سجّل التضخم في أكتوبر الماضي ارتفاعًا ملحوظًا بنسبة 1.5%، مقابل تضخم شهري 2.3% خلال سبتمبر السابق عليه، لكنه على صعيد سنوي تراجع لإجمالي الجمهورية إلى 26.3% بأكتوبر، مقابل 38.5% للشهر ذاته من العام السابق، وفق الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
هذا التباين في الأرقام يعكس تأثيرات متعددة على الأسواق، ويُمهد لتوقعات متباينة بشأن السياسة النقدية المقبلة والقرارات المتعلقة بأسعار الفائدة.
جاء ارتفاع معدل التضخم نتيجة لزيادة أسعار مجموعة اللحوم والدواجن بنسبة 3.3%، والأسماك والمأكولات البحرية بنسبة 2.1%، والألبان والجبن والبيض بنسبة 2%، والبن والشاي والكاكاو بنسبة 1.2%، والمياه المعدنية والغازية والعصائر الطبيعية بنسبة 1.1%.
كما ارتفعت أسعار الحبوب والخبز بنسبة 0.8%، والزيوت والدهون بنسبة 0.3%، والكهرباء والغاز ومواد الوقود بنسبة 7.2%، وصيانة وإصلاح المسكن بنسبة 1.5%، والإيجار الفعلي للمسكن بنسبة 0.7%. وشهدت أسعار الأقمشة ارتفاعًا بنسبة 1.4%، والتنظيف والإصلاح وتأجير الملابس بنسبة 1.3%، والأحذية بنسبة 0.7%، والمفروشات المنزلية بنسبة 1.6%، والسلع والخدمات المستخدمة في صيانة المنزل بنسبة 1%.
كما صعدت مجموعة خدمات مرضى العيادات الخارجية بنسبة 2.4%، وخدمات المستشفيات بنسبة 1.7%. وزادت تكاليف النقل الخاص بنسبة 0.3%، وخدمات النقل بنسبة 0.5%، في حين ارتفعت خدمات البريد بنسبة 3.7%.
في المقابل، تراجعت أسعار مجموعة الفاكهة بنسبة 2.1%، ومجموعة الخضروات بنسبة 0.4%، كما انخفضت أسعار خدمات الفنادق بنسبة 0.4%.
أرقام كبيرة على مستوى التغير السنوي للتضخم
المقارنة بين معدل التضخم في أكتوبر 2024 وأكتوبر 2023 تكشف عن ارتفاع ملحوظ في أسعار مجموعة السلع الأساسية التي يعتمد عليها المواطن في حياته اليومية؛ فعلى الصعيد السنوي، ارتفعت مجموعة الطعام والمشروبات بنسبة 26.9%، نتيجة زيادة أسعار الحبوب والخبز بنسبة 36.7%، واللحوم والدواجن بنسبة 19.7%، والأسماك والمأكولات البحرية بنسبة 21.9%، وأسعار الألبان والجبن والبيض بنسبة 29.9%.
كما ارتفعت أسعار مجموعة السكر والأغذية السكرية بنسبة 15.2%، والبن والشاي والكاكاو بنسبة 28.1%، والمياه المعدنية والغازية والعصائر الطبيعية بنسبة 39.2%، والدخان بنسبة 35.1%، والملابس والأحذية بنسبة 24.4%.

وسجلت مجموعة المسكن والمياه والكهرباء والغاز والوقود ارتفاعًا بنسبة 20.3%، مدفوعة بزيادة أسعار الإيجار الفعلي للمسكن بنسبة 8.6%، وصيانة وإصلاح المساكن بنسبة 16.7%، والمياه والخدمات المتنوعة بنسبة 0.5%، والكهرباء والغاز ومواد الوقود الأخرى بنسبة 44.9%، والأثاث والتجهيزات والسجاد وأغطية الأرضيات الأخرى بنسبة 22%.
وشهد قسم الرعاية الصحية ارتفاعًا بنسبة 31.3%، نتيجة زيادة أسعار المنتجات والأجهزة والمعدات الطبية بنسبة 40.6%، وخدمات مرضى العيادات الخارجية بنسبة 17.8%، وخدمات المستشفيات بنسبة 22.1%. كما سجل قسم النقل والمواصلات ارتفاعًا بنسبة 30.2%، بسبب زيادة أسعار شراء المركبات بنسبة 24.5%، والإنفاق على النقل الخاص بنسبة 28.7%، وخدمات النقل بنسبة 32.0%.
أما قسم الاتصالات، فارتفع بنسبة 12.6% بسبب زيادة أسعار خدمات البريد بنسبة 60.0%، ومعدات خدمات الهاتف والفاكس بنسبة 27.8%، وخدمات الهاتف والفاكس بنسبة 11.4%.
وسجل قسم الثقافة والترفيه ارتفاعًا بنسبة 48.2% نتيجة زيادة أسعار الصحف والكتب والأدوات الكتابية بنسبة 62.9%. أما قسم التعليم، فقد استقر على ارتفاع بنسبة 12.3%. وحقق قسم المطاعم والفنادق ارتفاعًا بنسبة 30.8% نتيجة زيادة أسعار الوجبات الجاهزة بنفس النسبة، وزيادة أسعار خدمات الفنادق بنسبة 25.7%.
ما مستقبل التضخم؟
وفق جيمس سوانستون، المحلل ببنك “كابيتال إيكونوميكس”، تشير التوقعات إلى تباطؤ التضخم خلال بقية الربع الرابع، وبشكل أكثر حدة في الربع الأول من عام 2025، مما سيسمح للبنك المركزي ببدء دورة تيسير للسياسة النقدية (تخفيض الفائدة).

في تصريحاته، أوضح الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، أن الحكومة تستهدف الوصول إلى نسبة تضخم تبلغ 10% بحلول نهاية عام 2026. بينما تتوقع مديرة صندوق النقد الدولي أن يصل التضخم إلى حدود 16% إلى 17% بحلول نهاية العام المالي الحالي في 30 يونيو 2025.
في المقابل، ترى الخبيرة الاقتصادية حنان رمسيس، عضو مجلس إدارة شركة “الحرية لتداول الأوراق المالية”، أن الحكومة تحاول السيطرة على معدلات التضخم قدر المستطاع، لكن التحدي يتمثل في مفاوضات صندوق النقد الدولي الذي يسعى لإلغاء إعفاء بعض السلع من ضريبة القيمة المضافة، وهي خطوة قد تؤثر على دخل المواطن.
وتضيف أن الصندوق يرغب في الوصول بأسعار المحروقات إلى التكلفة بحلول أبريل 2025، ما سيؤثر بدوره على ملف الأسعار، إضافة إلى تأثير تحركات سعر الصرف وارتفاع الدولار من مستويات 48.60 إلى 49.20 جنيه حاليًا.
متى تنخفض الفائدة؟
تعد تقارير التضخم من المعايير التي يعتمد عليها البنك المركزي في تحديد مستقبل الفائدة.

ويرجح الدكتور رمزي الجرم، الخبير المصرفي، أن يتجه صناع السياسة النقدية إلى تخفيف السياسة النقدية المُشددة، ربما في الاجتماع القادم في نوفمبر أو على أقصى تقدير في الاجتماع الأخير لهذا العام في ديسمبر، إذا ظلت العوامل الأخرى ثابتة دون تغيير.
ويشير إلى أن استمرار تشديد السياسة النقدية لفترة طويلة قد يؤدي إلى نتائج عكسية، إذ إن رفع الفائدة يزيد من تكلفة الائتمان ويعيق توفير تمويل ميسر للمشروعات، مما قد يدفع أصحاب المشروعات إلى رفع أسعار منتجاتهم لتعويض تكلفة القروض المرتفعة، ما يؤدي بدوره إلى زيادة التضخم. كما أن تقليص الاقتراض قد يقلل الإنتاجية، مما يقلص المعروض من السلع ويرفع أسعارها.
ويطالب الجرم صناع السياسة النقدية بضرورة تقييم جدوى السياسة النقدية المُشددة من وقت لآخر، ودراسة تأثيرها المباشر وغير المباشر على المؤشرات الاقتصادية الكلية.
ويلفت إلى أن معظم البنوك المركزية في العالم تسعى إلى تخفيف التشديد النقدي خلال العام الجاري، في حين تواصل لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي تثبيت أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض عند مستوى 27.25% و28.25% على الترتيب.

