لماذا ارتفعت البطالة في مصر مجددًا؟

عاود معدل البطالة الارتفاع مجددًا في مصر كأحد تداعيات سياسة التشديد النقدي "رفع الفائدة" التي اتبعها البنك المركزي على مدار الشهور الماضية، والتي قلصت معها قدرة الشركات على التوسع والاقتراض.

وكشف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عن ارتفاع معدل البطالة في مصر إلى 6.7% خلال الربع الثالث من 2024 (بزيادة 0.2% على أساس فصلي)، مقابل 6.5% في الربع الثاني من العام ذاته.

أوضحت بيانات الجهاز أن حجم قوة العمل سجل 32.2 مليون فرد مقابل 31.4 مليون فرد خلال الربع السابق، بينما بلغت قوة العمل في الحضر 14.190 مليون فرد، وبلغت في الريف 18.028 مليون فرد.

على مستوى النوع، بلغ حجم قوة العمل للذكور 26.432 مليون فرد، بينما بلغ للإناث 5.786 مليون فرد، ما يدل على استمرار الاختلال في معدلات التوظيف لصالح الرجال، إذ تمثل النساء 17.4% فقط من إجمالي القوى العاملة مقابل 82.6% للذكور. 

2.1 مليون عاطل في نهاية الربع الثاني 

بحسب بيانات "الإحصاء"، بلغ عدد المتعطلين عن العمل 2.159 مليون متعطل بنسبة 6.7% من إجمالي قوة العمل، موزعين بين 1.106 مليون من الذكور و1.053 مليون من الإناث، مقابل 2.058 مليون متعطل في الربع السابق، بارتفاع قدره 101 ألف شخص بنسبة 4.9%.

تشتكي الحكومة من ارتفاع عدد الخريجين من الجامعات والمعاهد المختلفة، الذي يتراوح بين 700 ألف ومليون سنويًا، مما يتطلب توفير حوالي 10 ملايين فرصة عمل عن السنوات السابقة.

الدكتور صلاح فهمي أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر
الدكتور صلاح فهمي أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر

وقال الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، إن الزيادة السكانية ارتفعت بنحو 25 مليون نسمة منذ عام 2011 حتى 2024، مؤكدًا أن الحكومة تستهدف توفير المزيد من فرص العمل الجديدة للشباب تتناسب مع مُستجدات ومُتطلبات العصر.

اقرأ أيضًا: "الجولد باك".. حينما يخدع "الذهب" المتحوطين من التضخم

لكن الدكتور صلاح فهمي، أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر، يرى أن السبب الرئيسي في ارتفاع البطالة ليس في تزايد أعداد الخريجين فقط، بل في سياسة التشديد النقدي للبنك المركزي التي يستهدف من خلالها التضخم. فرفع الفائدة أدى إلى انكماش القطاع الخاص، وبالتالي تراجعت فرص التوظيف.

رفع البنك المركزي سعر الفائدة بنسبة 19% خلال آخر عامين ونصف، منها 6% دفعة واحدة في مارس 2024، ليصل العائد لديه إلى مستوى تاريخي بلغ 27.25% للإيداع، و27.75% للائتمان والخصم، و28.25% للإقراض بهدف امتصاص الضغوط التضخمية الناجمة عن تحرير سعر الصرف.

استهداف البنك المركزي للتضخم رفع البطالة

توجد علاقة اقتصادية عكسية بين معدلات البطالة والفائدة؛ فكلما ارتفعت البطالة، تلجأ البنوك المركزية إلى تخفيض سعر الفائدة لتحفيز الاقتصاد ودعم الإقبال على المشروعات الاستثمارية التي تسهم في تشغيل المزيد من العمالة.

في المقابل، كلما ارتفع التضخم، تلجأ البنوك المركزية إلى رفع الفائدة لتقليل القوى الشرائية في يد المستهلكين، مما يؤدي إلى عجز القطاع الخاص عن الاقتراض وتدشين مشروعات جديدة، وبالتالي يحد من التوسع في التوظيف.

سجّل التضخم في أكتوبر الماضي ارتفاعًا ملحوظًا بنسبة 1.5%، مقابل تضخم شهري 2.3% خلال سبتمبر السابق عليه، لكنه على الصعيد السنوي تراجع في إجمالي الجمهورية إلى 26.3% في أكتوبر، مقارنة بـ38.5% في الشهر ذاته من العام السابق، وفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

ووفق مؤشر مديري المشتريات الصادر عن "إس آند بي جلوبال"، استمر تدهور القطاع الخاص غير النفطي في مصر للشهر الثاني على التوالي في أكتوبر الماضي، متأثرًا بانخفاض حجم الطلبات الجديدة بفعل ارتفاع أسعار البيع الإجمالية.

حقق مؤشر مديري المشتريات لمصر ارتفاعًا طفيفًا من 48.8 نقطة في سبتمبر إلى 49 نقطة في أكتوبر، لكنه لا يزال دون مستوى 50 نقطة الذي يفصل بين النمو والانكماش.

كان هذا المؤشر قد تجاوز المستوى المحايد في أغسطس لأول مرة في أكثر من ثلاث سنوات ونصف السنة، وحينها أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عن انخفاض معدل البطالة في الربع الثاني من عام 2024 إلى 6.5%، بانخفاض قدره 0.2% عن الربع السابق.

وقال الدكتور صلاح فهمي إن انكماش القطاع الخاص يتزامن مع سياسة وزارة المالية في تقليص التعيينات الحكومية لخفض مصروفات الموازنة، مضيفًا أن التعيينات في العديد من الجهات متوقفة منذ سنوات إلا بالحدود الدنيا، ضاربًا المثل بكليته التي لم يتم فيها تعيين غالبية الأوائل منذ دفعة 2015، باستثناء أعداد محدودة جدًا رغم الحاجة الشديدة للعمل.

وأضاف أن معظم الجهات الحكومية حاليًا لا تستبدل من يخرج على المعاش أو من يتوفى بتعيينات جديدة، ويتم سد المنصب الشاغر ندبًا من جهات أخرى لديها فائض في العمالة، في ظل العدد الكبير للعاملين بالجهاز الإداري للدولة، وهو أمر يعني استمرار معدل البطالة كما هو دون تغيير. 

على مستوى النوع بلغ حجم قوة العمل للذكور 26.432 مليون فرد، بينما بلغ للإناث 5.786 مليون فرد (أرشيفية - وكالات)
على مستوى النوع بلغ حجم قوة العمل للذكور 26.432 مليون فرد، بينما بلغ للإناث 5.786 مليون فرد (أرشيفية - وكالات)

انكماش القطاع الخاص.. عرض مستمر

أظهر مؤشر مديري المشتريات انكماشًا في جميع القطاعات التي شملها خلال أكتوبر الماضي، ومنها قطاع الإنشاءات، مع ارتفاع تكاليف المواد الخام والفائدة البنكية، التي اشتكت منها غالبية شركات التطوير العقاري خلال الفترة الأخيرة بعدما بلغت 30%.

اقرأ أيضًا: ماذا يخبرنا التضخم في أكتوبر عن مستقبل الأسعار والفائدة؟

بحسب تقرير "ماركت ووتش السنوي" لعام 2023، فإن مصر شهدت تراجعًا بإطلاق المشروعات العقارية الجديدة بنسبة 55% مقارنةً بالعام السابق، نتيجة لعوامل عدة منها: ارتفاع تكاليف البناء منذ الربع الأخير من عام 2022، والسياسة الحكومية التي تركز على إنهاء المشروعات القائمة قبل الشروع بأخرى جديدة.

يشير فهمي إلى أن اشتراطات صندوق النقد الدولي تفرض تضييقًا على الموازنة العامة فيما يتعلق بالنفقات، كما أن القطاع الخاص يقلص معدلات التوظيف، وبعض الشركات تقوم بتخفيض العمالة لديها في أوقات الضغوط الاقتصادية أو تعمل بنظام التناوب بين الموظفين.

يؤكد أن الاستثمارات التي ضختها بعض الجاليات العربية في مصر، رغم منافعها الاقتصادية مثل دفع الضرائب، تميل إلى تشغيل أبناء الجالية نفسها، باستثناء وظائف محدودة للمصريين مثل التوصيل "الدليفري" أو تلقي الطلبات عبر الهاتف المحمول فقط، وذلك لخبرتهم باللهجة أو معرفتهم بالمناطق.

وبحسب تقرير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، ارتفع أعداد الأجانب الحاصلين على تراخيص عمل في القطاع الخاص بمصر بنسبة 30.2% ليبلغ إجمالي عدد 17357 أجنبيًا من مختلف الجنسيات في 2023، مقابــل 13331 أجنبيا عام 2022.

ويرى فهمي ضرورة القيام بما يسمى بتدريب تحويلي يتم فيه تدريب الخريجين الجدد في مجالات جديدة بعيدة عن دراستهم وتحتاجها سوقها العمل وهو مسؤولية للشركات والجهات الحكومية، وهو أمر كانت تفعله شركات مثل المقاولين العرب منذ سنوات بعيدة من أجل تأهيل العمالة المنضمة لها في مجالات بعيدة عن تخصصاتها الاصلية.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة