روشتة بالمادة العلمية.. جدلية الدواء والاسم التجاري و"البزنسة"

رغم ترحيب الصيادلة بتوجيه الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء بكتابة "الروشتة الطبية" بالاسم العلمي للأدوية بدلًا من الأسماء التجارية، يبقى أن تطبيق القرار يصطدم بعدة تحديات، تتعلق بالاستغلال في بعضها، وبطبيعة العمل في بعض الصيدليات في بعضها الآخر، إذ تتسم الصيدليات الصغيرة، بالاعتماد بشكل كبير على غير المتخصصين من الطلبة وخريجي الكليات الأخرى ممن يطلق عليهم "مساعد صيدلي".

تظهر هذه الأزمة بوضوح في غالبية صيدليات الريف والصعيد، التي تعتمد على مساعدين من خريجي كليات ليست في تخصص الصيدلة، إذ يعتمد هؤلاء العاملين في عملهم -عادة- عن اسم الدواء في سيستم الحاسب الخاص بالصيدلية، وترتيب الأرفف وفقًا للحروف الإنجليزية.

يأتي اقتراح "مدبولي" ضمن إجراءات تتخذها الحكومة لحل أزمة نقص الأدوية، على اعتبار أن كتابة الاسم العلمي يتيح للصيدلي الاختيار بين العديد من الأدوية التي تحمل المادة الفعالة ذاتها، لكنها تختلف في التوافر والأسماء التجارية والأسعار، وفقا للشركات المنتجة.

تعتمد الصيدليات في المناطق الشعبية والريفية على معاونين غير ذوي خبرة طبية ما يصعب تطبيق توجيه صرف الدواء بناءً على المادة الفعّالة
تعتمد الصيدليات في المناطق الشعبية والريفية على معاونين غير ذوي خبرة طبية ما يصعب تطبيق توجيه صرف الدواء بناءً على المادة الفعّالة

لا يجتهد العاملون بالكثير من الصيدليات، خاصة في المناطق الشعبية والريفية في تفسير الروشتات الطبية أو صرف بدائل للأدوية الناقصة، إلا في أضيق الحدود، وفي الأمور المرتبطة بالمسكنات فقط، وأحيانًا لا يصرفون أدوية لحين حضور صاحب الصيدلية، إذ التبس عليهم الأمر، ما يعني أن الكتابة بالاسم العلمي وليس التجاري سيعطل العمل ويضر بالمواطنين بشكل أكبر في مثل هذه الصيدليات.

يقول صاحب صيدلية في المنصورة بالدقهلية، إن انتشار الصيدليات وارتفاع أسعار الأدوية قلص الأرباح، وبالتالي لا يستطيع الصيدلي توفير 3 صيادلة للعمل بصيدليته على مدار الـ 24 ساعة، وهنا يضطر للتعامل مع المساعدين برواتب محدودة لا تتعدى 2500 جنيه.

ويضيف أن كتابة الروشتات بالاسم العلمي "جيد" وحل معقول لأزمة توفير الأدوية في ظل نقصها، لكنه يحمل مخاطرة على الصيدلي حال وصف دواء خاطئ، ولذا يتجنب الصيادلة حتى الخبراء منهم على وصف بدائل لعلاجات بعض الأمراض المزمنة والخطرة، مضيفًا: "لو الروشتة فيها أدوية سكر أو ضغط مش موجودة عندي بقول المريض راجع الدكتور.. دي مسؤولية ما أقدرشي اتحملها".

كتابة الروشتات بالاسم العلمي "جيد" وحل معقول لأزمة توفير الأدوية في ظل نقصها، لكنه يحمل مخاطرة على الصيدلي حال وصف دواء خاطئ
كتابة الروشتات بالاسم العلمي "جيد" وحل معقول لأزمة توفير الأدوية في ظل نقصها، لكنه يحمل مخاطرة على الصيدلي حال وصف دواء خاطئ

مرونة في تلقي الدواء ولكن

ويتفق الصيدلي محمد سمير مع أهمية تلك الخطوة فيما يتعلق بتوافر الدواء للمريض دون استغلال. يقول في تصريحاته لـ"فكر تاني": "الطبيب لن يستطيع إلزام المريض بشراء دواء بعينه يرتبط بمصالح معه، بعضها يكون مرتفع الثمن ومستورد دون مراعاة لحالة المريض المادية".

وقد دأبت بعض شركات الأدوية الكبرى على تسفير أطباء للخارج في مؤتمرات علمية، مقابل ترويج بعض الأصناف المرتبطة بالمضادات الحيوية، وهو أمر أسفر عن استئثار نحو 3 أنواع فقط من المضادات على غالبية مبيعات السوق رغم وجود عشرات الأصناف الأخرى، وفق ما يوضحه "سمير".

يضيف: "أن تلك المرونة توفر على المريض الوقت والمجهود في البحث عن الدواء الناقص المكتوب في الروشتة"، لكنه توقع أن تتم محاربة القرار من شركات الأدوية، وبعض الأطباء الذين يرتبطون بمصالح معها.

الاسم العلمي.. هل يحل أزمة النواقص؟

د. على عوف، رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية
د. على عوف، رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية

د. على عوف، رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية، يقول إن كتابة الدواء بالاسم العلمي على الروشتة سيحل 70% من أزمة نقص الدواء التي قال إنها تعتبر أزمة ثقافة وليست نقص أنواع دواء.

ويقصد "أبو عوف" ارتباط المريض في مصر بما يكتبه الطبيب في الروشتة نصًا، ورفضه أي بدائل حتى لو كان المقابل القيام بجولة على كم كبير من الصيدليات، فضلًا عن تفضيل البعض الدواء المستورد على المحلي بدعوى أن المادة الفعالة به أعلى.

وقالت هيئة الدواء المصرية إنه تم توفير 156 مليون عبوة من 389 صنف أدوية كانت ناقصة في السوق المحلى، مؤكدة أنها أصبحت موجودة في الصيدليات على مستوى الجمهورية ومن لا يجد دوائه يمكنه الاتصال بالخط الساخن 15301 للهيئة التي ستقدم إجابات على الاستفسارات حول توفير الدواء.

ويضيف "عوف" أن البدائل تحمي المريض، فبعض شركات التوزيع تتقاعس عن سحب الأدوية منتهية الصلاحية في الصيدليات، الأمر الذي أدى لتراكم هذه الأدوية بالصيدليات، موضحًا أنه تم الاتفاق على وضع آلية واضحة مع شركاء الصناعة لسحب الأدوية منتهية الصلاحية من الصيدليات من خلال مبادرة بالتعاون مع شركات التوزيع والمخازن.

ورغم أن القرار يخدم المرضى لكن بعضهم أبدى تخوفًا من إمكانية تعرضهم لمخاطر صحية خاصة فيما يتعلق بحبوب الضغط والسكري وغيرها، مثل منى عبدالمنعم، التي تقول إن تغيير الصيدلي دواء الضغط لوالدها كاد يودي بحياته، وحينما راجعت الطبيب قال لها إنه النوع البديل تضمن تأثيرات جانبية أعلى من النوع الذي كتبه. 

الأطباء والصيادلة.. علاقة جدلية

رغم أن الأطباء والصيادلة يفترض أن يكملان بعضهما البعض إلا أن هناك حالة من الجدل حول دور كل منهما في تحديد الدواء. وبحسب أطباء، فإن أغلب المرضى يتوجهون إلى الصيدليات للحصول على علاج بدلًا من الطبيب ويتم صرف الأدوية دون روشتات.

في المقابل، يقول الصيادلة إن غلاء أسعار الكشف "فزيتا الأطباء" التي وصلت لـ 400 جنيه في المتوسط تجعل التوجه للطبيب خيارًا صعبًا، فضلًا عن أن نحو 10% فقط من الأطباء يبيعون أدوية بعياداتهم عبارة عن عينات مجانية أو أدوية مستوردة من الخارج.

الدكتور محفوظ رمزي رئيس لجنة الدواء بنقابة الصيادلة
الدكتور محفوظ رمزي رئيس لجنة الدواء بنقابة الصيادلة

وينص قانون مزاولة مهنة الصيدلة رقم 127 لسنة 1955 على أنه لا يجوز حفظ المواد الدوائية أو بيعها إلا في الصيدليات، ولا يجوز الاتجار فيها لغير الأشخاص المرخص لهم بذلك، كما لا يجوز شراؤها إلا من تلك المحال، ومن هؤلاء الأشخاص، ولا يجوز لغير الصيادلة صرفها أو بيعها للجمهور.

ويصف الدكتور محفوظ رمزي، رئيس لجنة الدواء بنقابة الصيادلة، كتابة الاسم العلمي على الدواء بدلًا من الاسم التجاري بأفضل قرار تم أخذه في تاريخ الدواء والصحة بشكل عام، مضيفًا أنه سيوفر على الدولة أكثر من 2.3 مليار جنيه سنويًا، يتم صرفها على الأدوية.

الدكتور محمد فريد أمين عام نقابة الأطباء
الدكتور محمد فريد أمين عام نقابة الأطباء

ويقول "رمزي" إن المبلغ سالف الذكر تتضمن 200 مليار حصيلة أموال الأدوية المغشوشة، وهي الأدوية التي تنتهي صلاحيتها وتتم إعادة تدويرها مرة أخرى لقلة استخدامها أو تداولها، موضحة أنه لا توجد دولة متقدمة صحيًا في العالم "يأخذ فيها المريض الدواء بلون العلبة".

لكن في المقابل، يقول الدكتور محمد فريد، أمين عام نقابة الأطباء، إن مجلس نقابة الأطباء لم يناقش كتابة الاسم العلمي بدلًا من التجاري حتى الآن، مؤكدًا أنه إذا تم تعميم تطبيق كتابة الاسم العلمي، فسيتم وضع آليات لتنفيذه، وكيفية الرقابة عليه.

ويضيف فريد، في تصريحاته لوسائل إعلام محلية، إن وجود علاقة بين بعض الأطباء وشركات الأدوية أمر حقيقي ولا يمكن إنكاره، ولكن عند تعميم كتابة الاسم العلمي، وترك الأمر للصيدلي بصرف الدواء المتاح عنده، يمكن أن ينتقل هذا البيزنس من الأطباء إلى الصيادلة، لذا يجب وضع معايير للتطبيق مع تشديد الرقابة عليه.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة