الانفراج الديمقراطي وحسابات المكسب والخسارة(2)

يعتقد الكثيرون من المسؤولين عن الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتردية التي تعيشها مصر في الوقت الراهن، والمستفيدين أيضًا من استمرار تلك الأوضاع وبقاء الحال على ما هو عليه، يعتقدون بأن أي محاولة لعمل انفراجة ديمقراطية جادة وحقيقية، سيكون من نتائجها حدوث خسائر كبيرة ومؤلمة لأوضاعهم و نفوذهم وسلطتهم و الامتيازات التي يتمتعون بها والمكاسب التي تحصلوا عليها خلال السنوات الماضية.

والحقيقة أنهم محقون في ذلك الإعتقاد، فالانفراجة الديموقراطية ستفتح الباب بالضرورة إلي :

  • الكشف عن الفساد والميسرين له والقائمين عليه وفي نهاية الطابور المستفيدين منه جميعاً.
  • كما ستكشف الانفراجة عن سوء الإدارة المتفشي في مؤسسات الدولة والذي يعد متلازمة الفساد الأساسية الذي يرتع فيه ويعيش في كنفه.
  • ومن الطبيعي أيضًا أن تسمح الانفراجة بمناقشة السياسات القائمة، تلك التي تسببت في تراكم الديون خارجياً وداخلياً، وأضعفت اقتصاد البلاد و أرهقت المواطنين بتحمل مسؤولية وتبعات تلك السياسات التي لم يُشركوا في إقرارها، كما لم يستفيدوا منها، وربما يطالبون بتقديم المسؤولين عنها للمساءلة والمحاكمة أيضاً.
  • مجلس النواب المصري - مواقع الكترونية
    مجلس النواب المصري - مواقع الكترونية
  • كما أنه من المنطقي أن يرتبط بالانفراجة الديموقراطية توفير قدر معقول من الحريات وعلي وجه عاجل المتعلق منها بحماية حقوق الإنسان الأساسية واحترام آدميته، وبحرية التعبير وحرية توفير المعلومات وتبادلها وحرية تشكيل المنظمات النقابيّة والمدنية والأحزاب، وكذلك تحقيق قدر من الإصلاحات الضرورية والهامة للبنية التشريعية والقانونية ومنظومة العدالة بما يجعلها جميعاً متوافقة مع مبادئ ونصوص وروح الدستور.
  • وأغلب الظن أن تؤدي الإنفراجة إلي إعداد قوانين لتنظيم عملية الانتخابات البرلمانية القادمة وإدارتها بما يتيح الفرصة لتمثيل متوازن لجميع فئات وأطياف المجتمع وجماعات المصالح المختلفة فيه، وأن تدار في جو من الحرية والنزاهة.
  • والنتيجة الأهم هي أن الإنفراجة ستعيد الثقة للمواطنين والأمل في إمكانية الإصلاح والتغيير، وهو الأمر الذي سيسعون إلي تحقيقه من خلال المشاركة في الانتخابات البرلمانية القادمة، أولاً بتقديم مرشحين يعبرون عن رغبتهم وطموحهم في التغيير والإصلاح من خلال برامج وسياسات بديلة لتلك التي أوصلتنا لما نحن فيه الآن، وثانياً بالحضور والمشاركة في انتخاب المرشحين الذين يمثلونهم وليس هؤلاء الذين يمثلون عليهم.

نعم ستفتح الانفراجة الديموقراطية الباب لتحقيق كل ذلك، وربما ما هو أكثر من ذلك، وعليه فإن هذا الخطاب ليس موجهاً لهؤلاء القوم الذين أفسدوا الحياة السياسية واحتكروا السلطة والثروة واستخدموا نفوذهم في القيام بأعمال النهب المنظم لثروات البلد، إنه خطاب موجه لمن لديهم بقية ضمير، للعقلاء في هذا الوطن، لمن يدركون أن الخراب الكامل إذا ما حلّ فإنه سيطال الجميع ولن يستثني أحدا.

وقبل وبعد هؤلاء فهو موجه إلي أصحاب المصلحة في المحافظة علي ما تبقي من الوطن، وهم كثر، هم شعب مصر بالكامل من جموع العاملين والمزارعين وأصحاب المهن، ومن رأسماليين مهتمين بالعمل علي انتاج الخيرات من غير السماسرة والمتاجرين بأقوات الناس، باختصار الغالبية الساحقة من المواطنين المصريين الغيورين علي سلامة البلد والحريصين علي أمنه القومي والمهتمين بحمايته من الفوضى والخراب وبجعله وطن يتمتع فيه الجميع بالحرية وينعمون فيه بالأمن والأمان.

المكسب والخسارة

و بحسابات المكسب والخسارة فإن المكاسب التي سيجنيها الوطن بجميع مكوناته، من شعب، إلى مؤسسات دولة، إلى نظام سياسي يبحث عن الاستقرار في عالم ومحيط إقليمي شديد التقلب والاضطراب، ستأتي بكل تأكيد أكبر وأعظم إذا ما قُورنت بالخسائر التي ستلحق بتلك الحفنة من الفسدة الذين استفادوا من أوضاعهم في مؤسسات الحكم وكذا القريبين منهم، هؤلاء الذين انتعشوا وتمددت سلطتهم ونفوذهم في غياب مناخ ديمقراطي وفي ظل الاستبداد السلطوي و قمع الحريات وتدمير منظومة العدالة الناجزة في البلاد علي كافة المستويات.

الحركة المدنية الديمقراطية
الحركة المدنية الديمقراطية

إن ما جري في سوريا خلال الأيام القليلة الماضية لهو خير شاهد وخير دليل على صحة ما نقوله ونلح عليه من ضرورة الإسراع في اتخاذ خطوات جادة وحقيقية نحو البدء في تحقيق انفراجة ديموقراطية اليوم وليس غداً، فتغييب الشعب السوري عن المشاركة في إدارة شؤون بلده واستبعاده من المشهد السياسي وممارسة شتى صنوف القمع عليه، ومصادرة الحريات العامة والخاصة للمواطنين، وحكم البلاد بالحديد والنار والقمع الأمني، كل ذلك ساهم في إفراز أشكال متعددة ومتنوعة من المعارضين للنظام، متعددي المذاهب والولاءات، المدني منهم والمسلح والمعتقدين جميعاً على اختلاف توجهاتهم بضرورة التخلص من نظام القمع والاستبداد الذي فتح ابواب الوطن علي مصراعيها لكل من هب ودب وجعل من سوريا مطمعًا ليس فقط للعدو الصهيوني الذي يحتل منذ ٦٧ جزءً عزيزًا من سوريا ( الجولان السوري)، ولكن أيضاً لجميع أصحاب المصالح في وضع موطئ قدم لهم في الإقليم سواء من قوى دولية وأخرى إقليمية.

نداء للعقلاء والوطنين

وعليه فأبناء مصر الشرفاء المخلصين  يهيبون بالعقلاء وبجميع الوطنيين من داخل السلطة ومن أبناء المعارضة المدنية الديمقراطية، والمهتمين بالمحافظة على مصرنا العزيزة وطناً متماسكاً، وطناً لكل أبنائه، وطن يجد من يدافع عنه ويحميه إذا ما تعرض لمخاطر تهدد وجوده أو تسعى الى اضعافه، سواء من الداخل أو من قوي وفواعل خارجية تعمل في الوقت الراهن على قدم وساق إلى إعادة رسم خريطة الإقليم وإعادة توزيع ثرواته واقتسام النفوذ عليه، نهيب بهؤلاء جميعاً بالعمل علي إعادة اللحمة لأبناء الوطن الواحد.

تصويت في أحد الانتخابات المصرية
تصويت في أحد الانتخابات المصرية

وفي هذا السياق نرى أن الانتخابات البرلمانية القادمة تمثل فرصة تاريخية وربما تكون الأخيرة، إذا ما أحسن استغلالها، لتصحيح المسار ولوضع البلاد على طريق الإصلاح والتحول نحو الديمقراطية، ذلك أن الإعلان عن الاستعداد لها وعن عزم المسؤولين على إجرائها في أجواء من الديمقراطية وفي مناخ تسوده الحرية والعودة الي المفاهيم الأساسية التي تعكس احترام مدنية الدولة وحداثتها وقيم ومبادئ حقوق الإنسان والمواطنة الكاملة، ستعطي إشارات واضحة و ستبعث برسائل تطمئن الجميع بأن الفرصة مازالت قائمة لإنقاذ البلاد من مغبة الانزلاق نحو الفوضى التي يمكن أن تحدث كنتيجة طبيعية للشعور بانعدام العدالة وبغياب الأمن والأمان والناتجة أيضاً عن الانهيار والتصدع الذي أصاب بُني ومؤسسات الدولة، السياسي منها قبل الاقتصادي.

والخلاصة هي أن إتاحة المشاركة والحوار المجتمعي الشامل غير المهَندس، والاستماع إلى آراء المتخصصين في الملفات المختلفة والأخذ بها، وانفراجة ديموقراطية والتصدي للفساد ولسوء الإدارة، واحترام التنوع واختلاف الآراء، والتحضير لانتخابات برلمانية تحترم حرية الناس وحقهم في اختيار ما هو أنفع للبلد وأصلح لهم، هو السبيل الوحيد الذي مازال هناك امكانية لإتباعه للنجاة من حومة التغييرات التي بدأت بالفعل من حولنا والتي لن ينجو منها إلا من يؤمن بالشعوب وبقدرتهم الغير محدودة على التصدي للمؤمرات والأعداء الخارجيين، شرط امتلاك القدرة والإرادة على التخلص من أعداء ومخربي الداخل، أعداء حرية الشعب وناهبي ثرواته، وإطلاق طاقات الشعب للدفاع عن مصالحه، فهو الوحيد القادر على القيام ذلك.

****

*لقراءة المقال الأول من هذه السلسلة من مقالات للكاتب والمحلل السياسي الدكتور مجدي عبد الحميد، التي يكتبها بعنوان" الانتخابات البرلمانية القادمة ومستقبل الديمقراطية في مصر". اضغط هنا 

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة