بدأت نقابة الصحفيين جولة جديدة في مواجهة مشروع قانون الإجراءات الجنائية المقترح، تزامنًا مع مناقشته من حيث المبدأ في الجلسة العامة لمجلس النواب أمس الأحد. إذ حذرت من سلبيات القانون المقترح وتأثيراته المحتملة، والذي لاقى أيضًا رفضًا واسعًا من منظمات حقوقية وأحزاب معارضة.
قدمت اللجنة المشتركة بين لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية ومكتب لجنة حقوق الإنسان مشروع القانون المثير للجدل، المكون من 541 مادة، وسط تحفظات أعربت عنها نقابة الصحفيين ونادي قضاة مصر وقيادات المحامين، بالإضافة إلى العديد من منظمات حقوق الإنسان والأحزاب المعارضة المصرية.
حلقة تلفزيونية معدة مسبقًا
يرى السياسي مجدي عبد الحميد، المنسق العام السابق للحركة المدنية الديمقراطية والمتحدث الرسمي الأسبق، أن هناك أطرافًا داخل الدولة تصر على تمرير مشروع قانون الإجراءات الجنائية بشكله الحالي.
ويقول في حديثه لـ"فكّر تاني" إن مشهد جلسة المناقشة البرلمانية أمس، بما أظهره من حشد كبير للنواب، هو أكبر دليل على هذه الرغبة الحكومية في إقرار هذا القانون، رغم التحفظات والانتقادات الواسعة. "مشهد الجلسة كان أقرب إلى حلقة تلفزيونية معدة مسبقًا، شاركت فيها الموالاة، وأطراف محسوبة على المعارضة بكلام متزوق دعمًا لمشروع القانون المعيب"؛ يضيف عبد الحميد.
وقد جدد المنسق العام السابق للحركة المدنية الديمقراطية موقفها الرافض لمشروع القانون، مؤكدًا أن أحزاب الحركة تراه الأسوأ، بشكل فاق أزمات القانون الساري، خاصة وأن فلسفته الجوهرية لا تقوم على حقوق المواطنة، وتعارض الدستور ولا تحترمه.
"عقدنا مائدة مستديرة، ولدينا مسودة قانون دستوري مختلف، ستخرج للنور، خلال أيام، تقوم على فلسفة دستورية، وليس اعتراضًا على مادة أو مادتين من المشروع الحالي، حتى نلاحق محاولات سرقة القانون، التي تحدث بين عشية وضحاها"؛ يضيف عبد الحميد في حديثه لـ "فكر تاني".
وهو يرى أن "القانون بيتخطف"، وأنهم وإن كانوا في انتظار باقي المناقشات حول القانون وما سيحدث بعدها، فإنهم يعدون مشروعًا مختلفًا، يعتقد أنه سيتم تفعيله في الوقت القريب، عندما تثبت للجميع الآثار السلبية للمشروع الحالي.
مسمار في نعش منظومة العدالة
في انتقاده لتعامل مجلس النواب مع مشروع القانون، يقول المحامي الحقوقي محمد الباقر، أحد أبرز معارضي "الإجراءات الجنائية" بشكله الحالي، إن تعامل مجلس النواب خلال بداية جلسات مناقشة المشروع بالطريقة التي حدثت أمس ينذر بردة فعل مجتمعية كبيرة من قبل أطراف متعددة، مثل نقابة الصحفيين والشخصيات العامة ومنظمات حقوق الإنسان والأحزاب السياسية والمحامين.
ويؤكد الباقر، في حديثه لـ"فكر تاني"، أن هناك تجاهلًا تامًا للتعليقات الرافضة التي تركز في الأساس على فلسفة القانون وليس فقط على المواد التي تتضمنها نصوصه.
شارك الباقر في إعداد الورقة القانونية لنقابة الصحفيين، مع الحقوقيين نجاد البرعي، وأحمد راغب، لكشف العوار في مشروع القانون، موضحًا العديد من المواد المخالفة للدستور والمقيدة للحريات.
ويصف الباقر رد مجلس النواب بلجانه، على تعليقات المعترضين بأنه "شيء مرعب"، مشيرًا إلى أن "مسألة تبرير المخالفات وتقنينها يجعلنا متأكدين تمامًا أننا بصدد فلسفة قانون تقيد الحريات وتقنن المخالفات".
ويرى الباقر أن مشروع القانون "يهدد مبدأ سيادة القانون، لأنه لا يمس فقط القضايا السياسية بل يمس التعاملات اليومية بين المواطنين الخاصة بأقسام الشرطة والمباحث، ويمتد إلى المشاكل الطفيفة بين المواطنين بعضهم البعض".
ويتساءل الباقر: "ما سبب الاستعجال والسرعة في إخراج القانون خصوصًا أن المجلس الحالي في نهاية دورته البرلمانية. فمنذ إلغاء قانون حالة الطوارئ في 25 أكتوبر 2021، وهناك محاولات لحل أزمة الحبس الاحتياطي خارج إطار القانون بل بشكل سياسي ولم نصل لحل".
ويوضح أن عموم الناس لديهم تصور بأن القانون سينهي أزمة الحبس الاحتياطي وهذا ليس حقيقيًا، لأن المسألة في النهاية مسألة ممارسات، والفكرة هي إعطاء سلطة وصلاحيات من دون رقابة، ثم التبرير لذلك.
"الجميع لديه خوف شديد من بكره، خصوصًا فيما يخص احترام القانون وضمانات حقوق وحريات المواطنين"؛ يقول الباقر ويؤكد أن "ما يحدث هو بمثابة مسمار في نعش منظومة العدالة".
الحوار المجتمعي ضرورة حماية للحقوق
في بيان رسمي تعليقًا على مناقشة مجلس النواب لمشروع القانون الجديد، يشدد الكاتب الصحفي خالد البلشي، نقيب الصحفيين، على أهمية استمرار الحوار المجتمعي قبل إقرار القانون. وهو يوضح موقف النقابة الدافع في اتجاه ضرورة الحوار انطلاقًا من إدراك أن القانون يمثل ركيزة أساسية لنظام العدالة، ويتطلب نقاشًا جادًا وواسعًا حول نصوصه لعرض كل الرؤى بشأنه.
ويضيف البلشي أن هدف النقابة يتجاوز النصوص المتعلقة بالصحافة والإعلام ليشمل جميع نصوص القانون، مؤكدًا أن ذلك يحمي حقوق وحريات المواطنين والمجتمع بأسره، وهو الهدف الأسمى الذي يجب أن نسعى له جميعًا.
وقد تضمن رد "الصحفيين" خطابًا من البلشي إلى المستشار حنفي جبالي رئيس مجلس النواب، مع ورقة قانونية من 47 صفحة بعنوان "ملاحظات نقابة الصحفيين على رد مجلس النواب بشأن مشروع قانون الإجراءات الجنائية"، أعدتها اللجنة القانونية بالنقابة.
ويؤكد البلشي أن سعي النقابة لدراسة أوجه القصور في مشروع القانون والنقاش حول آثاره السلبية المحتملة هو جزء أساسي من عملية الحوار المجتمعي المفترضة قبل سن أي قواعد قانونية، خاصة الخطيرة منها. ووفقًا لتعريف المحكمة الدستورية العليا، يُعتبر القانون "أداة توازن داخل الجماعة"، ينبغي أن يكفل توافق أفرادها على قبول النصوص التي يتضمنها، مما يعزز قبول القانون كتطور منطقي وملائم.
وفي ختام خطابه لرئيس البرلمان، يشير البلشي إلى أن أحكام الدستور والركائز التي أرستها المحكمة الدستورية في الحفاظ على حقوق المجتمع وحرياته كانت نقطة الانطلاق الرئيسية للجنة القانونية التي أعدت التعقيب. ويعرب عن أمله في أن يساهم التعقيب في تطوير الحوار المجتمعي حول المشروع، بما يضمن أن يخرج القانون بشكل يحفظ الحقوق والحريات، ويرسخ ثقة المواطنين في نظام العدالة.
رئيس النواب يبدأ المناقشة بالتأييد
في كلمته، حسم رئيس مجلس النواب، موقفه من مشروع القانون بإعلان الدعم، بالقول: "هذا المشروع الذي يعد بحق وثيقةً قانونيةً تستلهم روح العصر، ومبادئ الدستور الذي يمثل تعبيرًا عن إرادة شعب مصر العظيم، وترتكز على الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي؛ رئيس الجمهورية، كما تعكس توجهاتنا جميعًا في بناء مجتمعٍ يعلي من شأن العدالة ويؤمن بحقوق الإنسان والمواطن".
وأضاف الجبالي: "قد طوينا مرحلةً طويلةً من النقاش، وما زال أمامنا مراحل عديدة قادمة من المداولات والمناقشات، ونحن منفتحون للحوار والمقترحات، مؤكدين على أن اختلاف الرأي هو مصدر قوتنا، وأن الحوار البناء هو الطريق الأمثل للوصول إلى التشريع السليم".
كذلك، أشار رئيس المجلس إلى أن مداولات النواب والاختيارات تقوم على موازنةٍ دقيقةٍ بين مختلف البدائل المتاحة، ولا يعني اختيارنا لبديلٍ دون آخر رفضًا للرأي المخالف أو استصغارًا لقيمته، بل هو اختيار مبني على احترام أحكام الدستور ووفق دراساتٍ واعيةٍ ومراعاةٍ للمسؤوليات الجسيمة التي نتحملها جميعًا تجاه وطننا وشعبنا.
محمود فوزي: خطوة جادة للتطوير
ووصف المستشار محمود فوزي، وزير الشؤون النيابية والقانونية والتواصل السياسي مشروع القانون، في كلمته خلال الجلسة العامة، بأنه " يمثل خطوة جادة لتطوير القانون الحالي الذي طالته عشرات التعديلات طوال 74 عاما"، مضيفاً أن "إعداد مشروع قانون الإجراءات الجنائية خطوة شجاعة وغير متكررة، مشيرا إلى أهمية دور مجلس النواب، ودعمه غير المحدود لتحقيق هذا الإنجاز الضخم"، على حد قوله.
وأكد فوزي أن قانون الإجراءات الجنائية أحد الأولويات التشريعية لحماية حقوق الإنسان وضمن أولويات خطة الحكومة التشريعية، كما يمثل استجابة تشريعية موفقة وصادقة للاستحقاقات والضمانات الورادة في الدستور.
الطماوي: يتوافق مع الجمهورية الجديدة
ووصف النائب إيهاب الطماوي، رئيس اللجنة الفرعية لصياغة قانون الإجراءات الجنائية بمجلس النواب، مشروع قانونه بأنه "يتوافق مع الجمهورية الجديد ويؤسس لكرامة المواطن"، فيما زعم أن اللجنة الفرعية لصياغة قانون الإجراءات الجنائية استمعت إلى كل الآراء، متناسيًا الرفض المجتمعي الواسع لمشروع القانون، وعرضه على البرلمان رغم الاعتراضات.
وانضم لدعم المشروع، نواب محسوبين على المعارضة، ومنهم النائب المعارض ضياء الدين داود، الذي أبدى موافقته على المشروع من حيث المبدأ، مؤكدًا أنه يحقق ضمانات للمواطن المصري.
وأشار داود إلى التعديلات التي أجرتها الحكومة على 365 مادة في القانون، معتبرًا أن هناك حاجة لتوافق مجتمعي حول القانون وتقديم الضمانات التي تحفظ حقوقه وحرياته.
تفاصيل رد نقابة الصحفيين
في ورقة ملاحظات تفصيلية بشأن مشروع القانون الجديد، بمشاركة الحقوقيين نجاد البرعي، وأحمد راغب، ومحمد الباقر، ردت نقابة الصحفيين على هذا القانون، مستعرضة مخالفات دستورية في نحو 42 مادة من المشروع، والتي تتعارض مع الدستور والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان.
وأشارت النقابة إلى غياب ردود مجلس النواب على ملاحظاتها بشأن حماية الحقوق العامة، وضرورة وجود تنظيم شامل لحماية الشهود والمُبلغين. كما تناولت مخاطر عدم الكشف عن هوية مأموري الضبط القضائي، مما قد يشجع المجرمين على انتحال الصفات الرسمية.
وأكدت النقابة أن الرقابة القضائية على النيابة العامة هي جزء من مسؤوليتها، وحذرت من زيادة القيود على تغطية المحاكمات، مقترحة تعديل المادة (266) لضمان علنية الجلسات مع إمكانية عقدها سرية فقط في حالات محددة. وأكدت النقابة على أهمية عدم انتهاك حرية الصحافة والإعلام في أي تعديلات مقترحة.
كذلك، أدرجت النقابة جدولًا تفصيليًا بالرد على رد مجلس النواب على مقترحاتنا بتعديل بعض مواد مشروع قانون الإجراءات الجنائية.
وتمسكت النقابة بضرورة تعديل المادة (15) من مشروع القانون، التي تنص على أنه "يجوز لمحكمة الجنايات بدرجتيها أو محكمة النقض إذا وقعت أفعال خارج الجلسة من شأنها الإخلال بأوامرها، أو بالاحترام الواجب لها، أو التأثير في قضائها، أو في الشهود، وكان ذلك في صدد طلب أو دعوى منظورة أمامها أن تقيم الدعوى الجنائية على المتهم طبقًا للمادة (13) من هذا القانون على ضرورة استبدال عبارة "إذا وقعت أفعال خارج الجلسة" بعبارة "إذا وقعت أفعال بالجلسة".
وشددت النقابة على ضرورة إجراء حوار مجتمعي موسع حول القانون، وأن ما جاء في ردودها هو جزء من هذا الحوار المنشود، ومحاولة للاشتباك الإيجابي مع المشروع بما يضمن خروجه بشكل يحفظ الحقوق والحريات العامة في المجتمع، بما يضمن حق المواطن صاحب المصلحة الأولى في هذا القانون، ويرسّخ لثقة المواطنين في نظام العدالة، ويتعين النظر إليها من هذا المنطلق.
وأكدت النقابة أنها سترسل رد مجلس النواب، وتعقيب النقابة عليه للزملاء النواب الصحفيين، وللهيئات البرلمانية للأحزاب كجزء من إثراء الحوار المجتمعي حول مشروع القانون.
15 ملاحظة لرفض المشروع
من جانبه أوضح المحامي والحقوقي خالد علي، في بيان، رفضه مقترح قانون الإجراءات الجنائية، في 15 ملاحظة أساسية على القانون.
وأكد "علي" أن مصر بحاجة إلى قانون جديد للإجراءات الجنائية يتوافق مع التعديلات الدستورية والتطورات الحديثة التي يشهدها العالم، لكن المشروع المطروح لا يلبي طموحات الشعب المصري. خاصة وأن أكثر من 70% من بنية هذا المشروع هي ترديد لقواعد واردة في القانون الحالي، ولم يُقدَّم جديد حتى لو تم تعديل بعض الصياغات أو تغيير ترتيب المواد، فذلك كله لم يمس جوهر القواعد.
وشدد على أن المشروع يكرس بعض النصوص التي لا تحارب الفساد على نحو حقيقي، ولا تكفل تحقق الردع العام أو الخاص بشأن جرائم بالغة الأهمية، حيث تتيح التصالح على جرائم الاعتداء على المال العام والعدوان عليه والغدر في جميع مراحل الدعوى الجنائية، بما في ذلك صيرورة الحكم باتًا، أي بعد صدور حكم بإدانته من محكمة النقض.
وانتقد "علي" التوسع في منح سلطات لمأموري الضبط القضائي تتجاوز مرحلة جمع الاستدلالات إلى القيام بعمل أو أكثر من أعمال التحقيق التي تختص بها النيابة، مثل سماع أهل الخبرة وتحليفهم اليمين، وإصدار أوامر ضبط وإحضار، واستجواب المتهم.
قانون جديد سيء السمعة
وأدان المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة، في بيان، تجاهل البرلمان إعتراضات وملاحظات المعارضين للمشروع من الحقوقيين والنقابات المهنية وغيرها من الجهات التي إعترضت علي المشروع لما تضمنه من إهدار للحقوق والحريات وإهدار لضمانات المحاكمة العادلة.
وأكد المركز، الذي يترأسه الحقوقي والمحامي ناصر أمين، موقفه الثابت والمتمسك بحق المواطنين في ضمانات ومعايير المحاكمة العادلة، وذلك منذ طرح النسخة الأولي لمشروع القانون في 2017، وهي النسخة التي إتخذتها لجنة الشئون الدستورية والتشريعية واللجنة الفرعية المنبثقة عنها أساسا للبناء عليها لإعداد مشروع متكامل للإجراءات الجنائية.
وقال البيان :" جاء مشروع القانون ليؤكد الإصرار علي إصداره بالإستناد للفلسفة الأمنية التي تقدم الأمن علي الحقوق والحريات ، كما جاء القانون زاخرا بالتبريرات غير المنطقية والمخالفة لفلسفة القانون وغايته، متجاهلة عمدا ملاحظات وتعليقات المعارضين لهذا المشروع، ورفض معظم المقترحات التي قدمت للجنة من الجهات المختلفة بشأن تعديل أو حذف بعض المواد التي تتعارض مع الدستور بمبررات تخالف المنطق القانوني السليم".
وأكد المركز رفضه القاطع لمشروع القانون المقدم للمناقشة بالجلسة العامة بمجلس النواب لما يتضمنه من نصوص تخالف المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وتنتهك ضمانات المحاكمة العادلة والمنصفة، المذكورة فى العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية، الذى صادقت عليه الحكومة المصرية وأصبح جزء من التشريع الداخلى يرقى فوق مستوى القوانين المحلية ،
وناشد المركز رئيس الجمهورية إستخدام صلاحياته الدستورية بعدم التصديق على قانون الإجراءات الجنائية حال إقراره بتلك الحالة المخالفة لأحكام الدستور والمواثيق الدولية لحقوق الانسان ، فيما دعاه إلى طرح قانون الإجراءات الجنائية للحوار المجتمعى قبل إقراره فى البرلمان .