروح لطبيب نفسي”.

ذهبت “ولاء” إلى طبيب مخ وأعصاب، وحالفها الحظ أن تم تشخيصها من قِبِل هذا الطبيب بـ”الارتباك الجندري”. حينها أدركتْ لأوّلِ مرةٍ سبب معاناتها من مشاعرٍ مُتخبّطةٍ منذ طفولتها.

“كنت أنثى حبيسة بجسم ذكر.. خضعت للعلاج السلوكي لفترة من الوقت صعبة جدًا حتى تأكد الطبيب كليًّا من شكوكه وأكد إني أنثى مش ذكر.. كتب تقرير مُفصّلٍ بحالتي وإداني شهادة بأني أنثى وإني بحاجة لعلاج بالهرمونات الأُنثويّة وعملية تصحيح جنسي عشان ابتدي حياتي الجديدة بأمل وتفاؤل، بعد عدة تحاليل هرمونية وكروموسومات”؛ تقول “ولاء”.

“ولاء” متزوجة الآن بزوج تفهم حالتها، وتمارس حياتها كأنثى بشكل طبيعي، محاولة التعافي من ذكريات مؤلمة طاردتها سنوات طوال. 

كيف نفهم العابرين جنسيًا طبيًا؟

يوضح الطبيب أحمد عطية، أستاذ الأمراض التناسلية والذكورة، أن الطفل/ة يبدي/تبدي هويته/هويتها الجندرية من عمر سنتين إلى أربع سنوات. فقد يفضل لعبة أو ملابسًا معينة، ويستمر ذلك الإحساس معه حتى مرحلة البلوغ.

وعند الوصول إلى تلك المرحلة، يتسبب تطور الخصائص الجنسية الثانوية الضامرة إضافة إلى الخصائص الجنسية الأساسية للعابرين/ت في التأثير على حالتهم/ن النفسية، ويشعرون/ن أنهم وُلدُوا/ن في الجسد الخطأ، ولابد أن يتخلصوا/ن من صفات هذا الجسد عاطفيًا وعقليًا وجسمانيًا بالعبور الجنسي إلى الجنس الآخر،

هناك أيضًا، وفق أستاذ الأمراض التناسلية والذكورة أحمد عطية، ما يسمى بالجنس البيني، أي أن الطفل يولد بأعضاء تناسليّة ذكورية وأنثوية معًا. بينما تشير الدراسات إلى أن 1.7% من سكان العالم يولدون متداخلي الجنس.

ما تقدمه المنظمات في مصر للعابرين جنسيًا

توضح مي صالح، بحكم تخصصها في قضايا الجندر والنوع الاجتماعي، أن دور منظمات حقوق الإنسان حاليًا ينصب على تقديم التوعية المجتمعية، وتغيير الثقافة الرجعية تجاه العابرين/ت جنسيًا، ومحاولة خلق مساحاتٍ آمنة لهم قدر المُستطاع، إضافة إلى تقديم دعمين، قانوني ونفسي.

لكن يظل هذا الدور يواجه التحدي الأصعب، خاصة في مصر، والذي يتلخص في كيفية التعبير عن العبور الجنسي بمصطلحاته الأساسية، وتغيير نظرة الاستهزاء والسخرية والنقد الممارس ضد المدافعين عن حقوق العابرين/ت جنسيًا أنفسهم.

وهي ترى أن إمكانية تجاوز تلك المصاعب تبدأ من تكثيف دور وسائل الإعلام من أجل غرس ماهية العبور الجنسي والمشكلات المتعلقة به في المجتمع.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة