وفقًا لمقربين من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونقلًا عن جريدة "فاينانشال تايمز"، ستعيد إدارته الجديدة إحياء سياسة "الضغط الأقصى" لـ "إفلاس" قدرة إيران على تمويل الوكلاء الإقليميين وتطوير الأسلحة النووية، عبر تصعيد العقوبات على طهران، بما في ذلك صادرات النفط الحيوية، بمجرد دخول الرئيس المنتخب البيت الأبيض في يناير، وذلك في سبيل محاولة إجبار إيران على التفاوض مع الولايات المتحدة، على الرغم من أن الخبراء يعتقدون أن هذا احتمال بعيد.
خلال حملته، أشار ترامب إلى أنه يريد صفقة مع إيران. وقال في سبتمبر: "علينا أن نتوصل إلى صفقة، لأن العواقب ستكون مستحيلة. علينا أن نتوصل إلى اتفاق". ونقلت "فاينانشال تايمز" عن خبير في الأمن القومي -لم تسمه: "نأمل أن يكون ذلك حافزًا لجعلهم يوافقون على مفاوضات بحسن نية، ما من شأنه أن يمهد لاستقرار العلاقات وحتى تطبيعها يومًا ما، لكنني أعتقد أن شروط ترامب ستكون أصعب بكثير مما هو مستعد له الإيرانيون".
كيف تأثرت إيران بخطة الضغط الأقصى الأولى؟
شن ترامب حملة "الضغط الأقصى" في ولايته الأولى بعد التخلي عن الاتفاق النووي لعام 2015 الذي وقعته إيران مع القوى العالمية، وفرض مئات العقوبات على الجمهورية الإسلامية. وردًا على ذلك، زادت طهران من نشاطها النووي، وبدأت تخصيب اليورانيوم بالقرب من مستوى الأسلحة.
وقد ظلت العقوبات سارية خلال إدارة بايدن، لكن المحللين يقولون إنها لم تنفذ بصرامة وقتها، بينما سعى بايدن إلى إحياء الاتفاق النووي مع إيران وتخفيف الأزمة.

خلال السنوات الأربع الماضية، تضاعفت صادرات إيران من النفط الخام أكثر من ثلاثة أضعاف، من 400,000 برميل يوميًا في عام 2020 إلى أكثر من 1.5 مليون برميل يوميًا في العام الجاري 2024، مع توجه جميع الشحنات تقريبًا إلى الصين، وفقًا لوكالة معلومات الطاقة الأمريكية.
يقول بوب مكنايلي، رئيس شركة "رابيدان إنرجي" ومستشار الطاقة السابق لإدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن، إن الإجراءات الصارمة ضد إيران قد تؤدي إلى تقليص صادراتها النفطية إلى بضع مئات من آلاف البراميل يوميًا، وهذا قد يضر كثيرًا بالاقتصاد الإيراني الذي يعتمد بشكل كبير على هذه الصادرات، ويعاني بالفعل من هشاشة غير مسبوقة مقارنة بالفترات السابقة، مما يضع طهران في وضعية أصعب بكثير إذا ما جنح ترامب إلى سياسة الضغط القصوى مجددًا.
وحث وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إدارة ترامب على تجنب تكرار سياسة "الضغط الأقصى"، محذرًا عبر منصة "إكس" من أن محاولة الضغط ستؤدي فقط إلى "هزيمة قصوى" جديدة، مشيرًا إلى التقدم النووي الذي حققته إيران بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي. وأضاف عراقجي: "الأفضل أن يتم اتباع سياسة 'أقصى حكمة' من أجل مصلحة الجميع".
في السياق ذاته، أعربت الحكومة الإيرانية الجديدة برئاسة الرئيس الإصلاحي مسعود پزشكيان عن استعدادها للتعاون مع الغرب بخصوص البرنامج النووي، في مسعى لتخفيف العقوبات المفروضة على البلاد وإنعاش الاقتصاد المتعثر.
وفي أعقاب محادثات أجراها في طهران مع رافائيل جروسي رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أكد عراقجي عبر منصة "إكس" أن طهران مستعدة للتفاوض بما يخدم مصالحها الوطنية وحقوقها غير القابلة للتصرف، لكنها ترفض التفاوض تحت التهديد أو الضغط. وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن إيلون ماسك التقى بسفير إيران لدى الأمم المتحدة لبحث سبل تخفيف التوترات مع الولايات المتحدة، إلا أن البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة امتنعت عن التعليق.
ترامب يواجه شرق أوسط جديد
قالت صحيفة "نيويورك تايمز" إن محاولة التنبؤ بقرارات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب تكاد تكون مستحيلة، ولكن فيما يتعلق بالعلاقات الخارجية، وخاصة في الشرق الأوسط، هناك بعض الأمور التي ستجعل ولايته الثانية مختلفة بلا شك عن ولايته الأولى.
وأوضحت الصحيفة - في تقرير بقلم أماندا تاوب - أن منطقة الشرق الأوسط قد تغيرت بشكل كبير منذ هجمات حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في 7 أكتوبر على إسرائيل، التي عطلت توازن القوى وأولويات اللاعبين الرئيسيين.

وتقول جريدة "تليجراف" إن سياسة "الضغط الأقصى" التي يتبعها دونالد ترامب تجاه إيران تواجه تحديًا من شركاء الشرق الأوسط الذين فقدوا الثقة في الولايات المتحدة ويشكلون روابط جديدة بمساعدة الصين.
اقرأ أيضًا: أي فوضى قد تجلبها ولاية ترامب الثانية للعالم؟
تغير المشهد السياسي في الشرق الأوسط بشكل لافت، حيث لم يعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وأصدقاؤه في الخليج متوافقين بشكل واضح مع كل من إسرائيل وإيران.
وتشير تقارير صحيفة تليجراف إلى أن ترامب قد يواجه صعوبة أكبر في الحصول على الدعم الإقليمي لخطته المتشددة ضد النظام الإيراني، خصوصًا في ظل السياسة الحالية التي تتسم بضغط ضئيل أو معدوم على إسرائيل.
وأوضح أحد الدبلوماسيين الغربيين، وفق الصحيفة البريطانية، أن القلق المتزايد في دول الخليج يعود إلى أن ترامب اختار عددًا من الشخصيات التي تفضل إسرائيل على حساب المصالح الأمريكية، مشيرًا إلى ترشيح ترامب لعدد من الصقور المؤيدين لإسرائيل للمناصب العليا، مثل ماركو روبيو ومايك والتز وإليز ستيفانيك، لتولي مناصب مستشار الأمن القومي وسفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة.
وفي السياق ذاته، كان مايك هاكابي، السفير الذي اختاره ترامب لإسرائيل، قد أثار الجدل سابقًا عندما قال إن "لا شيء اسمه فلسطين".
وفي وقت لاحق، ومع بداية رئاسة بايدن، بدأت العلاقات بين السعودية وواشنطن في التدهور تدريجيًا، بينما وقعت الرياض في العام الماضي صفقة بوساطة الصين لاستعادة العلاقات الدبلوماسية مع إيران. ومنذ ذلك الحين، ازدادت حرارة العلاقات بين السعودية وإيران، حيث اجتمع وزراء الخارجية من دول الخليج مع عباس عراقجي، نظيرهم الإيراني، في خطوة هي الأولى من نوعها.
كما استضافت إيران في عطلة نهاية الأسبوع الماضية فايض الرُويلّي، أعلى ضابط عسكري في السعودية، وطرحت فكرة إجراء تدريبات بحرية مشتركة في العام المقبل.
في المقابل، زادت السعودية من انتقاداتها لبنيامين نتنياهو، حيث اتهم ولي العهد محمد بن سلمان، القائد الفعلي للمملكة، رئيس الوزراء الإسرائيلي بـ "الإبادة الجماعية في غزة" يوم الاثنين الماضي.
ما غيره تاريخ السابع من أكتوبر
في الفترة الأولى لترامب، كانت السعودية والدول العربية السنية في الخليج مشاركة لواشنطن في وجهات نظرها المتشددة تجاه إيران، خشية أن يسمح برنامجها النووي لرجال الدين في طهران بفرض الهيمنة الشيعية على الشرق الأوسط. لذلك كانوا منفتحين بهدوء على فكرة تطبيع العلاقات مع إسرائيل. كان دعم إقامة دولة فلسطينية قد طغى عليه التهديد الأمني الإيراني، الذي ستثبت إسرائيل أنها حليف مفيد في مواجهته.
وساعد واشنطن في ذلك أن الرئيس الجديد كان يحب السعوديين، الذين اكتشفوا منذ فترة طويلة أن الطريق إلى قلب السيد ترامب هو من خلال محفظته. قال ترامب في مجمع انتخابي سنة 2015: "أنا أحب السعوديين. إنهم لطيفون جدًا. أكسب الكثير من المال منهم. يشترون كل أغراضي. يدفعون لي ملايين ومئات الملايين".
هتفت دول الخليج عندما سحب الولايات المتحدة من اتفاق احتواء النووي الذي أبرمه باراك أوباما مع إيران، وابتهجت عندما أذن باغتيال قاسم سليماني، أقوى جنرال في إيران، في يناير 2020.
وانتهت هذه الموائمات واتفاق المصالح إلى توقيع الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب والسودان على اتفاقيات أبراهام لإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. وكانت السعودية تنتظر اللحظة المناسبة لتتبع ذلك. ثم حدث السابع من أكتوبر، وبدأت إسرائيل حربها في غزة ولاحقًا في لبنان.
ثم وسط تزايد الغضب العام في السعودية، استبعد ولي العهد تطبيع العلاقات مع إسرائيل ما لم تكن هناك "خطوات لا رجعة فيها" نحو إقامة دولة فلسطينية. مثل هذه الخطوة ستعتبر غير مقبولة من قبل حكومة نتنياهو المتشددة وتبدو أكثر احتمالًا أن تكون غير ممكنة في ظل إدارة ترامب.
في تجمع انتخابي في كارولينا الشمالية في أكتوبر الماضي، وبعد أن شنت إيران ضربات صاروخية على إسرائيل، حث ترامب إسرائيل على "الضرب على النووي أولًا والقلق بشأن الباقي لاحقًا".
ومع ذلك، ترى سنم فاكيل، مديرة الشرق الأوسط في تشاتام هاوس، أن الولايات المتحدة "ستستمر في اتباع النهج القوي تجاه إسرائيل، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن الولايات المتحدة ستتخذ نهجًا نشطًا تجاه إيران كما يريد نتنياهو. لا أعتقد أن هذه الإدارة ترغب في التورط في الحروب الشرق أوسطية".
ورغم هذا، تظل دول الخليج حذرة، فهي لا تعتقد أن ترامب سيقدم لهم المساعدة في حال تعرضهم لهجوم من إيران، ولا سيما أنه لم يتخذ أي إجراءات بعد الهجوم الصاروخي الإيراني على منشآت الطاقة السعودية في 2019. هذا الهجوم، الذي استخدم فيه طائرات مسيرة وصواريخ كروز، أدى إلى تعطيل نصف إنتاج المملكة من النفط بشكل مؤقت.
فعلى الرغم من إعلان ترامب أن القوات الأمريكية كانت "مستعدة وجاهزة" للرد، إلا أنه لم يتخذ أي إجراءات عسكرية، مما ترك السعودية في حالة من الارتباك.
ويعتقد الخبراء وفق "التليجراف"، أن القلق من تشجيع الولايات المتحدة لتصعيد إسرائيلي قد يكون مبالغًا فيه. فغريزة ترامب، الذي يميل إلى عدم التدخل في النزاعات، قد تدفعه إلى فرض ضغط أكبر على إسرائيل أكثر مما يتوقعه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، رغم التصريحات البلاغية لهذا الأخير.
وفي النهاية، يرى الخبراء أن حملة الضغط القصوى التي اتبعتها الولايات المتحدة علنًا كانت تهدف إلى حرمان إيران من الإيرادات اللازمة لبناء جيشها أو تمويل الجماعات الوكيلة في المنطقة، لكنها إن اتبعها ترامب مجددًا، فلن تكون إلا خدمة لهدف دفع طهران للتفاوض على اتفاق نووي جديد وتغيير سياساتها الإقليمية.